7 تقنيات قديمة استخدمت علومًا متقدمة

leonardo-da-vinci-machines-helicopter1

في عصر التكنولوجيا الجديدة اللامعة التي نمتلكها اليوم، من المنطقي أن تكون نظرتنا قاتمة على الماضي، فنحن نميل لأن نتخيل أن الأشخاص في ذلك الوقت كانوا يعيشون في عصر أكثر بساطة، مليء بالشموع والكتب والخرافات، ولكن، في الواقع، الكثير من التكنولوجيا التي كانت توجد في تلك العصور المظلمة المفترضة استخدامت بعض المبادئ العلمية المتقدمة جدًا، وما زلنا نحاول معرفة الكثير منها حتى يومنا هذا!

بالتأكيد، قد يكون لدينا اليوم أجهزة آيفون وأفران ميكروويف ولقاح ضد شلل الأطفال، ولكن الأشخاص الذين عاشوا “آنذاك” كانوا يعيشون في عالم فيه أجهزة رصد للزلازل، وتكنولوجيا النانو وحتى الروبوتات (حقًا)، وهناك حالات كانت فيها التكنولوجيا القديمة بذات جودة أو حتى أفضل من التكنولوجيا التي توجد في عالمنا المعاصر، وربما لو كان أسلافنا ما يزالون على قيد الحياة اليوم، لكانوا هم من يسخرون علينا.

قد لا يكون الأشخاص الذين عاشوا فيما مضى يفهمون تمامًا المبادئ الكامنة وراء بعض من التكنولوجيا الأكثر إثارة للإعجاب التي كانت متوفرة لديهم، ولكنهم ولا شك يستحقون تقديرًا أكثر مما نتصور.

الكيد المرتد أو البومرنج (Boomerang) – الاستباق الجيروسكوبي

يعتبر الكيد المرتد واحدًا من أقدم الاختراعات الطائرة التي جاءت بها الإنسانية، وقد استخدمها الأستراليون الأصليون قبل 10000 سنة على الأقل، ويعود أقدم كيد مرتد تم العثور عليه حتى الآن إلى حوالي 23.000 سنة.

بغض النظر عن العصر التي تعود له، فهذه الأداة، من جميع الأوجه، هي عبارة عن جناح طائر – الشيء الذي لم تصل إليه البشرية إلّا بعد فترة طويلة من الزمن -، فمع حافة أمامية مدورة وحافة خلفية رقيقة وسطح أعلى منحني، تستطيع هذه الأداة أن تحلق عاليًا أثناء رميها في الهواء، وعلى الرغم من أن هذه المبادئ الهوائية تعتبر بسيطة نسبيًا الآن، ولكن قبل 23.000 سنة، كان الإنسان قد خرج بالكاد من مرحلة الرسم على جدران الكهوف، وبالتالي يمكن القول بأن تطوير أجنحة كان أمرًا مذهلًا للغاية في ذلك الوقت.

خلافًا للاعتقاد الشائع، ليس بالضرورة بأن تعود إلينا جميع أنواع الكيد بعد رميها، ولكن تلك التي تفعل ذلك تستفيد من بعض المبادئ الإضافية في الفيزياء، وهو مبدأ الاستباق الجيروسكوبي (gyroscopic precession)، فعندما يتم رمي الكيد في وضعية عمودي، فإن قوة الرفع والسحب المطبقة على النهايات المختلفة تخلق عزمًا دورانيًا، وهذا بدوره يسبب الزخم الزاوي للدوران مما يرسم مسارًا منحنيًا.

لا يمكن التأكد فيما إذا ما كان المخترعون القدماء قد قاموا بخربشة المعادلات الرياضية المعقدة في الرمال، لكن على الأرجح بأن الكمال في تصميمهم قد جاء من خلال التجربة والخطأ، وذلك باستخدام التقنيات التي لم تكون مفهومة بشكلها الصحيح لآلاف من السنين.

النحاس – المطهر القديم

نحن نعلم بأنه في الماضي كان كل شيء قذرًا وذا رائحة كريهة؟ ولكن كيف استطاع أي شخص البقاء على قيد الحياة لفترة كافية قبل أن يموت من نوع ما من العدوى الرهيبة؟

حسنًا، بغض النظر عن أحكامنا المسبقة عن أن الأشخاص كانوا غير نظيفين في الأيام الخوالي، فما يجب معرفته هو أنهم كانوا يعرفون بعض الأشياء عن قتل الجراثيم باستخدام ما يسمى بتأثير الأوليجو ديناميكي (oligodynamic effect).

