ترحيل بريطانيا طالبي اللجوء قسرًا إلى رواندا.. انهيار جديد للقيم الغربية

في واقعة تشبه الأفلام السينمائية، اعتقلت الشرطة البريطانية طالب لجوء سوداني في أثناء حضوره موعدًا روتينيًا مجدولًا مسبقًا في أحد مقار وزارة الداخلية البريطانية وأبلغته الشرطة بأنه سيتم إرساله إلى رواندا.

صحيفة الغارديان التي روت قصة المهاجر السوداني في وقتٍ سابقٍ، قالت إنها تمثل أول قضية بموجب قانون مثير للجدل يتيح لحكومة المملكة المتحدة أن ترحّل إلى البلد الواقع في شرق إفريقيا، المهاجرين الذين دخلوا إلى البلاد بشكل غير نظامي.

احتُجز الرجل في مدينة كرويدون جنوب لندن، حسبما ذكرت منظمة دعم المعتقلين للصحيفة البريطانية، ولاحقًا تم ترحيله إلى رواندا على متن رحلة تجارية، حيث تلقى دفعة مالية بقيمة 3000 جنيه إسترليني، غير أنّ تقييمًا حكوميًا حذّر من أن مثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى احتجاز وترحيل المزيد من الأشخاص الأكثر ضعفًا والمصابين بصدمات نفسية.

وقالت المنظمة إنه تم اعتقال طالبي لجوء آخرين في أثناء حضورهم اجتماعات روتينية بمكاتب خدمات الهجرة على مستوى البلاد، ثم نقلهم إلى مراكز احتجاز ليتم بعدها جدولتهم على رحلات جوية لرواندا، وفقًا للصحيفة.

خطة لردع الهجرة غير النظامية

مع ارتفاع عدد طالبي اللجوء الذين يصلون المملكة المتحدة عبر القنال الإنجليزي بعد جائحة كورونا، تعهدت حكومة المحافظين برئاسة بوريس جونسون رئيس الوزراء الأسبق بالعمل على إيقاف المهاجرين الذين يصلون على متن قوارب صغيرة غالبًا ما تكون غير صالحة للإبحار، حيث يتقدمون بطلبات للحماية الدولية في بريطانيا من خلال نظام اللجوء.

وفي صيف عام 2021، قدمت بريتي باتيل، التي كانت آنذاك الوزيرة المسؤولة عن الإشراف على الهجرة واللجوء، مشروع قانون للجنسية والحدود يصنف دخول المملكة المتحدة بوسائل غير نظامية “جريمة جنائية”، وتستهدف الوزيرة بالقانون تحديدًا القادمين عن طريق القوارب ودون تأشيرة، كما أعطى مشروع القانون السلطات مجالًا أكبر لإجراء اعتقالات وترحيل طالبي اللجوء.

واقترحت الحكومة البريطانية في ذلك الوقت خطةً تقوم على عدم قبول لجوء الأشخاص الذين يصلون المملكة المتحدة على متن قارب صغير أو أي “وسيلة غير نظامية” أخرى، وبدلًا من ذلك يتم احتجازهم وإرسالهم إلى رواندا، حيث سيتم الاستماع إلى قضايا اللجوء الخاصة بهم، وإذا نجحوا، فسيسمح بإعادة توطينهم هناك.

جادلت الحكومة البريطانية بأن ترحيل المهاجرين إلى رواندا ستكون سياسة رادعة، حيث تقول إنها ستوقف تدفق عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يعبرون من فرنسا إلى بريطانيا كل عام، وقد شكك بعض خبراء الهجرة في هذا الأمر، قائلين إن طالبي اللجوء يخاطرون بالفعل بحياتهم للسفر إلى بريطانيا على متن القوارب الصغيرة عبر بحر المانش انطلاقًا من السواحل الفرنسية.

توقيع الاتفاقية مع رواندا

في أبريل/نيسان 2022، أعلنت رواندا أنها وقّعت اتفاقًا بملايين الدولارات مع بريطانيا لاستقبال طالبي لجوء ومهاجرين إلى المملكة المتحدة على أراضيها.

وقال وزير الخارجية الرواندي فانسان بيروتا، في بيان صدر خلال زيارة لوزيرة الداخلية البريطانية – آنذاك – بريتي باتيل: “رواندا ترحب بهذه الشراكة مع المملكة المتحدة لاستضافة طالبي لجوء ومهاجرين وتوفير سبل قانونية لهم للإقامة” في الدولة الإفريقية.

