البحث العلمي في مصر: وفرة إنتاج وعقولٌ مهاجرة

في عصر التكنولوجيا المتطورة، وحين يكون العلم السلاح الأبرز في ساحات الوغى حينما يٌفرض القتال وتحتدم المعارك، سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية، تٌقيم الدول والشعوب بحجم ما وصلت إليه من تقدم علمي، ويكون البحث العلمي هو الترمومتر الأكثر دقة لقياس مستوى وحجم البلدان ووضعها على خارطة النهضة والنفوذ الإقليمي والدولي.
ويٌفسر هذا المعيار الدقيق حجم البون الشاسع بين قائمة الأولويات لدى البلدان المتقدمة والنامية، فبينما تشحذ الأولى الهمم وتسخّر الطاقات لأجل التطورات العلمية وتفتح خزائنها أمام باحثيها وعلماءها كونهم حائط الصد الأبرز والكنز الأغلى الذي يجب أن يوضع تحت معيار الاهتمام والرعاية، تسير الثانية عكس الاتجاه، شكلا ومضمونا، حيث الأولوية للفن والكرة والمظاهر الاجتماعية وتقديس الأنظمة والحكام، فيما يأتي العلماء والباحثين في مؤخرة ركب الاهتمام وفي ذيل قائمة الاولويات الوطنية.
ويمثل البحث العلمي في مصر معضلة لها خصوصية استثنائية، فهو واحد من أكثر المؤشرات الكاشفة عن نظرة الأنظمة الحاكمة لمسارات التنمية واستراتيجيات النهوض، وأحد معايير التقييم الحساسة لقراءة المستقبل، القريب منه والبعيد، ويأتي في مقدمة الأسباب التي جردت الدولة المصرية من ريادتها الإقليمية وسحبت من تحت أقدامها بساط نفوذها لصالح قوى أخرى ناشئة، لتتحول القاهرة من قبلة لباحثي العالم قبل عقود قليلة إلى منصة طاردة للعقول والكفاءات.
خارطة البحث العلمي
يتأرجح إنتاج مصر من الأبحاث العلمية ما بين عام وأخر، إلا أنه وصل قمة ذروته عام 2022 حين تجاوز الإنتاج البحثي أكثر من 44 ألف بحث ( تشكل نحو 1.13% من إجمالي الإنتاج العالمي للمنشورات العلمية) احتلت بها القاهرة المرتبة 24 عالمياً من بين 233 دولةً.
وبحسب مؤشر “SCImago” والذي يعد أحد أهم المقاييس العالمية لتقييم الأبحاث والمجلات العلمية المنشورة، فقد احتلت مصر المرتبة الـ25 عالمياً في مجال النشر العلمي، كما حلت في الصدار على المستوى الأفريقي، إذ يُشكل إنتاجها ما يمثل نحو 27% من إجمالي إنتاج القارة السمراء من البحث العلمي.
وتُعتبر مصر الحاضنة الأكبر للمؤسسات والكيانات العلمية في المنطقة العربية، إذ يوجد بها نحو 65 جامعة، منها 28 جامعة حكومية، و37 جامعة خاصة وأهلية وأجنبية بخلاف الأكاديميات والمعاهد العليا والمتوسطة، تضم بين جنباتها 128181 عضو هيئة تدريس ومعاونيهم في مختلف مؤسسات التعليم الجامعي الحكومي والخاص بحسب إحصاءات 2020، فيما يتجاوز عدد الباحثين في شتى الهيئات حاجز الـ 180 ألف باحث.
وبلغ عدد الأبحاث المنشورة في مجلات علمية دولية قرابة 156.128 بحث، خلال الفترة من 2008 – 2018، حيث ارتفع هذا المعدل من 9479 بحث في 2010 إلى 21961 بحث في عام 2018، بمعدل نمو سنوي يقدر بنحو 16.4% وفق ما ذكرت “الاستراتيجية القومية للعلوم والابتكار 2030” الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وتصدرت جامعة الأزهر قائمة الجامعات الأكثر استحواذًا على الباحثين في قطاع التعليم الجامعي، بنسبة 15% من إجمالي عدد الباحثين، تلتها جامعة القاهرة في المرتبة الثانية بـ 12.5% ثم جامعة عين شمس ثالثًا بـ 11.4%.
