ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما عملت مستشارة إدارية، كانت لدي زبونة حادة الطباع، سأطلق عليها اسم مارغريت، علما وأننا لم نكن نتقابل كثيرا. أما بالنسبة للمشروع الذي كنا نعمل عليه، لم أكن أوافقها الرأي فيما يتعلق بالتوجه الذي اختارته، أو الأشخاص الذين اختارتهم للعمل معها على المشروع، فضلا عن السرعة التي ظنت أنها مناسبة للتقدم فيه، حيث كانت تتساءل دوما عن النسق البطيء لإتمام العمل.
لكن، نظرا لكونها زبونة الشركة، بالإضافة لكوني مستجدة في منصبي في ذلك الوقت، ارتأيت أنني لست في موقف يسمح لي بالاختلاف معها. وعوضا عن ذلك، قمت بإعادة توجيه الرسائل التي كانت تصدر عنها إلى إحدى زميلاتي، في حين بادرت بالتشكي من قرارات مارغريت السيئة وعدم التفاتها لتحذيراتي، بالإضافة إلى امتناعها عن الاستجابة إلى مقترحاتي التي تدعو إلى اعتماد نهج مختلف في العمل على المشروع.
في أحد الأيام، قمت بالضغط سهوا على خانة الرد على رسالتها الإلكترونية عوضا عن إعادة توجيهها إلى زميلتي. في الواقع، اعتقدت أنني كنت بصدد التعبير عن امتعاضي لزميلتي في العمل، لكنني قمت بإرسال رسالة إلكترونية مباشرة إلى مارغريت أخبرها فيها عن المعاناة التي كانت تتسبب فيها لي. وقد تفطنت إلى ما اقترفته بعد 15 ثانية من قيامي بتوجيه البريد الإلكتروني، واعتقدت أنه سيتم طردي لا محالة. في الأثناء، ارتأيت أن أفضل حل يتمثل في مواجهة الأمر بسرعة، فهرعت إلى مكتب المدير وأخبرته بالأمر. وعلى خلاف المتوقع، لم يغضب أو يهدد بطردي، بل اكتفى بأن يطلب مني الاعتذار من مارغريت.
ينتابنا شعور جيد عندما يوافقنا أحدهم الرأي، أو حين يعترف بأنه يرى الأمور كما نراها تماما
كان مكتب مارغريت يبعد نحو 30 مربعا سكنيا شمالا عن مكان عملي، في وسط مدينة مانهاتن. واقترح الرئيس في العمل أن أتوقف لشراء بعض الورود في طريقي إلى مكتب مارغريت. لوهلة، كنت أفكر ما إذا كان التعرض للطرد أفضل من الاضطرار لمواجهة مارغريت بما فعلته، لكنني أعتقد أن رئيسي كان على حق. بعد ذلك، حملت باقة ورود ضخمة واتجهت لمكتب مارغريت، التي واجهتني بضحكة، لتخبرني أن ما حدث أمر شائع، مؤكدة أنها تفضل مواجهتي لها في حال عدم اتفاقنا حول أمر ما في المستقبل. وقد كانت هذه النصيحة قيمة ومفيدة للغاية.
في الواقع، كنت أعتقد أن تجربتي مع مارغريت تعزى بالكامل إلى افتقاري للخبرة. لكن بعد سنوات من العمل، اكتشفت من خلال الأبحاث والمقابلات التي أجريتها حول الخلافات في مكان العمل أن الأشخاص لا يحبذون إبداء عدم رضاهم أو أنهم لا يجيدون ذلك. ففي الغالب، ينتهي الأمر بتصريحات من قبيل دائما “إني أرى هذا الأمر بطريقة مختلفة” أو “أنا لا أتفق”، وذلك بنبرة غاضبة أو بطريقة وقحة وغير مهذبة، وهو ما يجعل معظم الأشخاص يشعرون بعدم الارتياح بصفة كبيرة.
عموما، يعد إظهار الموافقة أسهل من مواجهة الآخرين، على الأقل على المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، ينتابنا شعور جيد عندما يوافقنا أحدهم الرأي، أو حين يعترف بأنه يرى الأمور كما نراها تماما. وذلك ما كنت أريده أثناء عملي مع مارغريت. لكن عوضا عن تقبل فكرة أنها رأت الأمور من منظور مختلف، اعتبرتها صعبة المراس، وهو مت يعد خطآ جسيما. ولا يعزى ذلك فقط إلى أنني تسببت في إحراج نفسي، بل لأنني كنت قد خسرت علاقة مهنية بناءة نتيجة تفكيري السلبي. في المقابل، كان المشروع ليتخذ منحى مغيرا في حال أعربت عن رأي لمارغريت بطريقة متحضرة ومحترمة.
