مليارات من البيت الأبيض: كيف حوّل ترامب الرئاسة إلى صفقة العمر

ترجمة وتحرير: نون بوست

في مؤتمر صحفي عُقد في 11 يناير/ كانون الثاني 2017، شرح الرئيس المنتخب دونالد ترامب لأول مرة كيف سيتعامل مع العديد من تضارب المصالح التي تطرحها إمبراطوريته التجارية على منصبه الجديد. كانت شركته، منظمة ترامب، تجمع الأموال من جميع أنحاء العالم مقابل شقق فاخرة، وتأجير فنادق ومشاريع تطوير وعضويات نوادي، كما أنه أبرم صفقات وضعت اسمه على كل شيء من شرائح اللحم التي تُطلب عبر البريد إلى دورات الثراء السريع. هل يمكن للمواطنين أن يثقوا به في وضع الصالح العام فوق الربح الشخصي؟ وكيف سيطمئن الأمريكيين بأن المدفوعات إلى أعماله لم تكن في الواقع رشاوى؟

وسأل صحفي ترامب عما إذا كان سيكشف عن إقراراته الضريبية، كما فعل الرؤساء لعقود من الزمن، فأجاب ترامب بلا، ثم شرح مدى شعوره بعدم التقيد بتلك الأعراف، فقد اكتشف مؤخرًا أن الرئيس، كونه مسؤولاً فقط أمام الناخبين، لا يخضع لأي من اللوائح التي تمنع المسؤولين الأدنى منه من ممارسة الأعمال الخاصة بجانب مهامهم الرسمية، ووصف هذه الثغرة بأنها “بند عدم تضارب المصالح”، كأنها ميزة من مزايا عقد عمله.

ولتوضيح مدى وضوح تضارب المصالح الذي يسمح به القانون له، قال ترامب إنه خلال الفترة الانتقالية تلقى عرضًا بقيمة ملياري دولار “لإبرام صفقة في دبي”. وجاء هذا العرض من حسين سجواني، قطب عقارات إماراتي ذو علاقات وثيقة بحكام بلاده. وأكد ترامب أنه “لم يكن مضطرًا لرفضه”. ومع ذلك، قرر الرفض لأنه لم “يرغب في استغلال أي شيء”، ولم يعجبه “الشكل الذي يبدو عليه الأمر”. لذلك، تابع، سيتولى ابناه الأكبران، دونالد الابن وإريك، الإدارة اليومية لأعماله حتى انتهاء ولايته.

ثم سلّم ترامب الكلام لشيري ديلون، إحدى محاميات الضرائب الخاصة به، التي جادلت بأنه لا يُتوقع منه سوى التنازل المؤقت عن الإدارة. لن يقوم ترامب بـ”تدمير الشركة التي بناها”. ومنذ أن اشتهر في برنامج الواقع على شبكة “إن بي سي” “ذا أبرينتس” (المتدرب)، كانت منظمة ترامب تعتمد بشكل أساسي على بيع حق استخدام اسمه. وكانت معظم أرباحها تأتي من المطورين الذين يرفعون علم ترامب فوق مبانٍ لم يقم ببنائها أو يمتلكها، أو من الشركات التي تستخدم اسمه لبيع القمصان والمراتب والبيتزا. وأوضحت ديلون أنه إذا حاول ترامب التخلّي عن كامل شركته، قد يدفع المشتري مبلغًا مبالغًا فيه “لكي يكسب ود الرئيس”، أو، وبشكل مقلق بنفس القدر، قد يسيء إلى أعلى منصب في البلاد من خلال استغلال اسم الرئيس بطريقة مبتذلة لكسب المال. وأعلنت ديلون أن ترامب وعائلته لن يفعلوا أي شيء قد “يُفهم على أنه استغلال لمنصب الرئاسة”.

كانت تلك حقبة مختلفة؛ حيث توقفت شركة ديلون عن تمثيل ترامب في سنة 2021، بعد أن هاجم الحشد الذي أثاره مبنى الكابيتول الأمريكي. وفي فترة رئاسة ترامب الثانية، لم يعد الرئيس وعائلته يلتزمون بوعد محاميتهم. وخلال فترة رئاسته الأولى، تعهدوا بالامتناع عن إبرام أي صفقات جديدة في الخارج، لكن هذا التعهد بات من الماضي. والآن، يحقق آل ترامب أرباحًا من خمسة صفقات كبرى في منطقة الخليج العربي وحدها. وصرح دونالد ترامب الابن خلال زيارة حديثة إلى قطر أن تراجع العائلة عن الصفقات خلال إدارة ترامب الأولى لم يمنع منتقدي والده من اتهام العائلة المستمر بـ”الاستفادة المفرطة”. لذلك، قرر آل ترامب ألا يحصروا أنفسهم في “غرفة مبطنة بالوسائد مجازًا، لأن الأمر لم يعد مهمًا – سوف يهاجمونك مهما فعلت”. (وقالت متحدثة باسم منظمة ترامب إنها توظف مستشارة أخلاق خارجية – حاليًا كارينا لينش، محامية وناشطة سياسية عملت سابقًا في مجلس الشيوخ الجمهوري ومثّلت دونالد ترامب الابن – لـ”تجنب حتى مظهر المخالفة”).

وتتدفق الآن العديد من المدفوعات إلى دونالد ترامب وزوجته وأبنائه وأزواجهم، والتي لم يكن من الممكن تصورها بدون رئاسته للبلاد: استثمار بقيمة ملياري دولار من صندوق يسيطر عليه ولي العهد السعودي، وطائرة فاخرة من أمير قطر، وأرباح من خمسة مشاريع على الأقل تروّج للعملات الرقمية، ورسوم من نادٍ حصري يضم مسؤولين من مجلس الوزراء ويحمل اسم “الفرع التنفيذي”. وقال فريد ويرثايمر، عميد دعاة إصلاح الأخلاقيات، لي: “عندما يتعلق الأمر باستخدام منصبه العام لجمع الأرباح الشخصية، فإن ترامب هو ظاهرة فريدة حتى أنه لا أحد يقترب من مستواه”.

ومع ذلك، فقد تجاهل الجمهور ذلك إلى حد كبير؛ ففي مقال حديث لـ”نيويورك تايمز”، كتب بيتر بيكر، مراسل البيت الأبيض، أن عائلة ترامب “قاموا بتحويل الرئاسة إلى مصدر للربح أكثر من أي شخص شغل البيت الأبيض من قبل”. لكنه أشار إلى أن وقاحة “خطط كسب الأموال” لعائلة ترامب جعلت مثل هذه الصفقات تبدو شبه طبيعية.

كم تبلغ قيمة كل ذلك؟ وما هو الرقم؟

في مارس/ آذار، قدّرت مجلة فوربس، المعروفة بتصنيف ثروات المليارديرات، أن صافي ثروة ترامب قد تضاعف أكثر من الضعف خلال السنة السابقة، متجاوزة خمسة مليارات دولار. وفي يوليو/ تموز، قدّرت صحيفة “التايمز” ثروة ترامب بأكثر من عشرة مليارات دولار. ومع ذلك، شمل كلا التقديرين مليارات الدولارات من الأرباح الورقية التي من المرجح أن تتلاشى إذا قررت عائلة ترامب الانسحاب من بعض الاستثمارات. (فما قيمة منصة “تروث سوشيال” بدونه؟) كما شملت هذه التقديرات أصولًا لم يشوبها بأي استغلال واضح للرئاسة، مثل العقارات التي كان يملكها ترامب قبل توليه المنصب، أو الرسوم التي يدفعها زبائن المنتجعات الذين يرغبون ببساطة في لعب الغولف أو حجز غرفة في فندق.

وعلى الرغم من أن فكرة أن ترامب يجني مبالغ هائلة من الرئاسة أصبحت أمرًا شائعًا، لم يستطع أحد أن يخبرني كم حقق بالضبط. وقال نورم آيزن، محامي أخلاقيات الحكومة وناقد صريح لترامب: “لا نعرف المبالغ الكاملة”. وصرح روبرت وايسمان، الرئيس المشارك لمنظمة “بابليك سيتزن” المناصرة لليسار، قائلاً: “لن نعرف الحقيقة أبدًا”. وأشار فيرتهايمر إلى أن ترامب كان يتفاخر باستمرار، وبالتفصيل، عن مدى ثرائه لعقود، مضيفًا: “لم يعد يتحدث عن ذلك بعد الآن. وربما يكون أعظم محتال في تاريخ أمريكا”.

وكان من الضروري إجراء حساب أكثر دقة. وقررت محاولة حصر المبلغ الذي جناه ترامب وعائلته المقربة خلال فترة وجوده في البيت الأبيض.

ومن الناحية المالية، جاء منصب الرئاسة لترامب في توقيت مناسب للغاية؛  حيث يخلص الصحفيان روس بوتنر وسوزان كريغ – مراسلا صحيفة “التايمز” اللذان حصلا على بعض من إقرارات ترامب الضريبية – في كتابهما “الخاسر المحظوظ” إلى أنه بحلول سنة 2015 كان ترامب قد استنزف معظم الثروة الهائلة التي ورثها عن والده الذي صنع ثروته بنفسه، وهي ميراث يُقدّر اليوم بنحو نصف مليار دولار. لو كان ترامب استثمر هذا المال في سوق الأسهم، كان بإمكانه أن يصبح أغنى بكثير، كما أن أسلوب حياته كان يستهلك الأموال بشكل كبير. ففي سنة 1990، وفي صفقة للحفاظ على منظمة ترامب من الإفلاس، وافق المقرضون على أنه يحتاج إلى أربعمائة وخمسين ألف دولار شهريًا فقط لتغطية النفقات الأساسية.