العبرة ليست بالكم
بلغة الأرقام هناك من يرى في 22 ألف بحث سنويًا و180 ألف باحث، رقمًا هائلا، لكن حين مقارنته بعدد السكان الذي يتجاوز 114 مليون نسمة فإن المقاربة ربما تتغير، عكس ما يروج له الخطاب الإعلامي الرسمي الصادر عن وزارة التعليم والبحث العلمي والذي يرى في ذلك طفرة هائلة تضع مصر على أول خطوات استعادة ريادتها العلمية التي تخلت عنها قبل عقود.
وتتضح تلك الفجوة بالبون الشاسع بين متوسط الباحثين في مصر قياسا بعدد السكان مقارنة بالبلدان المتقدمة، ففي الوقت الذي يوجد فيه 686.6 باحثًا مصريًا لكل مليون مواطن، هناك في بلجيكا مثلا 3878 باحثًا لكل مليون مواطن، وفي إسبانيا 2800 باحث لكل مليون، وفي البرتغال 2724 باحثًا لكل مليون.
حتى على المستوى العربي فهناك دول عدة تتفوق على مصر في هذا المسار، ففي الإمارات هناك 2378 باحثًا لكل مليون، وفي تونس 1771 باحثًا لكل مليون، وفي السعودية 1500 باحثًا لكل مليون، وفي المغرب هناك 1073 باحثًا لكل مليون نسمة، وفي الجزائر 819 باحثًا لكل مليون، بحسب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الإليسكو)
وهناك من يرى أن العبرة ليست بالكم قدر ما هي بنوعية ومستوى الأبحاث المنشورة، كما ذهب الباحث في المركز القومي للبحوث، أحمد عبد الفتاح الذي يقول في تصريحات صحفية له “إن القضية ليست في عدد الأبحاث المنشورة، لكن المهم جودة البحث ومصداقيته والجديد الذي يقدمه، فمن السهل إعداد بحث ممتلئ بمعلومات ليست ذات قيمة، ولكن لن تكون هناك استفادة حقيقية منه”.
التمويل.. المعضلة الأخطر
البحث العلمي في حقيقته استثمار طويل الأجل، يحتاج لخطط ومناهج قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وميزانيات مفتوحة لتحقيق الأهداف المنشودة، ولا يستقيم بحث دون ميزانية تغطيه من الألف إلى الياء، وإلا تحول مع مرور الوقت إلى مسألة روتينية تستهدف الاستعراض والوجاهة دون أي إنجاز حقيقي ملموس ميدانيًا.
الدستور المصري في مادته الـ (23) نصّ صراحة على تخصيص 1% على الأقل من الناتج المحلي القومي لأغراض البحث العلمي، فيما لا تتجاوز مخصصاته الفعلية حاجز الـ0.07% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يعني أن هناك عجز يتجاوز أكثر من عشرة أضعاف من القيمة التي خصصها الدستور.
أستاذ طب النساء والتوليد في جامعة القاهرة، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الدكتور محمد أبو الغار، يقول إن حتى هذه النسبة الضئيلة لم تُوجه كلها لصالح البحث العلمي، لافتا أن 80% منها يٌنفق على الرواتب والأجوار والحوافز المادية فيما لا يتجاوز ما ينفق على البحث العلمي 20% فقط.
ويستعرض أبو الغار في مقال له موجة التراجع في ميزانية البحث العلمي على مدار السنوات الماضية، لافتا أنها تراجعت من 870 مليون جنيه عام 1996، أي ما يقارب وقتها 131 مليون دولار بسعر آنذاك، إلى 5 مليارات جنيه في ميزانية 2023، أي ما يوازي 112 مليون دولار بسعر اليوم، وهو التراجع الذي يكشف موقع هذا المجال الحيوي على قائمة الأولويات الحكومية.
ويرى السياسي والأكاديمي المصري أن “إسرائيل” تنفق 30 مرة ما تنفقه مصر على البحث العلمي، ونحو 50 ضعفاً في استخدامات الإنترنت لأغراض علمية، و70 ضعفاً في النشر العلمي، وألف ضعف في الاختراعات، وهو ما أدى في النهاية إلى هذه الطفرة العلمية التي باتت عليها الكيان الإسرائيلي مقارنة بالتراجع الفجّ للدول العربية وعلى رأسها مصر.
وبينما لا يتجاوز إنفاق مصر على البحث العلمي حاجز الـ 0.07% من الناتج القومي، تنفق السويد 3.4%، إيران 0.79%، بلجيكا 3.46%، الإمارات 1.5%، سويسرا 3.19، كوبا 0.52%، أمريكا 3.42%، الصين 2.41%، إسرائيل 5.35%، فرنسا 2.35%، واليابان، 3.2%.
