خلاف خفي: الرياض ترفض طلب واشنطن لدعم “إسرائيل” ضد إيران

ترجمة وتحرير نون بوست

مع تصاعد الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية على المدن الإسرائيلية في حزيران/ يونيو، كانت إسرائيل تقترب من استنزاف مخزونها من صواريخ الاعتراض من طراز “ثاد”.

وفي ظل هذا الوضع، طلبت الولايات المتحدة من السعودية تسليم جزء من صواريخ الاعتراض لدعم حليفتها إسرائيل، إلا أن الرياض رفضت، بحسب ما أفاد به مسؤولان أمريكيان مطلعان على سير المحادثات لميدل إيست آي.

وقال أحد المسؤولين: “أثناء الحرب، طلبنا من الجميع التبرع. وعندما لم يُجدِ ذلك نفعًا، لجأنا إلى تقديم عروض ومقايضات. ولم يكن الطلب موجّهًا لدولة بعينها”.

رغم ذلك، كانت السعودية في موقع مثالي لتقديم المساعدة، خصوصًا في ظل حرص المسؤولين الأمريكيين على التأكيد أن التهديد الإيراني يستهدفهم كما يستهدف إسرائيل.

وكانت الولايات المتحدة قد نشرت في وقت سابق أنظمة دفاع جوي في المملكة، التي كانت حتى عهد قريب هدفًا لهجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة والصواريخ.

وبينما كانت المواجهات بين إيران وإسرائيل على أشدها، كانت السعودية تستعد لاستلام أول بطارية من منظومة “ثاد”، اشترتها بتمويل سيادي. وقد دشّن الجيش السعودي هذه البطارية رسميًا في 3 تموز/ يوليو، بعد تسعة أيام فقط من إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين.

وقبيل حفل التدشين، أعرب مسؤولون أمريكيون عن قلقهم من أن الهجوم الإيراني واسع النطاق قد يؤدي إلى استنزاف مخزون واشنطن من صواريخ الاعتراض إلى “مستويات كارثية”.

وكانت ميدل إيست آي السبّاقة في الكشف عن استنزاف إسرائيل السريع لمخزون الولايات المتحدة من صواريخ اعتراض الصواريخ الباليستية، إلى جانب نفاد مخزونها من صواريخ “آرو”، وقد أكدت صحيفتا وول ستريت جورنال والغارديان لاحقًا صحة ما ورد في هذا التقرير.

وكشفت صحيفة الغارديان في تموز/ يوليو أن الولايات المتحدة لم يتبقَّ لديها، عقب انتهاء المواجهة العسكرية، سوى نحو 25 بالمئة من صواريخ الاعتراض التي يعتبرها مخططو وزارة الدفاع الأمريكية ضرورية لتأمين العمليات العسكرية الأمريكية حول العالم. وقد أكد مسؤول أمريكي هذا الرقم السري لميدل إيست آي.

وفي سياق متصل، أطلقت الولايات المتحدة أيضًا صواريخ اعتراض من طراز “ستاندرد 3” من على متن مدمرات بحرية من فئة “آرلي بيرك” للمساهمة في الدفاع عن إسرائيل.

ورغم أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المكونة من ثلاث طبقات حظيت بدعم ناري أمريكي إضافي، فإن إيران نجحت في إيصال صواريخها إلى المدن الإسرائيلية حتى لحظة إعلان وقف إطلاق النار.

ونقلت صحيفة التليغراف أن خمسة مواقع عسكرية إسرائيلية تعرضت لضربات مباشرة بصواريخ إيرانية.

ويرى محللون أن المنظومتين الدفاعيتين الأمريكية والإسرائيلية أظهرتا أداءً أفضل مما توقعه بعض المخططين العسكريين، بالنظر إلى كثافة الهجمات الإيرانية، إلا أن الجمهورية الإسلامية تمكنت من استغلال نقطة ضعف في تلك المنظومات، خاصة مع امتداد الصراع.

وفي تصريح سابق لميدل إيست آي، قال دوغلاس بيركي، المدير التنفيذي لمعهد ميتشل للدراسات الجوية: “نقطة الضعف تكمن في أن هذه المنظومة مهددة باستنزاف مخزونها. نحن نملك عددًا محدودًا من صواريخ الاعتراض وقدرة إنتاج محدودة”.

