أين توجد أكثر المدن ضجيجًا في العالم؟

دلهي

ترجمة حفصة جودة

تعتبر الضوضاء أحد ما يميز المدن بشكل واضح، حيث ضجيج المرور المستمر وصفارات الإنذار والأبواق ومكبرات الصوت، لكن هذه الضوضاء خطيرة؛ حيث وصفت منظمة الصحة العالمية هذا التلوث السمعي بأنه تهديد لا يستهان به، فقد يسبب فقدان السمع ومشكلات في القلب والأوعية الدموية وضعف الإدراك والتوتر والاكتئاب، وقال بعض الخبراء إن هذه الضوضاء البيئية قد تقتلنا ببطء.

يقول دكتور دانيل فينك رئيس “تحالف الهدوء” وهو تجمع لمتخصصين في الصحة والقانون مهتمين بالآثار الضارة للتلوث البيئي: “التلوث الضوضائي يسبب ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة والنوبات والأزمات القلبية والموت”، ويعد التلوث الضوضائي أحد العوامل الرئيسية التي تقلل من جودة الحياة، ففي نيويورك المستيقظة طوال اليوم هناك أكثر من 200 ألف شكوى إزعاج عام 2016، هذه الضوضاء تسبب الإجهاد والتوتر الذي يؤثر بدوره على الصحة بشكل عام.

ورغم أن تأثير الضوضاء على الصحة النفسية لم يتم دراسته بشكل واسع، فإن الأبحاث أظهرت أن الضوضاء ترتبط بارتفاع نسبة الاكتئاب والقلق بين الناس، وفي دراسة أجراها مؤخرًا خبراء في الكلية الأمريكية لأمراض القلب؛ ربطت الدراسة بين التلوث الضوضائي ومشكلات القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية والسكتة الدماغية، فمع استجابة الجسم للضغط ينطلق هرمون التوتر “كورتيزول” الذي يؤدي بدوره إلى تلف الأوعية الدموية.

أي ضوضاء تتجاوز 60 ديسيبلاً تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب

في مؤتمر نفذته المفوضية الأوروبية عن الضوضاء في أبريل 2017، وصف المؤتمر الضوضاء بـ”القاتل الصامت” لما لها من تأثير واسع على الصحة الجسدية والنفسية، ومع ذلك فهناك تقليل كبير من تأثيرها عالميًا.

أسوأ المجرمين

يقول دكتور إيون كينغ أستاذ مساعد علم الصوت ومؤلف كتاب “التلوث البيئي للضوضاء”: “ما زالت الضوضاء البيئية من أقل المواضيع التي تحصل على اهتمام صناع القرار والمجتمع بشكل عام”، وعن تأثيرها على الأطفال يضيف يونغ: “تقول الدراسات إن الضوضاء تؤثر بشدة على بعض مهمام الأطفال مثل القراءة والانتباه وحل المشكلات والذاكرة”.

وفي النقاش بشأن مستوى الضوضاء الآمن الذي يمكن أن يتعرض له الشخص، تقول توجيهات منظمة الصحة العالمية إن 85 ديسيبلاً هو أعلى مستوى آمن بحد أقصى 8 ساعات، لكن بعض الخبراء يعتقدون أن هذا الرقم ما زال مرتفعًا.

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية فالضوضاء الناتجة عن السيارات تبلغ 70 ديسيبلاً، وآلات الثقب 100 ديسيبل وإقلاع الطائرات 120 ديسيبلاً، يقول دكتور توماس منزل من المركز الطبي لجامعة ماينز: “رغم أنه لا توجد نقطة بداية لمستوى الخطر، فإننا نعلم أن أي ضوضاء تتجاوز 60 ديسيبلاً تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب”.

سجلت مدينة غوانزوا الصينية أعلى مستويات التلوث الضوضائي في العالم

صدر تقرير مؤخرًا من “بي بي سي” يقول إن أجزاءً من مترو أنفاق لندن تزداد فيها الضوضاء لدرجة قد تدمر السمع لدى الناس، حيث ترتفع مستويات الضوضاء عن 105 ديسيبل، وقال التقرير إن هذه الضوضاء تتطلب استخدام حماية للسمع للأشخاص الذين يعملون هناك.

وبسبب ارتفاع مخاطر فقدان السمع في المدن، أصدرت شركة “Mimi Hearing Technologies” مؤشرًا عالميًا للسمع لجذب الانتباه لتلك القضية، استخدمت الشركة نتائج اختبارات السمع لأكثر من 200 ألف شخص حول العالم وبيانات الضوضاء من منظمة الصحة العالمية ومنظمة “Sintef” النرويجية للأبحاث؛ لرسم مؤشر مستويات التلوث الضوضائي وفقدان السمع في 50 مدينة.

وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يعيشون في المدن الأكثر إزعاجًا يصابون بضعف في السمع يعادل من يكبرونهم بأكثر من 10 إلى 20 عامًا، وأظهرت النتائج بشكل عام أن هناك علاقة بنسبة 64% بين فقدان السمع والتلوث الضوضائي.

تعد مدينة غوانزوا في الصين من أسوأ المدن من حيث التلوث الضوضائي في العالم، تليها القاهرة وباريس وبكين ودلهي، ومن بين 50 مدينة؛ تعد مدينة زيورخ في سويسرا أقل المدن في التلوث الضوضائي.

إذا لم يكن هناك إرادة سياسية لتطبيق تلك الخطط فلن يتغير أي شيء

سجل المشاركون من دلهي أعلى نسبة لفقدان السمع – بما يعادل من يكبرونهم بنحو 19 عامًا -، أما فيينا فسجلت أقل نسبة لفقدان السمع رغم أنها ما زالت مرتفعة حيث تعادل من يكبرونهم بنحو 10 سنوات.

يقول هنريك ماتيس المدير الإداري للشركة: “لقد تمكنا من جمع مخزون ضخم فريد من البيانات عن القدرات السمعية في الدول والقارات، وهناك علاقة واضحة بين القدرات السمعية والضوضاء، وساعدتنا هذه الخريطة للمدن على إثارة الجدل بشأن قضية التلوث الضوضائي في المدن الكبيرة مثل هونغ كونغ ودلهي”.

لكن ما الذي نستطيع أن نفعله في تلك القضية؟

الإرادة السياسية

يقول كينغ إن الاتحاد الأوروبي هو الذي يستطيع قيادة العالم في تحديد عملية معالجة التلوث الضوضائي، ففي 2002 أصدر الاتحاد توجيهات تتعلق بالضوضاء البيئية، حيث طلب من الأعضاء وضع خرائط للمناطق الحضرية التي تتعرض للضوضاء وتتسع لأكثر من 100 ألف شخص؛ لتطوير خطط الحد من الضوضاء في تلك المناطق وخلق مناطق هادئة.

تتضمن خطط العمل مجموعة متنوعة من التدابير مثل إدارة المرور وتشجيع أنظمة السكة الحديد والحافلات الكهربائية والحد من مستوى السرعات واستخدام حواجز الضوضاء، لكن الأمر لم يتخط النوايا الحسنة فقط، يقول كينغ: “المشكلة أنه لا يوجد تنفيذ حقيقي لخطط العمل تلك، وإذا لم يكن هناك إرادة سياسية لتطبيق تلك الخطط فلن يتغير أي شيء”.

نظرًا لأن حركة المرور أكبر مصدر للضوضاء في أوروبا حيث تؤثر على نحو 100 مليون مواطن، فحملات مثل “يوم خالٍ من السيارات” في باريس له تأثير كبير، تطبيق هذا اليوم كل شهر يؤدي إلى انخفاض معدل الضوضاء في المدينة إلى النصف.

يقول كينغ: “الطريقة الأكثر فعالية هي التحكم في مصدر الضوضاء، إذا تمكنا من أن نجعل الطائرات والسيارات والقطارات أقل ضوضاءً فسوف نحل الكثير من المشكلات، وإذا تمكنا من استخدام مركبات كهربائية فقط داخل المدن فسوف تتناقص الضوضاء بشكل ملحوظ”.

يستطيع المواطنون مراقبة الضوضاء من خلال هواتفهم الذكية، حيث طور الباحثون في الجامعة الحرة في بروكسل ببلجيكا تطبيق “NoiseTube” ومن خلاله يستطيع المستخدمون تسجيل الأوقات التي ترتفع فيها مستويات الضوضاء مما يساعد على إنتاج خريطة ضوضاء للمدن، وتستطيع المجالس المحلية استخدام تلك البيانات لاستهداف المناطق الأكثر ضوضاءً، حيث يمكنها استخدام المواد الممتصة للضوضاء مثل الألياف الزجاجية في الأماكن التي تحتاجها بالفعل.

ويضيف كينغ: “هناك الكثير من المشاريع التي تستغل تلك البيانات الضخمة وكذلك شكاوى الضوضاء في محاربة الضوضاء، مما يمنحنا بعض الأمل”.

المصدر: الغارديان