غياب مناخ التفوق
في محاضرة له أمام نخبة من عمداء وأساتذة الجامعة قال العالم المصري الراحل أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء 1999، إن من أبرز أسباب نجاحه في الولايات المتحدة توفر ما أسماه “مناخ التفوق”، هذا المناخ الذي دفعه للأمام وذلل أمامه الصعاب التي كان يواجهها في مصر والتي دفعته في الأساس للهروب وإكمال تعليمه وأبحاثه في الخارج.
ومن أبرز معوقات النجاح بحسب زويل البيروقراطية المفسدة، فحضور مؤتمر أو نشر بحث لا يشترط الحصول على 12 توقيع بحسب وصفه، كما أن الإبداع غير محكوم بأهواء رئيس القسم أو رئيس الجامعة أو المدير في العمل، فالجميع يعمل لأجل النهوض والتنمية، وكل يحصل على حقه على قدر أداءه ومجهوده.
وتعد الحريات أحد أضلاع النهوض البحثي، فحين تُفرض قيود ومضايقات يُقتل الإبداع ويٌحبس النبوغ داخل أقفاص مسلسلة من العقبات والعراقيل، وهو ما أكد عليه الأوائل من المفكرين المصريين، كما جاء على لسان الأديب طه حسين الذي قال : لا ينبغي أن ننتظر تعليمًا صحيحًا منتجًا من جامعة لا يتمتع رجالها بالاستقلال والحرية التي تمكنهم من القيام بالعلم دون خوف، وهو ذات المعنى الذي عبر عنه أحمد لطفي السيد، أول رئيس لجامعة القاهرة حين قال “إن التعليم الجامعي أساسه حرية التفكير والنقد واستقلال الرأي، وليس الحفظ والنقل لما يقال”.
ومن المؤشرات التي تهدد منظومة البحث العلمي في مصر التدخلات الأمنية في اختيار العمداء ورؤساء الأقسام وترقيات الأساتذة، وهو ما أقرب إلى “تأميم” العمل الجامعي والبحثي وكبت الحريات الأكاديمية، وهذا ما ألمح إليه أبو الغار حين أشار إلى أنه بعد سيطرة الضباط على السلطة في مصر عقب ثورة يوليو/تمّوز 1952 وتعيين الجنرال كمال الدين حسن، أحد أعضاء الضباط الأحرار، وزيرًا للتعليم، أقال رؤساء الجامعات وأعفى جميع العمداء وفصل 70 عضو هيئة تدريس كلهم من الأساتذة المتميزين.
وبدلًا من ذلك عين ضابطًا في منصب سكرتير الجامعة، وأنشأ مكاتب أمن في الجامعات، “وبالتدريج تمت السيطرة الأمنية على جميع الهيئات الأكاديمية، وأصبح تعيين رئيس الجامعة والعميد ورئيس القسم بعد مقابلة شخصية مع الجهات الأمنية التي ترفض تعيين أي شخصية قوية أو لها رأي مهما كانت عبقرية، وقد أدى ذلك إلى اختيار قيادات مرتبطة بالأمن وتقدم تقارير أمنية، ومع الظروف الاقتصادية المتعثرة سافر العلماء متوسطو المستوى إلى دول الخليج، وسافر المتفوقون والنابغون إلى الدول الغربية وخاصة أمريكا، وتدهور بالتالي مستوى التعليم والبحث العلمي”
ابتعاد القطاع الخاص
يمثل القطاع الخاص الركيزة الأهم في دعم البحث العلمي، فهو الحاضنة الأكبر التي تتكفل بتمويل المبادرات والمشروعات البحثية، ويعزي الخبراء التقدم العلمي في الغرب إلى الدور الكبير الذي يقدمه القطاع الخاص والذي تحول إلى اللاعب الأبرز والمحوري في إثراء هذا المجال ومن ثم تحقيق العوائد الهائلة منه، ماديًا وعلميًا.
