كيف غير الحج حياة مالكوم إكس وأكسبه رؤية أكثر رحابة وإنسانية؟

حين وطأت قدما مالكوم إكس أرض مكة المكرمة عام 1964، لم يكن مجرد حاجٍّ يؤدي ركنًا من أركان الإسلام، بل كان رجلًا مُثقلًا بالغضب، يحمل في قلبه إرثًا من الكفاح من أجل العدالة، ومعتقدًا بأنّ الفصل العنصري والانقسام العرقي قدرٌ محتوم، إلا أنّ رحلة حجه بدّلت كلّ شيءٍ داخله.

كانت تجربة حجّ مالكوم لحظةَ تحوّلٍ جوهرية أعادت صياغة رؤيته الفكرية، ومنحته أفقًا أوسع لنضاله، وتشكّل يوميات حجه وثيقةً نادرةً تكشف عن ملامح هذا التحوّل العميق، وتوثّق إدراكه الجديد للعالم، وكيف غيّر الحج من نظرته إلى العرق والدين والسياسة.

كان مالكوم ينوي نشر هذه اليوميات في كتابٍ مستقلٍّ عن سيرته الذاتية التي شارك في تأليفها مع أليكس هيلي، لكنّ القدر لم يُمهله. وبعد عقود، حقّقت إحدى بناته هذه الأمنية، ونشرت يومياته عن الحجّ في عام 2014.

ما الذي دفعه للحج؟

وُلد مالكوم عام 1925 في نبراسكا، لعائلةٍ فقيرةٍ تناضل من أجل حقوق السود، حيث عاش حياةً قاسيةً في بيئةٍ غارقةٍ في العنصرية، فقد تيتّم في سنّ السادسة بعد أن قُتل والده على يد عنصريين بيض أحرقوا منزله، فيما تعرّضت جدته للاغتصاب، وأُدخلت والدته مصحّةً نفسيًا نتيجة الانهيار النفسي والإساءات العنصرية المتكرّرة.

تنقّل مالكوم بين دور الرعاية ومنازل العائلات التي حاولت تبنّيه، ورغم ذكائه اللافت، فقد واجه تمييزًا عنصريًا في المدرسة من زملائه البيض، وحتى من معلميه الذين لم يتردّدوا في إطلاق النكات عليه، وقد ترك المدرسة دون إكمال الصف التاسع، بعد أن أخبره معلّم اللغة الإنجليزية بأنّ طموحه في أن يصبح محاميًا غير واقعيٍّ لسواد بشرته، ناصحًا إيّاه باختيار مهنة “زنجية” كالنجارة.

ساهمت طفولة مالكوم القاسية وشبابه المضطرب في ترسيخ مشاعر العداء لديه تجاه البيض، وانجرف إلى عالم الجريمة، يبيع المخدرات ويقتحم منازل الأغنياء البيض، حتى أُلقي القبض عليه في يناير 1946، وكان حينها دون الحادية والعشرين، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات.

داخل السجن، استمرّ مالكوم في سلوكياته السابقة، من تعاطٍ للمخدرات إلى المقامرة، حتى لُقّب بـ”الشيطان” لكثرة لعناته وعدائه للدين. ومع ذلك، كان يبحث عن مخرجٍ لحياته المضطربة، فانكبّ على القراءة، وبتأثيرٍ من إخوته، انضمّ إلى جماعة “أمة الإسلام” بقيادة إليجا محمد، التي دعت إلى حرية السود، لكنها تبنّت أيضًا أفكارًا عنصريةً لا تنسجم مع الإسلام، ورأى مالكوم في هذه الحركة تفسيرًا للظلم الذي عاشه.

قضى مالكوم نحو سبع سنواتٍ في السجن، وبعد إطلاق سراحه، كرّس جهوده للدعوة إلى جماعة “أمة الإسلام”، وأظهر مهاراتٍ لافتةً في المناظرة والخطابة، وبفضل كاريزميّته، توسّعت الجماعة من مئاتٍ إلى آلاف الأتباع، لتتحوّل إلى حركةٍ جماهيريةٍ مؤثرةٍ في خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي.