وفي ظل النقص، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” يوم الجمعة أن بعض المسؤولين الأمريكيين ناقشوا حتى احتمال سحب صواريخ اعتراض “ثاد” التي اشترتها السعودية وتحويلها إلى إسرائيل.

وأكد أحد المسؤولين الأمريكيين لميدل إيست آي أن هذه المناقشات جرت بعد رفض السعودية لمحاولات أمريكية مهذبة لعقد صفقة في هذا الشأن.

وأفاد المسؤولان الأمريكيان لموقع “ميدل إيست آي” أن الولايات المتحدة طلبت من الإمارات العربية المتحدة مشاركة صواريخ الاعتراض مع إسرائيل، ولم يؤكدا ما إذا كانت أي من هذه الصواريخ قد وصلت بالفعل. وتعد الإمارات أول دولة غير أمريكية تشتري وتُشغّل منظومة “ثاد”، التي دخلت الخدمة لديها عام 2016.

ويؤكد خبراء أن نجاح إيران في اختراق المنظومة الدفاعية الإسرائيلية المتطورة لم يمر دون اهتمام من دول الخليج، التي تعتمد على أنظمة دفاعية أقل تطورًا.

إسرائيل دفعت الثمن

وأصبح البحث العالمي عن صواريخ اعتراض مهمة شبه يومية تقوم بها مجموعة محدودة من المسؤولين الأمريكيين، في وقت يواجه فيه حليفا واشنطن – “إسرائيل” وأوكرانيا – خصومًا يعتمدون على صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة منخفضة التكلفة.

وقد تصدّر مكتب السياسات في وزارة الدفاع الأمريكية هذه الجهود، في محاولة لإقناع الحلفاء بتزويد إسرائيل بصواريخ اعتراض، تحت إشراف كريستوفر ماموكس، نائب مساعد وزير الدفاع للشراكات العالمية.

غير أن رفض السعودية تقديم أي دعم لاسرائيل شكّل صفعة موجعة لصنّاع القرار في واشنطن. فقبل هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت الولايات المتحدة تعمل على دمج منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية مع أنظمة الدول الخليجية، ضمن مشروع طموح أُطلق عليه اسم “ناتو الشرق الأوسط”.

غير أن دول الخليج اختارت النأي بنفسها عن الصراع بين إسرائيل وإيران، معتبرة – وفقًا لتحليلات نقلتها ميدل إيست آي – أن قرارها بإعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية كان في محله.

ورغم استمرار إدارة ترامب في الترويج لاتفاق تطبيع محتمل بين إسرائيل والسعودية، باتت الرياض وعدد من العواصم العربية الأخرى تنظر إلى إسرائيل كقوة عسكرية توسعية يجب كبحها، لا دعمها في أوقات الأزمات.

فقد ضغطت السعودية على الولايات المتحدة لنشر قوات سورية في جنوب سوريا هذا الشهر، معبرة عن استيائها من الضربات التي شنتها إسرائيل على قوات الحكومة السورية وسط الاشتباكات الطائفية في البلاد.

ومع انقشاع غبار الصراع بين إسرائيل وإيران، بدأت التحليلات تركز على ثغرات منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، بينما تعيد إيران بناء دفاعاتها الجوية بدعم صيني، بحسب ما أفادت به ميدل إيست آي.

وقال دبلوماسي عربي لميدل إيست آي: “من وجهة نظرنا، انتهت الحرب بنتيجة جيدة، حيث دفعت إسرائيل ثمن مواجهة دولة ذات قوة”.

وفي ظل محاولتها إعادة تنظيم صفوفها بعد حملة القصف الإسرائيلية العنيفة، أصبحت إيران تعتمد أكثر على دول الخليج أيضاً.

وكتب فراس مقصد، المدير التنفيذي لمجموعة أوراسيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مؤخرًا على منصة “إكس”: “ازداد الموقف السعودي تشدداً تجاه إسرائيل في ضوء التصرفات الإسرائيلية غير المنضبطة في سوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية. ومع تراجع نفوذ إيران حالياً، تسعى المملكة لإعادة تموضع استراتيجي أقرب إلى تركيا، وربما تتبع ذات النهج مع إيران مستقبلاً”.

المصدر: ميدل إيست آي