تونس.. عندما يتسابق السبسي والشاهد لقتل أمل التونسيين

السمة البارزة في المشهد السياسي التونسي، هذه الأيام، الصراع الحاد والأزمة الكبيرة بين ساكني قصري قرطاج والقصبة، فكلاهما أي الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد، يسعى للتحكم في البلاد بقبضة يديه، ليس حبًا في تونس بل حبًا في السلطة وبريقها.
كل منهما لا يريد للأضواء أن تبتعد عنه، وإن تطلب الأمر التقرب من الفاسدين والفاشلين ومنحهم الوزارة وامتيازاتها، دون مراعاة باقي المواطنين، كأننا بالاثنين يتسابقان لقتل الأمل المتبقي لدى بعض التونسيين.
السبسي يستعين بمن “أهانه” وساهم في إقالته
البداية كانت من قصر قرطاج، حيث عين الرئيس الباجي قائد السبسي، صباح أمس، رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد مستشارًا سياسيًا له، ونشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، الإثنين 6 من أغسطس/آب 2018، لقاءً جمع بين السبسي والحبيب الصيد، أرفقته ببيان أعلنت خلاله تعيين الأخير برتبة “وزير مستشار خاص لدى رئيس الجمهورية مكلف بالشؤون السياسية”.
الصيد الذي عيّنه السبسي مستشارًا سياسيًا له، كان قد خرج من رئاسة الحكومة في 30 من يوليو/تموز 2016، بعد أن صوت البرلمان التونسي، على سحب الثقة من حكومته، وذلك بعد توافق أحزاب الائتلاف الحاكم على فسح المجال لحكومة الوحدة الوطنية التي دعا إليها الرئيس، وعين إثرها يوسف الشاهد خليفة لرئيس الحكومة المقال.
من الغريب أن يُعين الصيد مستشارًا سياسيًا في قصر قرطاج، وهو الذي عرف عنه أنه إداري
وفي آخر أيام حكمه، مورست ضغوطات كبيرة على الصيد من شخصيات حزبية ومقربين من الرئيس السبسي، لإجباره على التنحي من منصبه، إلا أنه تمسك بعدم تقديم استقالته لرئيس الدولة والذهاب إلى البرلمان، مؤكّدًا في حوار إعلامي أنه تعرض لضغوطات تخيره بين الاستقالة بشكل طوعي أو التنكيل به من أطراف قال إنها مقربة من دوائر الحكم، دون ذكرها.
هذا التعيين أثار جدلاً كبيرًا في تونس، فكيف لمن تم طرده في السابق واتهامه بالفشل في تسيير الحكومة، أن يتم الاستنجاد به في هذه الفترة الحساسة التي تعيشها تونس، إلا أن كان من طرده أي السبسي والمقربين منه قد تفطنوا لفشلهم وندموا على التخلي عنه بعد أن تمرد عليهم ابنهم البار يوسف الشاهد.
من الغريب أن يُعين الصيد مستشارًا سياسيًا في قصر قرطاج، وهو الذي عرف عنه أنه إداري، فطوال تجربته المهنية عمل إداريًا حتى في عهد الرئيس المخلوع بن علي، لذلك فإن هذا التعيين لا يرجى منه تقديم إضافة كبيرة للرئاسة وفقًا لعدد من المحللين، سوى تحقيق التوازن مع القصبة.
ويقول خبراء، إن تعيين الصيد الذي طُرد في وقت سابق من الحكومة بنفس الطريقة التي يريد بها طرد الشاهد، من المنتظر أن تعقبه تعيينات أخرى في سياق سعي السبسي لتدعيم مؤسسة الرئاسة، بشخصيات لها قدرة على تحقيق التوازن مع رئاسة الحكومة التي تتمتع بصلاحيات واسعة، حتى وإن كانت تلك الشخصيات مشكوك في نزاهتها حسب الرئاسة طبعًا.
الشاهد يستعين بالفاسدين
مباشرة عقب هذا التعيين، أعلنت رئاسة الحكومة التونسية تعيين يوسف الشاهد، لأحد أعوان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، مستشارًا في حكومته، وهو كمال الحاج ساسي الذي سبق أن تقلد مناصب حزبية في التجمع الدستوري المنحل.
وسبق أن شغل كمال الحاج ساسي عددًا من المناصب العليا بالدولة التونسية قبل سنة 2011 من بينها كاتب دولة بوزارة الشؤون الاجتماعية وكاتب دولة بوزارة الثقافة والشباب وسفيرًا لتونس ببراغ (عاصمة جمهورية التشيك)، وعضوًا سابقًا بمجلس نواب الشعب، فضلاً عن شغل منصب عضو اللجنة المركزية للتجمع المنحل
الشاهد الذي خرج على التونسيين مساء الـ24 من شهر مايو/أيار 2017، أمام بهو قصر حكومته بالقصبة بتصريح مقتضب أشاد به غالبية المواطنين حينها، قال فيه: “أنا ككل التونسيين في الحرب على الفساد، ولا خيار لي إما الدولة وتونس أو الفساد، وأنا اخترت تونس“، أراد بهذا التعيين تكريم أحد الفاسدين.