في تلك الفترة، عبّرت خطب مالكوم عن رؤيةٍ رافضةٍ لأيّ شكلٍ من أشكال الاندماج مع العرق الأبيض، حيث رأى أنّ كلّ ما يمتّ بصلةٍ إلى الرجل الأبيض يحمل طابع الفساد، واعتبر المسيحية وسيلةً للهيمنة على السود، وأنّ جنة الرجل الأبيض هي جحيم الرجل الأسود، كما تبنّى فكرة اندلاع حرب “هرمجدون” بين السود والبيض.

وفي أوائل ستينات القرن العشرين، اكتشف مالكوم أنّ إليجا محمد لم يكن القدوة الأخلاقية، أو النبيّ المزعوم لإنقاذ العرق الأسود في أمريكا، كما كانت تزعم جماعة “أمة الإسلام”، فقد انكشفت له تورّطات إليجا في فضائح أخلاقيةٍ مع سكرتيراته الشابات، وكانت هذه الصدمة نقطة تحوّلٍ حاسمةً دفعته للانفصال عن المنظمة وبدء مساره المستقل.

وفي سيرته الذاتية، يروي مالكوم أنّه سمع انتقاداتٍ تصف جماعة “أمة الإسلام” بأنّها لا تُمثّل الإسلام الحقيقي، ومن هنا نشأت لديه الرغبة في اكتشاف الإسلام الحقيقي، ومعايشة المسلمين عن قرب، ورأى في الحجّ الفرصة المناسبة لفهم الإسلام بصورته الأصيلة، وقرّر التوجّه إلى مكة عام 1964، بعد أشهرٍ من انفصاله عن إليجا محمد.

من أمريكا إلى مكة

توجّه مالكوم إلى أخته إيلا طالبًا قرضًا بنحو 1300 دولار لتغطية نفقات الحج، فوافقت على مساعدته، وبعد أن ودّع عائلته، سافر جوًا إلى القاهرة، فوصلها في أوائل أبريل 1964، وفي مطار القاهرة، نُصح بترك الكاميرا قبل مواصلة رحلته إلى جدة.

اشترى مالكوم من القاهرة حقيبةً صغيرةً بالكاد تتّسع لبدلةٍ واحدة، وقميصًا، وزوجًا من الملابس الداخلية، وحذاءً، استعدادًا لرحلته إلى مكة، وعندما توجّه إلى المطار برفقة مجموعةٍ من الحجاج، بدأ يشعر بالتوتر، مدركًا أنه سيتعلّم مناسك الحج بتقليدٍ ومراقبةٍ لمن حوله.

في مطار القاهرة، ارتدى مالكوم ملابس الإحرام، وتأثّر بالحشود التي كانت تردّد بصوتٍ واحد: “لبيك اللهم لبيك”، وبدأ يلاحظ تدفّق الناس من كلّ حدبٍ وصوب، يُعانقون بعضهم البعض بغضّ النظر عن ألوان بشرتهم، ووسط أجواءٍ دافئةٍ ومليئةٍ بالمودّة، شعر حينها وكأنّه خرج من سجنٍ طويل.

لم يكن من المفترض أن يسافر مالكوم على تلك الرحلة إلى جدة، لكن بترتيبٍ استثنائي، تم تأجيل رحلة أحد الركّاب لإفساح المجال له، تقديرًا لكونه مسلمًا أمريكيًا. ويروي مالكوم أنّه شعر بالأسف لإزعاجه ذلك الشخص وإبعاده من أجل مقعده، لكن في الوقت ذاته، شعر بالتواضع والامتنان لهذا التقدير والتكريم الذي ناله.

ووصف مالكوم كيف امتلأت الطائرة بمسافرين من أعراقٍ وألوانٍ شتّى: بيض وسود وآسيويين. وما إن شاع خبر وجود مسلمٍ أمريكيٍّ بينهم، حتى بدأت الابتسامات والترحيب تنهال عليه من كلّ جانب، حتى قائد الطائرة، وهو مصري، دعاه لزيارة قمرة القيادة، فاستجاب مالكوم للدعوة بسرور.

