هل يتصدع حزب العدالة والتنمية المغربي قبل مؤتمره الثامن؟

قبل نحو شهر من الموعد المحدد لعقد المؤتمر الثامن لحزب “العدالة والتنمية” الذي حل أولًا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والمقرّر إنجازه في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، اشتد الصراع بين أجنحة الحزب نتيجة وجود اختلافات في وجهات النظر في بعض المسائل، الأمر الذي يمكن أن يؤثّر على مستقبل الحزب الذي يقود الحكومة المغربية منذ انتخابات 2012.
اتهامات متبادلة
في الوقت الذي كان فيه من المفترض أن يتوجّه أعضاء حزب العدالة والتنمية في المغرب إلى فتح المجال أمام النقاش السياسي الذي يحدد تصورات الحزب للمرحلة القادمة، تحول أعضاء الحزب الذي تأسس سنة 1997 إلى الحديث عن صراعاتهم وتبادل التهم بينهم. وهيمنت الاتهامات المتبادلة بين بعض قيادات الحزب على اجتماعات الأمانة العامة له، فيما غابت النقاشات السياسية سواء المتعلقة بكيفية خروج الحزب من أزمته الداخلية أو تلك المتعلقة ببرامجه السياسية المستقبلية، ليغرق الحزب بذلك في جدل لا يطاق، حسب العديد من المتابعين للشأن السياسي المغربي.
هذه الخلافات والانقسامات داخل أروقة حزب العدالة والتنمية، من شأنها حسب عديد المراقبين أن تؤثّر على مستقبل الحزب الأول في المملكة المغربية، وكشفت الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة التي أجريت في مدن أغادير وتارودانت وبني ملال الشهر الماضي، بناء على قرار المحكمة الدستورية بإعادة الاقتراع في بعض الدوائر استجابةً لعدد من الطعون التي قدمت لها في وقت سابق، تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في المغرب حيث مثلت النتائج التي تحصّل عليها الحزب صدمة لقياداته وللمتعاطفين معه.
بين من ومن؟
يدور الصراع غير المسبوق داخل أروقة حزب العدالة والتنمية الذي تأسس سنة 1997، بين ما يعرف في المغرب بـ “جناح الصقور” المؤيد للأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران الذي عرف نجمه صعودًا غير مسبوق وسط الطبقة السياسية والحزبية في المغرب طيلة عقود من الزمن، لا سيما خلال ترؤس حزبه لأول حكومة يقودها “حزب إسلامي” في تاريخ المملكة، وقبلها خاض الرجل حملة انتخابية ساخنة في نوفمبر 2011، استند فيها إلى معركتين، أولها ضد وزارة الداخلية، حيث كان يدافع بشراسة عن حق “المصباح” في تنظيم تجمعاته الحزبية بحرية مثل باقي الأحزاب، فيما بنى معركته الثانية على مواجهة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة من خلال توجيه انتقادات له.
شباب الحزب يرى أن فتح الباب أمام إعادة انتخاب بنكيران للمرة الثالثة في منصب الأمين العام، الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من صورة الحزب
ويرى أنصار بنكيران أن مهمة هذا الأخير لم تنته بعد، فقد كان مهندس المشاركة السياسية والتطبيع مع الدولة، والمساهم الأبرز في تسويق النموذج السياسي للحزب، وسبق أن وصفت شبيبة حزب العدالة والتنمية مواقف رئيس الحكومة السابق بن كيران بـ “الصامدة في مواجهة إرادات التحكم بمختلف تعبيراته الحزبية والسياسية، وتشبثه بالمبادئ والمواقف الثابتة للحزب المذكور التي لا تلين بين يدي المواقع والمناصب”.
ويرى شباب الحزب وشريحة واسعة من مناضلي “المصباح”، أن فتح الباب أمام إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران للمرة الثالثة في منصب الأمين العام لحزبهم، الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من صورة الحزب، خاصة بعد تراجع شعبيته في الفترة الأخيرة، وتجدر الإشارة إلى أن بنكيران أُنتخب عام 2008 أمينًا عامًا للحزب، وفي 2012 أعيد انتخابه للمرة الثانية على رأس الحزب، ومن المنتظر أن يعقد الحزب مؤتمره الوطني الذي سيتم تنظيمه نهاية العام الجاري، ومن المحتمل أن ينتخب خلاله للمرة الرابعة أمينا عاما جديد وقيادة للحزب تستمر ولايتها 4 سنوات.