قد تختلف أنت وزميلك في العمل حول الطريقة الأمثل للترويج لمنتوج جديد، وبالتالي، سيضطر كلاكما إلى أن اكتشاف إيجابيات وسلبيات كل إستراتيجية من أجل التوصل إلى الطريقة المثلى
عموما، لا يمكن التملص من الخلافات في إطار العمل، حيث تعتبر أمرا طبيعيا، في حين تلعب دورا بناء على مستوى العلاقات بين الأفراد. ويعتبر إيجاد مكان عمل خال من الخلافات أمرا مستحيلا، حيث قد تتمنى العمل في بيئة مسالمة، لكن ذلك لن يرجع بالفائدة على شركتك، أو عملك، أو عليك شخصيا. في الواقع، تتسم الخلافات في العمل، في حال تمت معالجتها بشكل سليم، بفوائد جمة. وفمنا يلي البعض من مميزاتها:
مردود أفضل في العمل
عندما تحث زملائك على التوصل لسبل أفضل لأداء مهامكم بصفة مستمرة، غالبا ما ينتج عن هذا الاحتكاك الإبداعي إيجاد حلول جديدة. في هذا الشأن، أفادت ليان دايفي، مؤسسة شركة “3 سي أو زي” ومؤلفة كتاب “أنت أولاً: كيف تلهم فريقك لكي ينمو، وحتى يتآلف أعضاؤه وينجزوا مهامهم”، أن “الاختلافات تسمح للفريق بتجاوز التحديات والاطلاع على وجهات النظر المختلفة، فضلا عن التأكد من أن الحلول المطروحة مدروسة بشكل جيد”.
وأضافت دايفي، أن “الخلافات قد تكون غير مريحة، لكنها تمثل المصدر الحقيقي للابتكار، كما أنها تلعب دورا حاسما في تحديد المخاطر والتخفيف من حدتها”. وغالبا ما تتولد مكاسب ذات قيمة ثابتة بعد الدخول في نقاش ما. فعلى سبيل المثال، قد تختلف أنت وزميلك في العمل حول الطريقة الأمثل للترويج لمنتوج جديد، حيث قد يرغب زميلك في أن يكتفي بإطلاق المشروع في سوق واحدة، بينما تسعى أنت إلى استهداف أسواق كثيرة في وقت واحد. وبالتالي، سيضطر كلاكما إلى أن اكتشاف إيجابيات وسلبيات كل إستراتيجية من أجل التوصل إلى الطريقة المثلى.
عندما تتجاوز مرحلة الخوف إزاء إمكانية عدم الاتفاق بشكل بناء مع بقية الأشخاص في العمل حول بعض المسائل، ستصبح أكثر سعادة عند ذهابك إلى المكتب، كما ستكون راضيا عما تنجزه، في حين ستستمتع بالتفاعل مع زملائك
فرصة للتعلم والتطور
على الرغم من أن تحدي شخص آخر لأفكارك قد يشعرك بالانزعاج، إلا أن ذلك يعتبر بمثابة فرصة للتعلم. في الأثناء، يعتبر الإنصات بشكل جيد للآخرين والانتباه للملاحظات التي تقدم لك أمرا ضروريا في مسيرتك المهنية، لاكتساب الخبرة وتجربة أمور جديدة، فضلا عن التطور على اعتبارك مديرا للمهام. في هذا الصدد، عندما تقوم زميلتك بالضغط عليك بعد اجتماع عمل لأنك لم تثن على مجهودها، يجدر بك التريث قليلا. ففي حين أن كلماتها قد تكون مؤلمة، لكن ينبغي عليك أن تفكر انطلاقا من منظور كل شخص على حدة قبل أن تبادر بالحديث معها في الصدد.
تحسين العلاقات
من خلال العمل على حل الخلافات معا، ستشعر بأنك أقرب إلى الأشخاص المحيطين بك، في الوقت الذي سينشأ لديك فهم أعمق لمختلف أساليب العمل التي يفضلونها، والجوانب التي تكتسي أهمية كبرية بالنسبة لهم. فضلا عن ذلك، ستتوصل إلى قناعة تحيل إلى أنه من المستحيل أن تعترض طريقك مشاكل مع زملائك في العمل دون أن تستفيد من ذلك. في الواقع، تدرك ابنتي الصغيرة هذا الأمر بصفة بديهية. في أحد الأيام، وإثر عودتها من منزل صديقتها المقربة، حيث قضت الليلة، سألتها عما إذا كانت استمتعت بوقتها خارج المنزل، فأخبرتني قائلة: “كانت ليلة رائعة، لقد تشاجرنا طوال الوقت”. فطلبت منها أن توضح لي الأمر، حيث كنت مستغربة إزاء كيفية قضاءها لوقت ممتع على الرغم من أنها كانت تتشاجر مع صديقتها طوال الوقت. فكانت إجابتها كالتالي: “لأننا تجاوزنا الأمر ونحن الآن صديقتان مقربتان للغاية”.