وقد غطى برنامج “المتدرب”، الذي جسد فيه صورته المتضخمة التي حاول دائمًا أن يظهر بها للعالم، خسائره. ففي السنوات السبع التي تلت عرضه الأول في 2004، دفع له البرنامج 135.2 مليون دولار. وسمح له تأثيره الجذاب بجني الأموال دون الحاجة إلى شراء أو بناء أي شيء، فقط من خلال ترخيص اسمه وبيع الرعايات. وكانت جميع مشاريع العقارات التي أعلن عنها خلال هذه الفترة – من هاواي إلى إسرائيل – عبارة عن صفقات ترخيص. وقد حقق من الترخيص والإعلانات أرباحًا خالية من المخاطر بقيمة 103.2 مليون دولار. وقال دونالد ترامب الابن لاحقًا في شهادة بمحكمة نيويورك: “لا أريد أن أقول إنها إيرادات مجانية”، لكنه أقر بأن نشاط الترخيص في الشركة كان “نظامًا مذهلاً بحق”.

ومع ذلك، لم تكن أرباح برنامج “المتدرب” كافية دائمًا للحفاظ على وضع ترامب المالي إيجابيًا، فوفقًا للتقارير السنوية التي أرسلها ترامب ومجموعته إلى المقرضين بين 2011 و2017، حقق خلال تلك السنوات إيرادات بلغت 259 مليون دولار من عقود التلفزيون والترخيص، لكنه، بسبب عادة الإفراط في الإنفاق على العقارات، سجل تدفقًا نقديًا سلبيًا بلغ 46.8 مليون دولار. وقد أدت تراجع أعداد المشاهدين إلى إيقاف برنامج “المتدرب” في 2010، وبحلول سنة 2015 كان برنامج “المتدرب المشهور” يعاني أيضًا من ضعف الأداء. وانخفض دخل ترامب من الترخيص والإعلانات وبرنامج “المتدرب” إلى 22 مليون دولار في تلك السنة. ويشير بوينتر وكريج إلى أن ترامب باع حوالي 220 مليون دولار من الأسهم بين 2014 و2016 – وهي تقريبًا جميع حصصه في الأسهم – على ما يبدو لتعويض الخسائر مع انخفاض هذه الإيرادات. ثم، في 16 يونيو/ حزيران 2015، أطلق ترامب حملته الرئاسية الأولى في خطاب وصف فيه المهاجرين المكسيكيين بالمجرمين و”المغتصبين”، مما أدى إلى توقف بثه على شبكة “إن بي سي” وإنهاء عقود الرعاية مع شركات مثل “مَيْسِيْز” و”سيرتا” و”فيليبس-فان هاوزن”.

وبعد فوز ترامب في الانتخابات، أضافت الدعاوى القضائية التي رفعت ردًا على رئاسته نفقات كبيرة جديدة. وبحلول بداية ولايته الثانية، كان مدينًا بما يقرب من خمسمائة مليون دولار لولاية نيويورك، التي رفعت عليه دعوى قضائية بتهمة الاحتيال، وأكثر من 88 مليون دولار لـ إي. جين كارول، التي رفعت عليه دعوى بتهمة الاعتداء الجنسي والتشهير. (ولا تزال الطعون قيد النظر). باختصار، كان ترامب في موقف مالي صعب عندما دخل البيت الأبيض لأول مرة، وكان في وضع أكثر ضيقًا عند عودته. لكن بعد ستة أشهر فقط، تحسنت حالته المالية بشكل كبير.

وغالبًا ما يصف منتقدو ترامب إدارته بأنها أوليغارشية أو نظام السرقة المنظّمة، مستحضرين أوجه تشابه مع فلاديمير بوتين. إلا أن الخبراء المتخصصين في متابعة الفساد الدولي أخبروني أن هذا الموقف مبالغ فيه. ويقوم زعماء الفساد العالميون مثل نجيب رزاق، رئيس وزراء ماليزيا السابق، بتحويل مبالغ طائلة من خزائن الدولة مباشرة إلى حساباتهم المصرفية الشخصية. وقد اتهم المدعون الأمريكيون رزاق بسرقة حوالي أربعة مليارات ونصف المليار دولار، بما في ذلك تحويل نحو سبعمائة مليون دولار إلى حساباته الخاصة. ولم يتهم أحد ترامب بشكل موثوق باختلاس أموال مخصصة لمصلحة الضرائب الأمريكية. وحذر غاري كالمان، المدير التنفيذي لفرع منظمة الشفافية الدولية في الولايات المتحدة، من “اختلاق الأمور لمجرد أن كل شيء يبدو معقولاً”.

وينتقد منتقدو “الأوليغارشية” التي يتهمون بها ترامب علاقته بإيلون ماسك بشكل دائم. فقد تبرع ماسك بأكثر من 290 مليون دولار لدعم ترامب وغيرهم من الجمهوريين في انتخابات 2024. ثم منح ترامب ماسك دورًا في الإدارة يتمتع بسلطات تبدو خارجة عن الإطار القانوني لإعادة تنظيم الوكالات الفدرالية، وفي الوقت نفسه، كانت شركات ماسك مثل تسلا، وسبيس إكس، وستارلينك تستفيد من العقود أو الدعم الحكومي. وفي مارس/ آذار، ظهر ترامب في ما يشبه إعلانًا تلفزيونيًا في حديقة البيت الأبيض؛ حيث أعلن بعد أن سيشتري سيارة تسلا حمراء متوقفة هناك، قائلاً: “إنها منتج رائع – أفضل ما يمكن أن يكون.” قد يكون كل ذلك مريبًا، لكن كل حملة سياسية أمريكية تعتمد على التبرعات الخاصة. فقد باع جميع الرؤساء المعاصرين حق الوصول مقابل أموال الحملات الانتخابية، وجميعهم كافأوا المانحين بتعيينات سياسية، وخاصة في مناصب السفراء.

والأهم من ذلك، أن قوانين تمويل الحملات الانتخابية تحد من كيفية استخدام ترامب لصندوقه السياسي. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، جمع ترامب مبلغًا قياسيًا قدره ستمائة مليون دولار لعمليته السياسية. يمكنه استخدام هذا الاحتياطي لمهاجمة أعدائه في الكونغرس، ويمكنه توجيهه نحو حملات انتخابية أخرى. (يفكر دونالد ترامب الابن في خوض انتخابات رئاسية.) ومع ذلك، لا يمكن عادةً استخدام هذه الأموال لتغطية النفقات الشخصية. وفي لعبة تمويل الحملات، يلعب ترامب على مستوى أولمبي، لكنه لم يغير القواعد.

ويُعد الثراء الشخصي هو المجال الذي يُظهر فيه ترامب ابتكارًا حقيقيًا، كما أن أرباحه في هذا الجانب يصعب أيضًا قياسها بدقة. ففي إقراراته الضريبية، يقلل ترامب بشكل كبير من قيمة أصوله ويضخم حجم خسائره. أما في طلبات القروض، فيفعل العكس تمامًا؛ حيث يبالغ في ثروته ليقترض أكبر قدر ممكن. وعلى نماذج الإفصاح المالي التي يُطلب منه تقديمها كمرشح أو كرئيس، عادةً ما يذكر فقط الإيرادات الإجمالية للأعمال، وليس صافي الأرباح، مما يجعله يعلن عن عشرات الملايين من الدولارات كـ”دخل” من فنادق تحقق في الواقع خسائر.

وقد تابع بروس دوبينسكي، المحاسب الجنائي الذي أدلى بشهادته في محاكمة بيرني مادوف بتهمة الاحتيال وحقق في انهيار ليمان براذرز ضمن إجراءات الإفلاس، عن كثب محاكمة الاحتيال التي جرت في نيويورك ضد ترامب. وأخبرني دوبينسكي أن الهيكل الغامض لملكية شركات ترامب يجعل من الصعب تقييم التغيرات في صافي ثروته. ومن الصعب أيضًا عزل أرباحه من الرئاسة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن تقدير حجم الأرباح التي كان من الممكن أن تحققها شركاته لو لم يكن رئيسًا يتطلب مقارنات مفصلة مع مؤسسات مماثلة مملوكة لأشخاص غير رؤساء. على سبيل المثال، أشار دوبينسكي، الذي يعيش في فلوريدا، إلى أنه زار مؤخرًا ملعب الجولف الخاص بترامب في جوبتر “لمجرد لعب الغولف.  لذا، تحديد القيمة التي تُعزى إلى وضعه كرئيس هو أمر شاق للغاية.”