وتقدم شركات القطاع الخاص في الولايات المتحدة للبحث العلمي سنويًا ما يقرب من 150 مليار دولار، أما شركات الأدوية في أمريكا وفرنسا وألمانيا تصرف ما يقرب من 50% من قيمة مبيعاتها على البحث العلمي، وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد وحماية المناخ الاتحادية في ألمانيا، تمتلك 38,900 شركة اقسام متخصصة بالبحث العلمي والابتكار والتي تقوم بتطوير المنتجات بشكل مستمر فيما تتولى 183,700 شركة تحويل نتائج هذه الأبحاث ومشاريع التطوير الى منتجات أو خدمات أو عمليات جديدة، كما وصل إنفاق الشركات الألمانية على البحث والتطوير والابتكارات ما يقرب من 82 مليار يورو.
أما في مصر فالوضع يعاني من هشاشة واضحة، فوفق ما توصلت إليه الباحثة منى طاحون، في دراسة علمية لها بجامعة بنها، نشرتها في يوليو/تمّوز 2016، فإن 90% من الإنفاق على البحث العلمي في مصر هو إنفاق حكومي، فيما تتوزع النسبة الباقية على التمويل والدعم الأجنبي، أما مساهمة القطاع الخاص فلا تتجاوز حتى نسبة 0.5% في إجمالي الإنفاق على البحث العلمي، وهذا أحد أبرز التحديات التي تواجه هذا الملف في مصر.
ولا تقتنع شركات القطاع الخاص في مصر بقيمة وأهمية البحث العلمي، وتلك معضلة أخرى، مستندة في ذلك إلى مبدأ برغماتي بحت، ففي الوقت الذي لا توفر فيه الدولة لهذا المجال قيمته وأهميته، ولا حتى تلتزم بالحد الأدنى المسموح به دستوريًا من حيث مخصصاته المالية، فإن القطاع الخاص أبعد ما يكون أن يتحمل هو فاتورة هذا الإهمال والتجاهل.
أزمة جودة
العبرة ليست بالكم قدر ما تتعلق بجودة ومستوى الأبحاث المنشورة، هذا ما يؤكد عليه شيوخ الأكاديميين المصريين وغير المصريين، فكثرة الأبحاث ليست وحدها دليل على معدل التقدم البحثي من عدمه، فكثير من الأوراق المنشورة تفتقد قيمتها وتتراجع أهميتها نتيجة العديد من المؤشرات والأسباب:
أولها: أن نسبة كبيرة من الباحثين المسجلين في درجات الماجستير والدكتوراه إنما يقدمون على هذا الأمر من باب الوجاهة الاجتماعية، لأجل أن يضاف أمام أسمائهم لقب دكتور، بصرف النظر عن أهمية وقيمة الرسالة المقدمة.
ثانيها: معظم الأبحاث التي يجريها أعضاء هيئات التدريس بالجامعات والمعاهد إنما تكون بهدف الترقي لا التقدم العلمي، وبالتالي يختارون موضوعات غير ذي أهمية في حد ذاتها، فالقيمة هنا بقبول الورقة المقدمة للترقي الوظيفي والمهني.
ثالثها: كثير من الأبحاث والرسائل العلمية تفتقد للمعايير الرصينة في البحث العلمي، في ظل لجان مناقشة غير مؤهلة، فهي تلتزم بالشكل وفقط أما المضمون فملغم بالأخطاء الكارثية مما يفقد الرسالة قيمتها وأهميتها.
رابعا: تفشي السرقات العلمية والاقتباس المبالغ فيه في نسبة كبيرة من الرسائل والأبحاث، وهو ما يضرب جودتها من جذورها، ففي تصريح لوكيل كلية الحقوق لشئون الدراسات العليا والبحوث بجامعة عين شمس، في أبريل/ نيسان 2024، فإن ثلث رسائل الدكتوراه التي ناقشتها الكلية خلال السنوات الأخيرة بها سرقات علمية وعليه اتخذت قرارات بإلغائها.
كما شهدت الجامعات المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة العديد من حالات سرقة لأبحاث ورسائل علمية، تم اكتشاف العديد منها، ما دفع بها للوصول إلى منصات القضاء، فيما اُتخذت إجراءات قاسية بحق المتورطين فيها، بعضها وصل لحد العزل الوظيفي، من أبرزها الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، عام 2020، بعزل دكتور جامعي بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الدراسات الإنسانية وآدابها بجامعة الأزهر بالدقهلية، لقيامه بتقديم خمسة بحوث للترقية لدرجة أستاذ مساعد بذات القسم بالكلية، تبين أن 3 منها منقولة من رسالة دكتوراه قدمتها باحثة أمريكية بجامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة، وهو ما تأكد من لجنة علمية أخرى محايدة.
