من المنفى إلى منصب وزاري: هند قبوات تلعب دورًا محوريًا في سوريا الجديدة

ترجمة وتحرير نون بوست

ببذلة بيضاء، برزت هند قبوات بشكل لافت وسط صف من 23 رجلاً يرتدون البدل الرسمية، جميعهم وزراء في الحكومة السورية المؤقتة التي أُديت اليمين للتو، يحيطون بالرئيس.

وقالت هند قبوات في مقابلة بعد بضعة أيام من تعيينها: “أريد أن أرى المزيد من النساء، وقد أخبرت الرئيس بذلك في أول يوم التقينا فيه. وهذا الأمر مهم جدًا بالنسبة لي، لأنه لم يكن مريحًا أبدًا أن أكون هناك وحدي.”

لقد قوبل تعيينها وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل بالترحيب من قبل الكثيرين في سوريا وعلى المستوى الدولي، سواء لكونها امرأة أو لكونها ممثلة للأقلية المسيحية في سوريا. وقد اعتُبر هذا التعيين مؤشرًا على أن الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، يسعى لتوسيع حكومته لتتجاوز الدائرة الضيقة من المقاتلين الثوار المقربين منه، لتشمل مجموعة أوسع من التكنوقراط وأفراد من الأقليات العرقية والدينية في البلاد.

لقد أصبح الشرع، الذي طالما صنفه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أنه إرهابي، رئيسًا لسوريا في يناير/ كانون الثاني بعد أن قاد هجومًا للثوار أطاح بديكتاتورية بشار الأسد السنة الماضية. ومنذ ذلك الحين عزز سلطته وحظي بالقبول على نطاق واسع كقائد فعلي للبلاد، حتى مع تعرضه لضغوط دولية قوية لمكافحة الإرهاب والإعتدال في نهج حكمه.

تتمتع هند، وهي ابنة دبلوماسي وأستاذة جامعية، بما في ذلك في الولايات المتحدة، بسجل طويل من العمل في المنفى بين اللاجئين السوريين ومع المعارضة للنظام الديكتاتوري السابق. وقالت إنها لم تتردد في قبول دور في حكومة الشرع الجديدة.

لقي تعيين هند قبوات كوزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل ترحيبًا من قبل الكثيرين في سوريا وعلى الصعيد الدولي، سواء كامرأة أو كممثلة للأقلية المسيحية في سوريا.

وقالت عن الرئيس: “إنه يستمع إلى الناس، وهذه هي الميزة الجيدة فيه. ففي كل مرة تطرأ مشكلة، يمكننا إرسال رسائل وهو يستمع ويناقش. وهذا ما يعكس مرونته”.

وأضافت قالت عن الشرع، البالغ من العمر 42 سنة: “لا تنسَ أيضًا أنه شاب. في الحقيقة، جميعهم شباب ويدركون هذه الحقيقة جيدًا. إن لم يتحلّوا بالمرونة ويستمعوا للآخرين، فلن يتمكنوا من قيادة بلد يتسع للجميع. وعندما يقع خطأ، نصححه معًا، ونتعلم سويًا، ونعزز قدرات بعضنا البعض. لذلك، هو يعلم تمامًا أنه لا يستطيع إدارة بلد مثل سوريا بمفرده”.

“بإمكاننا مساعدة الشعب”

قبل أن يستولي الثوار على دمشق، كانت هند قبوات قد اكتسبت خبرة في العمل مع الشرع خلال السنوات الثماني التي تولى فيها إدارة محافظة إدلب الشمالية الغربية التي كانت تحت سيطرة الثوار.

وبعد توليه السلطة، ساعدت في عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي جمع مئات الممثلين من جميع أنحاء سوريا لوضع توصيات بشأن دستور جديد ونظام حكم جديد وإجراء انتخابات في السنوات الخمس المقبلة.

ورثت هند قبوات مؤسسة واسعة في بلد يكاد يكون مفلسًا. واعترفت بأنها لا تزال لا تعرف عدد الموظفين الذين يعملون تحت إشرافها، ولا حجم ميزانيتها.

وقالت إنها سعيدة يتوليها حقيبة وزارية جادة، تشرف من خلالها على ما كان سابقًا وزارتين للشؤون الاجتماعية والعمل، اللتين تم دمجهما الآن في وزارة واحدة، وأضافت: “بفضل هذه الوزارة قبلتُ المنصب، لأننا نستطيع مساعدة الناس.”

ولن يكون ذلك سهلاً. فقد ورثت مؤسسة واسعة في بلد يكاد يكون مفلسًا. واعترفت بأنها لا تزال لا تعرف عدد الموظفين الذين يعملون تحت إشرافها، ولا حجم ميزانيتها.

ففي يومها الأول في المكتب، جمعت رؤساء أقسامها، وهم مجموعة من البيروقراطيين من النظام السابق، ومسؤولين من الإدارة التي يقودها الثوار ونشطاء المعارضة، بمن فيهم أحد الناجين من الاعتقال في السجون السورية الشهيرة بسمعتها السيئة.

وقالت لهم: “يجب أن نبدأ العمل على أساس الثقة ونتعاون مع بعضنا البعض. فقط تذكروا من هو رئيسنا الأساسي، إنه الشعب السوري.”

وقالت إن مهمتها كانت استخدام خبرتها في تدريس حل النزاعات والحوار بين الأديان لإصلاح الوزارة وتحويلها من أداة للديكتاتورية إلى وزارة تخدم الفئات الضعيفة.

هند قبوات في فعالية احتفالية بمناسبة عيد الفطر للأطفال من مختلف دور الأيتام في دمشق.