وهذا الغموض هو السبب الذي يجعل خبراء الأخلاق يقولون إن أي نشاط تجاري خارجي يمكن أن يشكل تعارضًا في المصالح وقد يفتح بابًا للرشوة. ولكن، بعيدًا عن مسألة الحياد، كنت أبحث عن تقييم عادل وموضوعي لأرباح عائلة ترامب من فترتي رئاسته. وكان نادي مار-أ-لاغو، النادي الربحي الذي أصبح مركزًا لحركة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” ومقرًا للرئاسة في عطلات نهاية الأسبوع، نقطة انطلاق واضحة.

مار-أ-لاغو

في سنة 2016، وبينما كان ترامب يترشح للرئاسة، كان أيضًا يرفع دعوى قضائية ضد صاحب مطعم لقطع علاقاته معه بسبب تصريحاته العنصرية تجاه المهاجرين المكسيكيين. وخلال إفادة قانونية صيف تلك السنة، شهد ترامب بأن السباق الرئاسي لم يؤثر بشكل “كبير” حتى الآن على أعماله في مجال الفنادق والمنتجعات، والتي كانت “مستقرة نسبيًا”. وقال مدير النادي إن أحد الاستثناءات هو مار-أ-لاغو، عقار بالم بيتش الذي حوّله إلى نادٍ خاص بعد شرائه له في سنة 1985 بحوالي عشرة ملايين دولار. وكأنه فوجئ بحادثة سعيدة، شهد ترامب بأن الحملة الانتخابية منحت مار-أ-لاغو “أفضل عام شهدناه على الإطلاق”.

إذا كان العديد من الرؤساء قد تبادلوا الوصول مقابل تبرعات الحملات الانتخابية؛ فإن ترامب هو الوحيد الذي أدار عملاً يبيع فرصة مفتوحة للتواصل معه ومع دائرتِه. بالإضافة إلى العائدات التي حققها من تنظيم فعاليات حملته الانتخابية في ناديه، استفاد أيضًا من توافد المرشحين الآخرين، والجماعات المحافظة، والساعين للحصول على النفوذ لتنظيم فعاليات هناك. ويذكر النادي أنه يحدّ عضويته بخمسمائة شخص، يدفع كل منهم رسوم اشتراك سنوية تبلغ حوالي عشرين ألف دولار. ولكن بعد انتخابات 2016، بدأ ترامب في رفع رسوم الانضمام؛ ففي 2016 كانت تبلغ مائة ألف دولار، وفي الخريف الماضي تم تحديدها لترتفع إلى مليون دولار.

وتشير نماذج الإفصاح المالي الخاصة بترامب إلى أن إيرادات مار-أ-لاغو السنوية قد ارتفعت منذ سنة 2014 من عشرة ملايين دولار إلى خمسين مليون دولار. وفي الوقت نفسه، أفادت مجلة فوربس أن تكاليف التشغيل ظلت مستقرة، تتراوح بين اثني عشر مليونًا وستة عشر مليون دولار سنويًا. وبجمع كل هذه الأرقام، حسبت أن فترة رئاسة ترامب جلبت له أرباحًا إضافية لا تقل عن 125 مليون دولار من مار-أ-لاغو.

الأرباح التقديرية:  125 مليون دولار

الرسوم القانونية وبضائع ترامب

وعلى الرغم من أن المرشحين لا يمكنهم الاحتفاظ بالتبرعات الانتخابية لأنفسهم، إلا أن أي رئيس لم يحاول اقتطاع جزء ولو بسيط من تلك الأموال بقدر ما فعل ترامب. ووفقًا لمنظمة “أوبن سيكريتس” غير الربحية، أنفقت حملات ترامب خلال العقد الماضي أكثر من عشرين مليون دولار في فنادقه ومنتجعاته الخاصة، مما ساهم في ارتفاع أرباح مار- أ-لاغو بشكل كبير. لكن من المستحيل تقدير مقدار ما وصل من هذه الأموال، إن وُجدت، إلى حساباته الشخصية.

ودفعت الحملتان الانتخابيتان لترامب في سنتي 2016 و2024 له مبلغًا إجماليًا قدره ثمانية عشر مليون دولار مقابل استخدام طائرته الخاصة من طراز بوينغ 757، المعروفة باسم “ترامب فورس وان”. (أما في حملة 2020، فقد كان يُقلّه سلاح الجو الرئاسي “إير فورس وان”، كما هو المعتاد مع أي رئيس في منصبه). ومع ذلك، فإن باراك أوباما في سنة 2008 وميت رومني في سنة 2012 أنفق كل منهما مبلغًا مماثلًا تقريبًا لاستئجار طائرات لحملاتهما الانتخابية.

مع ذلك، فإن ترامب يعتبر أول مرشح رئاسي يدير متجرًا إلكترونيًا خاصًا به ينافس متجر حملته الانتخابية في بيع بضائع تحمل طابع الحملة، مما يعني فعليًا تحويل أموال مؤيديه إلى جيبه الخاص. ويشبه الأمر مصمم أزياء يضع طاولة أمام متجره لبيع نسخ مقلدة من منتجات شركته، على حساب المساهمين. ومن بين بضائع متجر ترامب: قبعة بيسبول حمراء تحمل عبارة “غولف أوف أمريكا” بسعر خمسين دولارًا، وزوج من حافظات مشروبات البيرة “ترامب بير كوزيز” بسعر ثمانية عشر دولارًا، وصنادل “ترامب فليب-فلوبس” بسعر أربعين دولارًا. قد يعتقد المشترون أن هذه المشتريات تموّل قضية “ماغا” أو مرشحيها، لكن نماذج الكشف المالي لترامب تشير إلى أنه حقق أكثر من سبعة عشر مليون دولار كدخل من هذه المبيعات. وبهذه الأسعار – ومع نفقات تسويقية ضئيلة بفضل موقعه كرئيس للدولة – فإن هذا الدخل يكاد يكون ربحًا صافيًا بالكامل.

وأدرج أحدث كشف مالي له دخلًا من التراخيص بقيمة 1.1 مليون دولار من غيتار يحمل علامة ترامب، و2.8 مليون دولار من ساعات “ترامب”، و2.5 مليون دولار من “الأحذية الرياضية والعطور”، و3 ملايين دولار من كتاب مصوّر بعنوان “أنقذوا أمريكا”، و1.3 مليون دولار من نسخة من الإنجيل تحمل عبارة “بارك الله الولايات المتحدة”. وبذلك يصل المجموع إلى ما لا يقل عن 27.7 مليون دولار من بضائع شبيهة بمنتجات الحملات الانتخابية.

ولا يمكن لصندوق الحملة الانتخابية تمويل النفقات القانونية الشخصية للمرشح، لكن ترامب وجد ثغرة: إذ يمكن تحويل صندوق الحملة إلى لجنة عمل سياسي، ومع القيود الأكثر مرونة على هذه اللجان يمكن استخدام أموال المتبرعين لتسديد مثل هذه النفقات. ومن خلال لجانه السياسية، أنفق ترامب أكثر من مئة مليون دولار من مساهمات أنصاره للدفاع عن نفسه في مواجهة مجموعة من التهم: تشويه سمعة إي. جين كارول أثناء إنكاره روايتها عن اعتدائه الجنسي عليها، وإخفاء بشكل احتيالي رشوة مالية لنجمة أفلام إباحية خلال حملة 2016، والتآمر لقلب نتائج انتخابات 2020، وسرقة وإخفاء وثائق سرية بعد مغادرته البيت الأبيض. ما لم تكن كل هذه التهم جزءًا من مؤامرة كبرى من تدبير “الدولة العميقة”، فإن إعفاء ترامب من هذه الفواتير يبدو كهدية بقيمة مئة مليون دولار لتغطية نفقات شخصية.

الأرباح التقديرية:  127.7 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 252.7 مليون دولار

فندق العاصمة واشنطن

خلال الولاية الأولى للرئيس، لم يبرز أي نشاط تجاري في مزاعم الديمقراطيين حول الفساد بقدر ما برز فندق ترامب إنترناشونال في واشنطن. ويقول زاك إيفرسون، الذي كان يكتب نشرة إلكترونية ترصد أجواء الفندق، إنه كان “مركز المستنقع”. فقد حجز زعماء أجانب مجموعات من الغرف، وعقدت جمعيات صناعية مؤتمراتها هناك، وازدحم البار باللوبيين وأعضاء الكونغرس وكبار المسؤولين. وكان ترامب يزور الفندق كثيرًا؛ وأخبر الموظفون إيفرسون أن الإكراميات انخفضت لأن الضيوف ظلوا في أماكنهم يراقبونه حتى يغادر. وإذا أردت التقرب منه، فأين ستقيم غير هنا؟ في سنة 2018، حين كانت شركة تي-موبايل تسعى للحصول على موافقة تنظيمية لشراء سبرنت، شوهد المدير التنفيذي آنذاك، جون ليغير، في الفندق. وخلال عشرة أشهر، أنفق هو ومسؤولو الشركة نحو مئتي ألف دولار فيه، فيما نفى أي محاولة للتأثير على البيت الأبيض، مؤكدًا أنه “ضيف دائم في فنادق ترامب”. (وقد تمت الموافقة على الاندماج).

