الأمانات الإسلامية.. لماذا تملك تركيا نصيب الأسد من ذاكرة الإسلام؟

qsr-twb-kby-1

يهل علينا رمضان سنويًا، ويعم على المسلمين في شتى بقاع الأرض، فرحة عارمة مصحوبة بومضات إيمانية، تغسل القلب وتزيل الهم وتشحن النفس بمزيد من الصبر والعفة واحترام الذات والتدبر في أحكام الخالق لعبادة، ولا تتوقف الاحتفالات بالبقاء في المنزل إثر تأدية الفروض ومتابعة لمة رمضان مع الأسرة والآلفة بصلة الرحم، ولكن يقترن الشهر الفضيل دائمًا بإعادة الانتباه إلى المقدسات الإسلامية والمدن التاريخية في حياة المسلمين، والأمانات المقدسة، والأخيرة موضوع “نون بوست” في هذا التقرير.

كيف أعادت أزمة فخر الدين باشا القضية للواجهة؟  

قبل نحو خمسة أشهر، تسببت الخلافات السياسية في المنطقة والصراع الذي تفجر بعد تغير الخريطة السياسية وعزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي وقيام نظام جديد يحاول تحجيم تركيا التي سحبت البساط بامتياز من تحت أقدام الجميع فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية والتعبير عن ذلك بلهجة حاسمة لم يتعودها المجتمع الدولي، في إعادة تذكير المسمين بـ”الأمانات الإسلامية”، والمقصود بها آثار عظماء الإسلام وما تركوه من إرث للأجيال اللاحقة على مر التاريخ، وعلى رأس هذا الإرث ما تركه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أعاد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد نشر تغريدة عن فخر الدين باشا قائد القوات العثمانية في الحجاز، تزعم أنه كان يضهد سكان المدينة المنورة، وليس هذا وحده بل واتهمته بسرقة الأمانات الإسلامية، ونقلها إلى إسطنبول، وهو الأمر الذي أثار غضب الرئيس أردوغان وأنقرة، وفتح الباب للحديث عن إنجازات الرجل، خصوصًا أن الدولة التركية اعتبرت تصرف ابن زايد محاولة لـ”تزوير التاريخ”.

تركيا التي استدعت سفيرها من أمريكا وأهانت السفير الإسرائيلي بعد طرده من بلادها، وبمعزل عن الدول العربية والإسلامية، في التجاوزات الدموية الأخيرة لـ”إسرائيل” في القدس، أدارت الأزمة بحرفية شديدة، وربما نسخت صورة بالكربون من الماضي بالحاضر

وعبر جميع وسائل الإعلام التركية، بل وحتى الساسة سواء من رموز السلطة أم قيادات الحزب الحاكم، كشفت تركيا إنجازات فخر الدين باشا، خلال الحصار الشديد الذي تعرضت له في المدينة، من قبل التحرك الذي قاده الشريف حسين، بدعم من بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى، مما اضطره لإرسال “الأمانات الإسلامية” عبر ما سمي بقطار الأمانات المقدسة، ولإجلال الدولة العثمانية للإرث الإسلامي، خصصت لحراسته نحو 2000 جندي، اصطحبه إلى إسطنبول، لأجل حمايتها ومنع سرقتها من الإنجليز وعملائهم، في إشارة لا تخطئها الأعين عن المقصود بالمعنى.

تركيا التي استدعت سفيرها من أمريكا وأهانت السفير الإسرائيلي بعد طرده من بلادها، وبمعزل عن الدول العربية والإسلامية في التجاوزات الدموية الأخيرة لـ”سرائيل” في القدس، أدارت الأزمة بحرفية شديدة، وربما نسخت صورة بالكربون من الماضي بالحاضر، ودللت بشكل وثائقي كيف كانت تتولى دورها في حماية الأمانات النبوية الشريفة.    

قصر توب كابي بإسطنبول

تملك تركيا نصيب الأسد من ذاكرة الإسلام، هناك في مدينة إسطنبول، خُصص قصر توب كابي، أحد أهم وأكبر قصور الدولة العثمانية ومركز إقامة سلاطينها لأربعة قرون من عام 1465 إلى 1856، ليكون الساحة الكبرى ومقر إقامة التحف الإسلامية وأغلبها يمتد عمرها ليواكب ظهور الإسلام ورجاله، يعمل القصر وسط تلاوة للقرآن الكريم على مدار 24 ساعة، ويعرض مقتنيات النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ملابس وسيوف ومتعلقات شخصية، بجانب متعلقات أخرى تخص الخلفاء الراشدين وعدد من الصحابة، ويُمكن المتحف زواره من رؤيتها، عبر أحد أجنحته ويعرف باسم “خرقة السعادة” الذي يتضمن الأمانات المقدسة فقط.

