نزيف في الداخل: حرب الـ12 يومًا تكشف عمق الفجوة الأمنية في إيران

مع فجر الثالث عشر من يونيو/حزيران 2025، لم تكن الضربات الجوية الإسرائيلية التي هزَّت العمق الإيراني مجرد حدث عسكري في سياق اشتباك إقليمي واسع، بل كانت إعلانًا صريحًا لاختراق أمني غير مسبوق، تجاوز حدود الاستهداف الخارجي إلى قلب المؤسسة السيادية الإيرانية، ففي غضون ساعات، أُعلِن مقتل رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، وقائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وقائد القوات الجو-فضائية اللواء أمير حاجي زاده، إلى جانب أعضاء رفيعين في هيئاتهم القيادية، فيما وُصِف بأنه استهداف نوعي ومباشر لقمة الهرم العسكري الإيراني.

لاحقًا، كشفت وكالة “فارس” الرسمية عن أن اليوم الرابع للحرب شهد ضربة أمنية صادمة، تمثلت باستهداف اجتماع رفيع للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بحضور رؤساء السلطات الثلاث، إذ استُهدفت مداخل ومخارج قاعة الاجتماع داخل مبنى محصن في غربي طهران بقنابل شديدة التأثير، في عملية دقيقة هدفت إلى شلِّ الحركة ومنع التنفس، بطريقة تذكِّر بتسريبات عملية اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، ما يشي بتشابه أساليب التنفيذ وتطورها.

ليست هذه الأحداث مجرد نتائج لحرب محدودة زمنًا، بل تشكِّل تتويجًا لمسار استخباراتي متصاعد، كرَّسته “إسرائيل” كعقيدة عمل ضد إيران، فقد امتازت الضربات الأمنية الأخيرة بطابع استخباري صِرف، عبَّرت عنه دقة الأهداف، ونوعية الشخصيات المستهدفة، وأساليب التنفيذ المتطورة، بما يكشف عن وجود شبكة اختراق فاعلة تنشط في عمق داخل الأراضي الإيرانية، وبتنسيق كامل مع الهجمات الجوية والصاروخية. وبذلك، لم تقتصر معركة “الـ12 يومًا” على الفضاء العسكري، بل كانت أيضًا معركة معلومات، وسيطرة استخباراتية، توضح حجم الخلل الكامن في البنية الأمنية الإيرانية.

حرب استخباراتية مفتوحة

شكَّل حجم الدور الذي اضطلع به جهاز “الموساد” الإسرائيلي في خلال المواجهة المفتوحة مع إيران تطورًا لافتًا في طبيعة الحرب بين الجانبين، فقد تجاوزت العمليات الأمنية الطابع التقليدي للتجسس أو المراقبة، لتصبح أداةً مركزيةً في تنفيذ الضربات الميدانية، والتأثير المباشر على مراكز القرار والقدرات الدفاعية الإيرانية.

لقد بدا واضحًا أن الهجمات الإسرائيلية لم تكن مجرد قصف جوي دقيق، بل استندت إلى اختراق استخباراتي عميق ومركَّب، مكَّنها من الوصول إلى قادة الصف الأول في إيران، وتعطيل بنيتها الحيوية الحساسة.

وحسب التقارير، فإن الضربات التي استهدفت منشآت نووية ومراكز عسكرية، في كل من طهران وقم وأصفهان، لم تكن ممكنة لولا وجود شبكة عملاء ميدانيين لـ”لموساد” نجحوا في التسلل إلى تلك المواقع، وزرع عبوات ناسفة وأجهزة تتبع، بل وعبثوا بأنظمة التشغيل الداخلية لبعض المرافق، ما تسبَّب بشلل مؤقت في قدرات التنسيق والدفاع الإيرانية.

ديفيد برنيع، رئيس جهاز الموساد، الذي نُسب إليه دور بارز في العمليات الإسرائيلية الأخيرة.