أخيرًا، وصلت الطائرة إلى مطار جدة، الذي كان أكثر ازدحامًا من مطار القاهرة. توزّع الحجاج إلى مجموعات، واتجه كلّ منهم إلى صفوفٍ طويلةٍ تنتظر المرور عبر الجمارك. وقبل بلوغ تلك النقطة، تم تخصيص مطوّفٍ لكلّ مجموعة ليتولّى مرافقتها من جدة إلى مكة. وبينما كان مالكوم يشقّ طريقه، تردّدت أصوات التلبية في الأرجاء.

يروي مالكوم أنّه عندما وصل إلى مطار جدة لأوّل مرة، رأى حجاجًا من غانا وإندونيسيا واليابان وروسيا، واصفًا المشهد في سيرته الذاتية بقوله: “لا أعتقد أنّ كاميرات السينما قد التقطت مشهدًا إنسانيًا أكثر بهجةً ممّا التقطته عيناي”. وأضاف: “كان المشهد أشبه بصفحاتٍ من مجلة ناشيونال جيوغرافيك”.

في رحاب مكة والمدينة

يروي مالكوم أنّه حلّ ضيفًا لدى الأمير عبد الله بن فيصل، الذي خصّص له أفضل جناح في فندق “جدّة بالاس”، وقدّم له كلّ ما بوسعه ليتيح له فرصةً أعمق لفهم الإسلام، كما وُفّرت له سيارةٌ بسائقٍ ومترجمٍ لنقله إلى أيّ مكانٍ يرغب به، وأكّد مالكوم أنّه لم يختبر في حياته ضيافةً وودًّا أخويًّا مثلما لقي في الجزيرة العربية.

وخلال تجوّله في جدّة، أبدى مالكوم دهشته من غياب النوادي والمسارح ودور العرض، أو أيّ نوعٍ من الترفيه المعتاد. ومع ذلك، لاحظ أنّ المدينة تشهد نموًّا سريعًا، حيث تنتشر المباني الحديثة وتتوسّع الطرق.

وعندما شاهد مالكوم الكعبة، المحاطة بالآلاف من الحجاج، اجتاحته مشاعر الفرح والاعتزاز، ووقف جنبًا إلى جنب مع أشخاصٍ من كلّ لون، يتشاركون المكان بلا تمييز. لم يسأله أحدٌ عن لون بشرته، ولم يكن هناك خوفٌ أو كراهيةٌ تجاهه. ولأوّل مرة، أدرك أنّ العالم لا يجب أن يكون مثل أمريكا، وأنّ العنصريّة من صنع الإنسان، وكتب: “في مكة، ولأوّل مرة في حياتي، شعرت أنّني إنسانٌ كاملٌ أمام خالقي”.

كما اقتنى عشراتِ البطاقاتِ البريدية، وكتب رسائل لأصدقائه وعائلته في أمريكا، عبّر فيها عن التحوّل العميق الذي طرأ على نظرته تجاه البيض. وفي رسالةٍ بعثها إلى أليكس هيلي بتاريخ 25 أبريل، أقرّ بأنّه لم يسبق له أن عاش كرمًا صادقًا وأخوّةً صادقةً كما وجدها بين أناسٍ ينتمون إلى أعراقٍ وألوانٍ مختلفةٍ في هذه الأرض المقدّسة.

في صباح اليوم التالي، انطلق مالكوم مع آلاف الحجاج إلى جبل عرفات، أقام في خيمةٍ كبيرة، وتناول الطعام مع أشخاصٍ يُعتبرون في أمريكا بيضًا، لكنّ الإسلام أزال عنهم هذا التمييز. ويروي أنّه تأثّر بشدةٍ برؤية هذا الجمع المتنوّع من مختلف الأعراق والطبقات، ولم يكن يتصوّر أنّ المساواة التي يشهدها الآن ممكنة، ممّا دفعه لإعادة النظر في أفكاره السابقة، مؤكّدًا انفتاحه على الحقائق الجديدة التي عاشها خلال حجّه.