ويعرض توب كابي، قوس النبي وسيفه وبعض ملابسه كعمامته وبردته وحذائه وعصاه وشعرات من لحيته وختمه المصنوع من العقيق، وهو بيضاوي الشكل ومنقوش عليه عبارة محمد رسول الله، بجانب قالب يجسد أثر قدمه، والكثير من أغراضه الشخصية، بالإضافة إلى العديد من رسائله التي كان يتم نقلها في عهده.

لا يمكن الذهاب إلى متحف توب كابي، دون مشاهدة سيوف الخلفاء والصحابة والبالغة عددها 21 سيفًا

كما يضم المتحف، سن من أسنان النبي، مرصعة داخل محفظة على شكل علبة فضية مزخرفة، وهي السن التي انكسرت في أثناء موقعة أحد، كما يتضمن علبة فضية مزخرفة، تحوي شعرة من اللحية النبوية الشريفة، وهي مصنوعة من الزجاج، وحولها إطار من الذهب.

أما الرسائل، فتشمل رسالة النبي محمد التي بعث بها إلى المقوقس عظيم القبط عام 627، وأمر السلطان عبد المجيد بحفظها داخل إطار من الذهب، وصنع لها صندوقا من الذهب المزخرف، وقد كتبت الرسالة على الجلد تلفت من وسطها، ووضع إلى جانبها لوحة كتب عليها نص الرسالة.

ولا يمكن الذهاب إلى متحف توب كابي، دون مشاهدة سيوف الخلفاء والصحابة والبالغة عددها 21 سيفًا، سيفان للنبي موضوعان على مخمل أزرق فوق صندوق من الفضة المزخرفة، وقد تم إصلاح أغماد وقبضات معظم السيوف، في عهود السلاطين العثمانيين، كما غلفت بالمعادن الثمينة ورصعت بالأحجار الكريمة، وأبرزها سيوف الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

أما مصحف عثمان بن عفان المخطوط الذي كان يتلو فيه عندما قتل في بيته، فيوجد أيضًا إلى جانب أمانات عديدة، مثل مفتاح الكعبة والقفل المصنوعين من الفضة، كما توجد مقتنيات يقال إنها تعود للنبي إبراهيم، وعصى تنسب إلى النبي موسى، وعمامة تنسب إلى النبي يوسف، بجانب بردة فاطمة الزهراء وهي من الصوف، إضافة إلى راية الرسول محمد، في فتح خيبر التي سلمها للإمام علي بن أبي طالب.

على الجانب الآخر، ضمت مكتبة القصر، مجموعة كبيرة من المخطوطات القرآنية والمصاحف، وتبلغ نحو 1600مصحف، وجميعها محفوظة كمقتنيات نادرة في القصر من بينها سبعة يعتقد أنها بخط الخليفة عثمان، بجانب المصحف المخطوط على جلد غزال الذي ينسب لعثمان أيضًا، وكان يقرأ فيه عندما قتل في بيته ويلاحظ أنه ملطخ بالدماء.

“إسرائيل” في مكتبتها الوطنية، تملك تحو ألف و184 مصحفًا وكتابًا ومخطوطة، جمعها باحث يهودي في تاريخ الإسلام يدعى أبراهام شالوبريهما، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية

كما يوجد بالمكتبة تسعة مصاحف للإمام علي، واثنان للحسن والحسين، كتبت على رقع بخط كوفي قديم ما بين القرنين السابع والثامن للميلاد، وبخلاف ما قاله وزير خارجية الإمارات، لا تقتصر هذه الآثار النادرة على المدينة المنورة فقط، بل بعضها تم جلبهم من مناطق أخرى، في رحاب الدولة العثمانية، وتمنع إدارة قصر توب كابي التصوير الفوتوغرافي داخل أروقته.

مصاحف إسلامية نادرة بـ”إسرائيل”

لن على دولة تضع يدها على تاريخ شعب وحاضره ومستقبله، وتنسبه لنفسها، أن يكون لديها مجموعة نادرة من المراجع والمخطوطات والمصاحف الإسلامية، داخل ما يسمى بالمكتبة الوطنية الإسرائيلية، أحد هذه المصاحف يعود تاريخ كتابته إلى ما قبل 1200 عام، ومكتوب بالخط الكوفي ومزخرف بنقوش إسلامية مرصعة بالذهب الخالص، كما تملك “إسرائيل” المصحف الشخصي للسلطان سليم الأول المطبوع في بلاد فارس قبل 600 عام، وعليه ختم السلطان نفسه.

