“إسرائيل” تخفي الآلاف من العمّال الغزيين بشكل قسري

منذ بداية الحرب التي أطلقتها “إسرائيل” على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري ردًّا على عملية “طوفان الأقصى”، وجيش الاحتلال الإسرائيلي يشنّ حملة اعتقالات واسعة بحقّ العمال من قطاع غزة، ممّن كانوا متواجدين في أماكن عملهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948 عند نقاط التفتيش عند مدخل الضفة الغربية، وحتى في مناطق الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية.

وعشية بدء الحرب، كان حوالي 18 ألفًا و500 فلسطيني يعيشون في القطاع يحملون تصاريح عمل صادرة عن السلطات الإسرائيلية، وفقًا لتقارير وزارة العمل، وليس من الواضح كم منهم كانوا في “إسرائيل” في ذلك السبت (يوم بدء عملية “طوفان الأقصى”)، ونظرًا إلى بداية القتال وتدمير معبر إيريز (حاجز بيت حانون)، وجد العمال أنفسهم محاصرين في “إسرائيل”، وبحثوا عن مأوى في الضفة الغربية بسبب الخوف على حياتهم.

وتشهد البلدات العربية داخل الخط الأخضر حملات مكثفة للبحث عن العمال الفلسطينيين من غزة، الذين يمكثون في البلاد بغرض العمل وتوفير لقمة العيش لعائلاتهم، وتحولت المطاردة إلى كابوس يلاحق العمال الفلسطينيين الذين يعملون في البلدات العربية.

بدورها، طالبت الدائرة القانونية في نقابة العمال العرب في مدينة الناصرة، إدارةَ سلطة السجون الإسرائيلية والإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، بـ”الكشف عن مصير آلاف العمال الغزيين الذين عملوا في “إسرائيل” واختفت آثارهم يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023″.

وقالت: “المنسق الإسرائيلي في الإدارة المدنية قام فور العملية التي نفذتها حماس بإلغاء 18 ألف تصريح للعمال الغزيين في “إسرائيل”، وبذلك أصبح آلاف العمال “غير شرعيين” والآلاف منهم لا يزال مصيرهم مجهولًا حتى هذه اللحظة، هناك عدد كبير من العمال هربوا إلى الضفة الغربية، وقسم من العمال وصل إلى مدينة رام الله، لكن عددًا كبيرًا من العمال تم توقيفهم على الحواجز العسكرية الإسرائيلية قد تعرضوا للتنكيل والضرب المبرح، وتمّت سرقة الأموال التي كانت بحوزتهم”.

آلاف العمال الفلسطينيين من قطاع غزة عالقون منذ 20 يوما في الضفة الغربية بين الملاحقة الإسرائيلية وفقدان بيوتهم وعائلاتهم. وتوزع آلاف العمال في مدن الضفة الغربية بعد طردهم من قبل مشغليهم الإسرائيليين. (عصام ريماوي – وكالة الأناضول)

مرافق أشبه بالأقفاص

وصرّح أحد المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم، أن سلطات الاحتلال وضعت العمال في العراء دون طعام لمدة يومَين، وأيديهم مكبّلة وأعينهم معصوبة، ليتم نقل آلاف العمال لاحقًا إلى “مرافق أشبه بالأقفاص”، وتحتجزهم بأعداد كبيرة وكثافة عالية، رغم أن أيًّا منهم غير مشتبه به، كما أنهم كانوا يعملون في “إسرائيل” بموجب تصريح قانوني.

قال محامون في “مركز حقوق الفرد” ومركز “جيشاه –مسلك” (مركز للدفاع عن حرية التنقل)، إن “عائلات العمال قلقة على مصيرهم ولا تعرف شيئًا عن أماكن وجودهم، رغم أنه من حقهم حسب القانون الدولي الحصول على حماية خاصة”.

واعتبرت منظمات حقوقية داخل الخط الأخضر، أن الاعتقالات الجماعية دون فحص كل حالة على حدة، ودون سبب واضح ودون مراجعة قضائية، “هي اعتقالات تعسفية ومخالفة للقانون، حيث ترفض السلطات الإسرائيلية تقديم أي معلومات بشأن العمال وغيرهم من سكان غزة المحتجزين على ما يبدو في منشآتها”.

وتشير وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، إلى أن “إسرائيل” ملزمة بتقديم أسماء السكان المسجونين في أسرع وقت ممكن وضمان ظروف احتجاز إنسانية، وأن اعتقال الآلاف من سكان قطاع غزة، وقطعهم عن أي اتصال مع العالم الخارجي، وحرمانهم من حقهم في التمثيل القانوني، هو أمر مخالف للقانون.

غوانتنامو جديد

وزير شؤون الأسرى قدورة فارس، أكّد أن العمال الغزيين يتعرضون لحملات اعتقال همجية وتعسفية، ضمن أكبر عملية انتقام تنفّذها حكومة الاحتلال بحقّ الشعب الفلسطيني، تتعارض بذلك مع القانون الدولي.