كما تشير المعطيات الإسرائيلية إلى أن شهورًا من التحضير سبقت هذه الهجمات، تضمنت زرع أجهزة مراقبة، واستخدام أدوات تخريب عالية الدقة، هُرِّبت عبر مسارات غير تقليدية بمساعدة جماعات محلية وإقليمية.

ولم تتوقف عمليات الاختراق عند الجانب التقني، بل امتدت إلى دوائر بشرية حساسة، إذ تمكن “الموساد” من زرع عملاء داخل محيط القيادات الإيرانية، بل وداخل شبكات لوجستية ودوائر الحماية الشخصية، ما كشفته قدرة “إسرائيل” على تحديد أماكن الاجتماعات العليا، ووسائل التنقل، وتفاصيل الحياة اليومية لأبرز القادة العسكريين والأمنيين. 

ومن أبرز المشاهد الدالة على ذلك، ما كشفته وكالة “فارس” الإيرانية عن استهداف مباشر لاجتماع رفيع للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، نُفِّذ عبر استهداف المداخل والمخارج في قاعة محصَّنة، باستخدام قنابل ذات تصميم دقيق لشل الحركة وقطع الأوكسجين.

إضافةً إلى ما نشره “الموساد” من مقاطع مصوَّرة تُظهِر متعاونين وهم يشغِّلون طائرات مسيَّرة من داخل الأراضي الإيرانية، تُشير التقارير إلى أن جزءًا رئيسيًّا من عملية تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية ارتبط بأدوار نفذها عملاء محليون.

معالجات ميدانية طارئة

تمثل الرد الإيراني على هذا الانكشاف الأمني بإعلان السلطات تنفيذ سلسلة عمليات أمنية واستخباراتية واسعة في الأيام الأولى للحرب. ووفق ما نُشر عبر وكالات رسمية، فقد شملت هذه العمليات مناطق متعددة مثل مازندران، وكردستان، ولورستان، والضواحي الغربية لطهران، والحدود مع كردستان العراق، ما يُظهر طبيعة الشبكة الواسعة التي أسَّسها “الموساد” داخل إيران، وكونها ليست حالات فردية أو عشوائية، بل خلايا موزعة تعمل بتنسيق خارجي منظم.

وأظهرت المواد المضبوطة بحوزة المعتقلين مستوى متقدمًا من الإعداد، إذ عثرت القوات الأمنية على طائرات مسيَّرة صغيرة، وأجهزة تشويش، وأنظمة إطلاق، وأجهزة اتصال مشفَّرة، بعضها هُرِّب داخل معدات منزلية معدَّلة.

مقطع فيديو شاركه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” مع شبكة CNN يُظهر عملاء إسرائيليين يهرّبون أسلحة إلى داخل إيران قبيل الضربات التي نُفذت يوم بداية الحرب المباشرة بين الطرفين.

كما كشفت التحقيقات عن عناصر تلقَّوا تدريبات في الخارج، وعملوا على نقل معلومات عن منشآت عسكرية مقابل أموال باليورو والدولار. وفي واحدة من أبرز العمليات، أعلنت السلطات في 17 يونيو/حزيران إحباط عملية تفجيرية لفريق قالت إنه تابع لـ”لموساد” في بلدة بهارستان جنوبي غربي طهران.

وتشير التقارير إلى أن “الموساد” لم يعتمد على العملاء المحليين فحسب، بل فعَّل شبكة إقليمية معقَّدة شملت تعاونًا مع جماعات كردية مسلحة في شمالي العراق، ومجموعات بلوشية متمردة في الجنوب الشرقي لإيران، حيث استُخدمت طرق التهريب لتمرير معدات ولوجستيات ومعلومات.