نسبة رضا أعلى
غالبا، عندما تتجاوز مرحلة الخوف إزاء إمكانية عدم الاتفاق بشكل بناء مع بقية الأشخاص في العمل حول بعض المسائل، ستصبح أكثر سعادة عند ذهابك إلى المكتب، كما ستكون راضيا عما تنجزه، في حين ستستمتع بالتفاعل مع زملائك. فبدلا من الشعور كما لو أنك بصدد مواجهة عاصفة كلما دخلت المكتب، يمكنك التركيز على إنجاز عملك بشكل أفضل.
وفيما يتعلق بالاختلاف في مسائل شائكة، غالبا ما يتوفر عنصر الحجة في المحادثات المتبادلة، لذلك يجب أن نحترم وجهة نظر الشخص الآخر، وأن نتوقع منه الاحترام كذلك
في الواقع، تدعم بعض البحوث هذا التوجه، حيث أظهرت دراسة شملت موظفين أمريكيين وصينيين في الصين وجود علاقة بين اللجوء إلى بعض الطرق لإدارة الصراعات، حيث يعمد الموظفون إلى إيجاد حل يرضي الجانبين، ويتم من خلاله مراعاة حاجيات الآخرين والتركيز على المصالح المشتركة، وبين الشعور بالسعادة في العمل.
بيئة عمل أكثر شمولية
في حال كنت ترغب في أن تتسم مؤسستك بالتنوع وإشراك الجميع في مختلف المهام، ينبغي أن تكون مستعدا لتقبل الاختلاف في وجهات النظر. في هذا الصدد، أقرت كل من أنيسا باركر، وكارمن مدينا، وإليزابيث شيل، في مقال تحت عنوان: “الحدود الجديدة للاختلاف: تنوع الفكر”، أنه “في حين أن المجموعات المتجانسة في العمل تكون أكثر ثقة في أدائها، غالبا ما تحقق المجموعات المتنوعة نجاحا أكبر في إنجاز مختلف المهام”.
وأوضحت كاتبات المقال أن المديرين والموظفين في حاجة إلى التخلص من تلك “الرغبة الغريزية في تجنب الصراعات” والتخلي عن “فكرة أن الإجماع في الرأي يعد الخلاصة في حد ذاته”. ففي فريق متنوع بشكل بناء، لا يمكن أن تتحول الخلافات الجوهرية في طرق العمل إلى مشاكل شخصية، فإما أن تكون الأفكار ذات مزايا على مستوى التواصل أو يقع الاستغناء عنها.
حقيقة، أنا أتفق تماما مع هذا الرأي، وخاصة فيما يتعلق بنقطة أخرى عرجت عليها الكاتبات، التي تتمثل في أننأن المديرين في العمل ملزمون بخلق نزاعات بناءة تسمح للفريق العامل معهم بأن يكون خلاقا ومنتجا. ببساطة، علينا أن نتعلم كيف نختلف أكثر، في الوقت الذي يحتاج فيه أرباب العمل إلى تحمل المسؤولية لخلق مناخ مريح للموظفين ليعارضوا ويناقشوا ويعبروا عن آرائهم الحقيقية. أما إذا كنت شخصا لا يحبذ هذا النوع من الاختلاف، فهناك جانب إيجابي في هذا الموضوع. وفي الأثناء، يمكنك العمل على أن تتأقلم مع محيط عمل يتميز بالاختلاف. وفيما يلي بعض الطرق لخوض مغامرة التأقلم.
تصبح الخلافات أشد ازعاجا عندما تفكر فيها من منطلق شخصي
التخلي عن الحاجة إلى أن تكون محبوبا
يرغب معظم الأشخاص في أن يكونوا محبوبين، وهذا أمر طبيعي. وفي هذا السياق، أبرز جويل غارفينكل، وهو مدرب تنفيذي ومؤلف كتاب “المحادثات الصعبة”، أنه “في حين أنه من الطبيعي أن ترغب في أن تكون محبوبا، لا يمكن اعتبار هذا الأمر ذو أولوية “. وأردف غارفينكل أنه بدلا من محاولة كسب المزيد من الحب من قبل الآخرين، حاول التركيز على كسب الاحترام وتبادله مع زملائك في العمل.