وقال بيروتا: “يتعلق الأمر بضمان حصول الناس على الحماية والاحترام وتمكينهم من المضي قدمًا باتجاه تحقيق طموحاتهم والاستقرار بشكل دائم في رواندا إذا اختاروا ذلك”.

وفي حديثها في كيغالي، قالت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة، إن الأشخاص الذين سيتم إرسالهم إلى رواندا سيحصلون على الدعم لمدة تصل إلى 5 سنوات، بما في ذلك التدريب والإقامة والرعاية الصحية، حتى يتمكنوا من إعادة التوطين في المجتمع المحلي.

وجاء الإعلان قبل ساعات من خطاب مقرر لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، يحدد خطة حكومته للتعامل مع الهجرة غير الشرعية وعمليات عبور بحر المانش الرابط بين فرنسا والمملكة المتحدة.

المحكمة العليا تعرقل الخطة

الاتفاقية التي وقعتها حكومتا المملكة المتحدة ورواندا في 2022، مُنيت بانتكاسة كبرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عندما قضت المحكمة العليا بأن قانون سلامة رواندا المثير للجدل “غير قانوني”، ما وجه ضربة قاتلة لسياسات رئيس الوزراء ريشي سوناك الرئيسية بشأن الهجرة، وأثار ثورة في حزب المحافظين الحاكم.

وحكمت أعلى محكمة في المملكة المتحدة بالإجماع ضد الحكومة، وانحازت بدلًا من ذلك إلى حكم سابق لمحكمة الاستئناف وجد أن هذه السياسة لم تكن قانونية، إثر دعوى رفعتها جمعيات حقوقية تقول فيها إن الخطة ستعرّض حياة طالبي اللجوء للخطر.

الحكم – الذي أُبطل بشكل لا لبس فيه استئناف الحكومة – أحبط الجهود المبذولة لنقل طالبي اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني إلى رواندا، حيث تم الإعلان عن الخطة للمرة الأولى في أبريل/نيسان 2022.

وأدى الحكم القضائي إلى تصاعد دعوات من يمين حزب المحافظين للانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو الاحتمال الذي يلوح في الأفق منذ أشهر وتسبب في انقسامات عميقة بين اليسار واليمين في الحزب الحاكم في بريطانيا.

وبرر قضاة المحكمة العليا البريطانية حكمهم بأن رواندا لا يمكن اعتبارها دولة آمنة لإرسال طالبي اللجوء إليها، كما زعمت الحكومة، بسبب وجود خطر إعادة اللاجئين إلى البلدان التي فروا منها.

اتفاق جديد مع رواندا لاستيعاب مخاوف القضاء البريطاني

بسبب مواجهة خطة ترحيل طالبي اللجوء المعروفة باسم (سلامة رواندا) التحديات القانونية التي تم الإشارة إليها في حكم المحكم العليا، فشلت لندن في ترحيل أي شخص من طالبي اللجوء المستهدفين بالإبعاد، ما دفعها إلى إرسال وزير داخليتها الحاليّ جيمس كليفرلي إلى كيغالي مجددًا.

الوزير البريطاني وقع على اتفاق جديد مع وزير الخارجية الرواندي فنسنت بيروتا، بهدف إحياء الاتفاق السابق وإنقاذ الخطة التي تمثل جزءًا مهمًا من سياسة المملكة المتحدة المعادية للهجرة، لا سيّما بعد قرار المحكمة العليا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الذي قضت فيه أن هذا المشروع غير قانوني في صيغته الحاليّة.

وقال وزير الخارجية الرواندي بيروتا “لقد واصلنا هذه الشراكة مع المملكة المتحدة لأننا نعتقد أن لدينا دورًا نلعبه في أزمة الهجرة غير الشرعية هذه”، ومن جانبه أعرب الوزير كليفرلي عن إعجاب كبير بالحكومة الرواندية، التي تلقى الكثير من الانتقادات.

وفي ردٍ على اتهامات القضاء، قالت وزارة الداخلية البريطانية أن الاتفاق الجديد “يستجيب لمخاوف المحكمة العليا بضمان عدم قيام رواندا على وجه الخصوص بطرد الأشخاص المرحلين إليها إلى بلد آخر”.