ومن جهة أخرى نجد، “جناح الحمائم” أو ما يسمى أيضا بـ “تيار الاستوزار” (الوزراء) الذي يدعم التجربة الحكومية الحالية ويقوده رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة بنكيران السابقة ومنصب رئيس المجلس الوطني للحزب إلى حين تعيين رئيسا للحكومة في مارس 2017، خلفا لبنكيران الذي لم ينجح في تشكيل الحكومة لمدة فاقت خمسة أشهر بسبب عراقيل وضعتها أحزاب مقربة من الملك.
ومن أشدّ الداعمين للعثماني، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميدي، الذي هاجم في الـ 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنكيران، قائلا “تمجيد بنكيران لنفسه جعله وكأنه هو الحزب والحزب هو”، واتهم الرميد بنكيران بالخروج عن الانضباط العام لمنهج وآداب الاختلاف داخل الحزب وأنه مس بمبادئ الاحترام المطلوبة بين مناضلي الحزب، فضلا عن عبد العزيز الرباح وزير النقل والتجهيز الذي صرح بأن “بنكيران يريد أن يتحول إلى صنم”.
تشكيل الحكومة: بداية الخلاف
الخلافات داخل الحزب الأول في المغرب، برزت خلال أزمة ما عرف في المغرب بـ “البلوكاج الحكومي”، حينما فشل بنكيران في تشكيل الحكومة نتيجة لخلافاته مع أحزاب الأغلبية السابقة، وكان هذا الفشل سببا في إقالته من منصبه واعفائه من تشكيل الحكومة من قبل الملك محمد السادس، وتكليف سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة التي طالت مفاوضات تشكيلها.
بعدها خرج الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران وصرّح قائلا إنه “لا توجد مؤامرة تمر دون أن يساهم فيها أصحاب البيت”، في إشارة منه أن بعض قيادات حزبه ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في قرار الملك بإعفائه من منصبه، فقد كان سعد الدين العثماني، القيادي ووزير الخارجية السابق، الذي كلّفه الملك بتشكيل حكومة جديدة للبلاد أكثر مرونة في المفاوضات، مع باقي الطيف السياسي المغربي لينجح في تشكيل حكومة ضمّت ستة أحزاب، هي: حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية.
رغم تصدره نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقد نال حزب العدالة والتنمية وزارات أغلبها ثانوية في الحكومة
هذه المرونة في المفاوضات لم ترق لبنكيران، فقد كانت سببا في ضمّ حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أصّر بنكيران على رفض انضمامه لحكومته، فكان هذا القرار للعثماني أحد أسباب بداية الفرقة بين بنكيران ومناصريه من جهة والعثماني من جهة أخرى، حيث أشارت تقارير اعلامية إلى أن رئيس الحكومة المعفي لم يتقبل مقترح الأخير بخصوص انضمام هذا الحزب للحكومة وتشبثه به خاصة وهو الذي كان أحد الأحزاب المغضوب عليها في عهده، إلّا أن رئيس الحكومة المكلف العثماني رأى أن سبب تعثر المفاوضات لمدة خمسة أشهر كان بسبب اشتراط زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار ضمه للمشاركة في الحكومة، وهو ما يجب الموافقة عليه لتجاوز هذا التعطيل.
ورغم تصدره نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقد نال حزب العدالة والتنمية وزارات أغلبها ثانوية في الحكومة، أما حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده الملياردير المقري إلى الملك عزيز أخنوش، فقد نال جل الحقائب الوزارية المهمة في البلاد، كالفلاحة والعدل والصناعة والاقتصاد والمالية والشباب والرياضة، وهو ما لم يستسغه شبيبة حزب “المصباح” ومعهم بعض القياديين، إذ هددوا أكثر من مرة بالاحتجاج أمام مقر الحزب بالعاصمة المغربية الرباط.