إن تنوُّع الجغرافيا، ودقة الاستهداف، وتشعُّب أدوات التنفيذ، تكشف جميعها عن درجة اختراق غير مسبوقة داخل المنظومة الإيرانية، وتؤكد أن ما جرى في خلال حرب الـ12 يومًا لم يكن وليد اللحظة، بل كان ثمرة عمل استخباري طويل الأمد، منظم، ومؤسسي، ارتقى إلى مستوى الحرب الهجينة، إذ تقود أجهزة الاستخبارات خط النار بدلًا من الجيوش.

إخفاق مزمن في ردم الفجوة الأمنية

لم يكن ما جرى في يونيو/حزيران 2025 سوى تتويج لمسار طويل من “حرب الظل” بين “إسرائيل” وإيران، تميَّزت بتكرار الاختراقات الأمنية الإسرائيلية داخل العمق الإيراني، دون أن تنجح طهران –حتى اليوم– في ردم الفجوة الأمنية المزمنة التي تعانيها بنيتها الاستخباراتية والعسكرية. 

منذ أكثر من عقد، كثَّف جهاز “الموساد” نشاطه داخل إيران، مستهدفًا رموزًا حساسة في البرنامج النووي، وقادة ميدانيين في الحرس الثوري، ومنشآت استراتيجية، وصنع سجلًا متصاعدًا من العمليات الناجحة التي أحرجت المؤسسة الأمنية الإيرانية وكشفت هشاشتها المتنامية.

في مطلع العقد الماضي، بدأت سلسلة اغتيالات لعلماء نوويين بارزين، مثل مسعود محمدي، وداريوش رضائي، ومصطفى أحمدي روشن، في عمليات خاطفة ودقيقة داخل المدن الإيرانية، أمام أعين الأجهزة الأمنية. 

ولم يكن هذا سوى افتتاح لمشهد أكثر جرأة عام 2018، حين نفَّذ “الموساد” واحدة من أخطر عملياته في الداخل الإيراني، إذ سرق نصف طن من الأرشيف النووي الإيراني من مستودع سري في طهران، وعرض لاحقًا محتوياته على الملأ في “تل أبيب”، في مشهد شكَّل فضيحةً أمنيةً مدويةً لم تُعرَف تفاصيلها الكاملة حتى اليوم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اغتيل العالم النووي محسن فخري زاده، أحد أبرز عقول البرنامج النووي الإيراني، في عملية استخدمت فيها “إسرائيل” نظام إطلاق آلي متحكم به عن بعد ومربوط بالأقمار الصناعية، دون الحاجة لأي وجود ميداني لعناصرها، ما عبَّر عن طفرة في الاستخدام العملياتي للتكنولوجيا القتالية، وعن مستوى غير مسبوق من القدرة على الوصول والتنفيذ داخل إيران.

وعام 2021، جرى تعطيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في منشأة نطنز النووية عبر تفجير عبوات زُرعت مسبقًا، فيما استُهدف العقيد حسن صياد خدائي، القيادي في فيلق القدس، في مايو/أيار 2022 أمام منزله في طهران، على خلفية مزاعم بإشرافه على عمليات خارجية لـ”فيلق القدس”، لتتواصل سلسلة العمليات النوعية التي تنفَّذ بسهولة وهدوء في قلب العاصمة الإيرانية.

وربما كان الحدث الأشد وقعًا –سياسيًّا وأمنيًّا– اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، في غرفته داخل مجمَّع تابع للحرس الثوري الإيراني في طهران عام 2024، في عملية لم تُعلن نتائج تحقيقاتها، ما ولَّد شعورًا بأن الأراضي الإيرانية لم تَعُد آمنةً حتى لحلفائها.

ويبدو أن نجاح “الموساد” في تكرار هذه العمليات يعود إلى عقيدة استخباراتية ثلاثية الأبعاد طوَّرها الجهاز عبر سنوات من العمل المتراكم:

التجنيد البشري: عمل “الموساد” على تجنيد أفراد من الأقليات المهمشة داخل إيران، مثل الأكراد والبلوش، كما تمكن –حسب تقارير متعددة– من زرع مخبرين داخل أجهزة الدولة نفسها، بما في ذلك الحرس الثوري وأجهزة الأمن، ما سهَّل جمع المعلومات الدقيقة وتنفيذ العمليات.