الشاهد يهيئ نفسه لحرب طويلة مع السبسي الأب والابن، يخوضها بمساعدة مؤسسات الدولة ويمولها عن طريق دافعي الضرائب
يُذكر أن حكمًا كان قد صدر في مارس/آذار 2017 في حق كمال الحاج ساسي يقضي بسجنه ست سنوات مع النفاذ العاجل بخصوص شبهة فساد مالي في قضية أصبحت تعرف بقضية الحفل الفني للفنانة العالمية ماريا كاري، كما حُقق معه سنة 2011 بشأن عمليات تمويل صندوق التضامن 26 – 26 إذ كان مديره خلال عهد بن علي.
ويؤكّد متابعون للشأن السياسي في تونس، أن تعيين كمال الحاج ساسي مستشارًا في القصبة، مثّل نقطة النهاية للحرب التي يدّعي الشاهد خوضها ضد الفساد في تونس، خاصة أنه أثبت في مرات سابقة أن هذه الحرب انتقائية ولا تخدم إلا مصالحه الشخصية والمقربين منه فقط، فهي حرب تصفية حسابات ليس أكثر.
ويقول هؤلاء إن قرار التعيين، يؤكد أن ما حصل سابقًا لا علاقة له بالفساد ومكافحته حتى إن مس بعض الفاسدين، فما هو إلا صراع بين منظومة الفساد المتحكمة في تونس تاريخيًا وحلفائهم من الخارج وبارونات الفساد الموازين الجدد الذين برزوا حديثًا وأرادوا افتكاك البلاد منهم، فالساحة لا تقبل الاثنين معًا ووجب التخلص من شق على حساب آخر وإن كان الشق الذي أوصله للحكم.
في صراع على النفوذ.. الكل مجاز
تعيين السبسي للصيد، ومن بعده تعيين الشاهد للحاج صالح، يأتي وفقًا لعدد من المتابعين للشأن التونسي في إطار الصراع على النفوذ بين الماسكين بالحكم في قصري قرطاج والقصبة، فكلاهما يريد أن يحكم بنفسه، دون مراعاة دستور البلاد الذي يقسم السلطات بين أقطاب ثلاثة.
ويسعى السبسي بمعاضدة الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) وبعض الأحزاب المنشقة عن نداء تونس إلى وضع حد لمسيرة الشاهد، وقاد الرئيس في الفترة الأخيرة مشاورات تهدف لإقالة الشاهد غير أنه اصطدم بـ”فيتو” من حركة النهضة الإسلامية التي شددت على ضرورة المحافظة على استقرار البلاد.
ويعمل السبسي على الاستعانة بكل ما يتاح له، لتغليب كفته على حساب كفّة ابن “النداء” الشاهد الذي تمرد على ولي نعمته وخرج عن طوعه وارتمى في أحضان حركة النهضة الإسلامية، وفقًا لرؤية الرئيس الباجي قائد السبسي والمقربين منه.
يسعى الشاهد إلى كسب ود التجمعيين لنصرته على السبسي
في مقابل ذلك، يسعى الشاهد من خلال هذا التعيين الأخير إلى تجميع جانب من أنصار التجمع المنحل حوله واستقطابهم لدعمه في المحطات الانتخابية القادمة، خاصة أن الحاج صالح معروف بعلاقاته الكبيرة وقدرته على التحشيد والاستقطاب.
فالشاهد الذي رفض، وفق مقربين له، أن يكون وزير أول وفقًا للنظام السياسي القديم المعمول به في البلاد قبل الثورة الذي يسعى الرئيس الباجي قائد السبسي إلى إعادته وفرضه على البلاد، وأصر على أن يمارس مهامه بصفته رئيسًا للحكومة وفقًا للنظام السياسي الجديد في تونس، لن يرضى أن يقال بطريقة مهينة مثلما حصل مع سلفه الحبيب الصيد.
لذلك فإن الشاهد يهيئ نفسه لحرب طويلة مع السبسي الأب والابن، يخوضها بمساعدة مؤسسات الدولة ويمولها عن طريق دافعي الضرائب أي المواطنين، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن برنامج يخرج البلاد من أزمتها، فالمهم هنا الحكم لا مصلحة الرعية.
أمام كل هذا يجد المواطن التونسي نفسه في حرب لا علاقة له بها، فلا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب الدائرة بين أجنحة الحكم والسلطة في البلاد، ما يساهم في فقدانهم الأمل في تحسن الوضع في بلدهم تونس، فهو من سيء إلى أسوأ.