الانتخابات السورية المرتقبة: شكوك بالمصداقية وخوف من استبداد جديد

ترجمة وتحرير نون بوست

تستعد سوريا لإجراء أول انتخابات لها منذ الإطاحة ببشار الأسد، وقد أثيرت مخاوف بشأن خطط الرئيس لاختيار ثلث أعضاء البرلمان والسيطرة بشكل محكم على الثلثين المتبقيين. وستستند الانتخابات، المقرر إجراؤها بين 15 و20 سبتمبر/أيلول، إلى مبدأ “الانتقاء والانتخاب”، وفقًا للهيئة الانتخابية المنشأة حديثًا في البلاد.

وقال نوار نجمة، المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، لشبكة “رووداو” الأسبوع الماضي، إن ثلثي أعضاء البرلمان سيتم انتخابهم من قبل “هيئات انتخابية”، والتي تتشكل بدورها من لجان فرعية سيتم اختيار أعضائها من قبل إدارته بعد “مشاورات مكثفة”.

وستتألف كل هيئة انتخابية من حوالي 50 شخصًا ينتخبون عضوًا واحدًا في البرلمان. وأضاف أن “الشرط الأساسي هو ألا يكونوا مؤيدين على الإطلاق، لا قولًا ولا فعلًا، للنظام البائد [نظام الأسد]”. وقال أيضًا: “يجب ألا يكون لديهم أي انتماء لأي من قوات الأمن أو الجيش لضمان حيادية الجهاز العسكري ووزارة الداخلية كذلك”.

وسيكون للجمعية الجديدة ولاية قابلة للتجديد مدتها 36 شهرًا، وفقًا للإعلان الدستوري الذي تم اعتماده في مارس/آذار، وستمارس السلطات التشريعية حتى يتم اعتماد دستور دائم وإجراء انتخابات جديدة.

وقد أثارت معايير النظام الانتخابي الجديد، الذي قالت الحكومة إنه “مؤقت”، انتقادات من قبل جماعات حقوقية ونشطاء مؤيدين للديمقراطية، الذين يرون فيه استيلاءً محتملاً على السلطة من قبل الرئيس أحمد الشرع.

وقالت رزان رشيدي، المديرة التنفيذية لـ”حملة من أجل سوريا”، إن منظمتها “ستراقب العملية عن كثب”. وقالت لـ “ميدل إيست آي”: “من المقلق أن يتم تخصيص ثلث المقاعد من قبل الرئيس المؤقت نفسه، بينما ستصوت هيئة انتخابية في كل محافظة سورية على المقاعد المنتخبة”.

وكانت رشيدي قد فرت من سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 2011، وحتى الإطاحة بالأسد في ديسمبر/كانون الأول، كانت تعمل تحت اسم مستعار لدواعٍ أمنية.

وبينما غمرتها الفرحة بسقوط الأسد، فإن الاتجاه الذي اتخذته حكومة الشرع قد أثار قلقها، وأعربت عن مخاوفها بشأن “شفافية وشرعية” الانتخابات المقبلة، وكذلك “مدى تمثيلها الحقيقي للمجتمعات السورية المتنوعة، بما في ذلك تمثيل المرأة، خاصة بعد تعيين حكومة جلها من الذكور لحكم البلاد”.

وقالت: “منذ بداية الثورة في عام 2011، كان الشعب السوري يحلم بإجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية، وهو أمر لم يتمكن الكثير منا، حتى الأجيال الأكبر سنًا، من ممارسته على الإطلاق تحت حكم النظام الاستبدادي”، وأضافت: “نضالنا من أجل تحقيق هذا الحلم مستمر”.

انتخابات “صورية”

في عهد الأسد، كان مجلس الشعب مجرد أداة لتمرير قرارات الحكومة، وكانت الانتخابات التي أجريت في عهد الأسد توصف من قبل الجماعات الحقوقية وشخصيات المعارضة بأنها “صورية”، حيث كانت الانتخابات الرئاسية تسفر بانتظام عن فوز الرئيس السابق بأكثر من 95 في المئة من الأصوات.

ومنذ الإطاحة بالأسد على يد تحالف بقيادة “هيئة تحرير الشام”، التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة سابقًا، دار جدل كبير حول الاتجاه الذي ستقود إليه الحكومة الجديدة البلاد.

وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة إعادة بناء العلاقات مع المجتمع الدولي وتأمين المساعدة لإعادة إعمار البلد المدمر، كانت تفرض سيطرتها ليس فقط على مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، بل على مجموعة من منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك تعيين قادة النقابات العمالية وأعضاء غرف التجارة، لكن الحكومة كافحت للحفاظ على سلطتها على جزء كبير من البلاد الممزقة بشدة.

