لماذا نشطت عمليات تهريب الآثار من اليمن خلال الحرب؟

في السادس والعشرين من يونيو/حزيران الفائت، تم عرض قطعة من آثار اليمن، تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، للبيع في مزاد بمدينة برشلونة الإسبانية، بعد أن تم تهريبها من الأراضي اليمنية في وقت غير معلوم.

وفي الثالث عشر من يوليو/تموز الماضي، أُعلن عن عرض تمثال فريد لثور من آثار اليمن القديم، مصنوع من الكالسيت ومطعّم بالزجاج الأخضر، في مزاد عالمي نظمته دار “أرتيمس” الأمريكية، كما كشف الباحث المهتم بآثار اليمن، عبدالله محسن، في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني، عن عرض تمثال من آثار اليمن في تل أبيب، ضمن مجموعة من التماثيل التي يحتفظ بها رجل الأعمال اليهودي شلومو موساييف.

وبين فترة وأخرى، يتم الكشف عن عرض قطع أثرية يمنية للبيع في عدد من المزادات التي تنشط في أوروبا وأمريكا، حيث تزايدت جرائم تهريب وبيع المقتنيات والمخطوطات الأثرية اليمنية منذ اندلاع الحرب الجارية في اليمن قبل عشرة أعوام.

وقد بلغت أعداد القطع الأثرية التي تم تهريبها من اليمن إلى خارجها أكثر من ثلاثة آلاف ومئتي قطعة، بحسب تأكيد مسؤول في وزارة الثقافة اليمنية خلال حديثه لـ”نون بوست”، وهي إحصائيات تتطابق مع تقرير أشار إليه مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، والذي أكد وجود أكثر من ألفي قطعة مهربة في الولايات المتحدة بقيمة 12 مليون دولار، بالإضافة إلى وجود ألف قطعة أثرية يمنية مُهربة في عدد من المتاحف العالمية.

كما أن الآثار اليمنية أصبحت تُعرض في كتالوجات تُباع على منصات المزادات على شبكة الإنترنت، على مرأى ومسمع من الجميع، حتى أن خبراء آثار وصفوا سنوات الحرب الجارية في اليمن بأنها “الأيام الذهبية” لعصابات تهريب الآثار.

لماذا تزايدت؟

تُعدّ مشكلة تهريب وبيع الآثار اليمنية قديمة؛ ففي عام 1862، قدّم الضابط البريطاني السير ويليام ماركوس إلى المتحف البريطاني هدية تحتوي على 27 لوحًا برونزيًا من مأرب و13 نقشًا حجريًا من شبوة ومأرب اليمنيتين، تم نقلها من تلك المحافظات عبر طرق التهريب.

وخلال حرب استعادة الوحدة اليمنية سنة 1994، سُرقت مئات القطع الأثرية وتم تهريبها خارج اليمن، وكانت مناطق الجوف ومأرب وشبوة – وهي من أبرز المحافظات اليمنية الغنية بالآثار – منطلقًا رئيسيًا لعمليات التهريب، التي تورّطت فيها أيضًا عدد من البعثات الأثرية الأجنبية.

ومنذ العام 2014، تعرضت المعالم الأثرية في مختلف المناطق اليمنية للقصف من قبل السعودية والإمارات من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى، حيث قصف التحالف العربي بقيادة السعودية مئة موقع ومعلم أثري، بحسب عبدالله موسى، المسؤول في مركز الهدهد للدراسات الأثرية.

كما يتهم ناشطون جماعة الحوثي بتجريف وتدمير ونهب الآثار اليمنية. ويشير مروان دماج، المستشار الثقافي في المجلس الرئاسي اليمني، خلال حديثه لـ”نون بوست”، إلى أن “خمسة متاحف في مختلف الأراضي اليمنية تضررت نتيجة للقصف المتبادل بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي”، الأمر الذي دفع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى نقل عدد من القطع الأثرية إلى خزائن البنوك المالية.