وفيما يتعلق بالاختلاف في مسائل شائكة، غالبا ما يتوفر عنصر الحجة في المحادثات المتبادلة، لذلك يجب أن نحترم وجهة نظر الشخص الآخر، وأن نتوقع منه الاحترام كذلك. إذا كنت مرتاحا لفكرة أن الاحترام يعد أكثر أهمية من التلاؤم بين الأفراد على مستوى الأفكار، ستتمكن من بناء نموذج عمل يكون الاختلاف فيه أمرا مقبولا بين أعضاء فريقك، مما يجعل الموظفين أكثر ارتياحا لفكرة الاختلاف في الرأي. ولكنني أدرك أن هذا الأمر صعب، وخاصة بالنسبة للنساء، وذلك وفقا لما تشير إليه البحوث.
التركيز على الصورة الأشمل
تصبح الخلافات أشد ازعاجا عندما تفكر فيها من منطلق شخصي. وتظهر الصراعات في العمل عادة على اعتبارها خلافات حول الأهداف أو سبل تحقيق خطة العمل. وفي هذا السياق، اقترحت إيمي جين سو، الشريك الإداري في شركة “بارافيس بارتنرز” والمؤلفة المشاركة في كتاب، “اكتسح الغرفة”، التركيز على أمر آخر عوضا عن الضرر المحتمل الذي يمكن أن يتسبب فيه الاختلاف في وجهات النظر على علاقتك بفريق عملك. بدلا من ذلك، يجب التفكير في مختلف احتياجات العمل: لماذا يعد الاختلاف في الرأي بشأن مسألة ما عنصرا مهما؟ كيف ستساعد المنظمة أو فريقك أو المشروع الذي تعمل عليه؟ تعتبر رغبتك في تكون محبوبا أمرا شخصيا، في حين أن تفكيرك فيما هو أفضل بالنسبة للعمل أو الفريق يعد أمرا بعيدا عن التصرف بأنانية.
يمكنك أن تحاول التحدث بشكل مباشر في مناخ حواري منخفض الحدة، ثم راقب النتائج، حيث قد تتطور المحادثة على نحو أفضل مما كنت تتوقع
الخلاف لا يعني التصرف بفظاظة بالضرورة
عندما أتحدث مع الأشخاص الذين يخشون الاختلاف في الرأي، وأسألهم عن سبب ترددهم في الإدلاء برأيهم، غالبا ما تكون الإجابة أنهم لا يريدون جرح مشاعر الآخرين أو أن يظنوا أنهم عديمو الذوق. في الحقيقة، قد لا يرغب بعض الأشخاص في أن تخالفهم الرأي، مثل مديرك الذي لا يثق في قدراته. في المقابل، يعد معظم الأشخاص منفتحين على الاطلاع على منظور مختلف، في حال شاركتهم أفكارك بشكل مدروس وبكل احترام. من هذا المنطلق، يجب أن تسأل نفسك: هل حقا يمكن أن تؤذي مشاعر زميلك في العمل أم أنك تقوم بإسقاط شعورك بالانزعاج على الآخرين؟
جد نموذجا تحتذي به وقم بالاقتداء به
من المرجح أنه يوجد شخص في حياتك، زميل أو أحد الأقارب أو صديق، يتمتع بالقدرة على التعبير بشكل مباشر وصادق عن أفكاره وآراءه. قم بمراقبة هذا الشخص وأمعن النظر في تصرفاته، ومن ثم حاول الاقتداء به. أخبرتني إحدى زميلاتي مؤخرا أنها عندما تكون في حالة من التوتر، تحاول إقناع نفسها أنها ممثلة ذات مهارة في التعامل مع المواقف التي تشعرها بعدم الراحة. وفي الأثناء، تبادر بمراقبة سلوكها من الخارج بدلا من أن تسمح لنفسها بالغرق في سلبية مشاعرها.
يعد ذلك المطلوب تحديدا بالنسبة لهيرمينيا إيبارا، التي تعمل في مدرسة لندن للأعمال، حيث شددت على ضرورة اتباع هذا النهج بهدف خلق مواقف وهمية، حتى يتمكن المرء من تجاوز حالة التوتر التي تعتريه عند التعبير عن رأيه بصراحة. إذا لم تكن جيدا في التعامل مع المحادثات التي يطغى عليها التوتر، حاول تقمص شخصية أخرى
أيا كان التكتيك والمنهج الذي قررت تجربته واعتماده، حاول تنفيذ مختلف الخطوات المقترحة تدريجيا. عموما، يمكنك أن تحاول التحدث بشكل مباشر في مناخ حواري منخفض الحدة، ثم راقب النتائج، حيث قد تتطور المحادثة على نحو أفضل مما كنت تتوقع. أما إذا لم يحدث ذلك، فيمكنك أن تتعلم من تجربتك وحاول مرة أخرى. لقد تعلمت من تجربتي في تبادل الرسائل الإلكترونية مع مارغريت، أن الاختلاف في الرأي أحيانا يكون مبتغى الشخص الآخر، طالما أنك ستعبر عن رأيك بكل احترام وتعاطف.
المصدر: هارفارد بزنس ريفيو