تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق: القصة الكاملة وما نعرفه حتى الآن

شهدت العاصمة السورية دمشق، مساء الأحد 22 يونيو 2025، حادثًا أمنيًا تمثل في تفجير استهدف كنيسة مار إلياس الواقعة في حي دويلعة، ما أسفر عن وقوع عدد من الضحايا والمصابين. وتأتي هذه الحادثة في وقت تستعيد فيه المدينة جانبًا من استقرارها الأمني، ما يجعل استهداف دور العبادة مسألة تثير الانتباه من حيث التوقيت والدلالة.
حتى اللحظة، لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير، بينما تشير التصريحات الرسمية إلى احتمال ضلوع جماعات متطرفة في تنفيذه وخاصة تنظيم “داعش”. وباشرت الجهات الأمنية تحقيقًا موسّعًا لكشف ملابساته وتحديد هوية الجهة المنفذة، وسط دعوات محلية ودولية لضمان حماية دور العبادة وتعزيز إجراءات السلامة العامة.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز المعلومات المتوفرة حول الحادث، بدءًا بتفاصيل وقوعه، مرورًا بالموقف الرسمي، وانتهاء بردود الفعل الإقليمية والدولية التي أعقبته.
تفاصيل الهجوم
في حوالي الساعة السابعة مساءً بتوقيت دمشق، وقع انفجار داخل كنيسة مار إلياس الكائنة في حي دويلعة، تزامنًا مع توافد المصلين لحضور قداس الأحد.
وحسب ما أفادت به وزارة الداخلية السورية، فإن الهجوم نُفذ بواسطة انتحاري يرتدي حزامًا ناسفًا، تمكّن من دخول المبنى وتفجير نفسه في القسم الرئيسي من الكنيسة، في حين تحدث شهود عيان عن إطلاق نار سبق التفجير، ما يرجّح أن هناك مهاجم آخر رافق الانتحاري في جريمته.
وحسب وزارة الصحة فإن الهجوم أسفر حتى الآن عن مقتل 25 شخصًا وإصابة 63 آخرين. وأظهرت صور ومقاطع فيديو من موقع الحدث دمارًا في البنية الداخلية للكنيسة، وتحطم النوافذ الزجاجية وسقوط جزء من السقف.
فيما ذكرت شهادات طبية من مشافي الهلال الأحمر والمستشفى الفرنسي ومستشفى المجتهد أن بين الجرحى عدداً من الأطفال. كما قدرت شهادات ناجين عدد المصلين داخل الكنيسة لحظة وقوع التفجير بحوالي 200 شخص.
ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى الآن، لكن الاتهامات الأولية التي صدرت عن وزارة الداخلية السورية وجّهت أصابع الاتهام إلى تنظيم “داعش”، استنادًا إلى نمط التفجير وطبيعته. وتُعد هذه الحادثة أول استهداف من نوعه لكنيسة في دمشق منذ عام 2018.
الرواية الرسمية السورية
في أول تعليق رسمي على التفجير، وصفت وزارة الداخلية السورية الهجوم بـ”الإرهابي”، مؤكدة أن منفذه ينتمي إلى “داعش”، من دون تقديم تفاصيل إضافية حول هويته.
وصرّح المتحدث باسم الوزارة، نور الدين البابا، أن الهجوم يمثل “محاولة لزعزعة الاستقرار في العاصمة، واستهدافًا مباشرًا للوحدة الوطنية والتعايش بين السوريين”.
وفي مؤتمر صحفي أعقب الحادث، دعا البابا وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى التحلي بالمسؤولية والدقة في تغطية الأخبار المتعلقة بالهجوم، مطالبًا المواطنين بعدم الانجرار خلف الشائعات، والاعتماد حصريًا على التصريحات الرسمية إلى حين انتهاء التحقيقات الجارية.
وأشار بيان لاحق لوزارة الداخلية إلى أن كاميرات المراقبة رصدت تحركات المهاجم قبل دخوله الكنيسة، وهو ما ساهم في تحديد نطاق التحقيق وتعقّب من يُشتبه بصلته بالعملية. وذكرت مصادر أمنية أن عددًا من الأشخاص أُوقفوا على ذمة التحقيق، ضمن حملة ملاحقة لعناصر يشتبه بانتمائهم إلى الخلية المسؤولة.
من جهته، أعلن محافظ دمشق ماهر مروان، أن السلطات بدأت باتخاذ خطوات لترميم الأضرار التي لحقت بالكنيسة، وأكد أن خططًا جديدة لتأمين دور العبادة ستُطبّق خلال الفترة المقبلة.
ردود الفعل العربية والدولية
توالت الإدانات على نطاق واسع عقب ساعات من التفجير. وأصدرت عدد من العواصم العربية والغربية بيانات استنكار شددت فيها على رفض العنف ضد المدنيين ودور العبادة، وأعربت عن تعازيها لأهالي الضحايا ولعموم السوريين.
محليًا:
صدرت مواقف واضحة من عدد من المرجعيات الدينية في سوريا، أبرزها بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس التي دعت إلى الحفاظ على السلم الأهلي، معتبرة أن استهداف الكنيسة هو استهداف لكل السوريين بمختلف انتماءاتهم.
كما أصدر مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في دمشق بيانًا دعا فيه إلى التمسك بالعيش المشترك ورفض كل محاولات زرع الفتنة الدينية.
عربيًا وإقليميًا:
أعربت دولة قطر عن إدانتها الشديدة للهجوم، مجددة رفضها لجميع أشكال العنف والإرهاب، بغضّ النظر عن الدوافع والذرائع.