تراجع الاستفادة من الإنتاج البحثي
بالعودة إلى هذا الكم الهائل من الأبحاث والرسائل التي تنتجها مصر سنويًا والتي تبلغ نحو 44 ألف بحث، بخلاف براءات الاختراع التي بلغت خلال العقود الأخيرة قرابة 30 ألف براءة اختراع منذ عام 1960 بحسب نقيب المخترعين المصريين هبة الرحمن أحمد، إلا أن أوجه الاستفادة منها أقل من الحد الأدنى، وذلك لعدة أسباب:
أولًا.. معظم الأبحاث نظرية أكثر منها تطبيقية، فوفق الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المركز القومي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) فإن الدراسات النظرية تحتل نصيب الأسد لدى أغلب الشهادات العلمية (الدبلوم، والماجستير، والدكتوراه) لعام 2019، حيث كانت نسبة الأعمال والتجارة 18%، والتعليم 32.4%، والخدمات 1.2%، والزراعة والأسماك والبيطرة 2.7%، والعلوم الاجتماعية والصحافة والإعلام 1.3%، فيما شكلت العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء 6.8%، والفنون والعلوم الإنسانية 13.2%، أما مجالات الهندسة والتصنيع والبناء فشكلت نسبة 7.4%، وفي مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات 0.9 %.
ثانيا.. الغالبية العظمى من الدراسات بعيدة عن متطلبات سوق العمل، وهو ما عمق من الفجوة بين ما يُنتج داخل المعامل والمدرجات الجامعية وبين ما يحتاجه الاقتصاد والسوق، وذلك رغم الجهود التي بذلتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لربط البحث العلمي بالصناعة، وتوظيف البحث العلمي لخدمة خطة الدولة للتنمية المستدامة (رؤية مصر 2030).
ثالثًا.. سيطرة الأجانب على براءات الاختراع، سجلت براءات الاختراع في مصر عام 2022 قرابة 512 براءة، كان نصيب الأجانب منها 410 براءة بنسبة (80.1%) فيما كان نصيب المصريين 102 براءة بنسبة (19.9%)، وذلك الإحصاء السنوي الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الأمر ذاته تكرر في السنوات السابقة، ما يمنح الأجانب الهيمنة المطلقة على براءات الاختراع التي ومن ثم نقلها للخارج لتطبيقها عمليًا، فيما لا يستفيد السوق المصري منها.
رابعًا.. غياب التمويل، فالأبحاث وبراءات الاختراع تحتاج إلى تمويل ملائم لتطبيقها عمليًا، وترجمتها إلى مشروعات واختراعات تساهم في نهضة الاقتصاد وتدفع عجلة التقدم العلمي للأمام، وإلا سيكون مكانها الأدراج والأرفف، أوراق لا قيمة لها، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وضعف المخصصات المالية لمنظومة البحث العلمي، وغياب القطاع الخاص عن دوره المفترض، تبقى الغالبية العظمى من هذا الإنتاج البحثي حبيس المكتبات في الجامعات والمراكز البحثية والعلمية.
محصلة لما سبق، تحولت مصر من قبلة للباحثين والعلماء على مر التاريخ، إلى بيئة طاردة، ومناخ غير ملائم للبحث العلمي، وهو ما نوّه إليه عضو مجلس النواب (البرلمان) المصري، عبدالمنعم إمام، بقوله إن الجامعات المصرية لم تعد المكان المناسب للتعليم، لافتا إلى تراجع عدد الحاصلين على الماجستير والدكتوراه بنسبة وصلت لنحو 93% مقارنة بالعام 2016.
النتيجة ذاتها توصل إليها رئيس أكاديمية البحث العلمي محمود صقر في حوار صحفي له أجرته معه جريدة “المصري اليوم” في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، حين قال إن “البحث العلمي لم يعد جاذباً لأحد، لأنه يستهلك كثيراً من الوقت والمجهود دون عوائد مادية تذكر، بالتالي أصبح البحث العلمي طارداً للكفاءات، ومعظمهم يتجه إلى سوق العمل الخاصة أو السفر للعمل بالخارج، وإذا تتبعنا ذلك المؤشر الخاص بقلة أعداد العاملين من الشباب في البحث العلمي، سيظهر مؤشر آخر، وهو ارتفاع أعداد الإناث العاملات بالبحث العلمي في مصر، إذ تقترب النسبة من واحد إلى واحد، وهي نسبة غير موجودة في العالم”.