الاتفاق الأخير الذي أُبرم في ديسمبر/كانون الأول الماضي حظي بموافقة برلمان المملكة المتحدة بعد أن تمت صياغته في مشروع قانون ومكث طويلًا بين ردهات البرلمان البريطاني بغرفتيه: مجلس اللوردات ومجلس العموم، حيث أعاده أعضاء مجلس اللوردات إلى مجلس العموم لتعديله المرة تلو الأخرى، ووافق اللوردات في نهاية المطاف على عدم إدخال أي تعديلات إضافية إلى النص، وهو ما أتاح إقراره في البرلمان بغرفتيه، ثم دخل المشروع حيز التنفيذ بعدما صادق عليه الملك تشارلز الثالث.

وسعى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وحزب المحافظين الحاكم إلى تمرير القانون لإجبار السلطة القضائية على اعتبار رواندا دولة ثالثة آمنة، بعد أن عرقت المحكمة العليا في وقت سابق خطط سوناك.

كما يمنح القانون الجديد الوزراء صلاحية التغاضي عن أجزاء من القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان البريطاني، ما يعد ردًا لحكم المحكمة العليا البريطانية، العام الماضي، التي قضت بأن إرسال المهاجرين إلى رواندا مخالف للقانون الدولي، كما ستتولى كيغالي دراسة طلبات اللجوء المقدمة من الأشخاص الذين سترسلهم لندن، ومهما كان السبب، لن يتمكنوا من العودة إلى المملكة المتحدة.

وكما أسلفنا أصبح القانون رسميًّا بعد موافقة ملك بريطانيا تشارلز الثالث، فالموافقة الملكية هي المرحلة الأخيرة في العملية التشريعية، وتختنم فعليًا القرار الذي اتخذه البرلمان في وقت سابق من هذا الأسبوع، بالموافقة على مشروع القانون بعد معركة طويلة بين الحكومة والسلطة القضائية.

حزب العمال المعارض يتعهد بإبطال الخطة إذا انتخب

تمرير خطة رواندا يمثل نجاحًا لسياسة رئيس الوزراء ريشي سوناك في وقت تتعثر فيه معدلات تأييد حزب المحافظين الحاكم بينما تقترب الانتخابات، لكن منتقدين يقولون إن ذلك يثير تساؤلات عميقة بشأن سيادة القانون وفصل السلطات في بريطانيا ويمكن أن يؤثر على الآلاف من طالبي اللجوء، كما تعهدت جماعات حقوقية باستمرار محاربة الخطة بكل السبل.

وتفيد تقديرات المكتب الوطني لمراجعة الحسابات بأن ترحيل أول 300 مهاجر سيكلّف المملكة المتحدة 540 مليون جنيه إسترليني (665 مليون دولار).

وأكد سوناك أن الحكومة جهزت مطارًا وحجزت طائرات تجارية مستأجرة للرحلة الأولى، مضيفًا أن الحكومة ستنظم رحلات بشكل دوري لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا خلال الصيف وبعده “إلى أن تتوقف القوارب” التي تصل إلى المملكة المتحدة وعلى متنها طالبي لجوء.

وقال محام حكومي الأسبوع الماضي إن بريطانيا تعتزم البدء في ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا في 24 يوليو/تموز القادم، رغم أن الخطة المتنازع عليها تعتمد على فوز حزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء ريشي سوناك في الانتخابات المقبلة، وهو ما يشكك فيه كثيرون.

فوفقًا لوكالة رويترز للأنباء، تعهد حزب العمال المعارض، الذي يتقدم بنحو 20 نقطة في استطلاعات الرأي، بإلغاء الخطة إذا فاز في الانتخابات التي ستجري في يوليو/تموز القادم.

وقالت شارلوت كيلروي محامية في منظمة لمساعدة اللاجئين إن التاريخ المخصص للرحلة “خبر بالنسبة لنا”، وقال القاضي مارتن تشامبرلين: “كل هذا سيخضع لنتيجة الانتخابات العامة، لكن من الواضح أننا لا نستطيع تقديم أي تنبؤات حول ذلك”.

رواندا استقبلت من قبل طالبي لجوء من “إسرائيل”

ربما يتساءل البعض عن سبب اختيار بريطانيا رواندا لإرسال طالبي اللجوء، توضح صحيفة “ذا هيل” الأمريكية أن رواندا التي يبلغ عدد سكانها 14 مليون شخص وافقت على استقبال طالبي اللجوء، بينما رفضت كل من المغرب وتونس وناميبيا مناقشة الفكرة من أساسها.

