الإندبندنت: اقتصاديون يخشون بأن محمد بن سلمان تجاوز مقدرته الخاصة

web-obama-prince-bin-salman-epa

ترجمة وتحرير نون بوست

تحاول المملكة العربية السعودية اليوم جاهدة تنويع اقتصادها بعيدًا عن اعتمادها على النفط، والشخص الذي يمسك بخيوط هذا التوجه هو نائب ولي العهد السعودي، البالغ من العمر 30 عامًا، الأمير محمد بن سلمان.

من الناحية الفنية، الملك سلمان هو من يحكم البلاد، ولكن الأمير محمد هو نجله المفضل، ولطالما استطاع في الآونة الأخيرة أن يستقطب الأضواء نحوه بشكل متزايد تجاه بعض الأحداث بالغة الأهمية.

يخشى الاقتصاديون والمراقبون بأن الأمير محمد قد تجاوز حدود مقدرته الخاصة

ظهرت سلطة الأمير محمد على رأس إحدى أهم الاقتصادات في العالم واضحة تمامًا يوم السبت المنصرم، عندما استبدل وزير النفط السعودي المخضرم لمدة 20 عامًا، علي النعيمي، بشخص يسيطر مباشرة على أعماله، وهو رئيس مجلس إدارة شركة النفط السعودية أرامكو، خالد الفالح.

ربما لم يأتِ هذا التغيير كمفاجأة كبرى للمراقب الذي رصد الوضع السعودي عن كثب، خاصة بعد إعلان الأمير الشاب عن خطته الطموحة التي أسماها “رؤية 2030″، والتي تهدف للحد من “إدمان” المملكة السعودية على النفط.

يخشى الاقتصاديون والمراقبون بأن الأمير محمد قد تجاوز حدود مقدرته الخاصة؛ حيث وطد الأخير نفوذه منذ اعتلاء والده للعرش السعودي في يناير من عام 2015، وكانت المرة الأولى التي أوضح فيها حقًا بأن كلمته هي النافدة، عندما ألقى رسالة الشهر الماضي موضحًا فيها رفضه لتجميد إنتاج النفط طالما لم تخفض إيران إنتاجها على حد سواء.

استطاع موقف بن سلمان من اجتماع الدوحة في قطر أن يحرك أسواق النفط العالمية، حيث لم يتوانَ الأمير عن تقويض سلطات السياسيين الآخرين للمضي في طريقه، وهو ما تبدى واضحًا من خلال عزله للنعيمي.

صغر سن الأمير محمد يدفعه لتنحية الحرس القديم التقليدي السعودي بعيدًا عن دائرة اتخاذ القرار خلف الأبواب المغلقة

ولكن ما فعله الأمير محمد هو نبذ الدبلوماسيين السعوديين التكنوقراط الذين يعتبرون أصولًا حاسمة لتحقيق رؤية 2030؛ فبدون الحرس القديم الذي أدار السياسة الاقتصادية السعودية لعشرات السنين، قد يناضل بن سلمان في طريق صعب لإنجاز الأمور التي يخطط لها.

أوضح بول سانكي، محلل كبير في مركز أبحاث وولف، لصحيفة فاينانشال تايمز في أبريل، بأن صغر سن الأمير محمد يدفعه لتنحية الحرس القديم التقليدي السعودي بعيدًا عن دائرة اتخاذ القرار خلف الأبواب المغلقة، “الأمر الأكثر إذهالًا هو فتح الاكتتاب العام المحتمل لشركة أرامكو” قال سانكي،  وتابع: “هذه العملية تستبطن بلغة مخفية حرب حصة السوق ضد إيران، فالأمير يبدو على أهبة الاستعداد لاستخدام النفط كسلاح”.

تهميش السياسيين التكنوقراط، كعلي النعيمي، الذي كان وزير النفط السعودي منذ أكثر من عقدين من الزمن، لم يحدث بشكل مفاجئ، حيث يشير إلكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، في حديث له هذا الأسبوع بأن النعيمي “لم يكن يتمتع بأي سلطة للتفاوض” على اتفاق في الدوحة، كما نقلت صحيفة فاينانشال تايمز عن مصدر سعودي لم يكشف عن اسمه، بأن “الأحداث في الدوحة كانت إشارة واضحة الى أن النعيمي لم يعد يتخذ القرارات الكبيرة، وهذا يعد مؤشرًا كبيرًا”.

وأضاف تقرير فاينانشال تايمز بأن المحللين كانوا يتوقعون الإطاحة بالنعيمي من الوزارة، ولكنهم “كانوا يعتقدون بأنه سيُسمح له بالتنحي بكرامة نظرًا لطول فترة خدمته المهنية، ولكن الإعلان المفاجئ عن إقالته قبيل اجتماع أوبك في يونيو المقبل، يشير إلى مدى الانقسام بين النعيمي وولي نائب العهد”.

إقالة أشخاص من هذا العيار يعد أمرًا مهمًا بالنسبة للأمير محمد وللمملكة العربية السعودية اللذان يحتاجان أمثال النعيمي من التكنوقراط لتحويل رؤية 2030 لحقيقة واقعة؛ فعلى الرغم من أن الفالح، مدير شركة أرامكو السعودية، يعد أحد التكنوقراطيين، إلا أن الأمير محمد يسيطر على جميع أعمال هذه الشركة، لذلك فإنه من غير الواضح ما إذا كان الفالح سوف يفعل أي شيء أكثر من مجرد القيام بما يريده الأمير محمد بالضبط.

