أعلن رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، استقالته، مساء الخميس، داعيًا إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في أفق شهر سبتمبر ، مُعتبرًا أنه يجب على الشعب اليوناني أن يقول كلمته من خلال تقييم فترة عمله على رأس السلطة التنفيذية في اليونان منذ 25 يناير وأن التفويض الذي منحه إياه خلال الانتخابات الماضية قد بلغ مداه.
وتأتي هذه التطورات السياسية بعدما سددت اليونان للبنك المركزي الأوروبي دينًا بقيمة 3.4 مليارات يورو ضمن المهلة المحددة، إثر حصولها على دفعة أولى نصت عليها خطة المساعدة الثالثة، وكان وزراء المالية في منطقة اليورو وافقوا على منح شريحة أولى من المساعدات بقيمة 26 مليار يورو من مبلغ المساعدة الإجمالي، ويشمل المبلغ عشرة مليارات ستودع في حساب يهدف إلى تعويم المصارف اليونانية، وتسلمت اليونان 13 مليار يورو، بحسب آلية الاستقرار، تستخدمها أثينا لتسديد ديونها المتبقية، منها ما يفوق 1.5 مليار يورو مستحقة لصندوق النقد الدولي في سبتمبر على أربع دفعات، أما المليارات الثلاثة المتبقية من أصل 26، فستسدد قبل نهاية نوفمبر بحسب آلية الاستقرار الأوروبية، وستكون رهنًا بمدى تطبيق الإصلاحات التي تعهدت بها أثينا لدائنيها؛ الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي، صندوق النقد الدولي وآلية الاستقرار الأوروبية مقابل المساعدة المالية.
ما سبب الاستقالة؟
وبالرجوع إلى آخر مُستجدّات الشأن السياسي اليوناني، تلوح الأزمة الكبيرة التي عرفها الحزب الحاكم ، سيريزا أو ائتلاف اليسار الراديكالي، بعد التمرّد الذي لقيه رئيس الوزراء، تسيبراس، على خلفية إبرام اتفاقية الإنقاذ الثالثة مع الاتحاد الأوروبي، والتي اُضطرّ المُفاوض اليوناني أن يُقدّم تنازلات تصدّى لها أكثر من 40 نائبًا ينتمون لكتلة سيريزا؛ ما أدى إلى تراجع الغالبية البرلمانية إلى 119 نائبًا من أصل 300، ما يعني سياسيًا سحب الثقة من الحكومة.
هذا ومرت اليونان باستفتاء تابعه العالم أجمع حول الرضوخ لشروط الدائنين، مثّل “ثورة” على سطوة المتحكمين في الاقتصاد العالمي؛ ما فتح المجال أمام جولات أخرى من المفاوضات خاضها تسيبراس بأريحية مصدرها التفويض الشعبي الذي منحه إياه الاستفتاء.
تفاصيل خطة الإنقاذ الثالثة مثار الجدل
وخلصت الأطراف المتفاوضة في بروكسيل إلى خطة إنقاذ أخرى هي الثالثة بالنسبة لليونان منذ سنة 2010، بلغت قيمتها خمسة وثمانون مليار دولار لمدة ثلاث سنوات تحصل عليها أثينا بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه مع دائينها مقابل لائحة طويلة من التصحيحات في الميزانية والإصلاحات تحول دون انهيار البلاد والبقاء ضمن منطقة اليورو.
وقد اتفقت أثينا مع دائنيها على أهداف مالية نهائية ينبغي تنفيذها على مدى الأعوام الأربعة المقبلة، هي تحقيق فائض أولي في الموازنة في العام المقبل بنسبة 0.5%، على أن ترتفع النسبة إلى 1.75% في 2017، وإلى 3.5% في 2018، وتسجيل عجز للموازنة في العام الجاري بحدود 0.25%.
استقالة بهدف تحييد الأصوات المعارضة ديمقراطيًا
وفي تصريحه لوسائل الإعلام المحلية، انتقد تسيبراس نواب حزبه اليساري سيريزا الذين عارضوا الاتفاق على خطة الانقاذ الثالثة مع الجهات الدائنة، التي تترافق مع إجراءات تقشف جديدة، وقال :”اترككم لتقرروا، وضميري مرتاح لأنني قاومت الضغوط والابتزاز، أوروبا لم تعد كما كانت بعد هذا الفصل الصعب من المفاوضات”.
تأتي هذه الاستقالة في فترة شهد فيها سهم رئيس الوزراء اليوناني تصاعدًا مطردًا لشعبيته حيث بلغت نسبة رضا اليونانيين على أدائه 60% رغم إقراره بأن التقشف لن ينته قريبًا، وهو ما يريد أن يستفيد منه قبل بدء ظهور آثار أصعب مراحل برنامج الإنقاذ، وما سيمكنه العودة إلى السلطة في مركز أقوى من دون معارضين للبرنامج من داخل حزبه، مع سعي لإخماد التمرد الذي شهده داخله من خلال الحصول على دعم شعبي لبرنامج الإنقاذ الذي تفاوض عليه.
فرغم نجاحه في تمرير أول حزمة إصلاح طالب بها الدائنون، إلا أنه احتاج لأصوات المعارضة للمصادقة عليها، وهو ما يُمثل إيذانًا بحلول لحظة غياب السند السياسي الضروري داخل قبة البرلمان، ما يحتاج قرار إعادة تشكيل للمشهد يبدو أن الانتخابات ستكون أداة تنفيذه.
وبحسب ما أوردته مختلف الصحف الأوروبية التي علقت على الخبر، يبدو أن القرار يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، الذي يأمل في تشكيل حكومة قوية تستطيع المضي قدمًا في برنامج الإصلاحات، وبذلك تتوجه اليونان نحو التصويت السياسي الخامس في أقل من عام.
يواصل الجميع متابعة التطورات الحاصلة في أثينا باعتبار أنها إحدى التجارب السياسية المعاصرة التي قد تفرز نظرياتها في وقت لاحق، وفي انتظار تشكل الخلاصات، الثابت أن ذهنية الماسك بدواليب الدولة لا علاقة لها بذهنية الجالس على الربوة، والفُرقة الحاصلة بين تسيبراس رئيس الوزراء اليساري الراديكالي وبين أبناء حزبه اليساريين الراديكاليين خير دليل.