وأضافت الصحيفة أن المملكة المتحدة كانت تجري مباحثات مع كوستاريكا وأرمينيا وبوتسوانا، فيما أدرجت تنزانيا وسيراليون وأنغولا في قائمة الاحتياطي.

وقالت الصحيفة الأمريكية إنّ رواندا وافقت على العرض البريطاني مقابل الحصول على مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية من بريطانيا ضمن ما يسمى بـ”صندوق التحول الاقتصادي والتكامل”.

جدير بالذكر أن رواندا استقبلت بين عامي 2013 و2018، آلاف المهاجرين الأفارقة بعدما أبرمت “إسرائيل” صفقة معها لترحيل الأفارقة، حتى أعلنت المحكمة العليا الإسرائيلية أن الصفقة غير قانونية، حينها حاولت “إسرائيل” عقد صفقة مماثلة مع أوغندا لكنها فشلت مرة أخرى.

ومنذ العام 2019 تستقبل رواندا آلاف اللاجئين الأفارقة العالقين في ليبيا بالتنسيق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الإفريقي، ريثما تتم دراسة ملفاتهم والبحث في تسوية مناسبة لأوضاعهم، كما عقدت رواندا اتفاقًا مماثلًا مع الاتحاد الأوروبي يتوقع أن يشمل 2600 طالب لجوء إضافي بحلول العام 2026.

ومنح الاتحاد الأوروبي 22 مليون يورو إضافية لرواندا مقابل استقبال اللاجئين العالقين في ليبيا ومعظمهم من إريتريا أو السودان وذلك في المرحلة الثانية من البرنامج، حسب ما ذكرت وسائل إعلام ليبية نقلًا عن الإذاعة الفرنسية.

إلا أن الاتفاقية الأوروبية الرواندية تنص على استقبال طالبي اللجوء لفترة مؤقتة ريثما يتم دراسة ملفهم من دول ثالثة لا سيما كندا والسويد والنرويج وفرنسا، وليس استقبالهم وإدماجهم في المجتمع الرواندي، وبالتالي فقدانهم حق العودة إلى أوروبا كما في الاتفاقية البريطانية الرواندية التي سبق الإشارة إليها.

في المقابل استقبلت بريطانيا أكثر مئة ألف لاجئ أوكراني

بعد أقل من 6 أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، كشفت وكالة رويترز أن عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين حصلوا على حق اللجوء في المملكة المتحدة يتجاوز 100 ألف لاجئ.

وأظهرت بيانات حكومية نُشرت في يوليو/تموز 2022، أن 104 آلاف شخص قد وصلوا إلى بريطانيا بموجب برنامجين مخصصين للاجئين الأوكرانيين، حيث وصل 31 ألفًا و300 شخص بموجب خطة الأسرة، و72 ألفًا و700 شخص بموجب خطة تمويل بيوت للأوكرانيين.

كما بيّنت الأرقام بأن عدد طلبات الحصول على سمة الدخول حتى نهاية يوليو/تموز 2022 قد وصل إلى نحو 198 ألفًا و200 طلب، وقد تم إصدار 166 ألفًا و200 سمة دخول، ما يجعل 32 ألف شخص على لوائح الانتظار قبل البت بأمر طلباتهم، و62 ألفًا و200 شخص حصلوا على التأشيرة، ولكنهم لم يصلوا بعد إلى المملكة المتحدة، أي أن الأعداد أعلى بكثير من عدد الواصلين إلى المملكة المتحدة بموجب خطط اللجوء الأخرى.

لذلك، يرى الباحث والمحلل في الشؤون الإفريقية عباس محمد صالح أن سياسة ترحيل اللاجئين من بريطانيا بشكل قسري تعكس تمييزًا عنصريًا واضحًا، فهي تشمل غير البيض فقط، بمعنى لا يتم ترحيل الأوكرانيين أو مواطني دول شرق أوروبا على سبيل المثال.

