أعلن البنك الدولي مؤخرًا عن توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي في تركيا بنسبة 3.5 بالمئة خلال سنة 2015، مشيرًا إلى أن انخفاض أسعار الطاقة وخاصة النفط سيدعم الاقتصاد التركي وسيخفض من معدل التضخم وسيحد من عجز ميزان المعاملات الجارية في تركيا وذلك باعتبار أن تركيا ليست دولة مصدرة ولا منتجة لمواد الطاقة وإنما تعتمد بنسب كبيرة على الطاقة الواردة من روسيا ومن منطقة القوقاز ومنطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط.
وتُخصص الميزانية التركية سنويًا حوالي 60 مليار دولارًا من العملة الصعبة لسداد فاتوة الطاقة المستوردة، وإن كان حجم الطاقة التي تحتاجها تركيا يزداد سنويًا بنسبة 6%، فإن مبلغ 60 مليار دولارًا تم تقديره بناء على سعر 100 دولارًا للبرميل، وذلك قبل انهيار الأسعار وانحصارها فيما بين 50 و60 دولارًا، وقد علق “علي باباجان” نائب رئيس الوزراء التركي على انخفاض أسعار النفط إلى أن انخفاض أسعار النفط بمقدار 10 دولارات سيساهم في خفض نسبة التضخم بمقدار نصف نقطة، وسيوفر على الخزينة التركية 4.4 مليارات دولارًا.
وكما أن انخفاض أسعار الطاقة على مستوى دولي يساهم في تخفيف فاتورة الطاقة على الحكومة التركية، فإن الحكومة تعتمد على آليات أخرى لتخفيف هذه الفاتورة سواء عبر الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الهوائية والشمسية والمائية والذرية)، أو عبر عقد اتفاقية مع الدول المصدرة تمكّنها من الحصول على تخفيضات استثنائية أو عبر الاستفادة من موقعها الجغرافي الذي يمكّنها من أن تكون نقطة ربط عالمية بين الدول المصدرة للطاقة والدول المستوردة.
الطاقة البديلة:
وضعت حكومة العدالة والتنمية ضمن خطتها الإستراتيجية لسنة 2023، خطة لتأمين مصادر الطاقة، معلنة عن نيتها الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة حتى تُسهم بنحو 30% من احتياجات تركيا من الكهرباء بحلول عام 2023.
وفي إطار هذه الخطة وقّعت تركيا اتفاقية تعاون لبناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية مع شركة فرنسية يابانية في مدينة سنوب على البحر الأسود بقيمة 22 مليار دولارًا بطاقة إنتاجية 5000 ميجاوات يُفترض أن تكون جاهزة بحلول سنة 2023، كما وقّعت اتفاقية مع شركة روسية لبناء محطة نووية لتوليد الكهرباء في مدينة مرسين المطلة على البحر الأبيض المتوسط بطاقة إنتاجية 4800 ميجاوات بقيمة 20 مليار دولارًا تنتهي عام 2019.
نقطة عبور عالمية:
عبر سلسة من الاتفاقيات المتتالية، التي كان آخرها الاتفاق الروسي والتركي لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا مرورًا بتركيا، أصبحت تركيا نقطة أساسية في مرور الطاقة من الدول المنتجة لها مثل روسيا وإيران والعراق ودول شرق البحر الأبيض المتوسط، وصولاً إلى الدول المستهلكة في أوروبا أو وصولاً إلى الموانئ المائية التركية المطلة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.
ومع كل خط أنابيب يتفق على مروره من على الأراضي التركية، تحصل على الحكومة التركية على عدة امتيازات، مثل تخفيضات خاصة في أسعار الطاقة التي تحصل عليها تركيا من الدول التي تنطلق منها تلك الأنابيب (على سبيل المثال روسيا منحت تركيا تخفيضات بـ 6% على أسعار الغاز بعد الاتفاق على مشروع الأنابيب الأخير)، ومثل تضخم شركات الطاقة التي ستتضخم داخل تركيا وستمثل مصدرًا هامًا للعملة الصعبة المستخدمة في سداد فاتورة الطاقة.
ومن أبرز خطوط الطاقة المارة عبر تركيا، نجد خط أنابيب النفط الذي ينطلق من إقليم كردستان العراق ويصل إلى صهاريج التخزين العملاقة في ميناء جيهان التركي المطل على البحر الأبيض المتوسط، والذي لا تشتري تركيا النفط المنقول عبره وإنما تكتفي ببيع خدمات النقل عبر الأنبوب والتخزين في الصهاريج لحكومة كردستان العراق وللجهات المشترية التي قد تكون شركات طاقة تركية تابعة للقطاع الخاص.
وكذلك خط الأنابيب tanap القادم من جنوب بحر قزوين والذي ينقل غاز أذربيجان وتركمانستان لتركيا التي تقوم بتجميعه ليصدر مجددًا لأوروبا أو لتشتريه شركات الطاقة العاملة في تركيا، بالإضافة إلى أنابيب أخرى واردة من العراق ومن إيران ومن إسرائيل.
كما وقّعت حكومة رئيس الوزراء السابق” رجب طيب أردوغان” فى يونيو عام 2009 على مشروع خط أنابيب “نابوكو” الممتد بطول 3300 كيلومترًا، والذى سينقل 31 مليار مترًا مكعبًا من الغاز سنويًا من أسيا الوسطى إلى الاتحاد الأوروبى، وكذلك خط أنابيب “باكو تبليسى جيهان”، الهادف إلى نقل بترول أذربيجان وبترول أسيا الوسطى والقوقاز وبترول كازاخستان عبر جورجيا إلى ميناء جيهان التركى الواقع على البحر الأبيض المتوسط بخط طوله 1776 كلم.
مشكلة التبعية:
رغم المحاولات التركية للهروب من التبعية لروسيا في سياساتها المتعلقة بالطاقة، عبر خطوط الأنابيب القادمة من بحر قزوين ومن الشرق الأوسط، إلا أنها لازالت معتمدة بشكل كبير على الطاقة الروسية، حيث تشتري تركيا 58٪ من الغاز الطبيعي، و32٪ من الفحم، و8٪ من النفط، الذين تحتاجهم من روسيا مع إمكانية تنامي هذه النسب بسبب التخفيضات المغرية التي تقدمها روسيا لتركيا والتي حددت مؤخرًا بـ 6% على أسعار الغاز مع إمكانية أن تصل هذه النسبة إلى 15%.
وبسبب الوضع المتأزم في العراق، ورضوخه لحسابات سياسية لدول إقليمية كبيرة مثل السعودية وإيران؛ تجد تركيا نفسها غير قادرة على الاعتماد بشكل كبير على الطاقة الواردة من هناك؛ الأمر الذي يدفعها للجوء لدول بحر قزوين وبالتحديد تركمانستان وأذربيجان لاستيراد الطاقة من عندهما والتقليل من الاعتماد على الطاقة الروسية.