غير أن هذا الإقبال، وإن أرضى غرور ترامب، لم ينعكس على أرباحه؛ إذ تكبّد الفندق خسائر في كل سنة من ولايته الأولى، بإجمالي يزيد على 70 مليون دولار. ويؤكد خبراء في القطاع أن رئاسة ترامب نفّرت من العملاء بقدر ما جذبت، إذ تجنّب كثير من القادة الأجانب واللوبيين والتنفيذيين الإقامة فيه خشية التورط في فضيحة نفوذ. (تعرّض ليجير من شركة تي-موبايل لاستجواب حاد في مجلس النواب حول اختياره لمكان إقامته).

في السنتين التاليتين لانتخاب ترامب، تخلّت الفنادق في تورونتو، ونيويورك، وريو دي جانيرو، ومدينة بنما التي كانت مرخصة لاستخدام اسم ترامب عن هذا الاسم، ويُعتقد أن ذلك كان جزئيًا بسبب تأثيره السلبي على الأعمال. وتبعها فندق في هاواي في عام 2023.

وفي عام 2012، وافق ترامب على دفع ثلاثة ملايين دولار سنويًا للحكومة الفدرالية مقابل عقد إيجار طويل الأمد لمبنى البريد المركزي السابق، بالإضافة إلى استثمار لا يقل عن 200 مليون دولار في تجديده. افتتح الفندق عام 2016، ثم باعه ترامب في 2022 مقابل 375 مليون دولار. وبعد تحليل إقراراته الضريبية، خلص الباحثان كريغ وبوتنر إلى أنه بالكاد حقق تعادلاً ماليًا. وتولّت مجموعة هيلتون إدارة الفندق تحت علامة والدورف أستوريا، ويقول المطلعون إن الأداء المالي للفندق شهد تحسّنًا ملحوظًا.

خلال ولايته الأولى أيضًا، أثار منتجع ترامب تورنبيري للجولف في أسكتلندا اتهامات بالاستفادة الشخصية غير المشروعة، حيث كان الجيش الأميركي يدفع أحيانًا لإقامة أفراده هناك أثناء توقفهم في مطار بريستويك القريب. وخلال 23 شهرًا حتى يوليو 2019، أنفق البنتاغون ما لا يقل عن 184 ألف دولار في المنتجع، بسعر مخفض بلغ متوسطه 189.04 دولارًا لليلة.

مع ذلك، استمر المنتجع في تسجيل خسائر طوال السنوات الأربع الأولى من إدارة ترامب، قبل أن يحقق أرباحه الأولى في 2022. واستمر أفراد الجيش الأميركي في الإقامة فيه خلال ولاية الرئيس جو بايدن، حيث أوضح متحدث باسم القوات الجوية أن “لم يحدث أي تغيير” في استخدام الجيش للمرفق، مضيفًا أن “الفرق الجوية يمكنها اختيار منتجع ترامب تورنبيري إلى جانب خيارات فنادق أخرى في المنطقة، إذا استوفى معايير محددة تتعلق بالتوافر والملاءمة والتكلفة والقرب”.

الإنفاق في فنادق ترامب من قبل الوكالات الحكومية وطالبي النفوذ بدا في المحصلة متعادلًا.

الأرباح التقديرية:  0 دولار
المجموع الإجمالي: 252.7 مليون دولار

الخليج العربي

شكّل الخليج العربي فرصة تجارية استثنائية وتحديًا أخلاقيًا فريدًا لأول قائد أعلى للقوات المسلحة الأميركية يجمع بين السياسة وتجارة العقارات. فالملوك العرب في الخليج يؤدّون دورين متكاملين؛ فهم في الوقت ذاته رؤساء دول ومستثمرون كبار في العقارات الأميركية وغيرها من الأصول. ويستثمر هؤلاء الحكام في نفس نوع الممتلكات والمشاريع التي تسوّقها عائلة ترامب. زفي مقابلة حديثة مع تاكر كارلسون، عبّر ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ورجل الأعمال العقاري، عن ارتياحه لأن عقلية حكام الخليج تسهّل عقد الصفقات، قائلاً: “الجميع هناك رجال أعمال!”، لكن هؤلاء “الرجال” كانوا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بدائرة ترامب؛ إذ باع ترامب وويتكوف وآخرون في إدارته، منهم جاريد كوشنر زوج ابنته إيفانكا، أو حاولوا بيع أصول لأسر حاكمة في الخليج قبل توليهم مناصبهم الحكومية، مع توقع الجانبين استئناف الأعمال بعد مغادرة ترامب للمنصب.

وعلى عكس قادة الدول في أوروبا الغربية مثلاً، يتمتع ملوك الخليج بسلطات استثنائية على الأنشطة الاقتصادية في بلدانهم، إذ يسيطر الحاكم على عائدات النفط والغاز التي تغذي كل مشروع، من أبسط كشك شاورما إلى أفخم منتجع، دون قيود من محاكم مستقلة أو قوانين غربية تحمي المصالح الخاصة. وكلما ازدادت ثروة رجل الأعمال في الخليج، زاد اعتماده على رضا حاكمه، مما يجعل الصفقة مع شركة خاصة تقترب أحيانًا من كونها صفقة مع الحاكم نفسه.

وخلال الانتخابات التمهيدية الجمهورية عام 2016، تفاخر ترامب ببيعه شققًا للسعوديين، قائلاً: “يشترون مني شققًا. ينفقون أربعين أو خمسين مليونًا. هل يُفترض أن أكرههم؟ أنا أحبهم كثيرًا”. ومع ذلك، واجه صعوبة في إبرام صفقات ترخيص في الخليج، إذ كان القليل من المطورين خارج أميركا الشمالية مستعدين لدفع مقابل استخدام اسمه، وغالبًا في مشاريع سكنية بمناطق أقل رفاهية في العالم النامي. وكان يحقق مئات الآلاف من الدولارات سنويًا من ترخيص اسمه لمشروع برجين في إسطنبول (وذكر في ثلاث إقرارات سنوية متتالية أنه تلقى 489,182 و392,360 و288,061 دولارًا، مع تفاوت في فترات التقرير)، كما رخّص اسمه لأربعة أبراج في الهند، وستة في كوريا الجنوبية، وواحد في الفلبين، وآخر في أوروغواي، بينما تعثرت مشاريع أخرى في جورجيا وأذربيجان وغيرها بعد انتخابه. وكان وجوده الوحيد في الخليج من خلال صفقة مع حسين سجواني، المقرب من حكام الإمارات، الذي اتفق عام 2013 على أن تدير منظمة ترامب ملعب جولف يحمل علامته ويحيط به فلل في دبي.

وخلال حملة 2016، لمح أحد مبعوثي ترامب لحكام الإمارات إلى أن صفقة سجواني تمنحهم مدخلًا للتأثير، وكتب توم باراك، صديق ترامب ومستشاره غير الرسمي، في رسالة إلى السفير يوسف العتيبة: “لدى ترامب مشاريع مشتركة في الإمارات!”.

وقد شجّع باراك دولة الإمارات على البدء في جذب جاريد كوشنر، مستشار ترامب القادم لشؤون الشرق الأوسط، وبدا أن هذه الجهود حققت نجاحًا مذهلًا. من خلال كوشنر، ساعد الإماراتيون في إقناع ترامب بالسفر إلى الخليج العربي في أول زيارة خارجية له كرئيس، كما ساعدوه على دعم ولي العهد المفضل لديهم للسعودية، محمد بن سلمان، الذي أصبح الآن ولي العهد والحاكم الفعلي، بدلاً من أحد الأمراء الأقرباء الذين كانوا منذ فترة طويلة المفضلين لدى الولايات المتحدة. والأكثر إثارة للدهشة، أن ترامب في عام 2017 دعم الإمارات والسعودية في خلافهما مع قطر المجاورة. فقد اتهم الإماراتيون والسعوديون منافسهم الإقليمي بدعم الحركات الإسلامية، ونظموا حصارًا هدف إلى تجويع البلاد. وقطر شريك للبنتاغون وتمول بشكل كبير قاعدة جوية أميركية غرب الدوحة، وكان موقف ترامب متعارضًا مع مواقف وزيري خارجيته ودفاعه. (وقد تصالحت السعودية والإمارات مع قطر في نهاية الولاية الأولى لترامب، ويتصرف هو والحكام المعنيون الآن كما لو أن الحصار لم يكن موجودًا).

ويُطرح هنا السؤال: هل ساعدت مدفوعات ملعب الجولف في دبي الإمارات على كسب ود ترامب؟ وهل كانت صفقة مع منظمة ترامب كفيلة بحماية قطر؟ أحد كبار مسؤولي الخليج قال لي إن الحكام باتوا يرون في التعامل التجاري مع ترامب “نوعًا من الضمان”.