وخلال ليلةٍ قضاها في مزدلفة تحت السماء، شعر مالكوم بروحِ الأخوّةِ الصادقة، وأُخبِر بأنّ هذا الموسم هو أعظم مواسم الحجّ في التاريخ. كما روى له قاسم جوليك، عضو البرلمان التركي، أنّ أكثر من خمسين ألف حاجٍّ قدموا من تركيا وحدها. وتمنّى مالكوم أن يحين اليوم الذي يتوافد فيه المسلمون الأمريكيون أفواجًا إلى مكة، وكتب في يومياته:

“في مزدلفة، أتممنا صلاة العشاء، وجمعنا الحصى السبعة التي سنحملها غدًا إلى منى لرمي الجمرات، ثمّ تحدّثنا وتناولنا الطعام.. بدأت أعتاد هذه العادات: أتناول الطعام بيدي من نفس الطبق مع الآخرين، وأشرب من نفس الكوب، وأغتسل بإبريقٍ صغير، والآن أنام على حصيرةٍ بسيطةٍ تحت السماء، أستمع إلى شخير الحجاج من كلّ أصقاع الأرض”. صـ31.

خلال الحجّ، التقى مالكوم بالعديد من المسلمين من خلفيّاتٍ مختلفة، وألقى خطبًا أمام الحجاج، وتبادل الحديث مع حجاجٍ أفارقة، وشخصيّاتٍ مرموقة، مثل مفتي القدس أمين الحسيني، وعمدة مكة عبد الله عريف، والشيخ سرور الصبّان. ناقش معهم أوضاع المسلمين والسود في أمريكا، مستغلًّا كلّ فرصةٍ في موسم الحجّ لتعريف المسلمين من مختلف الجنسيّات بمعاناة السود في وطنه، مؤكّدًا أنّ لون البشرة وحده قد يعرّض الإنسان في أمريكا للعنف والاضطهاد.

ثمّ، في 24 أبريل، أتمّ مالكوم مناسك الحجّ، وغادر منى متجهًا إلى جدة، ثمّ سافر في اليوم التالي إلى المدينة المنوّرة على متن طائرةٍ استغرقت رحلتها ساعةً واحدة. كان من المفترض أن تُقِلّه سيارةٌ حكوميّة برفقة مرشد، لكنه فضّل تفادي الرحلة الطويلة التي تستغرق خمس ساعات، واستقلّ الطائرة بمفرده. وخلال الرحلة، واصل تدوين ملاحظاته، معبّرًا فيها عن شعورٍ عميقٍ بسلامٍ داخليٍّ لم يعرفه منذ سنوات.

عندما وصل إلى المدينة المنوّرة، استقلّ سيارةً من المطار، وتوجّه إلى فندقٍ يطلّ على المسجد النبوي. وقد أثار دهشة السكان المحليين كونه مسلمًا أمريكيًّا، فأصبح محلّ احترامٍ واهتمام.

وصف المدينة بأنّها واحةٌ من الهدوء والسلام، تليق بالنبيّ الذي دعا إلى دين الرحمة. وعندما أنهى صلاة العشاء في المسجد النبوي، غمره شعورٌ غير مسبوقٍ من السكينة والراحة، واعتبر المدينة المنوّرة أكثر مكانٍ شعر فيه بطمأنينةٍ وقربٍ من الله. كما زار سوق المدينة المنوّرة، واشترى عدّة خواتم.

وبينما كان مالكوم يستعدّ لمغادرة السعودية، تلقّى اتصالًا من الأمير فيصل، الذي ألحّ عليه بتأجيل رحلته إلى 28 أبريل، حتى يتسنّى له لقاؤه ظهر اليوم التالي، فرحّب مالكوم بالدعوة بسعادة، وأجّل سفره.

وخلال اللقاء، شرح له مالكوم دوره في تنظيم المسلمين السود خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، وأخبره أنّ هدفه من الحجّ هو التعرّف على جوهر الإسلام الحقيقي، فأثنى فيصل على مالكوم، قائلًا: “هذا أمرٌ طيّب”، وعندما تلعثم مالكوم في التعبير عن امتنانه، أوضح له الأمير أنّ كلّ ما فعله كان بدافع الأخوّة الإسلامية.