كما تبين منذ بعض السنوات الماضية، فإن النحاس وبعض خلطاته المعدنية تمتلك في الواقع قدرة على قتل البكتيريا، بما في ذلك المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA)، وهذا يبدو محرجًا بعض الشيء، فقد جاء في نص طب مصري قديم يعرف باسم بردي إدوين سميث توصيات باستخدام النحاس، وكذلك الفضة والمغنسيوم والزرنيخ، كمطهرات طبية، وكما كان أيضًا من الممارسات المعروفة بالنسبة لمستوطني أمريكا الشمالية بأن يقوموا بإسقاط قطعة نقدية من النحاس أو الفضة في الحاويات التي توجد فيها الماء والحليب والنبيذ لإبقائها طازجة.

ما تزال الكيفية التي يعمل فيها هذا الأمر غير معروفة تمامًا، ولكن يعتقد بأن أيونات المعادن تضر بالبروتينات أو تتداخل مع عمليات التمثيل الغذائي للبكتيريا، ونتيجة ذلك، مقبض الباب النحاسي يقوم بتطهير نفسه خلال ثماني ساعات، في حين أن الفولاذ المقاوم للصدأ اللماع لا يفعل ذلك أبدًا.

الخرسانة – الابتكار الذي جاء به الرومان أولًا

على الرغم من أن معظمنا يربط الخرسانة بكتل المباني البرجية الكبيرة القبيحة الشكل التي تعود إلى سبعينات القرن الماضي، فإنها في الواقع تكنولوجيا استخدمت على مر التاريخ، وخاصة من قبل الرومان.

الشيء الذي يميز الخرسانة، ليس قدرتها على جعل هذه المباني ترتكز على الأرض، مثل الطين أو الجص على سبيل المثال، بل هي عملية تصلب الخرسانة، والتي هي في الواقع عبارة عن تفاعل كيميائي يعرف باسم التقسية، الأمر الذي لم يكن الرومان ليستطيعوا معرفته حقًا قبل تطور الكيمياء.

الاعتقاد الخاطئ الشائع الذي يقول بأن الخرسانة “تجف” لتتصلب ليس صحيحًا تمامًا، ففي الحقيقة يمكن للخرسانة أن تتصلب تحت الماء، فالعملية المعروفة باسم التمييه، وهي التفاعل الكيميائي الذي يجعل المكونات تشكل روابط جزيئية مختلفة، تعزز من هيكلها على نطاق واسع.

الغريب في الموضوع هو أن الرومان كانوا يفعلون هذا في عصر كانت فيه ينابيع المياه هي الآلهة وكان البوم دلالة على الفأل السيء، حتى إنهم تمكنوا من استخدام هذه التكنولوجيا لبناء أكبر قبة خرسانية غير مدعمة في العالم، وهو أمر لا نظير له حتى في التكنولوجيا الحديثة.

كاشف الزلزال الصيني – أجهزة قياس الزلازل

فيما يخص التكنولوجيا الجديدة والرهيبة، كان الصينيون القدماء بالتأكيد المتقدمين في ذلك، فبالإضافة لاختراعهم كل شيء من الألعاب النارية إلى ورق الحمام، فقد وجدوا أيضًا وسيلة للكشف عن الزلازل البعيدة، التي تبعد ما يصل إلى 500 كم، وحتى معرفة المكان الذي وقعت فيها.

تم اختراع أول جهاز لقياس الزلازل في عام 132 م من قبل المخترع صيني يدعى (تشانغ هنغ)، وكان هذا المقياس يتكون من وعاء كبير مع ثمانية رؤوس لتنانين على الجهة الخارجية للوعاء لتماثل النقاط الرئيسية للبوصلة، وعند حدوث زلزال تخرج كرة فم إحدى التنانين لتسقط في وعاء موضوع أدناه، والمكان الذي جاءت منه هذه الكرة يمكن أن يشير إلى الاتجاه الذي وقع فيه الزلزال.

ما زلنا غير متأكدين تمامًا من آلية عمل هذه الآلية، ولكن يعتقد بأن الوعاء الكبيرة يحتوي على عصا متوازنة بدقة، لذلك فإن أي موجة اهتزازية صغيرة تمر فيها يمكن أن تسبب رجوح العصا في اتجاه معين، ودفع الكرة لتخرج من أحد التنانين.

على الرغم من أن الأشخاص في ذلك الوقت لم يكن لديهم فكرة عن النشاط التكتوني أو سبب الزلازل، فقد تمكن علماء العصر الحديث من إعادة إنتاج الجهاز والنجاح في الكشف من خلاله عن أربعة أنواع مختلفة من الزلازل، وقد كان هذا الجهاز دقيق لدرجة أنه استطاع أن يقدم قراءات مماثلة للقراءات المأخوذة من الأدوات الحديثة التي نمتلكها اليوم.

