أعلنت وزارة الدفاع العراقية بشكل رسمي استعادة كامل مدينة تلعفر شمالي العراق من يد تنظيم “داعش” بعد 8 أيام من انطلاق عملية استعادة المدينة، في وقت قياسي، وذلك يعود إلى جملة من العوامل أبرزها أن قوات “داعش” لم تبد مقاومة شديدة بتلعفر خلافًا لما حدث في معارك أخرى أبرزها معركة الموصل.
إلى ذلك قال قائد الحملة العسكرية الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله، أمس الأحد: “الانتهاء من تحرير أحياء مدينة تلعفر كافة ورفع العلم العراقي فوق مبانيها”، مؤكدًا اندحار تنظيم داعش الإرهابي، فيما تنفذ القوات العراقية عمليات تمشيط وتطهير في المناطق المحررة“.
استعادة العياضية ومن ثم إعلان الانتصار الكامل
المتحدث باسم الجيش العراقي العميد يحيى رسول، ذكر أن الجيش يتقدم باتجاه آخر الأهداف للسيطرة عليها، والقتال لا يزال مستمرًا في العياضية وهي منطقة صغيرة مساحتها 11 كيلومترًا شمال غربي تلعفر، ويختبئ فيها مسلحو التنظيم الفارون من وسط مدينة تلعفر، وأشار العميد رسول أن القوات العراقية تنتظر استعادة العياضية حتى تعلن الانتصار الكامل.
سرعة استعادة مدينة تلعفر أثارت تساؤلات عديدة بشأن اندحار التنظيم بهذه السرعة، خلافًا لما هو معهود له في المدن الأخرى من استبسال ومقاومة شرسة لمقاتلي التنظيم، حيث أشارت توقعات ما قبل المعركة أنها ستستمر لبضعة أسابيع إلا أن مراسل قناة الجزيرة أشار أن الاشتباكات بين الجانبين كانت فقط في الأيام الخمس الأولى من انطلاق الحملة ثم اختفى مقاتلو التنظيم.
بتحرير تلعفر يخسر التنظيم أبرز معاقله في شمال العراق بعد الموصل، الأمر الذي يجعل خسارة التنظيم لها خسارة لكامل وجوده في مدن محافظة نينوى.
فيما أشارت تحليلات أن انهيار تنظيم الدولة بهذه السرعة في تلعفر يؤكد التقارير العسكرية العراقية التي تفيد بأن مسلحي تنظيم الدولة يفتقرون إلى هياكل القيادة والسيطرة في منطقة غربي الموصل، وقال سكان فروا من تلعفر قبل أيام من بدء الهجوم لوكالة رويترز إن عناصر التنظيم كانوا منهكين ومستنزفين.
من جانبه أعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، أمس الأحد، تحرير ثلاثة أرباع تلعفر، وأكد أنه تم القضاء على جميع الشبهات، وأضاف خلال مؤتمر صحافي أنه تم تحرير الغالبية العظمى من بلدة تلعفر، بمشاركة جميع القوات العسكرية والأمنية التي تعمل ضمن إطار الدولة، مؤكدًا نجاح التنسيق بين مختلف صنوف القوات المشاركة في المعركة، وكشف عن وجود برنامج مهم في محافظة نينوى لإعادة النازحين“.
عراقيون ينزلون علم “داعش” في تلعفر ويرفعون العلم العراقي مكانه
وتعد تلعفر المدينة رقم 23 التي يتم تحريرها من قبل القوات العراقية المدعومة من قوات التحالف الدولي وفصائل مليشيات “الحشد الشعبي” وقوات العشائر العربية في العامين الماضيين، لتتقلص مساحة سيطرة تنظيم “داعش” في العراق إلى أقل من 3% فقط، تحديدًا في الحويجة والقائم وعنة وراوة.
معركة تلعفر لم تحز على تغطية إعلامية كبيرة بسبب تقلص ماكينة “داعش” الإعلامية بشكل ملحوظ، ومعرفة “داعش” المسبقة أن المعركة محسومة عسكريًا
ومن المتوقع أن تركز القوات العراقية حاليًا بعد سيطرتها على كامل قضاء تلعفر على استعادة مناطق محافظة نينوى كافة التي خلت من وجود التنظيم باستثناء بعض المناطق المحدودة، ثم تنتقل إلى مناطق في محافظة الأنبار التي لا تزال تحت قبضة التنظيم مثل القائم وراوة وعنة، وفي كركوك متمثلة في الحويجة 300 كلم شمالي بغداد.