التفوق التكنولوجي: اعتمدت “إسرائيل” على أدوات متقدمة في تنفيذ عملياتها، من الطائرات المسيَّرة، إلى أنظمة روبوتية ذكية، وعمليات سيبرانية بالغة الدقة، أبرزها الهجوم الشهير بفيروس Stuxnet الذي عطَّل برنامج تخصيب اليورانيوم في بداياته، وصولًا إلى تفجيرات يجري التحكم بها عبر الأقمار الصناعية، ما أتاح لـ”لموساد” تجاوز الحاجة إلى التواجد البشري المباشر.

الحرب النفسية: أدت هذه الاختراقات المتكررة إلى خلق حالة من الشك وانعدام الثقة داخل بنية النظام الإيراني، خاصةً في الحرس الثوري. انعكس ذلك في تعزيز القمع الداخلي، وتزايد حملات الاعتقال، وتشديد الرقابة، ما فاقم التوتر الداخلي وأضعف مناعة المؤسسات أكثر بدلًا من إصلاحها.

خلل بنيوي ومعالجات قاصرة

إذا كانت عمليات الاختراق الإسرائيلي المتكررة داخل إيران قد أظهرت فشلًا ميدانيًّا في ضبط الجبهة الأمنية، فإن السبب الأعمق والأكثر خطورة يكمن في الخلل البنيوي المتجذِّر في بنية النظام الاستخباراتي الإيراني، والذي تُعاني منه الجمهورية الإسلامية منذ عقود. 

لا يرتبط هذا الخلل فقط بفشل المواجهة مع “الموساد” الإسرائيلي، بل يتعداه ليشكِّل أزمة إدارة وهيكل وقرار داخل “مجتمع الاستخبارات الإيراني” الذي بات يعاني من التشظي، والتداخل، والتنافس، بدلًا من التكامل والانسيابية في المهام، فعلى خلاف النموذج الاستخباراتي المركزي الذي تتبناه معظم الدول، تُوزَّع المهام الأمنية والاستخباراتية في إيران بين عدة جهات متوازية ومتنافسة، على رأسها وزارة الاستخبارات (إطلاعات)، واستخبارات الحرس الثوري، إضافةً إلى أجهزة استخبارات تتبع الشرطة، والقضاء، والباسيج، والجيش. 

وقد أُنشئت وزارة الاستخبارات عام 1984 بهدف دمج الأجهزة المتنازعة بعد الثورة، وتولت نظريًّا مسؤولية جمع المعلومات ومكافحة التجسس والتهديدات الداخلية والخارجية، إلا أن صعود الحرس الثوري بعد احتجاجات عام 2009 أدى إلى تحجيم دور الوزارة لصالح جهاز استخبارات الحرس الثوري، الذي بات يتمتع بهيكل مستقل وولاء مباشر للمرشد الأعلى، متجاوزًا التسلسل السيادي التقليدي.

أنتج هذا التداخل ازدواجيةً في المرجعيات، وتضاربًا في الصلاحيات، وشبه غياب للتنسيق، بل وصل الأمر إلى اتهامات متبادلة علنية، كما في تصريحات وزير الاستخبارات السابق محمود علوي، الذي حمَّل استخبارات الحرس مسؤولية إفشال ملفات أمنية، واتهمها بإعاقة أنشطة وزارته بغرض مصادرتها.

لوحة إعلانية تُعرض عليها صور كبار القادة والعلماء الإيرانيين الذين قُتلوا في ضربات إسرائيلية في طهران، إيران، الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025. (صورة من أسوشيتد برس/فاهيد سالمي)

وتُظهر دراسة نادرة صادرة عن فصلية جامعة الدفاع الوطني في إيران مدى تعمق الأزمة البنيوية، وقد حُدِّدت مواطن ضعف متعددة شملت:

ضعف التشريعات وتسييس التعيينات: اشتراط أن يكون وزير الاستخبارات من علماء الدين المجتهدين يؤدي إلى ضعف مهني، بسبب غياب الخلفية الاستخباراتية، ما يجعل الوزير عرضة للتضليل، ويحُول دون محاسبته برلمانيًّا.