كما تضم المكتبة، كتاب نادر يجمع ثلاث رسائل للشيخ ابن تيمية، وكتبه أحد تلامذته، بالإضافة إلى كتب قيمة بالتركية والفارسية، وتذكر بعض المصادر، أن “إسرائيل” وفي نفس المكتبة، تملك نحو ألف و184 مصحفًا وكتابًا ومخطوطة، جمعها باحث يهودي في تاريخ الإسلام يدعى أبراهام شالوبريهما، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وذلك ضمن مئة ألف كتاب وألفي مخطوطة، تتعلق بنشأة وتاريخ الإسلام.


مجموعة من الكتب الإسلامية النادرة بـ”إسرائيل”

راخيل بوكيليل، إحدى المسؤولات بالمكتبة، اعتبرت في تصريحات نقلها موقع الجزيرة الرسمي قبل نحو 7 سنوات، أن هذه المصاحف، تعود للقرن التاسع الميلادي، واصفة إياها بالكنوز التي وصلت القاهرة، بعد انهيار الدولة الإسلامية، مشيرة إلى أن أبراهام اشترى قدرًا منها، إلا أن رئيس قسم المخطوطات بالمسجد الأقصى ناجح بكيرات، يرجح أن تكون هذه المصاحف والمراجع  تمت سرقتها من المتحف العراقي المركزي ببغداد، بعد سقوطها في أيدي الاحتلال الأمريكي عام 2003.

متحف الفيصل للفن العربي

يضم متحف الفيصل، للفن العربي الإسلامي في الرياض، العديد من المخطوطات الإسلامية الأصلية النادرة منها على سبيل المثال مصاحف الأمصار؛ قدم المتحف معرضًا للجمهور منذ افتتاحه فرصة ثمينة للتعرف على التراث الإسلامي والفن العربي الأصيل من خلال عرض عدد من مقتنيات المركز الأصلية من مخطوطات تمثل عددًا من المصاحف من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وعددًا من القطع الأثرية النادرة من مختلف العصور الإسلامية.

ويُقدم المعرض أيضًا نماذج أثرية فريدة يتم عرضها في قاعتين؛ القاعة الأولى تضم قطعًا تراثية نادرة من الفنّ العربي الإسلامي، وتضمّ الأخرى مجموعة المصاحف المخطوطة والمطبوعة الفريدة التي يقتنيها المركز مصاحف الأمصار، وتشتهر هذه المصاحف بتنوّعها من حيث بلد المنشأ والحجم، وندرة ونفاسة كثيرٍ منها وقِدم تاريخها وإتقان الخطّ والزخارف فيها.

جمعت هذه المجموعة الفنية، من عدة أماكن مختلفة في العالم، وفق معايير فنية دقيقة، لضمان قيمة هذه المقتنيات ومدى تعبيرها عن مكنون الحضارة الإسلامية عبر القرون

ويشتمل المعرض على نماذج من الفن العربي الإسلامي تمثّل أنماطًا مما كان يُتعامل به في المجتمعات الإسلامية عبر قرون مضت، ويضمّ أكثر من مئتي قطعة تراثية نادرة ومصاحف مخطوطة ومطبوعة فريدة من القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر الهجري، تشمل الأدوات المنزلية وآلات القتال والحرب ومكوّنات صناعة الكتب وفنونها والآلات الطبية والمسكوكات والخشبيات والفخاريات والمنسوجات.

وجمعت هذه المجموعة الفنية، من عدة أماكن مختلفة في العالم، وفق معايير فنية دقيقة، لضمان قيمة هذه المقتنيات ومدى تعبيرها عن مكنون الحضارة الإسلامية عبر القرون، لا سيما أنها تظهر براعة الصناع المسلمين وحرصهم الشديد على إثراء ما كانوا يصنعوه.

مصر.. متحف الفن الإسلامي

قبل عام، افتتحت مصر، متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، بعد انتهاء أعمال ترميمه وإعادة تأهيله على مدار عامين، بالتعاون مع جهات عربية ودولية مختلفة، ويضم نوادر تاريخية من تاريخ الإسلام على مر العصور.


جولة داخل متحف الفن الإسلامي

كان المتحف قد تعرض لأضرار جسيمة جراء تفجير استهدف مديرية أمن القاهرة التي تبعد عنه بمجموعة أمتار، في الجهة المقابلة له، وذلك عام 2014، ما استدعى تضافر الجهود المحلية والعالمية كافة لإنقاذه، لا سيما أنه يعد من أكبر متاحف الآثار الإسلامية المتخصصة في العالم، بفضل ما يضمه من مقتنيات أثرية نادرة تتعلق بتراث مصر الإسلامي منذ دخول الإسلام البلاد.