الإعلان المفاجئ عن إقالة النعيمي قبيل اجتماع أوبك في يونيو المقبل، يشير إلى مدى الانقسام بينه وبين ولي نائب العهد

أوضحت السعودية في ديسمبر الماضي بأن العجز في ميزانيتها لعام 2015 بلغ 98 مليار دولار، بعد أن تراجعت أسعار النفط عن مستوياتها التي كانت ضمن خانة المئات في يونيو 2014 لتلامس عتبة الـ40 دولارًا.

تشكل عائدات النفط حوالي 77% من إجمالي إيرادات المملكة، وبسبب الانخفاض الحاد في عائدات أسعار النفط انخفضت عائدات السعودية بنسبة 23% عن العام السابق؛ ونتيجة لذلك، خفضت وكالة ستاندرد أند بورز، للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، تصنيف ديون المملكة العربية السعودية، مما جعل تكلفة اقتراض المال بالنسبة للمملكة أكبر، حيث يُقال بأن البلاد طلبت من البنوك قرضًا تبلغ قيمته 10 مليارات دولار.

في مقابلة له مع قناة العربية الإخبارية، ناقش الأمير محمد خطته بتوسيع صندوق الاستثمارات العامة في البلاد لتبلغ أصوله 2 تريليون دولار بارتفاع هائل عن مستوياته الحالية البالغة 160 مليار دولار، مضيفًا بأنه يتوقع له بأن “يُصبح مركزًا للاستثمار السعودي في الخارج، حيث سيتم تمويل واردات الصندوق جزئيًا من خلال الأموال التي سيتم جمعها من بيع أسهم شركة أرامكو”.

ولكن هذه الخطط لا تبدو بأنها تقنع الجميع، حيث يشير جيسون توفي، وهو خبير اقتصادي لقسم الشرق الأوسط في كابيتال إيكونوميكس في رسالة إلى عملاء الشركة، بأن رؤية 2030 لا تحمل في طياتها طروحًا جديدة، موضحًا وجود العديد من المجالات الرئيسية التي لم يعالجها صناع السياسة في المملكة .

“لا تكفينا تأكيدات محمد بن سلمان حول قدرة المملكة العربية السعودية على طرح اعتمادها على النفط بحلول عام 2020، باختصار كنا نأمل أكثر من ذلك”، قال توفي.

في حال عدم وضع حد لهذه الحرب البادرة، والتقاعس عن إجراء المزيد من الإصلاحات الجذرية، فقد تتحول رؤية 2030 لتصبح مجرد فقاعة صابون عابرة

وفي ذات السياق، يسلّط أندي كريتشلو، من مؤسسة بريكينج فيوز (Breakingviews)، الضوء على أن “رؤية الأمير محمد الشاملة لتنفيذ إعادة توازن اقتصادية مماثلة لما قامت به دبي في ثمانينيات القرن الماضي، تبدو ضبابية”، وأضاف موضحًا بأنه “على الرغم من أن خفض دعم الدولة للكهرباء وإنشاء صندوق للثروة السيادية هي أفكار جيدة، إلا أنه يتوجب على الأمير محمد التطرق لإصلاحات أكثر جذرية لتحويل رؤية 2030 إلى حقيقة واقعة”.

“ربما يجب على البلاد معالجة الانتقادات التي تطالها بشأن حقوق الإنسان، وسجل المساواة الاجتماعية، لتحسين الرابط ما بين الانفتاح والاستثمار”، قال كريتشلو.

لطالما كافحت السعودية لاستكمال استثماراتها الأساسية التي تسعى للتنويع الاقتصادي، حيث أُعلن عن مباشرة بناء مدينة الملك عبد الله الاقتصادية من قِبل الملك السابق، عبد الله بن عبد العزيز، في عام 2005، وهي مدينة كبيرة للغاية تبلغ تكلفتها 95 مليار دولار، ويأمل السعوديون أن يستغلوا كلًا من الصناعة الصينية وابتكارات التكنولوجيا الغربية لإتمام بناء المدينة المنشودة.

تأمل الخطط الموضوعة للمدينة أن تستطيع استضافة حوالي 2 مليون نسمة موزعين على 70 ميلًا مربعًا، ولكن من غير المرجح أن ينتهي بناؤها حتى عام 2035، خاصة في ظل العثرات الضخمة التي عرقلت استمرار بناء المشروع.

وفي هذا السياق، أوضح فهد الرشيد، الرئيس التنفيذي لمشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، لصحيفة بيزنس إينسايدر خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير الماضي، بأن “المدينة ممولة بالكامل من قِبل القطاع الخاص ومن خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، إنها ملكية خاصة خالصة”؛ إذن، هذا يعني بأن بناء المدينة يعتمد على الأجانب وعلى القطاع السعودي الخاص الذي لا يزال يعتمد على عطاءات النفط السعودية.

بالمحصلة، نهج الأمير محمد يقلق الكثير من المحللين، فهو يوطد سلطته وقوته من خلال إحاطة نفسه بأشخاص سينفذون على الأرجح ما يقوله لهم فقط، مما يحرمه من الاستماع لرأي تكنوقراطي محايد؛ لذا، وفي حال عدم وضع حد لهذه الحرب البادرة، والتقاعس عن إجراء المزيد من الإصلاحات الجذرية، فقد تتحول رؤية 2030 لتصبح مجرد فقاعة صابون عابرة.

المصدر: الإنديبندنت