وقد أثارت هجمات الموالين للأسد في محافظة اللاذقية الساحلية عقب الإطاحة به ردود فعل طائفية عنيفة ضد الأقلية العلوية، التي كان ينتمي إليها الرئيس السابق وعائلته. وقُتل ما لا يقل عن 1500 علوي في أعمال العنف التي تلت ذلك، حيث تتبع تحقيق أجرته وكالة “رويترز” الكثير من هذه الأعمال إلى مسؤولين في دمشق.

وسعت الحكومة إلى وقف العنف في محافظة السويداء الجنوبية، حيث أدى العنف بين أفراد الأقلية الدرزية ورجال القبائل البدوية وقوات الدولة إلى مقتل أكثر من 1000 شخص منذ بداية يوليو/تموز. واستمر العنف في المحافظة خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث قُتل أربعة أشخاص يوم الأحد في هجوم شنته جماعات مسلحة على قوات الدولة.

وقال جوزيف ضاهر، الأستاذ السوري السويسري في جامعة لوزان: “الشرع لا يريد التعامل مع فاعلين سياسيين واجتماعيين منظمين”. وقال لـ “ميدل إيست آي” إنه يرى أن الحكومة الجديدة تسعى إلى إنشاء “نظام حاكم” جديد بسلطة مركزية، لكنها لا تزال تفتقر إلى القدرة على فرض سلطتها بشكل فعال.

وقال ضاهر: “أعتقد أن النقص والفشل في السيطرة على السويداء، ليس فقط بسبب الهجمات الإسرائيلية، ولكن أيضًا بسبب المقاومة المحلية، هو أيضًا مؤشر على أن هذا أحد تناقضات هذه الحكومة”. وأضاف: “إنها تريد السعي لاحتكار السلطة ومركزيتها، لكنها في الوقت نفسه ضعيفة للغاية، سواء عسكريًا أو من حيث القدرات البشرية أو ماليًا أو سياسيًا”.

“اللامركزية”

في الأسبوع الماضي، كان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في موسكو للقاء مسؤولين روس لمناقشة “إعادة الإعمار بعد الصراع”، وعلى الأرجح، قضية القواعد الروسية في البلاد.

وكانت الحكومة الروسية داعمًا قويًا للأسد خلال الحرب الأهلية، حيث شنت بانتظام غارات جوية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بما في ذلك تلك التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، التي كان الشيباني عضوًا مؤسسًا فيها.

وقد بدت محاولات الحكومة السورية الواضحة لإصلاح العلاقات مع أعدائها السابقين، بالنسبة للبعض، متناقضة مع الكثير من سياساتها الداخلية، حيث ظلت الفجوات بين مختلف المجموعات العرقية والدينية والسياسية واسعة.

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” لـ “ميدل إيست آي” إن الاضطرابات الأخيرة في سوريا تجعل من الضروري أن يتمكن المواطنون العاديون من محاسبة الدولة. وقال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “بينما تعمل السلطات السورية على إنشاء هياكل سياسية جديدة، يجب عليها ضمان الحق في المشاركة السياسية لجميع السوريين”.

وأضاف: “بالنظر إلى السلطة المطلقة وغير الخاضعة للرقابة للحكومة السابقة، فمن الأهمية بمكان أن تنشئ سوريا أنظمة مستقلة لمحاسبة الحكومة على الانتهاكات”.

وبينما من المقرر أن ينتهي العمل بالدستور المؤقت الحالي بعد خمس سنوات، فإن الطبيعة الخاضعة لسيطرة مشددة لانتخابات سبتمبر/أيلول جعلت بعض نشطاء الديمقراطية السوريين حذرين من العودة إلى أسوأ جوانب حقبة الأسد، عندما كان كل من البرلمان والمجتمع المدني تحت سيطرة دمشق المحكمة.

وقال ضاهر إنه يجب أن يكون هناك برنامج للامركزية في سوريا، بالإضافة إلى إشراك سياسي حقيقي من جانب الحكومة، بدلاً من ممثلين رمزيين للطوائف الدينية والعرقية.

وقال ضاهر: “يمكن أن تكون الانتخابات جانبًا واحدًا من جوانبها، كما تعلمون، رجل واحد، صوت واحد، لكن لا يمكن أن يقتصر الأمر على هذا. نحن بحاجة إلى مشاركة سياسية حقيقية بطريقة ديمقراطية شاملة”. وأضاف: “هذا يبدأ، على سبيل المثال، بالسماح للمناطق بانتخاب ممثليها، سواء في السويداء أو الشمال الشرقي، وفي جميع أنحاء سوريا”.

المصدر: ميدل إيست آي