وذكرت مصادر عراقية أن عدد القوات العراقية التي شاركت في المعركة بتلعفر التي بدأت فجر الأحد في الأسبوع الماضي، تقدر بنحو 38 ألفًا – بينهم 20 ألفًا من الحشد الشعبي – في حين قدرتهم مصادر عسكرية غربية بـ50 ألفًا. لكن لم يشارك في المعركة منهم أكثر من 9 آلاف جندي وعنصر من المليشيات، لأن القتال جرى بشكل متفرق ولاقى مقاومة ضعيفة من قبل داعش، وكان الهدف منها المشاغلة كما أشارت قيادات عسكرية.
وجهة تنظيم الدولة بعد تلعفر
بحسب أحد قيادات عملة الجيش العراقي فإن “داعش” تركت بضع عشرات من المقاتلين العرب والأجانب من الانتحاريين، بينما غادر باقي المسلحين ويتراوح عددهم بين 1200 و1400 مقاتل من مقاتلي “داعش”، وبخصوص الوجهة التي سلكها مقاتلو “داعش” فهي غير معلومة بعد، مع تأكد قيادات الجيش أن استعادة مدينة تلعفر بهذا الشكل والسرعة، وانسحاب معظم مقاتلي التنظيم يدل على تغييرات في خطط وتكتيكات “داعش” بعد معركة الموصل.
ففي معركة الموصل كان قرار التنظيم المواجهة إلى أبعد حد ممكن، حيث أدت مقاومته الشرسة إلى استمرار المعركة لـ9 أشهر خسر فيها آلاف المقاتلين ودمرت المدينة بشكل كبير، وهو ما يطرح تساؤلًا فيما إذا كان التنظيم يشهد أيامه الأخيرة بالنظر إلى معركة تلعفر أم أن هناك مفاجآت ينتظرها الجيش العراقي في مدن أخرى؟
تعد تلعفر المدينة رقم 23 التي يتم تحريرها من تنظيم “داعش” من قبل القوات العراقية
ويتوقع مراقبون أن تكون استراتيجية “داعش” المقبلة هي الهجمات الانتحارية الخاطفة واستنزاف الجيش العراقي وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوفهم، وهو ما يحتم تغيير طريقة مواجهة التنظيم من المواجهة العسكرية المباشرة إلى عملية استخباراتية تستهدف رصد مقاتلي التنظيم وضرب مقراتهم وقتل عناصره قبل القيام بأي عمليات انتحارية.
يُشار أن أهمية قضاء تلعفر تنبع من توازنات المنطقة العسكرية والسياسية وصراع النفوذ، فتركيا تعتبر مدينتي كركوك وتلعفر اللاتي يوجد بهما تركمان العراق بعدًا حيويًا لها في العراق وجزءًا من الارتباط القومي والقوة الناعمة لتركيا في المنطقة.
فيما إيران تعتبر تلعفر مهمة جدًا في خط إمداد بين طهران ودمشق خاصة لوجود بؤرة شيعية في محيط سني يجعلها ذات أهمية كمركز انطلاق للمنطقة، خاصة فيما يتعلق بخط الحج الديني البري بين لبنان وسوريا والعراق وإيران، ويشار أيضًا أن المعركة لم تحز على تغطية إعلامية كبيرة بحسب مراقبين لعدد من العوامل أبرزها تقلص ماكينة “داعش” الإعلامية بشكل ملحوظ، ومعرفة “داعش” المسبقة أن المعركة محسومة عسكريًا جعل التغطية الإعلامية الداعشية للمعركة بسيطة، فيما تقف الأزمة الخليجية كسبب ثالث في ابتعاد وسائل الإعلام الخليجية عن الساحة الخارجية لتنشغل داخليًا في الصراع بشكل كبير.
على كل حال وبغض النظر عن الوجهة التي سار بها مقاتلو التنظيم والتي ستكون فيها المعركة الأخرى والتي لم تظهر تكهنات بشأن ماهيتها ومدى صعوبتها، فإنه بتحرير تلعفر يكون التنظيم خسر أبرز معاقله في شمال العراق بعد الموصل الأمر الذي يجعل خسارة التنظيم لها خسارة لكامل وجوده في مدن محافظة نينوى.