وقالت: “حتى لو غادرت بعد سنة واحدة أو مهما كانت المدة، سأترك شيئًا جيدًا لجيل قادم. وهذا ما أريده.”

الخلاف مع الأسد

لقد ولدت هند قبوات، التي رفضت الإفصاح عن عمرها، في الهند. وعاشت مع والديها في لندن ومصر، ثم عادت إلى دمشق للدراسة، أولاً في دير مسيحي ثم في مدرسة الليسيه الفرنسية شارل ديغول، ثم حصلت لاحقًا على شهادة في الاقتصاد من جامعة دمشق.

إن قلبها معلق بدمشق، خاصة شوارع المدينة القديمة الضيقة، حيث ربت أطفالها الاثنين، ولها حفيدة، وما زالت تعيش مع زوجها رجل الأعمال. وفي هذه الأيام، تسير عبر الأزقة المتعرجة في الصباح للوصول إلى سيارتها للذهاب إلى العمل.

هند قبوات تسير مع بعض من موظفيها عبر الأزقة المتعرجة في الصباح للوصول إلى سيارتها للذهاب إلى العمل.

وقالت إنها كانت تحلم، على مدى 14 سنة، بالعودة لتشم رائحة زهر البرتقال في فناء منزلها. ولكن بعد أن تحول قمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية إلى حرب أهلية، اضطرت إلى الابتعاد.

وبدأت فترة نفيها في سنة 2011 بعد إلقائها خطابًا في نيويورك عن المجتمع السوري متعدد الأعراق، الأمر الذي أغضب الأسد. طُلب منها عدم العودة. وقالت عن الرئيس السابق: “هو لا يحب هذه الرواية التي تقول إن المسيحيين والمسلمين يمكنهم العيش معًا.”

وحاولت هند قبوات الحفاظ على الحوار مع الأسد، الذي كان قد درس في نفس مدرستها، وكانت تعرف زوجته أيضًا. وعندما اندلعت الاحتجاجات في سنة 2012، حثته على التفاوض مع المتظاهرين.

وقالت: “اتصلت بوالدته، وتحدثت مع زوجته. أرسلنا له رسالة واضحة: لا تفعل هذا. فلا يمكنك قتل المدنيين، لأن مهمتنا في الحياة هي الدفاع عن المدنيين وحمايتهم. لكنه لم يستمع.”

وكانت قد بدأت بالفعل مسيرتها الأكاديمية، بعد أن حصلت على شهادات من الجامعة الأمريكية في بيروت وكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس، وعملت محامية في كندا.

ومنذ سنة 2004، تولّت إدارة برنامج سوريا في مركز الأديان العالمية والدبلوماسية وحل النزاعات بجامعة جورج ميسون، وكذلك المركز السوري للحوار والسلام والمصالحة في تورونتو. وعلى مدى السنوات، درّست آلاف الطلاب السوريين أهمية الحوار بين الأديان وحل النزاعات، ويعمل بعضهم معها اليوم.

وفي سنة 2015، شاركت في تأسيس جمعية “تستقل”، وهي منظمة غير ربحية تقودها نساء وتركّز على بناء مجتمع ديمقراطي لجميع السوريين. لكنها ابتعدت عن الجمعية واستقالت من منصبها الأكاديمي عند انضمامها إلى الحكومة.

هند قبوات في اجتماع مع كبار موظفيها.

وأصبحت هند معروفة لدى السوريين عندما تم تعيينها كواحدة من امرأتين فقط إلى جانب 30 رجلًا في الهيئة العليا للمفاوضات، التي شكّلت لعدة سنوات الهيئة الرئيسية التي تمثل المعارضة السورية في عملية السلام المدعومة من الأمم المتحدة بشأن سوريا.

وقالت: “لقد كان الأمر صعبًا للغاية، لكننا أصبحنا أكثر صلابة وقدرة على التحمل”.

ومن بين العديد من البيانات التي رحّبت بتعيينها، قال مركز تاننباوم للتفاهم بين الأديان، وهو منظمة غير ربحية في نيويورك، إن خبرتها تجعلها “مرشحة قوية” للمساهمة في تأمين مستقبل أكثر سلمًا للسوريين بإختلاف خلفياتهم.

“لننجز الأمور”

وخلال عدة اجتماعات مع صحيفة نيويورك تايمز، دعت هند مرارًا وتكرارًا إلى رفع العقوبات عن سوريا، التي فُرضت على البلاد خلال نظام الأسد، لكنها لا تزال سارية وتُعيق الاقتصاد من خلال تقييد التجارة والاستثمار والتحويلات الدولية.

وقالت: “إذا استمرت الولايات المتحدة في فرض العقوبات علينا، سيكون هناك الكثير من النساء والأطفال اللاجئين بلا مستقبل. إن رفع العقوبات لم يعد له علاقة بالسياسة، بل هو يتعلق بالإنسانية.”

قالت هند قبوات: “الأمر المهم هو أننا تخلصنا من مجرم حرب. لقد تخلصنا من العقبات الكبرى، الآن دعونا ننجز الأمور.”

وأوضحت أن الحكومة السورية قد استوفت معظم الشروط التي ذكرتها مؤخرًا المتحدثة باسم البيت الأبيض، مضيفة: “لقد حققنا الكثير من الشروط. إذا كان هناك شيء لا يعجبهم، يمكننا التفاوض. دعونا نجلس على الطاولة وتنوصل إلى حله.”

وتابعت: “الأمر المهم هو أننا تخلصنا من مجرم حرب. لقد تخلصنا من العقبات الكبرى، الآن دعونا ننجز الأمور.”

المصدر: نيويورك تايمز