خلال مراحل إنتاج بعض الأعمال السينمائية، يحتاج منتجو الأفلام تصوير بعض مشاهد “الفلاش باك”، ويقصد بها إرجاع الممثل في العمر إلى الوراء لسنوات طوال على سبيل الاستطراد أو تذكر شيء من الماضي.
وللقيام بذلك يجلب الممثلون فنانًا صغيرًا في العمر ويضيفون بعض التأثيرات ليظهر مشابهًا للفنان الأصلي، وهذا بالطبع يحتاج إلى إنفاق مبالغ إضافية لهذا الممثل، أو يعمل فريق المكياج ساعات عمل طوال على الممثل الأصلي من أجل إظهاره بمظهر الشاب، وهذا يستنزف المال والوقت، ولا يضفي بُعدًا إبهاريًا على العمل السينمائي.
لكن في منتصف العقد الأول من القرن العشرين بدأت الأمور تتغير بعض الشيء، فمع دخول التكنولوجيا إلى الوسط الفني وظهور برامج التعديل والتحرير والمنتجة المتخصصة أصبح الأمر أسهل بكثير، حيث صار بإمكان التقنيين التلاعب من خلال برامج الحاسوب بتفاصيل الوجه وإزالة التجاعيد وتغيير حدقة العين لجعل الممثل يبدو بشكل أصغر، وهو ما يسميه أهل الصنعة بعمليات “الجمال الرقمي“.
لكن هذا لم يمنع ظهور بعض العيوب التي يمكن للمشاهد المنتبه كشفها خاصةً عند تقريب الوجه أو ظهور وجه الممثل وهو يضحك، وهو ما لم تستطع لمسات المبرمجين إخفائه.
فيلم The Irishman يغير المعادلة
عند عرض فيلم “الأيرلندي” هذا العام 2019، الذي يتحدث عن عصابات كبيرة تمتد فترة صراعها 5 عقود ومن بطولة روبرت دي نيرو وآل باتشينو وجو بيشي، تساءل معظم الوسط الفني عن التقنية المستخدمة في إنتاج هذا الفيلم.
A lot can happen in a lifetime. pic.twitter.com/S2eLY1dB88
— The Irishman (@TheIrishmanFilm) September 25, 2019
حيث ظهر الممثلون الثلاث بمقاطع طويلة وعلى فترات زمنية مختلفة، إذ تبلغ أعمار الممثلين الحقيقية منتصف السبعينيات، بينما ظهروا بمشاهد في أعمار 24 و36 و41 و42 و47 و55 و76 سنة، وأدوا بأنفسهم تلك الأدوار دون إضافة المكياج وغيرها من التقنيات!
الفيلم من إنتاج وإخراج العالمي مارتن سكورسيزي وأُنتج لموقع Netflix، وتجاوزت ميزانيته 159 مليون دولار، وأُخرج بجودة 4K، وأعلن سكورسيزي بعد عرض الفيلم في مهرجان نيويورك السينمائي التقنية المستخدمة في إنتاج هذا الفيلم التي استمر تطويرها نحو السنتين.
تقنية De-aging Effect
أوضح سكورسيزي أنه بغية إنتاج هذا الفيلم وإظهاره بمظهر يليق بسمعة الممثلين الكبار، استعان بشركة “Industrial Light & Magic” – تعرف اختصارًا بـILM – لإنتاج الفيلم، واستغرقت الشركة ما يقارب العامين لتطوير أنظمة خاصة قادرة على إظهار الممثلين بمراحل عمرية مختلفة.
وهُيئ نظام تصوير خاص يدعى “الوحش ذو الرؤوس الثلاثة”، وهو عبارة عن كاميرا مركزية ضخمة وعلى جانبيها كاميرتين صغيرتين تعملان بالأشعة تحت الحمراء، هذا الوحش الكبير كان وزنه بحدود 64 رطلًا.
ولأجل الاستفادة من نظام الوحش يجب إنشاء بصمة للوجه قابلة للتغيير، لذا جرى تطوير قناع شفاف رقيق يوضع على وجه الممثل مزود بنتوءات إلكترونية صغيرة تعطي بصمة متغيرة للوجه بمختلف المراحل العمرية، تستفيد منها الكاميرات الجانبية.
برنامج حاسوب مزود بذكاء اصطناعي
ولأجل معالجة الصور الملتقطة للوجه أنشأ الفريق برنامجًا يُسمى “Flux” يجمع معلومات الأشعة تحت الحمراء مع الصور من الكاميرا الرئيسية لإنشاء أقنعة على وجه كل ممثل.
بعد ذلك طورت الشركة بين عامي 2015-2017 نظام ذكاء اصطناعي يدعى “Face Finder“، يقارن الصور الملتقطة من الكاميرا مع مكتبة تضم آلاف الصور للممثلين لتحديد أفضل زاوية تصوير تمنح أفضل دقة لتحديد صورة الممثل.
بعد جمع كميات ضخمة من الصور والبيانات خرج لنا في الأخير فيلم مدته قرابة ثلاث ساعات ونصف، تلقى مديحًا كبيرًا على إخراجه وإنتاجه.
قال روبرت دي نيرو: “لقد منحتني هذه التقنية 30 عامًا أخرى من حياتي المهنية”!
إزالة الشيخوخة ليست الأولى ومخاوف من انتشارها
تقنية إزالة الشيخوخة قد تنفع كثيرًا في إنتاج الأعمال الفنية الطويلة المستمرة لسنوات، خاصةً إن صادف موت أحد النجوم المشاركين بهذا العمل الفني، إذ يمكن إضافة الدور لممثل آخر مشارك بالعمل ليؤدي دوره ودور زميله المُتوفي.
توفير القدرة على تصوير الممثلين بشكل طبيعي وتغيير أعمارهم حسب الرغبة يمكن أن يجعل نظام إزالة الشيخوخة الخاص بشركة ILM وبرنامج Flux خيارًا جذابًا للغاية لصانعي الأفلام في المستقبل
كذلك جرت في فترات سابقة إعادة إحياء أعمال فنية لممثلين فنيين عبر تقنية الهولوغرام، ورغم كونها لا تقارن بالتقنية الأولى لكنها تعد ضمن المحاولات في هذا المسار.
هنا طفت بعض المخاوف والشكوك من هذه التقنية، وهو مدى التزامها بالجانب الأخلاقي، حيث نبه البعض إلى إمكانية استغلالها من بعض الشخصيات لتزوير دور بعض الزعماء السياسيين، والظهور بفيديوهات تحمل صور مطابقة تمامًا لصورهم وبخطابات مثيرة للمشاكل أو لإخفاء موتهم.
كذلك تسأل البعض عن الحقوق المالية المترتبة على استغلال بعض الشركات لشخصية ممثل متوفي في إنتاج الأفلام أو المقاطع الدعائية، فوفقًا لـAdAge ، فإن “التسويق والترخيص والاستخدام التجاري للمشاهير الموتى يقدر أن يصل بنحو 3.0 مليار دولار”.
أخيرًأ، إن توفير القدرة على تصوير الممثلين بشكل طبيعي وتغيير أعمارهم حسب الرغبة يمكن أن يجعل نظام إزالة الشيخوخة الخاص بشركة ILM وبرنامج Flux خيارًا جذابًا للغاية لصانعي الأفلام في المستقبل، فمن المحتمل أن نرى أعمالًا جديدة لفنانين متوفين أو معتزلين، خاصةً أولئك الذين كانت لهم مكانة في قلوب المتابعين، لكن يبقى هناك تساؤل: ماذا عن مستقبل الممثلين الشباب إن عاد المتوفون للعمل من جديد؟!