ولم يمر وقت طويل بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض حتى عادت عائلته إلى الخليج؛ فقد غادر البيت الأبيض مذموماً عقب الهجوم على مبنى الكونغرس الأميركي في السادس من كانون الثاني/ يناير2021، إلا أن الفضيحة لم تزح مكانته كصانع للقرار السياسي. واضطر كيفن مكارثي، زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، إلى القيام برحلة حج إلى مار-أ-لاغو للتكفير عن تصريحاته التي حملت ترامب مسؤولية التحريض على الشغب. ومع ذلك، كان ترامب وعائلته الآن محرّرين من أعباء المناصب العامة، وأكثر حرية من أي وقت مضى لاستغلال مكانته كرئيس سابق ومستقبلي؛ حيث بدأ كوشنر بالتحرك أولًا، فخلال فترة ولاية ترامب الأولى، كان يدعم بصمت محمد بن سلمان في توطيد حكمه في الرياض، حتى أنه شجّع ترامب على الاستمرار في دعمه رغم اغتيال جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست والمقيم في فيرجينيا، على يد عملاء سعوديين. وبعد فترة قصيرة من مغادرته البيت الأبيض، طلب كوشنر من صندوق الثروة السيادي السعودي ضخ استثمار بقيمة ملياري دولار في شركة الأسهم الخاصة التي أسسها، والمعروفة باسم “أفينيتي بارتنرز”.

وتصدّت لجنة مستشاري الاستثمار في الصندوق السيادي السعودي بشكل جماعي لفكرة التمويل، فخبرة كوشنر تقتصر أساسًا على قطاع العقارات، ولم يكن لديه سجل في مجال الأسهم الخاصة، وكان يطلب من السعوديين ضخ مبلغ ضخم من المال بينما لم يسبق لأي مستثمر أميركي أن شارك حتى تلك اللحظة. ووصف أعضاء اللجنة رسوم الإدارة التي طلبها كوشنر، والتي تبلغ 1.25 بالمئة من أصول الشركة سنويًا (أي نحو 25 مليون دولار)، بأنها مرتفعة جدًا بالنسبة لعدم خبرته في المجال. كما عبّروا عن خشيتهم من تداعيات سلبية على السمعة، إذ قد تُفسر الصفقة على أنها مكافأة مالية.

غير أم مجلس إدارة الصندوق السعودي، الذي يهيمن عليه ولي العهد، تجاهل هذه التحذيرات وقرر المضي قدماً في استثمار الملياري دولار. ثم انضم مستثمرون من الإمارات وقطر وأضافوا مئات الملايين. كما استثمر تيري غو، مؤسس شركة فوكسكون التايوانية ورجل أعمال سياسي يرتبط بشكل وثيق بقادة الصين. (وقبل ذلك، ساعد كوشنر أثناء وجوده في البيت الأبيض على تأمين دعم حكومي لمصنع فوكسكون في ويسكونسن). وفي عام 2024، ومع اقتراب عودة ترامب إلى البيت الأبيض، نجحت شركة كوشنر في جمع 1.5 مليار دولار إضافية من مستثمرين قطريين وإماراتيين، ليصل حجم الأصول التي تديرها إلى 4.8 مليارات دولار.

وإذا دفع جميع المستثمرين باستثناء السعوديين الرسوم الإدارية السنوية المعيارية البالغة 2%، فإن إيرادات شركة أفينيتي تصل إلى 81 مليون دولار سنويًا. وبحسب شروط الأسهم الخاصة التقليدية، يحتفظ كوشنر، بعد خصم رسوم الإدارة، بنسبة 20 بالمئة من أرباح الاستثمارات (على الرغم من موافقته على تقاسم جزء منها مع السعوديين). هذه النسبة عادةً ما تمثل العائد الأكبر لشركات الأسهم الخاصة، وتشير التقارير إلى أن بعض استثمارات كوشنر المبكرة، مثل شركة مالية إسرائيلية وشركة لياقة ألمانية، بدأت تحقق أرباحًا. ومع ذلك، حتى في حال فشل كوشنر بالكامل — كما حدث مع شركة “سولار موزاييك” للطاقة المتجددة التي أعلنت إفلاسها جزئيًا بسبب تغييرات في سياسة ترامب — فإن أفينيتي ستظل تحقق نحو 810 ملايين دولار على مدار عشر سنوات، وهي مدة الصندوق النموذجية.

وقد طرح الديمقراطيون في الكونغرس تساؤلات حول ما إذا كان كوشنر يبيع النفوذ مقابل هذه الصفقة، فمنذ مغادرته البيت الأبيض، وصف كوشنر نفسه كمستشار غير رسمي للشؤون الخارجية لكل من والد زوجته وأعضاء في الكونغرس. وذكرت التقارير أنه ناقش مع ولي العهد السعودي قضايا مثل العلاقات مع إسرائيل، كما قال في مؤتمر العام الماضي إنه بفضل خبرته في البيت الأبيض يمكنه وشركته “العمل في المجال الجيوسياسي وبناء العلاقات”.

في الخريف الماضي، طالب السيناتور رون وايدن والعضو جيمي راسكين وزارة العدل بإدارة بايدن بتعيين محقق خاص للتحقق مما إذا كان كوشنر يعمل كعميل أجنبي غير مسجل، لكن الطلب قوبل بالرفض. وفي رسالة علنية، قال وايدن وراسكين إن “قرار الحكومة السعودية بالتعاقد مع أفينيتي لتقديم نصائح استثمارية” يبدو كستار لتوجيه الأموال مباشرةً إلى كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب، وربما “لكسب التأييد” أو “مكافأتهم على سياسات أمريكية مؤيدة للسعودية خلال فترة ترامب”. ورد كوشنر على ذلك بوصفها “مناورة سياسية”، واعتبر أن النقد الإعلامي للصفقة يخدم شركته، قائلاً لمجلة فوربس إن “الصحفيين يظنون أنهم يكتبون عن أمر سلبي، لكن رجال الأعمال الذين يقرأون ذلك يدركون أنني محل ثقة شركائي”.

وبالطبع، يجب أن تغطي رسوم شركة أفينيتي المصاريف التشغيلية، بدءًا من رواتب الموظفين إلى إيجار المكاتب. ومع ذلك، فإن كوشنر هو المؤسس والمالك الوحيد للشركة، ولا يمكن تصور أن تحقق الشركة هذه المبالغ من المستثمرين دون وجود رئاسة والد زوجته. ومن المتوقع بشكل متحفظ أن يحتفظ كوشنر شخصيًا بين نصف إلى ثلثي رسوم أفينيتي على مدى عشر سنوات. (وسيربح أكثر بكثير إذا حقق الصندوق أرباحًا.) نصف هذه المبالغ يقدر بـ405 ملايين دولار. أما في سوق وول ستريت، فتُقدر القيمة الحالية لهذا الدخل المستقبلي، مع مراعاة تكلفة الوقت، بنحو 320 مليون دولار.

كوشنر يعمل أيضًا على مشاريع عقارية قائمة تثير مزيدًا من تضارب المصالح بالنسبة لترامب. فقد تعثرت شراكته مع الحكومة الصربية، المدعومة بمستثمر إماراتي، لبناء فندق يحمل علامة ترامب في بلغراد، بعد اكتشاف أن الموافقة على المشروع بُنيت على وثيقة يُزعم أن مسؤولًا صربيًا قد زورها. وفي كانون الثاني/ يناير، منحت الحكومة الألبانية موافقة مبدئية لشراكة مع كوشنر لإنشاء منتجع يمتد على مساحة 111 فدانًا في واحدة من الجزر القليلة غير المطورة في البحر الأبيض المتوسط، بقيمة استثمارية تُقدَّر بـ 1.4 مليار دولار. ومع ذلك، يبقى هذان المشروعان ضمن نطاق التطوير العقاري، وهو مجال خبرة كوشنر. وعلى عكس الاستثمار السعودي، من غير المنصف نسب هذه الصفقات بالكامل إلى النفوذ الذي اكتسبه ترامب خلال توليه المنصب، كما أنه من السابق لأوانه تقدير الأرباح المستقبلية التي قد يحققها كوشنر أو مستثمروه من هذه المشاريع. والأرجح القول إن شركة الأسهم الخاصة التي يملكها ساهمت بإضافة ما لا يقل عن 320 مليون دولار إلى أرباح العائلة المرتبطة بالرئاسة.

الأرباح التقديرية:  320 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 572.7 مليون دولار

المزيد من الصفقات السعودية

أول عمل تجاري لترامب مع السعوديين بعد مغادرته البيت الأبيض كان في مجال الغولف. فبعد أحداث الشغب في الكابيتول، ألغت رابطة لاعبي الغولف المحترفين الأمريكية عقد بطولة متلفزة كانت مقررة في السنة التالية على ملعبه في بدمينستر، نيوجيرسي، مما حرمه من دعاية ثمينة. ولحسن حظه، كانت السعودية تطلق جمعيتها الخاصة للمحترفين، ليف، ووافقت على إقامة بطولة متلفزة في بدمينستر. (في السنة التالية، أعلنت ليف عن “اتفاق مبدئي” للاندماج مع جولة رابطة لاعبي الغولف المحترفين، لكن الصفقة لم تُنجز بعد.)

ومع ذلك، قد يكون اختيار بدمينستر لاستضافة بطولة ليف منطقيًا للطرفين، حتى لو لم يكن ترامب رئيسًا سابقًا. ترامب نفسه قال إنه حصل على “مبالغ زهيدة” فقط من ليف، وهو أمر معتاد، إذ تستضيف الأندية هذه الفعاليات أساسًا للدعاية. أما السعوديون، فاستفادوا من استخدام ملعب فاخر في وقت لم يكن كثيرون يرحبون بهم، نظرًا لسجلهم في حقوق الإنسان ولتنافس ليف مع رابطة لاعبي الغولف المحترفين. هذا التحالف بين المنبوذين ربما قرّب ترامب من السعوديين، لكن يصعب الجزم بأن استفادته منهم كانت أكبر من استفادتهم منه، خصوصًا أن المبالغ المدفوعة لم تكن ضخمة.

