لم يكن أحد من الجزائريين يتصور رغم المشاكل التي تعيشها البلاد أن يصاب أحد منهم في 2018 بالكوليرا، الداء الذي ارتبط بالدول التي تعيش حروبًا وتقتات على مساعدات الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، لكن ذلك حدث فعلاً وتسبب في وفاة جزائريين اثنين وأكثر من 100 حالة من المصابين رغم الملايين التي ترصدها وزارة الصحة، وفي دولة تبلغ احتياطاتها المالية نحو 90 مليار دولار.
تعيش البلاد هذه الأيام هلعًا مخافة الإصابة بوباء الكوليرا، بسبب تأخر الجهات المختصة في إعلان حالات الوباء ومصدر المرض، وذلك رغم التطمينات التي أعلنتها وزارة الصحة التي اعتبرت حالات الإصابة “معزولة”.
ست ولايات
حسب وزارة الصحة، فإن المرض مس حتى الآن 6 ولايات هي العاصمة الجزائر والبليدة والبويرة وتيبازة والمدية وعين الدفلى، وكلها تقع وسط البلاد.
وقالت وزارة الصحة إنه إلى تاريخ 24 من أغسطس/آب الحالي تم تسجيل 46 حالة كوليرا مؤكدة ضمن 139 حالة أدخلت المستشفى منذ الـ7 من الشهر الحاليّ، وأعلنت الوزارة وفاة شخصين في ولاية البليدة التي عرفت أكبر عدد من الإصابات.
وحسب الوزارة، فإنه يتم التكفل بكل المرضى على مستوى المؤسسة الاستشفائية للقطار في العاصمة الجزائر، والمؤسسة الاستشفائية العمومية لبوفاريك بولاية البليدة.
الكوليرا من الأمراض المعدية الخطيرة والمتسببة في الوفاة بعد تعرض الشخص إلى إسهال حاد مصحوب بغثيان
يعتبر البعض اقتصار معالجة هذا الوباء على هاتين المؤسستين انعكاسًا للحالة التي يعيشها قطاع الصحة في البلاد، كونه ليس معقولاً أن تنحصر إمكانات علاج وباء كهذا على ولايتين فقط في منطقة الوسط التي تعرف أكبر كثافة سكانية.
ورغم وصول عدد الحالات إلى 139، فإن مدير الوقاية بوزارة الصحة البروفيسور جمال فورار يقول عنها إنها حالات منعزلة تنحصر في عائلات والوضع متحكم فيه.
والكوليرا من بين الأمراض المعدية الخطيرة والمتسببة في الوفاة بعد تعرض الشخص إلى إسهال حاد مصحوب بغثيان، تتسبب فيه بكتيريا تنتشر عن طريق غياب شروط النظافة بسبب استهلاك مياه أو خضراوات أو فواكه ملوثة تنتقل عن طريق اللمس، وتعيش البكتيريا لمدة تتراوح بين يوم واحد و7 أيام، حيث تتسبب في إسهال حاد يؤدي إلى تعرض المصاب لجفاف الجسم وتعقيدات أخرى على مستوى القلب والرئة والكلى.
ورغم حالة القلق التي انتابت الجزائريين، أكد فورار أن الوضع لا يدعو إلى القلق ولا يستدعي إعلان حالة الطوارئ.
وأوضح المدير العام لمعهد باستور (مخبر مختص في إجراء التحاليل) الدكتور زبير حراث أن التحاليل البكتيرية التي أجراها المعهد على عينات المصابين أثبتت أن وباء الكوليرا انتقل بسبب غياب شروط النظافة في بعض المواد المستهلكة، مستبعدًا أن يكون الأمر له علاقة بالمياه.
غياب المسؤولين
ورغم حالة الهلع التي تعيشها البلاد بسبب الكوليرا، فإن وزير الصحة والسكان مختار حسبلاوي ظل غائبًا وواصل عطلته السنوية ولم يظهر إلا هذا الأحد، ما جعل الصحافة والمواطنين يتساءلون عن مدى مسؤولية وزراء حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى تجاه الشعب.
