معاناة الشعب السوري بين الداخل والخارج

1424955579f103e97711f4d56eb12b258431ab0a76

في الأيام الأخيرة الماضية، بات مؤتمر الأستانة الذي عُقد بين النظام والمعارضة السورية حديث الكثير من السوريين، والشباب بالتحديد، داخل سوريا وفي دول اللجوء. وأصبح بالنسبة للبعض نقطة بداية لإنهاء الحرب التي تقترب من دخول عامها السادس في شهر آذار. ولكن البعض منهم لهم آراء مختلفة حيال الأمر, وإنهاء الحرب. حيث تبدو الحرب بالنسبة لهم أكبر من المعارك والقصف والموت واللجوء، ولن تنتهي بتوقف ما ذكرناه.

حيث- وحسب رأيهم – هناك أشياء كثيرة قد تظل مستمرة حتى في حال إنهاء الحرب، كما أن هناك أشياء كثيرة بحاجة إلى إعادة إعمار من جديد، غيّر المنازل والمدن المدمرة. وأهمها نفسيات السوريين المدمرة بشكل أكبر من المدن والمنازل بعد كل ما مر به السوريين من حرب وموت وجوع وأزمات نفسية واقتصادية وفقر شديد داخل سورية وخارجها.

 لا يختلف الوضع بالنسبة للسوريين في دول اللجوء عن حال السوريين داخلها. لأنهم يحاولون الهرب من موت إلى موت أخر

 لا يختلف الوضع بالنسبة للسوريين في دول اللجوء عن حال السوريين داخلها. لأنهم يحاولون الهرب من موت إلى موت أخر, إن كان غرقاً في البحر في محاولة يائسة للوصول على دول أكثر أماناً, أو عن طريق الانتحار الذي بات ظاهرة شائعة ومنتشرة بشكل كبير بين الشبان الذين يملكون خيارات قليلة ومحدودة جداً: البقاء داخل سوريا والقتال مع أحد الأطراف المتحاربة. 

أو انتظار انتهاء الحرب في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وأمنية سيئة، أو اللجوء إلى إحدى الدول المجاورة لسوريا، أو الدول الأوربية التي باتت هدفاً بالنسبة للكثيرين لما توفره للاجئين, وانتظار انتهاء الحرب ووصول أخبار الموت عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

سامي شاب سوري خرج من الحرب في السنة الرابعة للحرب متجهاً نحو ألمانيا. تعرفت عليه عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي صدفةً، وعن الوضع بالنسبة لهُ كلاجئ يقول:

كنت أعيش داخل سوريا، كما الكثير من الشبّان أزمات كثيرة من تأمين مستلزمات الحياة لعائلتي, والنزوح إلى قرية جديدة كل فترة هرباً من الموت بعد أن تحولت قريتنا إلى كومة حجارة وأنقاض، بالإضافة إلى البحث عن عمل، وهذا الأمر أشد صعوبة من أي شيء أخر واجهته، كما كنت أعاني من اكتئاب حاد بسبب الواقع الحالي داخل سوريا، وهذا الأمر دفعني إلى الخروج من سوريا إلى ألمانيا بعد كل ما سمعته عن الحياة في الدول الأوربية والرفاهية هناك, ولكن بعد سنة أو أكثر بدأت كل الأشياء تتغير واصطدمت كل أحلامي بالواقع هناك.

وزاد اللجوء الاكتئاب والسوداوية داخلي, والتخلي عن فكرة الحياة أكثر من مرة, بعد أن فقدت الرغبة في مواصلتها. كما أنها تحولت, في نظري, إلى سجن كبير أو جزء تمهيدي من الجحيم, لنعتاد على الأمر مسبقا. يضيف: كل ما أفعله الآن مرغمٌ عليه، حتى مواصلة الحياة لدي عائلة عليّ إعالتها وهذا الأمر الوحيد الذي يحول بيني وبين الانتحار.

ماهر شاب سوري مقيم في لبنان منذ نهاية عام 2013، يقول أيضاً عن وضعه في لبنان، لا يوجد دولة مختلفة عن الأخرى دائماً هناك أشياء عليك التخلي عنها في أية دولة كانت وما نشعر به كلاجئين في لبنان لا يختلف كثيراً عمّا يشعر به اللاجئين في السويد

في تلك الدول هناك ميزات أكثر للاجئين, عكس الوضع هنا, ولكن بكل الأحوال نظل لاجئين, وكل الذين من حولك يحاولون تذكيرك بذلك دائماً بأفعالهم ونظراتهم المليئة بالاشمئزاز, كما أن الوضع في لبنان بالنسبة لنا كلاجئين صعب جداً, علينا دفع مبلغ 200 دولار أمريكي سنوياً لتجديد إقامتنا, كما أننا نحتاج لكفيل للقيام بذلك, تخيّل الأمر, لاجئ يحتاج لكفيل, وإن كان هناك عدد كبير من أفراد الأسرة ممن يتجاوزن الخامسة عشر, حينها نضطر لدفع مبالغ كبيرة لتجديد الإقامة, مبالغ ليس من السهل تأمينها.

وبالنسبة لتجديد الإقامة عن طريق مفوضية الأمم المتحدة, علينا في البداية الإمضاء على تعهد بعدم العمل نهائياً, وكما نقول بالسوري ” حلّها إذا بتحلها “. ولذلك, في ظل كل هذه الصعوبات التي نواجهها داخل سوريا وخارجها, يلجئ الكثير منّا إلى الانتحار, كوسيلة لإنهاء هذه المعاناة. ببساطة, نحن بين خيارين, الأول الاستمرار, والثاني الانتحار, ودائماً ما تميل الكفة نحو الانتحار.