غياب المساءلة المؤسسية: لا توجد جهة واحدة تتحمل مسؤولية الفشل الاستخباراتي، ما يؤدي إلى تعمية مكامن الخلل، وإبقاء الأسباب الحقيقية للاختراقات دون معالجة.

انعدام الثقة والمنافسة غير الشريفة: أدَّى التنافس بين الأجهزة إلى افتقار للإدراك المشترك، وتكرار المهام، وتضارب الصلاحيات، وتحفُّظ كل جهة على مشاركة المعلومات مع الأخرى، ما جعل بيئة العمل الاستخباري متشرذمة وعديمة الفعالية.

ضعف في تحليل المعلومات والتحذير المبكر: يُعاني النظام من غلبة الذهنية العقائدية على المهنية، إذ تُرفَض التحليلات التي لا تنسجم مع توجُّه المؤسسة، ويُستبعَد أي اجتهاد يخالف “الرؤية الرسمية”، ما يُضعف مناعة النظام في التنبؤ بالخطر قبل وقوعه.

تسريب المعلومات وسوء حفظ الأسرار: يتكرر مشهد تسريب معلومات أمنية بعد تغيُّر الحكومات، في سياق تصفية حسابات حزبية، ما يفتح المجال أمام الاختراق الخارجي، ويضعف الثقة في النظام الاستخباراتي.

افتقار للتعلُّم المؤسسي: لا تُبنَى التجارب المتكررة، سواءٌ الداخلية أو الخارجية، على أساس معرفي مؤسساتي، بل يجري تجاهلها أو تبريرها، بما يُبقِي على الثغرات قائمة.

وبذلك، فإن الخلل في بنية الاستخبارات الإيرانية لا يقتصر على قصور تقني أو اختراق بشري، بل هو أزمة شاملة في الهيكل والوظيفة والثقافة المؤسسية، تتغذى على التنافس الداخلي، وغياب الرؤية التكاملية، والاستقطاب العقائدي، وانعدام الحوكمة الرشيدة، ما يجعل كل نجاح استخباراتي إسرائيلي، لا مجرد نتيجة لذكاء العدو فحسب، بل ثمرة مباشرة لعجز ذاتي متراكم داخل النظام الإيراني أيضًا، يفاقمه غياب الإرادة السياسية لإعادة الهيكلة الجذرية.

ختامًا، على الرغم من أن سجلَّ الإخفاقات الأمنية في إيران ليس حديث العهد، فإن تجربة الحرب الأخيرة مع “إسرائيل” بيَّنت مستوى غير مسبوق من الانكشاف، وفرضت لحظةً صادمةً على وجدان القيادة الإيرانية، فقد كان الثمن هذه المرَّة باهظًا، وضرب في قلب الهرم العسكري والأمني، وكان على بُعد خطوات من أن يتدحرج نحو تهديد بنية النظام نفسه. لهذا، لم تَعُد المسكِّنات المؤسسية أو التبريرات الظرفية كافية. 

إن حجم الخرق، وطبيعة الاختراقات، وجرأة الاستهداف، كلها عوامل ستدفع –على الأرجح– في اتجاه معالجة أكثر جديَّة وعمقًا للفجوة البنيوية في المنظومة الاستخباراتية الإيرانية، بما قد يتجلَّى في الأيام القادمة في صورة تغييرات واسعة، ومحاسبات صريحة، وإعادة هيكلة تمسُّ الأفراد والمؤسسات معًا، في محاولة لوضع حدٍّ لنزيف بات يهدِّد أساساتِ النظام من الداخل.