في 29 أبريل، غادر مالكوم جدّة متجهًا إلى بيروت، بهدف التعرّف على جماعة “الإخوان المسلمين”، ثمّ شرع في جولةٍ شملت عدّة دولٍ عربيةٍ وأفريقية، من بينها مصر، والسودان، والجزائر، وغانا، حيث عرض قضيّة اضطهاد السود في أمريكا، والتقى بعددٍ من المسؤولين، كما زار قطاع غزّة، وأبدى تضامنه مع الشعب الفلسطيني.

كيف أعاد الحج تشكيل نظرته للحياة؟

استغرق حجّ مالكوم أسبوعين شكّلوا مرحلةً محوريّةً في حياته. كان الشيء الوحيد الذي أزعجه خلال حجّه، عدم قدرته على التحدّث بالعربية. مع ذلك، خلّفت هذه التجربة ذكرياتٍ ومشاعرَ لا تُحصى، ويعتبر مالكوم نفسه أوّل إفريقيٍّ أمريكيٍّ أدّى فريضة الحجّ.

لم يُغيّر الحجّ تشكيل معتقداته الشخصيّة فحسب، بل أعاد صياغة فهمه لذاته وللعالم، وأعاد تعريف فلسفته لمعالجة القضايا العرقيّة في أمريكا من منطلقٍ إسلاميٍّ يتجاوز الحدود العرقيّة والقوميّة. ويمكن ملاحظة التغييرات التي طرأت على مالكوم قبل رحلته إلى مكة وبعدها في يوميّاته، وقد كتب فيها:

“ذهني أصبح أكثر صفاءً وهدوءًا منذ مغادرتي مكة، وأفكاري باتت أكثر قوّةٍ ووضوحًا.. بعد حجّي الأخير، تلاشت من داخلي أيّ اتّهامٍ لأيّ عرق، وقرّرت أن أوجّه طاقتي لعيش حياة المسلم السنّيّ الحقيقي”. صـ140.

يُشير مالكوم في روايته إلى أنّ تجربة الحجّ ساعدته في التصالح مع نفسه، والتخفيف من مشاعر الغضب التي حملها طويلًا، كما تخلّى عن قناعته السابقة بأنّ البيض بطبيعتهم أشرار. لقد زلزلت هذه الرحلة المقدّسة أفكاره القديمة حول استحالة التعايش بين الأعراق، فتحوّل من مُنادٍ بالقوميّة السوداء إلى داعٍ للوحدة والأخوّة الإنسانيّة، بعدما عايش في مكة نموذجًا يتجاوز الفوارق العرقيّة.

ويرى مالكوم أنّ على أمريكا أن تستفيد من الإسلام، لأنّه الدين الوحيد القادر على القضاء على مشكلة العنصريّة في مجتمعها. ومن اللافت أنّه، بمجرد انتهائه من أداء فريضة الحجّ، سارع إلى كتابة رسالةٍ موجّهةٍ إلى الصحف، عبّر فيها عن التحوّل العميق الذي طرأ على رؤيته، لا سيّما في نظرته إلى البيض، داعيًا إلى المصالحة بين العرقين الأبيض والأسود في أمريكا، ومُبديًا تفاؤلًا بالمستقبل، وقد ختم رسالته بتوقيع اسمه الجديد: “الحاج مالك الشبّاز”.

كما أسّس مالكوم منظّمةً تعبّر عن رؤيته الجديدة بعد الحجّ، وسرعان ما بدأت حركته تكتسب أتباعًا بشكلٍ متزايد، وامتدّ تأثير فلسفته ليطال حركة الحقوق المدنيّة في أمريكا، غير أنّ مسيرته توقّفت بشكلٍ مأساويّ، إذ اغتيل في 21 فبراير/ شباط 1965، أثناء إلقائه كلمةً أمام أنصاره في قاعةٍ بأحد أحياء هارلم، حيث أطلق عليه ثلاثة رجالٍ النار، وأُصيب بخمس عشرة رصاصة، وكان حينها في التاسعة والثلاثين من عمره.