ويضيف لـ”نون بوست” أن “سياسة الترحيل transferred تمثل تحولًا جذريًا في نظام وسياسات اللجوء التقليدية في الغرب بشكل عام”، ستكون رواندا هي البلد الإفريقي الرائد في هذا المجال، بعد بدء تنفيذ الاتفاقية الموقعة بينها وحكومة المملكة المتحدة بشأن ترحيل طالبي اللجوء الذين يصلون الأراضي البريطانية عبر التهريب”.

وقال إنّ ترحيل طالبي اللجوء يعد تجميدًا أو تخليًا تدريجيًا عن أشكال الحماية لطالبي اللجوء، وهي من أهم مكونات نظام اللجوء كالاستقبال والإيواء على أراضي الدول الأوروبية وهو روح نظام اللجوء الإنساني التقليدي.

كما أن النموذج الرواندي قائم على تراجع الغرب، حيث تكرس كيغالي نفسها لاستقبال اللاجئين خاصة الأفارقة من خلال اتفاقيات مع الدول الأوروبية التي تتكفل بتحمل تكاليف استقبال طالبي اللجوء حتى البت في طلباتهم، وفقًا للمحلل عباس صالح.

المحافظون يتبنون سياسة معادية للمهاجرين

من جانبه يرجع الباحث في العلاقات الدولية أحمد زمراوي سياسة ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى الوضع الداخلي، حيث يتبنى حزب المحافظين سياسة معادية للمهاجرين مثل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.

وأشار زمراوي في حديث لـ”نون بوست” إلى قرب الانتخابات البريطانية التي يسعى خلالها الحزب الحاكم لكسب ود الناخبين بالتعويل على قضية ترحيل طالبي اللجوء التي يتبناها المحافظون منذ عهد رئيس الوزراء السابق جونسون، لافتًا إلى أن حزب العمال المعارض تعهد بإبطال الخطة في حال فوزه في الانتخابات، وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدمه حتى الآن.

فيما يتعلق برواندا واختيارها لاستقبال طالبي اللجوء، قال أحمد زمراوي إنها تمثل الوجه الناعم في المنطقة ولديها علاقات جيدة مع الغرب، وتتميز في الوقت نفسه بالأمان وعدم وجود صراعات داخلية، مع قدرة الرئيس كاغامي على تنفيذ خططه لضعف المعارضة، وأشار محدثنا إلى الفوائد الاقتصادية التي تجنيها رواندا من استقبال طالبي اللجوء ممثلة في المبالغ التي تحصل عليها كيغالي مقابل توطين طالبي اللجوء.

واعتبر زمراوي خلال حديثه مع “نون بوست” أن سياسة إبعاد المهاجرين جزء لا يتجزأ من الصراع الحاليّ في الغرب، لافتًا إلى صعود الأحزاب اليمينية والأجندة المعادية للمهاجرين بشكل عام، وأشار في هذا الصدد إلى أن الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف حققت مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي قبل أيام قليلة.

واختتم حديثه بالقول إن ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا قسريًا يعد فضيحة للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنه استدرك أن العوامل الداخلية مثل شكاوى البريطانيين من مضايقة القادمين من رومانيا وبولندا لهم في الوظائف والخدمات، لعبت من قبل دورًا كبيرًا في تصويت غالبية المواطنين لصالح خطة البريكست التي طرحها حزب المحافظين لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في العام 2016.

لكن بينما تصر الحكومة البريطانية بقيادة المحافظين على تنفيذ خطة ترحيل طالبي اللجوء الأفارقة إلى رواندا، فإنها تقوم في الوقت نفسه بإدماج أكثر من مئة ألف لاجئ أوكراني متأثر بالحرب الروسية، وهو ما يعزز من فرضية “ازدواجية المعايير” الغربية تجاه اللاجئين، والتعامل معهم بحسب اللون والعرق.

خطة “سلامة رواندا” لترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا تعيد إلى الأذهان أول برنامج لإعادة التوطين في إفريقيا عام 1787، حين قامت الحكومة البريطانية بتوطين نحو 400 من السود في شبه جزيرة سيراليون بغرب إفريقيا، وفي غضون عامين، مات معظم أفراد هذه المجموعة بسبب الأوبئة أو الحروب الأهلية.

كما تذكر الخطة بالاصطفاف الواضح للحكومات الغربية ووسائل الإعلام الكبرى التي تصنف بأنها مستقلة إلى جانب “إسرائيل” في حربها المستمرة على قطاع غزة، وتبنيها للرواية الإسرائيلية بشكل فج.