عرت إصابات الكوليرا التسيب الذي يعيشه قطاع الصحة رغم مليارات الدينارات التي ترصد له سنويًا
ولم يقتصر هذا الغياب على الوزير فقط، فنواب البرلمان هم أيضًا لا يزالون خارج التغطية، مستمتعين بعطلتهم الصيفية أو بأداء الحج الذي يؤدونه سنويًا بفضل تأشيرات المجاملة التي يستأثر بها المسؤولون في الدولة.
وعرت إصابات الكوليرا التسيب الذي يعيشه قطاع الصحة رغم ملايين الدينارات التي ترصد له سنويًا، وإصدار الوزارة مؤخرًا قانون جديد للصحة لقي معارضة واسعة من أصحاب المهنة والأحزاب المعارضة، إلا أن الحكومة مررته وأصبح ساري المفعول بفضل أغلبيتها البرلمانية، لكن امتحان الكوليرا أثبت أن القانون لم يحمل إضافة جديدة حتى ولو لم يمض على دخوله حيز التطبيق مدة كبيرة.
اتهامات
دخلت الحكومة الجزائرية في مرحلة الدفاع عن الاتهامات الموجهة لها، بالنظر إلى تكتمها في إعلان تسجيل حالات الإصابة بالكوليرا، فرغم أن أول حالة إصابة سجلت في 7 من أغسطس/آب الحاليّ، ظلت الحكومة من خلال وزارة الصحة تنفي تسجيل الإصابة بهذا الداء.
وقال النائب البرلماني عن جبهة العدالة والتنمية (حزب إسلامي) حسن عريبي: “فقط السلطة يمر عليها الضحك على الذقون الذي قامت به، كيف لمرض بدأ في 7 من أغسطس حسب تصريحاتهم لا يعلن إلا بعد ما يقارب 15 يومًا من وروده على المستشفيات ثم الإعلان بسرعة قياسية عن عدد الحالات المصابة والحالة المتوفاه ليعلن في رابع يوم إيجاد مصدر الوباء وإلصاقه بالنبع ثم لماذا جاء الوباء منتشرًا بهذه الطريقة في حالات فردية موزعة بين أربع ولايات؟”.
منذ تهاوي أسعار النفط في 2014 العام الذي فاز فيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بولاية رابعة اتخذت الحكومة خطة تقشف مست عدة قطاعات
ويربط البعض التكتم الذي صارت تنتهجه مختلف الوزارات عن المشاكل التي تشهدها مصالحها بالترتيبات السياسية التي تنتظرها البلاد خاصة الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أبريل/نيسان المقبل.
ومنذ تهاوي أسعار النفط في 2014 العام الذي فاز فيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بولاية رابعة اتخذت الحكومة خطة تقشف مست عدة قطاعات، وحتى إن استثنت قطاعي التربية والصحة، إلا أن المشاكل المتتالية التي تعصف بهذا القطاع تضع استثناء الحكومة في خانة الشك، خاصة في ظل تواصل عجز بعض المستشفيات في استقبال عدد كبير من المرضى، ونقص ملحوظ في الكادر الطبي المتخصص، لا سيما بالولايات الداخلية والجنوبية.
وبرأي متابعين للشأن الصحي في الجزائر، فإن قضية داء الكوليرا ما هي إلا سلسلة للأمراض التي تصنف على أنها أمراض الفقراء التي زالت من الجزائر كليًا، لكنها عادت في السنوات الأخيرة كالحصبة على سبيل المثال التي تعكس تراجع المنظومة الصحية الجزائرية خاصة بعد إهمال الصحة الوقائية في البلاد والاكتفاء بمرحلة العلاج فقط.
وحسب مراقبين، فإن علاج المنظومة الصحية الجزائرية التي دخلت مرحلة الإنعاش لن يكون بتغييرات في وزارة الصحة أو المؤسسات التابعة لها لأن الأمر يتعلق بلوبي صار يتحكم في صحة الجزائريين بدءًا من بارونات الدواء المرتبطين بدول أجنبية، خاصة أن البعض يربط انتشار الكوليرا هذه الأيام بنهاية عقد مؤسسة فرنسية كانت تتولى تسيير توزيع وتطهير المياه بولايتي العاصمة وتيبازة التي وجدت بها بؤرة الوباء.