مؤخرًا، وقّعت منظمة ترامب أو أتمّت صفقات لترخيص اسم الرئيس لمشاريع عقارية، مواصلة نموذج أعمالها المعتمد منذ عهد برنامج “المتدرب”. قبل أن يتولى ترامب الرئاسة سنة 2017، كان رجل أعمال وسياسي في إندونيسيا قد حصل على ترخيص لاستخدام اسم ترامب في مشروعين للغولف، افتتح أحدهما سنة 2025، فيما الآخر ما يزال قيد التنفيذ. كما أضاف شريك قديم للمنظمة في الهند ستة مشاريع سكنية تحمل اسم ترامب، فوق أربعة مشاريع أُنجزت قبل انتخابه. ويبدو أن الهنود كانوا يرغبون بالسكن في أبراج ترامب حتى عندما كان مجرد نجم متراجع في تلفزيون الواقع.

غير أن الاندفاع السعودي الأخير للاستثمار في عقارات تحمل علامة ترامب التجارية في الخليج يصعب فهمه بمعزل عن رئاسته. فبحلول سنة 2020، وبعد أن تدهورت صورة ترامب بسبب مسيرته السياسية المضطربة، بدأ العديد من المطورين يرون أن لقبه يحمل قيمة اقتصادية أقل مما كان عليه سابقًا. فقد انخفض عدد المطورين الدوليين الذين يدفعون مقابل ترخيص اسمه إلى خمسة، مقارنةً بأحد عشر مطورًا قبل ترشحه للرئاسة.

غير أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر2022، وبعد أن أصبح ترامب المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة، أعلن عن صفقة جديدة غير معتادة؛ حيث وافقت شركة دار الأركان السعودية، وهي شركة عقارية، على دفع مقابل لمنظمة ترامب لإدارة كل من فندق ترامب وملعب جولف ترامب في مشروع ضخم يقع على جرف في مسقط، عُمان. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يحصل ترامب على نسبة من مبيعات الفيلات المحيطة بالملعب. (السلطان العماني شريك أيضًا في المشروع.) عند اكتماله، سيكون هذا المشروع أول عقد لإدارة فنادق خارج الولايات المتحدة لمنظمة ترامب. وعادةً ما يحصل المديرون الصغار مثل منظمة ترامب، التي تدير حاليًا ثمانية فنادق فقط، على عقود لا تتجاوز عشر سنوات، لكن مشروع عُمان يُقال إنه تضمن التزامًا يمتد لثلاثة عقود. وعادةً ما يمنح المطورون مثل هذه العقود للشركات العملاقة مثل هيلتون وماريوت، التي يمكنها بفضل حجمها تقليل التكاليف وجذب العملاء بأساليب لا تمتلكها منظمة ترامب.

في الأشهر التي تلت إعادة انتخاب ترامب، أبرم كل من دونالد الابن وإريك سلسلة صفقات ترخيص مع الشركة السعودية نفسها لمشاريع كبرى في الرياض وجدة ودبي والدوحة. وبالنظر إلى سعي العائلة لعقود لوضع اسم ترامب في الخليج، فإن هذه الصفقات الضخمة تبدو غير ممكنة دون رئاسته.

كم تبلغ المبالغ التي يتقاضاها؟ بعد الجائحة، استقر الأداء المالي لملاعب الغولف في دبي. وأفاد ترامب في إقراراته السنوية الثلاثة الأخيرة أن إدارة الملعب حققت له مبالغ بلغت 1,283,889 دولارًا، و1,109,950 دولارًا، و1,078,967 دولارًا على التوالي. ومن المتوقع أن يحقق الآن مليون دولار سنويًا على الأقل طالما استمر سجواني في تجديد عقد الإدارة، وهو أمر من غير المرجح أن يلغيه خلال رئاسة ترامب. وقدّرت أن ترامب، بحلول نهاية ولايته الثانية، سيكون قد جنى أكثر من تسعة ملايين دولار من إدارة هذا الملعب.

ويشير خبراء صناعة الغولف إلى أن منظمة ترامب تقتصر عمليًا على الإشراف على العمليات المحلية للنادي، وربما تحتفظ بأكثر من 80 بالمئة من هذه الرسوم كأرباح صافية، ما يعني صافي أرباح يقدر بحوالي 7.2 ملايين دولار. بالإضافة إلى ذلك، بلغت رسوم الترخيص الخاصة بملعب الغولف في دبي، والتي أبلغ عنها ترامب في إقراراته الثلاثة الأخيرة، ما مجموعه 9.7 ملايين دولار؛ ويُعتقد أن معظم هذا المبلغ يعود إلى حصته في مبيعات الشقق السكنية المحيطة بالملعب، وهي رسوم غالبًا ما تكون أرباحًا صافية بالكامل.

وتُعتبر صفقات ترامب الجديدة في الخليج أكثر ربحية، فرغم أن مشروع عمان لن يفتتح قبل عام 2028، أبلغ ترامب في إقراراته السنوية الثلاثة الأخيرة عن دخل ترخيص بلغ 8.8 ملايين دولار من المشروع؛ ومن المرجح أن يشمل ذلك حصة من مبيعات الفيلات المسبقة.

وستدير منظمة ترامب ملاعب غولف جديدة في مسقط والرياض والدوحة؛ وبالاستناد إلى تجربة دبي، قد تحقق هذه الملاعب الثلاثة أكثر من 24 مليون دولار أرباحًا خلال العقد الأول من تشغيلها (القيمة الحالية: 19 مليون دولار). إضافة إلى ذلك، سيُعلّق اسم ترامب على أربعة مشاريع عقارية جديدة للشقق السكنية والفيلات في الرياض وجدة ودبي والدوحة. وباحتساب متوسط رسوم الترخيص من المشاريع المشابهة في دبي ومسقط، يمكن تقدير أن كل مشروع منها يدرّ حوالي تسعة ملايين دولار أرباحًا خلال أول ثلاث سنوات من المبيعات، أي ما مجموعه 36 مليون دولار. (وقد أبلغ مؤخرًا عن خمسة ملايين دولار كرسوم ترخيص بعد أشهر قليلة فقط من الإعلان عن مشروع دار الأركان في دبي، مما يشير إلى أرباح محتملة أعلى).

جائزة أخرى ستكون من رسوم الإدارة والترخيص للفنادق المخطط إنشاؤها في مشروعات دبي ومسقط، ونظرًا لأن عائلة ترامب لم يسبق لها إدارة فندق خارج الولايات المتحدة، فقد نظرتُ في دخل فندق يحمل اسم ترامب في هونولولو. قبل أن يزيل المُلّاك اسمه، كان يدرّ على ترامب عادةً نحو مليوني دولار سنويًا من رسوم الترخيص والإدارة، وفقًا لإقراراته المالية، وبافتراض استمرار عقود فندقي الخليج لمدة 30 عامًا، فإن إدارة الفندقين طوال المدة قد تدرّ 120 مليون دولار، استنادًا إلى نموذج هاواي.

ولتحليل صافي أرباح ترامب، تحدثتُ مع دان واسيوليك، محلل قطاع الضيافة في شركة “مورنينغ ستار” للأبحاث الاستثمارية، والذي أبدى استعدادًا للحديث علنًا عن الوضع المالي لمؤسسة ترامب، في الوقت الذي فضّل فيه كثيرون تجنب غضب الرئيس. وأوضح واسيوليك أن هامش الربح المعتاد من رسوم إدارة الفنادق يبلغ نحو 65%، ما يعني أن ترامب قد يحقق 78 مليون دولار (القيمة الحالية: 42 مليونًا)، لكن أرباحه على الأرجح ستزيد عن ذلك لأن جزءًا من الدخل هو من رسوم الترخيص الصافية. إجمالًا، تقدر قيمة مشروعات الخليج التي وقعت مؤسسة ترامب عقودها منذ 2022 بما لا يقل عن 105.8 مليون دولار.

الأرباح التقديرية:  105.8 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 678.5 مليون دولار

الطائرة الخاصة

في مايو/ أيار؛ عاد الرئيس من زيارات رسمية إلى السعودية والإمارات وقطر بصفقة غير اعتيادية لا تحمل أي مظهر من مظاهر البيع؛ حيث  أعلن أن أمير قطر وافق على تقديم “هدية مجانية” عبارة عن طائرة بوينغ 747-8 فاخرة لاستخدامه كرئيس، واعتبر ترامب الأمر مكسبًا لدافعي الضرائب الأمريكيين، مشيرًا إلى أن سلاح الجو سيحتفظ بملكية الطائرة حتى مغادرته المنصب، ثم سيحولها البنتاغون إلى مؤسسة مكتبته الرئاسية. وبما أن هذه “الهدية” قد تبدو كمنحة شخصية، طلب الأمير مذكرة تفاهم تؤكد أنها تبرع من حكومة إلى أخرى لتفادي الاتهامات بالرشوة، إضافة إلى تأكيد كتابي بأن قطر لم تبادر بالعرض، وأن الأمر جاء بناءً على طلب الرئيس. (أخبرني مسؤول قطري أن المفاوضات ما زالت جارية).

