بعد سنوات من الركود.. ماذا يحتاج الاقتصاد النونسي للتقدم نحو الازدهار؟

تعاني تونس، منذ الثورة في العام 2011 من تراجع في معدلات النمو، نتيجة تعطل العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة في البلاد، طالت الصناعة والسياحة والزراعة والخدمات، عدا عن تراجع حجم المنح المالية، على حساب تزايد معدلات البطالة وظهور الاقتصاد الموازي وارتفاع العجز الحكومي.
تونس بحاجة لـ25 مليار دولار
لم يكن لدى الحكومة التونسية لتعزيز النشاط الاقتصادي في قطاعات الاقتصاد الشبه متوقفة، إلا أن تتجه نحو الاستدانة من المؤسسات المالية الكبرى وعقد المؤتمرات الاقتصادية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنفيذ حزمة إصلاحات بدأت فيها قبل أشهر تهدف إلى تقليص الإنفاق العام والمساعدة في إيجاد فرص عمل ورفع نسبة النمو إلى حدود 3% في 2017، وفق الأهداف المرسومة في قانون المالية العامة في تونس.
وبين من قال أن الاقتصاد التونسي يحتاج لخطة مارشال ومن نفى ذلك ذكر وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي التونسي، فاضل عبد الكافي، إن بلاده ليست في حاجة إلى “خطة مارشال”، إنما بحاجة لقرابة 25 مليار دولار في السنوات الخمسة المقبلة، لدعم عملية التحول الديمقراطي. جاء ذلك في كلمة له في منتدى “النمو الاستراتيجي في منطقة المتوسط” الذي انطلق في العاصمة الإيطالية روما قبل يومين.
تونس ليست في حاجة إلى “خطة مارشال” إنما بحاجة لقرابة 25 مليار دولار في السنوات الخمسة المقبلة
يذكر أن خطة مارشال التي أشار لها الوزير جاءت على يد وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال حين دعا إلى إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية 1947 وبناء اقتصاداتها من جديد وذلك عبر تقديم هبات عينية ونقدية بالإضافة إلى حزمة من القروض الطويلة الأمد، وفي كلمة له آنذاك قال أنه من المنطقي أمام هذا الوضع أن تعمل الولايات المتحدة كل ما في وسعها من أجل إعادة العافية إلى الاقتصاد الأوروبي لأن الاستقرار السياسي والسلام مرهونين بذلك. ومنذ ذلك الوقت والمفهوم يطلق على أي عملية إعادة إعمار في أي دولة تعرضت لدمار هائل بسبب الحرب أو لإطلاق عملية تنمية شاملة.
وقد أوضح عبد الكافي “نحن نمر بفترة من الاضطراب الاقتصادي الذي حاولنا علاجه من خلال خطة للتنمية العامة بقيمة 65 مليار دولار” وأضاف “نحن لسنا بحاجة للدعم السياسي فقط، ولكن للاقتصادي أيضًا”.
ثم ذكر عبد الكافي كلامًا يمكن من خلاله التماس المشكلة التي لا تزال تونس تعاني منها، وهي أن تونس خلال الفترة الحالية والمقبلة تسعى إلى الاستثمار في البنية التحتية وتطويرها دونًا عن وضع الأموال في المصانع وإنتاج احتياجات تونس المختلفة، بهدف رفد الاستثمارات الأجنبية وإغرائها بأن تونس فيها بيئة مناسبة للاستثمار. حيث ذكر عبد الكافي إلى أن “95% من خطة التنمية التونسية موجهة لتطوير البنية التحتية، مثل الموانئ والجسور والمناطق اللوجستية ومحطات توليد الكهرباء”.
بينما في واقع الأمر لم يعد المستثمر الأجنبي وصندايق التمويل تنجذب لهذه الأمور كثيرًا، فهي تحصيل حاصل في النهاية، بينما يتم التركيز أكثر على القاعدة القانونية في البلد لاستقبال رأس المال الأجنبي وحفظ حقوقه، ومن جانب آخر انخفاض الضرائب ومستويات الفساد وطريقة محاسبته وضعف الاقتصاد الموازي في البلاد ومدى قوة سوق الأوراق المالية فيها.
وبالتطرق لهذاالجانب المهم، فإن البرلمان التونسي كان قد صادق على قانون جديد للاستثمار، نهاية سبتمبر/أيلول، وتشتغل الحكومة حاليًا على إصدار بقية القوانين التفصيلية لضمان الشفافية التامة للمستثمرين.
95% من خطة التنمية التونسية موجهة لتطوير البنية التحتية، مثل الموانئ والجسور والمناطق اللوجستية ومحطات توليد الكهرباء
وعلى صعيد مكافحة الفساد الذي تفاقمت مشكلته خلال السنوات الأخيرة حتى استقوت خلاله شبكات الفساد في البلاد لتعمد إلى التنكيل بالمبلغين عنه ومكافحيه، وقد بلغ ترتيب تونس في مؤشر الفساد العالمي للعام الماضي 2016 المرتبة 75 من أصل 176 دولة، وفي إطار تسريع آليات مقاومة هذه الآفة، يشرع البرلمان التونسي في التصويت على مشروع قانون حماية المبلغين عن الفساد خلال الأسبوع المقبل. كما يواصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جمع المهتمين في هذا المجال، لإعداد خطط عمل متعلقة بتنفيذ استراتيجية مكافحة الفساد التي وقّعت عليها الحكومة والمنظمات المختصة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
مشاريع كبرى
من المقرر أن تمول تونس استثماراتها المقبلة من خلال الاقتراض الخارجي بإصدار سندات أو باقتراض قروض من صندوق النقد الدولي أو من خلال صناديق المال الاستثمارية التي افتتحت أفرع لها في تونس.