من جهتها، شددت وزارة الخارجية العراقية على رفض بغداد التام لاستهداف دور العبادة، واعتبرت أن هذه الاعتداءات تمثل “محاولات خبيثة لضرب النسيج الاجتماعي وجرّ المجتمعات نحو الفتنة الطائفية”.
وفي بيروت، وصف رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام الهجوم بأنه “عمل إجرامي دنيء يستهدف وحدة سوريا دولة وشعبًا”.
كما أكدت وزارة الخارجية الأردنية وقوف المملكة إلى جانب سوريا، وجدّدت دعمها للحكومة السورية في جهود مكافحة الإرهاب وحماية الأمن الوطني ووحدة الأراضي السورية.
أما المملكة العربية السعودية، فقد أعربت عن رفضها لاستهداف دور العبادة وسفك دماء الأبرياء، مؤكدة تضامنها مع سوريا في وجه التطرف والعنف.
وفي موقف مماثل، دانت الإمارات العربية المتحدة التفجير، ووصفت استهداف دور العبادة بأنه انتهاك صارخ للمبادئ الإنسانية.
كما استنكرت مملكة البحرين الهجوم، مجددة موقفها الثابت الرافض لأعمال العنف والإرهاب التي تستهدف الأبرياء والمرافق الدينية.
وأكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية تضامن دولة فلسطين مع سوريا في مواجهة الإرهاب، وثقتها بقدرة الشعب السوري على تجاوز هذه المحنة.
وفي هذا السياق، دانت وزارة الخارجية التركية الهجوم، معتبرة أنه يستهدف جهود ترسيخ الأمن في سوريا، ويهدف إلى زعزعة السلم الاجتماعي. وعبّرت أنقرة عن ثقتها بأن السوريين سيتجاوزون هذا التحدي من خلال التمسك بالوحدة الوطنية ومواجهة الجماعات الإرهابية بحزم.
دوليًا:
قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، في بيان نشره عبر منصة “إكس”، إن هذه “الأفعال الجبانة والمروعة لا مكان لها في سوريا التي تسعى لإعادة بناء مجتمعها على أسس التسامح”. مؤكداً أن واشنطن مستمرة في دعم جهود الحكومة السورية لتحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب.
كما دانت الأمم المتحدة الهجوم على لسان المتحدث باسم الأمين العام، واصفة ما جرى بأنه “اعتداء خطير على حرمة دور العبادة”، داعية إلى فتح تحقيق شامل وتقديم المسؤولين إلى العدالة.
وفي بروكسل، وصف الاتحاد الأوروبي التفجير بأنه “عمل مدان بشدة”، مشددًا على ضرورة حماية المدنيين وتعزيز سبل التعايش الديني.
أما كل من فرنسا، ألمانيا، والمملكة المتحدة، فقد أصدرت بيانات متزامنة أدانت فيها الهجوم، وأكدت التزامها بدعم جهود الاستقرار في سوريا، مع الدعوة إلى احترام حرمة الأماكن الدينية وصون سلامة المدنيين.
حي الدويلعة.. عن المكان والسكان
يقع حي الدويلعة في القسم الجنوبي الشرقي من العاصمة السورية دمشق، ويتبع إداريًا لمحافظة دمشق. يتميز الحي بتركيبته السكانية المتنوعة، مع غالبية سكانية من الطوائف المسيحية، لا سيما الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس، إلى جانب نسبة من العائلات المسلمة التي تقطن الحي منذ عقود.
من الناحية الجغرافية، يتوسط الحي عدة مناطق عرفت بمقارعتها النظام الأسدي خلال سنوات الثورة، منها الطبالة وجوبر وعين ترما من الشمال والشرق، وحي التضامن من الجنوب، ما يجعله في موقع تماس مع مناطق شهدت مواجهات عنيفة. ورغم ذلك، فإن الدويلعة لم تكن ساحة مباشرة للقتال، ولم تتعرض لقصف ممنهج من قبل قوات النظام.
شهد الحي خلال الفترة ما بين 2013 و2015 توترات أمنية متقطعة، تمثلت في سقوط قذائف عشوائية نتيجة الاشتباكات العنيفة في جوبر والمناطق المجاورة، ما تسبب بأضرار مادية محدودة. كما استقبل الحي أعدادًا من الأسر النازحة من مناطق ملتهبة في الغوطة الشرقية، ما أسهم في ارتفاع الكثافة السكانية وتغيّر البنية الاجتماعية جزئيًا دون أن يمس طابعه العام.
في الأشهر القليلة الماضية، أُثير جدل واسع في الحي بعد ظهور سيارات دعوية مجهزة بمكبرات صوت، كانت تجوب الشوارع وتبث تسجيلات تدعو إلى اعتناق الإسلام وتطبيق الشريعة. وهو ما أثار استياء سكان الحي، وأُشير إلى وقوع مشادات كلامية بين المارة وبعض القائمين على تلك الحملات.
كما انتشرت مقاطع مصورة لهذه الحوادث بنطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ما فتح نقاشًا عامًا حول احترام الخصوصية الدينية والتعددية المجتمعية في كافة أنحاء سوريا.
في ضوء المعطيات الأولية، يندرج تفجير كنيسة مار إلياس ضمن التحديات الأمنية التي لا تزال تواجه بعض المناطق في سوريا، رغم فترات من الاستقرار النسبي. وتؤكد الاستجابة الرسمية السريعة، إلى جانب الإدانات الدولية الواسعة، على وجود وعي جماعي بخطورة استهداف المرافق الدينية وضرورة حمايتها باعتبارها رمزًا للتنوع والتعايش.