ومنذ اندلاع الحرب التي ما تزال تدور رحاها في اليمن، نشط مواطنون في حفريات تهدف إلى البحث عن الآثار في مناطق تاريخية كالجوف ومأرب وحضرموت، دون إشراف من السلطات الحكومية، إضافة إلى ضياع العديد من المقتنيات الأثرية في عدد من المتاحف الموجودة في مختلف المحافظات اليمنية، من أبرزها المتحف الحربي بصنعاء، بحسب ما أشار إليه الباحث في الآثار اليمنية عدنان القيز خلال حديثه مع “نون بوست”.

لافتًا إلى أن أكبر عمليات التهريب للآثار اليمنية خلال زمن الحرب تتم بمساعدة مسؤولين وشيوخ قبائل ونافذين، عبر عصابات منظمة متخصصة بعمليات التهريب داخل اليمن وخارجه، وهو ما تعترف به أيضًا وزارة الثقافة اليمنية، وهيئة الآثار والمؤسسات الحكومية المعنية بالمشكلة.

ويقول عبدالباسط بن سارية، وكيل وزارة الثقافة اليمنية، لـ”نون بوست”، إن وزارته لا تتحمل مسؤولية سرقة ونهب الآثار اليمنية وحدها، إذ إن الوزارات المعنية بالأمن والتجارة، إضافة إلى منظمات محلية، تشترك في تحمّل المسؤولية تجاه جرائم تهريب الآثار.

ويرجع بن سارية تزايد عمليات سرقة وتهريب وبيع الآثار اليمنية إلى الخارج إلى عدد من العوامل اللافتة، منها: الانفلات الأمني الذي تعانيه مختلف المناطق اليمنية، إضافة إلى الأرباح المالية الكبيرة التي يتم جنيها من بيع الآثار اليمنية، وتنافس بعض المواطنين على الاتجار بها، علاوة على تسهيل بعض المسؤولين لإجراءات التهريب.

ويقول بن سارية: “المشكلة الأكبر في جرائم تهريب وتجارة الآثار اليمنية هي معرفة ووثوق المتورطين فيها بأنهم سوف يفلتون من العقاب، حيث إن الأجهزة الأمنية لا تلقي القبض عليهم، ولا تتم إحالتهم إلى المحاكمات”.

من يكشف عمليات التهريب؟

عدد من الباحثين اليمنيين المهتمين بالآثار أخذوا على عاتقهم، بشكل طوعي وبإمكاناتهم الذاتية، مهمة كشف وتتبع ورصد عمليات تهريب الآثار من مختلف المناطق اليمنية إلى دول عربية وأجنبية، من بينهم الدكتورة عميدة شعلان، والباحث رياض الفرح، والخبير في علم الآثار عبدالله محسن، وعالم الآثار يوسف محمد عبدالله.

يعمل بعض هؤلاء على تتبع ورصد الآثار اليمنية المُهرّبة في الخارج، ويقوم البعض الآخر بنشر ما يتتبعونه ويرصدونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، ويشير الخبير في علم الآثار عبدالله محسن إلى أنه ينبغي أن يكون للبعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج دورٌ في وقف عمليات التهريب أو الحد منها على الأقل، لكنها لا تقوم بدورها المناط. بل إن الحكومة اليمنية تغضّ الطرف عن أن دولة الإمارات وجيبوتي وسلطنة عُمان تُستخدم كمعابر رئيسية لطرق تهريب الآثار اليمنية.

بحسب محسن، فإن الآثار اليمنية تُنقل من مواقعها إلى أحواش ومخازن سرية في عدد من المحافظات، ثم تُهرّب عبر الطرق البرية، وبعضها عبر الموانئ البحرية، بينما يُنقل القليل منها عبر المطارات الجوية.

وتجد هذه القطع طريقها إلى الإمارات ودول مجاورة لليمن كجيبوتي والصومال، لتكون وجهتها النهائية أوروبا وأمريكا، اللتين تُعدان المقصد الرئيسي للمقتنيات الأثرية المسروقة، وفقًا لمقال مشترك لكل من مديرة مؤسسة تحالف حماية الآثار، ديبور لير، وسفير اليمن السابق في الولايات المتحدة، أحمد عوض بن مبارك.