ومن بين تلك المنح المالية ما أعلنه أمير قطر تميم بن حمد سبق عن تخصيص 1.25 مليار دولار لدعم الاقتصاد التونسي خلال المؤتمر الاستثماري الدولي الذي أقيم في تونس نهاية العام الماضي، نجحت في جمع أكثر من 15 مليار دولار على شكل منح وقروض واستثمارات وإعفاءات.
بلغ ترتيب تونس في مؤشر الفساد العالمي للعام الماضي 2016 المرتبة 75 من أصل 176 دولة
وأيضًا صندوق قطر للتنمية الذي باشر افتتاح فرعه في تونس للبدء في الاستثمار بالمشاريع والاستثمارات في القطاعات المتنوعة، ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن فتح أول فرع لصندوق قطر للتنمية خارج دولة قطر، رسالة استثمار مهمة لبقية الصناديق للإقبال على تونس وتنمية استثماراتها، لا سيما أن الحكومة التونسية وعدت بأن تكون كل النصوص الترتيبية الجديدة المتعلقة بقانون الاستثمار جاهزة قبل بداية الربع الثاني من العام الحالي.
أما من حيث الاقترض من المؤسسات الأجنبية فقد تمكن المصرف المركزي التونسي، من اقتراض 850 مليون يورو ما يعادل (904 ملايين دولار)، من خلال إصدار سندات دولية بفائدة بلغت 5.6%، مقارنة مع نحو 7% في الإصدارات السابقة التي طرحتها تونس.
ومن بين المشاريع الكبيرة التي تنوي القيام بها في الفترة المقبلة ما أعلنته تهالة شيخ روحه، وزيرة الطاقة والمناجم التونسية، أن بلادها تعتزم تنفيذ مشاريع مهمة في قطاع الطاقة والمناجم حتى عام 2020 بكلفة تبلغ 3 مليارات دولار. وأن قطاعي الطاقة والمناجم سيشهدان ازدهارًا خلال الأعوام المقبلة نتيجة الأعمال والمشاريع التي ستنتهي حسب المخطط الخماسي 2016 – 2020 وتفوق قيمتها 3 مليارات دولار وتتعلق بمشاريع الغاز الطبيعي والكهرباء والطاقات المتجددة وتنمية المناجم وتحسين استهلاك الطاقة.
إنتاج الفوسفات في تونس
وأوضحت أن أكبر مشروع في تونس في مجال الطاقة هو مشروع حقل نوّارة لاستخراج الغاز الطبيعي في تطاوين-قابس (جنوب شرق تونس) بكلفة 2.5 مليار دينار (ما يعادل 1 مليار دولار)، وينتهي إنجازه سنة 2018، ومشروع لتوليد الكهرباء من الطاقات المتجددة بإنتاج 1000 ميغاوات كلفته 2 مليار دينار (ما يعادل 800 مليون دولار)، ينتهي إنجازه عام 2020، إلى جانب مشاريع أخرى في الطاقات الشمسية والهوائية”.
تعتزم تونس تنفيذ مشاريع مهمة في قطاع الطاقة والمناجم حتى عام 2020 بكلفة تبلغ 3 مليارات دولار.
من جهة أخرى تحدّثت الوزيرة التونسية عن مشاريع كبرى في قطاع الفوسفات سيتم إنجازها ضمن المخطط الخماسي للتنمية 2016-2020، منها “استخراج الفوسفات وتحويله ومشاريع بيئية مهمة” مؤكدة “تحسّن الإنتاج في قطاع الفوسفات”.
ُيذكر أن أهم الموارد الطبيعية في تونس هو الفوسفات وتشرف شركة حكومية هي شركة “فوسفات قفصة” على استخراج الفوسفات وإجراء العملية الإنتاجية اللازمة له، وتشغل الشركة قرابة 6837 عاملًا، إلا أن الإنتاج انخفض منذ الثورة التونسية 2011، إلى نحو 2.5 مليون طن سنويا؛ بسبب اضرابات العمال المتكررة، واتهامات الفساد التي تلاحق عملية نقل الفوسفات. ووفق آخر إحصاءات لوزارة الطاقة والمناجم لسنة 2015، قدرت مساهمة القطاع المنجمي بـ3% من الناتج الوطني، و10% من قيمة الصادرات الوطنية.
وفي الختام فإن ما تحتاجه تونس في الفترة الحالية التركيز أكثر على تهيئة بيئة قانوية لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، بالشكل الذي يضمن لها مصالحها وحقوقها أثناء استثمارها مع مراعاة تقديم تسهيلات ضريبية بشكل لا يؤذي الطرفين، بالإضافة إلى قوانين مكافحة الفساد الذي خطى البرلمان التونسي أولى خطواته فيه، وتعزيز دور سوق الأوراق المالية في البلاد بشكل أكبر لتعبئة المدخرات الوطنية في المساهمة في شركات مساهمة كبيرة تنخرط في الخطة التنموية للبلاد. وإدراك الحكومة أن استدانة واقتراض الأموال إذا لم يتم ضخها في قطاعات الاقتصاد الإنتاجية عوضًا عن ضخها في البنية التحتية والنفقات الجارية كالرواتب وغيرها وإلا فإن الاقتصاد التونسي سيضل يدور في حلفة مفرغة.