الولاية الثالثة لبنكيران
هذه الخلافات ازدادت حدّتها بعد تصويت أعضاء لجنة المساطر والأنظمة التابعة للمجلس الوطني للحزب، مطلع الشهر الماضي، بالأغلبية لصالح تعديل المادة 16 من النظام الأساسي، بما يتيح للأمين الحالي للعدالة والتنمية عبد الإله بنكيران ولاية ثالثة في منصبه، ومن المنتظر أن يُعرض هذا التعديل للتصويت في آخر دورة للمجلس الوطني أو إدراجها في جدول أعمال المؤتمر الوطني القادم. واعتبر بنكيران في تصريحات صحفية، أن “تعديل القانون الداخلي سيكون أمرا جيدا، ولكن إذا لم يحدث، فلا مشكلة”، مضيفا أن الولاية الثالثة بالنسبة له ليست مسألة شخصية،” معتبرا أنها مجرد احتمال أثاره بعض أعضاء الحزب عبر تعديل القانون الأساسي للسماح به، في حين أن آخرين تحدوا ذلك، موجها دعوته إلى كل أعضاء الحزب للإبقاء على صفوف حزب العدالة والتنمية متراصة، قبل وبعد المؤتمر، وقبول نتيجة المرحلة.
وسبق لبنكيران التأكيد أن مرحلته انتهت من الناحية القانونية، إلا إذا وقع شيء لا نعرفه من خلال مطالب الناس أو مصلحتهم أو يتضح أن أمورًا غير عادية، مؤكدًا أنه قد يعود مضطرًا تحت رغبة مناضلي حزبه، قبل أن يستدرك كلامه قائلًا “إذا لم يضطر له الإخوان، أما أنا لا أطلب من أي أحد في الكرة الأرضية، أو أي أخ أو أخت أي شيء باستثناء الرحمة والاستغفار من الله“، وقبل ذلك قال بنكيران “نحن في ورطة حقيقية”، موجهًا رسائل إلى بعض قيادي حزبه قائلًا: “هناك من يشعر بالفرحة لهذا الوضع وكان ينتظر ذلك”، مؤكدًا أن إلحاح المواطنين على بقائه في المشهد السياسي المغربي دفعه إلى عدم التخلي عنهم.
دعت الأمانة العامة أعضاء الحزب إلى تصريف خلافاتهم داخل فضاءات الحزب ومؤسساته
وواجه تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب، والحديث عن ترشح بنكيران لولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة للحزب رفضا كبيرا من قبل تيار أطلق عليه اسم “تيار الاستوزار”، يقوده بعض وزراء سعد الدين العثماني، ويرى وزراء العثماني أن بقاء عبد الإله بنكيران في منصب الأمين العام تحدٍ للدولة والحكومة، ومن شأن هذا البقاء تعجيل الصدام بين الحزب والدولة، خاصة أن تجديد الولاية لبنكيران تعتبر رسالة إلى القصر مفادها أنكم إن كنتم تخليتم عن بنكيران فهو باقٍ على رأس الحزب، وبالتالي فأي تفاوض مع الحزب وأي حوار معه، سيتم بالضرورة عبره كأمين عام للعدالة والتنمية.
تجاوز الخلافات
لصالح الحزب وتماسكه وسعيا لوضع حد للخلافات، قرّرت الأمانة العامة للعدالة والتنمية في اجتماعها الأخيرة تنظيم “حوار هادئ، ونقاش معمق حول القضايا السياسية والتنظيمية المرفوعة إليها من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، مع حفظ الحق في التعبير عن مختلف وجهات النظر فيها في نطاق الاحترام المتبادل والالتزام بالضوابط”، مشددة على أن “الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة حيوية وصحية، ودليل نضج وتنوع إيجابي، شرط ألا يتخذ ذريعة للطعن في الأشخاص ونياتهم أو التشكيك في نزاهته”.
وردا على اتخاذ عدد من قياديي الحزب مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لـ”تصفية الحسابات” فيما بينهم، دعت الأمانة العامة أعضاء الحزب إلى تصريف خلافاتهم داخل فضاءات الحزب ومؤسساته، لأنها هي “المناسبة للحوار بين وجهات النظر المختلفة في التزامٍ بالمقتضيات القانونية والأخلاقية المنظمة لعمل الحزب، والمتمثلة في تحري الصدق والإنصاف، وحفظ أمانة المجالس والتداول داخل الهيئات، والتعبير المسؤول عن الآراء داخلها وخارجها”.