تبادل الاتهامات

تتبادل كلٌّ من جماعة الحوثي والحكومة اليمنية الاتهامات بشأن تزايد عمليات تهريب الآثار اليمنية؛ إذ تقول جماعة الحوثي، على لسان وزارة الثقافة والسياحة في صنعاء، إن “الحكومة الشرعية هي من تدير عمليات النهب والتهريب والتدمير المنظم للمواقع الأثرية، وسرقة الآثار وبيعها، وشرعنة استهداف كل مناحي الحياة، بما فيها المواقع الأثرية والمتاحف، من قبل طيران العدوان (في إشارة إلى التحالف السعودي الإماراتي)، وتشويه المدن التاريخية، والتحريض على العبث بالموروث الثقافي والحضاري والإنساني، كجزء من مخططها لتجريف الهوية الثقافية والحضارية لليمن وشعبه”.

في المقابل، تتهم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا قيادات جماعة الحوثي بإدارة عمليات التهريب، إذ قال وزير الإعلام والثقافة في الحكومة اليمنية، معمر الإرياني، إن “جماعة الحوثي تمارس نهبًا وتهريبًا منظمًا وممنهجًا للآثار اليمنية، كجزء من مخططها الإجرامي لطمس الهوية اليمنية، وكمصدر للثراء لقياداتها ومشرفيها، وتمويل أنشطتها الإرهابية”.

ماهي الحلول؟

في 22 سبتمبر/أيلول 2023، وقّع سفير اليمن لدى الولايات المتحدة، محمد الحضرمي، ومدير متحف المتروبوليتان، ماكس هولن، اتفاقية تعاون بين الجانبين، تضمن استرداد القطع الأثرية اليمنية، ومواصلة العمل على حماية التراث الثقافي والحضاري للشعب اليمني، إلا أن تهريب الآثار إلى الولايات المتحدة ما يزال مستمرًا حتى الوقت الراهن، بحسب تأكيد باحثين وراصدين يمنيين خلال أحاديثهم لـ”نون بوست”.

ويرى وديع أمان، رئيس هيئة الحفاظ على المعالم الأثرية في مدينة عدن، أن الحديث عن حلول جذرية لمشكلة تهريب الآثار اليمنية في زمن الحرب أمرٌ صعب المنال، لكنه يلفت، في حديثه مع “نون بوست”، إلى وجوب تعاون كافة الجهات المعنية بالمشكلة، كمصلحة الجمارك اليمنية، ووزارات الدفاع والداخلية والثقافة والتجارة، من أجل ضبط ومنع التهريب، بالتعاون مع رجال القبائل والشخصيات الاعتبارية في عدد من المجتمعات المحلية اليمنية.

وعلى صعيد العمل الدبلوماسي، يشير محمد جميح، سفير اليمن لدى اليونسكو، إلى أنه يعمل من موقعه على إعداد قاعدة بيانات عامة لكل الآثار اليمنية المفقودة، يمكن من خلالها مخاطبة اليونسكو، وبالتالي مخاطبة الدول والجهات التي تتواجد فيها الآثار اليمنية المُهرّبة. وكانت منظمة اليونسكو قد أعلنت في يوليو/تموز 2015 عن مشروع خطة عمل طارئة للحفاظ على التراث الثقافي اليمني، لكنها لم تتمكن من تنفيذ المشروع بسبب ضعف التمويل.

ويطالب باحثون في الآثار اليمنية بضرورة تغيير قانون الآثار في اليمن، إذ إن القانون رقم (21) لسنة 1994، والمعمول به حتى الوقت الراهن، يتسم بالتساهل في العقوبات الموجهة للمنتهكين من مهرّبين وتجار للآثار، كما يطالب الباحثون بتفعيل هيئة الآثار، من أجل استرداد الآثار المنهوبة من الداخل والمُهرّبة إلى الخارج.