في النهاية، قد لا يتمكن ترامب من الاستمتاع بها أبدًا؛ إذ أن تكلفة تعديل الطائرة لتلبية متطلبات الأمن الرئاسي تبلغ مليار دولار، وهو ما يتطلب عادةً موافقة من الكونغرس، وربما لا يكتمل العمل قبل نهاية ولايته. ومع ذلك، في الحادي والعشرين من مايو/ أيار، أعلن وزير الدفاع بيت هيجسيث أنه قبل الطائرة.

وقد اشترت قطر  الطائرة من “بوينغ” قبل 13 عامًا بقيمة 367 مليون دولار، وتقدر قيمتها في سوق الطائرات المستعملة بـ150 مليون دولار، وفق نيويورك تايمز.  وقالت لي كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، في رسالة بريد إلكتروني إن “أي هدية تُقدم من حكومة أجنبية تُقبل دائمًا بما يتوافق تمامًا مع جميع القوانين المعمول بها.” لكن من الصعب تصور أن الطائرة كانت ستُعرض على أي رئيس آخر غير ترامب؛ حيث ربما يرى حكام الخليج مثل هذه المعاملات كشكل من أشكال التأمين؛ أي طريقة لتجنب الصعوبات التي واجهتها قطر خلال إدارة ترامب الأولى، وقد تكون المدفوعات قد اشترت أيضًا حسن النية. وأعلن ترامب، وهو يقف بالقرب من محمد بن سلمان خلال الرحلة الأخيرة إلى السعودية، أنه سينهي العقوبات ضد سوريا بشكل غير متوقع، التي يقودها حاليًا مقاتل سابق في القاعدة يحاول إثبات أنه قد أصلح نفسه. “أوه، ما أفعله هو لأجل ولي العهد”، تأمل ترامب بصوت عالٍ. خلال فترته الأولى، خيب ترامب آمال حكام الخليج العربي بعدم الرد على خصمهم الإقليمي، إيران، بعد هجوم على منشأة معالجة النفط السعودية في بقيق. في يونيو/ حزيران، عندما أمر ترامب بشن ضربات جوية على إيران، من المؤكد أن الملوك العرب هللوا فرحًا.

الأرباح التقديرية:  150 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 828.5 مليون دولار

فندق ترامب في هانوي

في سبتمبر/ أيلول 2024، ومع توقعات استطلاعات الرأي عودة ترامب المحتملة إلى المنصب، زار تو لام، الأمين العام للحزب الشيوعي الحاكم في فيتنام، نيويورك وأرسل عضوًا من اللجنة المركزية لإتمام صفقة منتجع ترامب. أشرف عضو اللجنة المركزية على توقيع اتفاقية بين لجنة الحزب في مقاطعة هونغ ين واتحاد من المستثمرين نظمته منظمة ترامب. وفي نفس اليوم، استقطع ترامب وقتًا من حملته للانضمام إلى إريك في توقيع اتفاقية مع شركة فيتنامية، معروفة بمجمعاتها المكتبية، ستتولى ببناء العقار وستدفع لعائلة ترامب مقابل استخدام اسمهم. تبلغ تكلفة المشروع المتوقعة 1.5 مليار دولار، وسيشمل فندقًا، ومساكن، وأربعة وخمسين حفرة جولف، ويشغل مساحة تعادل ثلاثة أضعاف حجم سنترال بارك، ليكون أكبر مشروع يحمل علامة ترامب التجارية في العالم.

لقد دفعت الرسوم الجمركية السابقة التي فرضها ترامب على الواردات من الصين الشركات إلى نقل عملياتها إلى فيتنام، وتمثل الصادرات إلى الولايات المتحدة الآن حوالي ثلث اقتصاد فيتنام. لذا، تُشكل رسوم ترامب الحمائية تهديدًا وفرصة في آنٍ واحد لفيتنام، مما يمنحها حافزًا فريدًا لكسب وده.

ولعل هذا ما دفع السلطات الفيتنامية إلى العمل بشكل سريع على مشروع المنتجع، متجاوزة القوانين والإجراءات المحلية. ففي رسالة حصلت عليها صحيفة التايمز، قال المسؤولون الفيتناميون إنهم يسرعون المشروع لأنه “يحظى باهتمام خاص من إدارة ترامب والرئيس دونالد ترامب شخصياً.”

هل كانت هذه الصفقة ستحدث بهذا الشكل لو أن ترامب تقاعد إلى مار-أ-لاغو في عام 2021؟ على الأرجح لا. في أحدث نموذج للإفصاح المالي له، أبلغ ترامب عن دخل أولي قدره خمسة ملايين دولار من ترخيص اسمه للمشروع، المتوقع افتتاحه في عام 2027. إن حجم المشروع الهائل والطبيعة الفريدة للسوق الفيتنامية يجعلان توقع الأرباح أمرًا صعبًا، حتى لو امتدت الصفقة لمدة عشر سنوات فقط ولم تحقق منظمة ترامب سوى ما حققته سنويًا في الأشهر القليلة الأولى، فستكون الأرباح خمسين مليون دولار. (القيمة الحالية: 40 مليون دولار.) وبالنظر إلى صفقات ترخيص ترامب الأخرى، فمن المرجح أن تكون الأرباح الفعلية أعلى.

وفي يوليو/ تموز، قال ترامب إنه توصل إلى اتفاق تجاري مؤقت مع فيتنام، وكان قد هدد سابقًا بفرض تعريفة جمركية بنسبة 46 بالمائة، لكنه قال إن الاتفاق الجديد خفضها إلى عشرين بالمائة.  لكن الفيتناميين، خلافاً له، أصروا على أنهم يتفاوضون للحصول على نسبة أقل من ذلك.

الأرباح التقديرية:  40 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 868.5 مليون دولار

الضغط على الشركات

وفي مقال قانوني نُشر عام 2016، وصفت سوزان سيجر، المحامية المتخصصة في التعديل الأول وأستاذة في كلية القانون بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، ترامب بأنه “خاسر في قضايا التشهير”؛ فخلال العقود الخمسة الماضية، خسر أو سحب عشرات القضايا ضد شركات الإعلام، وفشل في تنفيذ العديد من التهديدات الأخرى، ويبدو أن الدعاوى القليلة التي رفعها بعد مغادرته البيت الأبيض ستنتهي بنفس النتيجة. في الربيع الماضي، على سبيل المثال، رفع دعوى ضد شبكة “إيه بي سي نيوز” بتهمة التشهير لأن مذيعها جورج ستيفانوبولوس قال إن المحكمة وجدت ترامب “مسؤولاً عن الاغتصاب”، وقد وجدت المحكمة أن ترامب مسؤول عن الاعتداء الجنسي والتشهير بإي. جين كارول، وأكد القاضي أن كارول لم تفشل في إثبات “أن السيد ترامب ‘اغتصبها’ كما يفهم الكثيرون الكلمة عادة”. وللفوز بدعواه القضائية، كان على ترامب أن يثبت أن ستيفانوبولوس تحدث “بسوء نية فعلي”، وهو عبء يصعب تحمله.

غير أنه بعد الانتخابات، قامت شبكة “إيه بي سي نيوز”، التابعة لشركة ديزني، بتسوية القضية بشكل مفاجئ، وفي مواجهة مدعٍ يمتلك الآن نفوذاً هائلاً على تنظيمها المستقبلي، وافقت ديزني على دفع خمسة عشر مليون دولار لمؤسسة مكتبة ترامب الرئاسية، وهي نفس المؤسسة غير الربحية التي من المفترض أن تستحوذ على الطائرة القطرية.

ورفع ترامب أيضًا دعوى قضائية ضد شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام. بعد 6 يناير/ كانون الثاني 2021، علّقت ميتا حساباته بعد أن خلصت إلى أنه استخدم منصتيها للتحريض على العنف، وكانت دعواه الهشة تدعي أن ميتا انتهكت بطريقة ما حقوقه في التعديل الأول بالدستور الأمريكي عن طريق الرضوخ لضغوط من المسؤولين الديمقراطيين، ولكن بعد شهر من دفع شبكة “ايه بي سي”، توصلت ميتا إلى تسوية أيضًا، بدفع 22 مليون دولار إلى “مكتبة” ترامب، ثم أفادت التقارير أن شركة “إكس”، المعروفة سابقًا باسم تويتر والمملوكة الآن لإيلون ماسك، دفعت حوالي عشرة ملايين دولار لتسوية دعوى مماثلة. (لم تُصرّح “إكس” ما إذا كانت الشركة تدفع للمنظمة غير الربحية أم لترامب نفسه). في يوليو/ تموز، وافقت “سي بي إس نيوز”، التابعة لشركة باراماونت، على دفع ستة عشر مليون دولار للمنظمة غير الربحية لتسوية دعوى قضائية بشأن مقتطفات من مقابلة مع كامالا هاريس اختارت بثها.