مدينة دا فينشي المستقبلية – نظرية جرثومية المرض

أعتقد بأننا يمكن أن نتفق جميعًا على أن ليوناردو دا فينشي كان رجلًا ذكيًا للغاية، وعلى الرغم من أنه كان لا يزال يعيش في عصر غابت فيه الكثير من العلوم الحديثة، إلّا أنه لم يدع هذا يمنعه، فقد وضع مجموعة كاملة من التكنولوجيات التي كانت تسبق عصرها بكثير، وقد شملت هذه التكنولوجيات مدينة تقوم على مبادئ لم يتم وضعها سوى بعد 400 سنة أو نحو ذلك.

في حوالي العام 1400، كان دا فينشي يعيش في ميلانو عندما كان الطاعون يغزو أوروبا، وقد أدت حقيقة أن المدن كانت في ذلك الوقت عبارة عن حفر مكتظة من الآبار الترسيبية لجعل الأمر أسوأ بكثير، وفي ذلك الوقت، لم يكن الأشخاص يمتلكون فكرة حقيقية عن كيفية انتشار الأمراض، وكانت النظرية السائدة أن المرض سببه “الهواء الفاسد” والشياطين أو أيًا كان.

في المقابل، كانت مدينة ليوناردو المثالية تمتلك نظام صرف صحي ونظام نظافة كأساس لتصميمها والمبادئ المستخدمة بذلك هي مبادئ لم يتم تطويرها سوى في القرن التاسع عشر بعد اكتشاف ما يعرف بنظرية جرثومية المرض، حيث قام دافنشي بتقسيم المدينة إلى مستويات منفصلة، مخصصًا بذلك المستوى الأدنى للقنوات التي من شأنها أن تأخذ منتجات النفايات بعيدًا ومستويات عليا تتميز بشوارع واسعة، تسمح للأشخاص بالتحرك دون التنفس حرفيًا في أفواه بعضهم البعض.

الفولاذ الدمشقي المقاوم للصدأ – أنابيب الكربون النانوية

إذا قال أحدهم عبارات مثل “أنابيب الكربون النانوية”، أو “فائقة اللدونة” و”السبائك المكروية”، فإننا سنتصور على الأرجح مختبرًا للتكنولوجيا العالية المستوى في مكان ما من العالم، وعلى الأغلب في ألمانيا، ولكن مع ذلك، فإن جميع هذه العبارات ترتبط مع نوع من الفولاذ القديم فائق القوة، كان يستخدم من قبل شريحة من زعماء الفرس من أمثال الإسكندر الأكبر قبل ما يعود إلى عام 300 قبل الميلاد.

وكان الفولاذ الدمشقي ثمينًا لأنه في غاية القوة والحدة، ويفترض أنه قادر على قسم ريشة إلى نصفين في الهواء، أو قطع فوهة بندقية، بالمختصر، كان هذا الفولاذ الأسطوري السلاح المثالي، ولكن المشكلة هي أننا لا نزال لا نعرف كيفية تصنيعه.

كشفت التحليلات التي تم إجراؤها على الفولاذ الدمشقي وجود أسلاك وأنابيب من الكربون النانوي، وهو الأمر الذي نستخدمه اليوم في مجالات الإلكترونيات وتكنولوجيا النانو، والمثير للدهشة، أن البعض يعتقد بأن هذا هو نتيجة إضافة المواد الخشبية إلى الصلب واشتقاق الأنابيب النانوية من الألياف النباتية.

الجدير بالذكر أن هذه التكنولوجيا قد فقدت للأسف في القرن الـ18، وحتى الآن، لم نكن قادرين على إعادة إنتاجها.

الفارس الروبوتي – روبوت له مواصفات البشر

بالعودة إلى ليوناردو دفنشي، فقد تبين أيضًا أن هذا الأخير تمكن من بناء روبوت في القرن الـ15، وقد استند تصميمه على دراسته الواسعة لعلم التشريح البشري، حيث أمضى ليوناردو الكثير من وقته في تقطيع ورسم الجثث البشرية في محاولة لمعرفة كيف عمل كل شيء فيه، وبعد ذلك طبق هذه المعرفة لصناعة إنسانه الآلي الخاص.

قام ليوناردو بصناعة روبوته باستخدام درع كواجهة خارجية، ومجموعة من الحبال والبكرات التي كان من المفترض أن تقلد عمل عضلات الإنسان والأوتار، وكانت النتيجة شيء يمكنه الجلوس والوقوف، وتحريك ذراعيه، ورفع حاجبيه وحتى فتح فمه.

على الرغم من أن الروبوت الأصلي لم ينج بنسخته الأصلية، فقد تمكن المهندسون من إعادة إنشائه مرة ثانية في عام 2002، وذلك باستخدام الرسومات الأصلية لليوناردو، وبشكل لا يصدق، عمل النظام بشكل جيد جدًا، لدرجة أن العديد من المبادئ تم تطبيقها على الروبوتات الحديثة التي تستخدمها وكالة ناسا.