وقال الوزير فارس لـ”نون بوست” إن “اسرائيل” تسوّق التبريرات الأمنية في اعتقال هؤلاء العمال، رغم أن عملية إصدار تصاريح العمل مسبقًا خضعت للفحوصات المشددة، وتكتيكات أمنية معقدة، للتأكد من نشاطاتهم وأنهم غير منخرطين مع أي جهة نضالية.

ويتمثل الخطر على مصير هؤلاء المعتقلين، بحسب وزير شؤون الأسرى، في تصنيف وزير الحرب الإسرائيلي المناضلين من أسرى غزة بأنهم “مقاتلون غير شرعيين”، ومن ثم سجنهم بمعسكر للجيش يُعرَف بـ”حقل اليمن”، يقع بين مدينتَي بئر السبع وغزة جنوبًا، قرر أن يجعل منه “غوانتنامو جديدًا”.

وتستغل حكومة الاحتلال الانشغال العالمي في حربها العسكرية ضد القطاع المحاصر في يومها الـ 19 على التوالي، وتشنّ عدوانًا آخر على الفلسطينيين، خاصة الأسرى في سجونها، ويوضح الوزير فارس أن مجموعة كبيرة من الإجراءات يتعرض لها الأسرى، كالتجويع ومنع تقديم وجبات الطعام والحصول على الدواء، وتحديدًا الأدوية لأسرى وأسيرات مصابين بأمراض مزمنة تحتاج وتستدعي دواءً منتظمًا، إلى جانب قطع الماء والكهرباء عن الأسرى.

وحذّر فارس من ارتكاب مجازر بحقّ الأسرى والعمال المحتجزين، واتّباع سياسة الاعتداءات الجسدية بحقّ الأسرى والتفتيش العاري والمهين والجماعي للأسرى، منبّهًا إلى وجود جنود مسلحين من الجيش بمحاذاة الأسرى وفي الساحات وفي الأقسام، لمراقبة تطور الأحداث داخل السجون والاعتداءات، مع تزايد نزعة الانتقام لدى السجانين والضباط، الأمر الذي ينذر بنوايا إجرامية بحقّ الأسرى الفلسطينيين.

متعلق بالحرب ونتائجها

في سؤالنا حول مصير هؤلاء العمال الغزيين، قال المحلل السياسي عصمت منصور إنه من سوء حظ هؤلاء العمال أن يكونوا في ساحة حرب لم تشهدها “إسرائيل” من قبل، لا في حجمها ولا نتائجها، فهذا الجنون الذي أصاب “إسرائيل” جعلها تعتقد أن هذه الدقة وهذه المعلومات التي تمتلكها حماس عن مناطق غلاف غزة، ربما يقف وراءها عمال يزودونها بالخرائط والمعلومات، وربما حسب اعتقاد الجيش تعاون بعض هؤلاء مع المقاومة ووفّروا لها مادة استخباراتية مهمة.

وأضاف المحلل منصور، خلال حديثه لـ”نون بوست”، أن مصير احتجاز الآلاف من العمال الغزيين في معسكرات إسرائيلية متعلق بالحرب ونتائجها، لن يكون هناك تغيُّر في أوضاعهم، وسيكون منهم المعتقل والذي يعذَّب ويمرّ بظروف صعبة داخل مراكز الاحتجاز، حيث أقام لهم جيش الاحتلال المعسكرات، والقليل منهم ظلَّ في مدن الضفة مثل رام الله في مرافق عامة كالمدارس وغيرها، أيضًا في ظروف صعبة.

ووضّح أنه في حال حاولت “إسرائيل” إثبات اتهام البعض منهم بالمشاركة في عملية “طوفان الأقصى”، سيعرضهم ذلك للمحاكمة وفترات اعتقال طويلة إلى جانب التعذيب، ما سيفاقم من خطورة مصيرهم.

واستبعد المحلل أن يستخدمهم الاحتلال كورقة ضغط خلال تفاوضه مع الحركة، لأنه يعلم أن حماس لن تتأثر كما لن يتغير موقفها، لأن الحركة تعرف أن هؤلاء العمال سيكونون عبئًا على الاحتلال، وعبئًا على السلطة الفلسطينية أيضًا، حيث ترفض تحمل مسؤوليتهم ولا تستطيع إيواءهم لأن أعدادهم بالآلاف.

ولفت إلى أن عودة عمال غزة للعمل في الداخل لن تكون قريبة، لأن “إسرائيل” ومناطق غلافها مع غزة ستستغرق فترات طويلة في إعادة إعمار وترميم مناطقها، إلى جانب الدعوات الإسرائيلية باستجلاب عمال من خارج “إسرائيل” لقطع الصلة مع غزة بشكل كلّي.