واعتبر خبراء قانون الإعلام جميع ادعاءات ترامب الأخيرة سخيفة، ويبدو أن ترامب هو أول رئيس حالي أو مرشح رئاسي في تاريخ أمريكا يرفع دعاوى قضائية بتهمة التشهير أو القذف؛ حيث لا يمكن لمثل هذه النزاعات أن تكون عادلة أبدًا، فالرئيس الحالي يمتلك الكثير من السلطة على أي مدعٍ عليه. وقالت سيجر: “لم تكن أي من هذه الشركات لتسوي الأمور لو لم يكن ترامب رئيسًا ويمارس نفوذه على عمليات الاندماج واللوائح والعقود الحكومية”. ومع ذلك، فإن معظم التسويات، مثل الطائرة القطرية، تم دفعها لمؤسسة ترامب. فهل ينبغي اعتبارها أرباحًا شخصية؟

واجه الرئيس بيل كلينتون فضيحة كبيرة تتعلق بمساهمة أصغر بكثير في منظمة غير ربحية مماثلة قبل خمسة وعشرين عامًا؛ حيث تبرعت دينيس ريتش، وهي مانحةٌ ديمقراطية، بمبلغ 450 ألف دولار لمؤسسة مكتبة كلينتون الرئاسية، وفي يومه الأخير في المنصب، أصدر كلينتون عفوًا عن زوجها السابق، مارك ريتش، المتهرب من الضرائب والهارب إلى سويسرا. واتبع الرؤساء جورج دبليو بوش وأوباما وبايدن إجراءات أكثر صرامة لتجنب أي مظهرٍ من مظاهر بيع العفو، حتى مقابل التبرعات للحملات الانتخابية، لكن ترامب لم يكن لديه مثل هذه التحفظات؛ فقد ذكرت صحيفة التايمز أنه أصدر عفوًا عن بول والزاك، متهرب آخر من الضرائب، بعد فترة وجيزة من دفع والدة والزاك مليون دولار لحضور حفل لجمع التبرعات لصالح ترامب، وذكرت تقارير أن طلب العفو الخاص بوالزاك أشار إلى مساهمات والدته لترامب ولجمهوريين آخرين.

غير أن مدفوعات والزاك كانت أموالاً سياسية، ولا يمكن للسياسيين استخدامها كأموال شخصية، أما مؤسسات المكتبات الرئاسية فتخصع لقيود أقل بكثير؛ إذ يتكون مجلس إدارة مؤسسة مكتبة ترامب من أحد محاميه، وأحد أبنائه، وأحد أصهاره، ولا يلزم المؤسسة سوى الالتزام بالغرض المذكور في مواد تأسيسها: “حفظ ورعاية إرث الرئيس دونالد ج. ترامب”. أخبرني هارفي ب. ديل، رئيس المركز الوطني للعمل الخيري والقانون في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، أن مؤسسة ترامب لا يمكنها ببساطة تحويل أموالها إلى ترامب أو أبنائه، لكنها يمكن أن تدفع له تكاليف سفره حول العالم، وقد تتمكن حتى من دفع أتعاب مباشرة له كمستشار (فمن أدرى بكيفية رعاية إرثه أكثر منه؟). وأخبرني تريفور بوتر، رئيس مركز الحملة القانونية غير الربحي ورئيس سابق للجنة الانتخابات الفدرالية من الحزب الجمهوري، أن مؤسسة ترامب “ستُشكل حسابًا إضافيًا سيُديره الرئيس السابق، ويمكنه استخدامه لدعم نمط حياته بعد الرئاسة”. لهذا السبب اعتبرت الطائرة القطرية ربحًا شخصيًا، وينطبق نفس الأمر على مدفوعات التسوية.

عملت عائلة ترامب بشكل مباشر أكثر مع عملاق إعلامي آخر: أمازون؛ ففي ديسمبر/ كانون الأول، خلال عشاء في مار-أ-لاجو، عرضت ميلانيا ترامب على جيف بيزوس، رئيس أمازون، فكرة إنتاج فيلم وثائقي تأمل في إنتاجه عن عودتها إلى البيت الأبيض. كانت المنافسة على الحقوق ضعيفة: فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن ديزني عرضت أربعة عشر مليون دولار؛ بينما رفضت نتفليكس وآبل تقديم عروض، لكن أمازون وافقت على دفع أربعين مليون دولار. بالطبع، يحصل الرؤساء السابقون وزوجاتهم عادةً على مبالغ ضخمة مقدماً مقابل مذكراتهم، لكنهم عادة ما ينتظرون حتى يغادروا المنصب لفتح تلك المزادات، لتجنب الظهور بأنهم يستغلون نفوذهم، يحصل كل من مركز بيانات أمازون وشركة بيوز للسفر الفضائي بلو أوريجين على مليارات الدولارات من العقود الحكومية، ويقال إن حصة ميلانيا ترامب من دفعة أمازون تبلغ حوالي 28 مليون دولار.

الأرباح التقديرية:  91 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 959.5 مليون دولار

“تروث سوشيال”

في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أعلن ترامب عن خطة لإطلاق منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي: “تروث سوشيال”. كان سوق وسائل التواصل الاجتماعي مزدحمًا، لكن ترامب، الذي أنشأ شركة وهمية للمنصة، قال إنه قد وافق بالفعل على عملية اندماج مربحة، حيث اندمجت شركته الوهمية مع شركة “ديجيتال وورلد أكويزيشن كورب”، وهي حيلة مالية تُعرف باسم شركة استحواذ ذات غرض خاص. كانت شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص، وهي موضة في وول ستريت في ذلك الوقت، تُعرف أيضًا بشركات “الشيك على بياض”؛ حيث يقوم راعي شركة الاستحواذ ذات الغرض الخاص بجمع رأس المال من خلال طرح عام أولي للأسهم في كيان فارغ لا يمارس أي نشاط على الإطلاق، ويسوق فقط وعدًا بأن شركة الاستحواذ ستستخدم تمويلها لشراء مشروع ذو استثمار مغرٍ. جمعت “ديجيتال وورلد”، التي يرأسها ممول من ميامي مقرب من ترامب، 293 مليون دولار، ووافقت على ضخ هذه الأموال في عملية الاندماج مع شركة “تروث سوشيال” الوهمية. ثم قامت الشركة المدمجة، التي أصبحت تُعرف الآن باسم مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا، بمنح ترامب حصة تقارب ستين بالمئة وعيّنته رئيسًا لها، وكانت حصته من الـ 293 مليون دولار تعادل 175 مليون دولار. (في بيان صحفي، توقعت مجموعة ترامب للإعلام أن الشركة المدمجة ستكون قيمتها في سوق الأسهم 1.7 مليار دولار، مما يجعل حصة الرئيس تساوي أكثر من مليار دولار.)

وبالنظر إلى الماضي، تبدو هذه السلسلة من الوعود لحظة فاصلة في تحوّل ترامب من مقاول إلى شخصية معروفة في عالم الترفيه إلى راعي صفقات إلى رائد أعمال سياسي. في كل مرحلة، كان يروّج لمنتجات يصعب قياسها أو لمسها.

إن أي أموال يجنيها الرئيس من شركة ترامب ميديا تعتمد بلا شك على وضعه كرئيس سابق وحالي، فقاعدة عملاء الشركة هي حركة “ماغا”، ويصدر ترامب بياناته الرئاسية المثيرة للجدل حصريًا عبر منصة “تروث سوشيال”، مستغلًا منصبه العام لجذب الانتباه إلى منصته الخاصة. ولكن مقدار ما قد يجنيه ترامب من هذا المبلغ البالغ 175 مليون دولار هو سؤال أكثر تعقيدًا؛ فقد تقلبت القيمة السوقية لمجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا مع سعر أسهمها؛ حيث تراوحت بين ستة مليارات دولار كحد أقصى و1.6 مليار دولار كحد أدنى.

خسرت شركة ترامب للإعلام والتكنولوجيا أكثر من 400 مليون دولار العام الماضي، ولم تحقق الشركة خلال الأرباع الأربعة الماضية سوى مليون دولار أو أقل من الإيرادات، ولم تقدم أبدًا خطة مقنعة لجعل منصة “تروث سوشيال” مربحة. يصف المستثمرون التقليديون أسهمها بأنها “أسهم ميم”؛ أي أن سعر سهم الشركة يتأرجح مع مشاعر المستثمرين الصغار تجاه ترامب، بغض النظر عن أي قيمة أساسية. إذا حاول ترامب تصفية حصته، فمن المؤكد أنه سيتسبب في حالة من الذعر التي ستدمر سعر السهم قبل أن يتمكن من الحصول على الأرباح التي يرجوها.

في الربيع الماضي، طلبت من دوبينسكي، المحاسب الجنائي، تقدير حجم ما أضافته منصة تروث سوشيال إلى ثروة ترامب. وبتطبيق المقاييس المستخدمة لتقييم شركات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل عدد المستخدمين يوميا (والذي يبلغ حوالي أربعمائة ألف)، قدر دوبينسكي قيمة حصة ترامب بين 4 ملايين و20 مليون دولار. وعلى الرغم من أنه اعتبر العشرين مليون دولار “سخية جداً”، إلا أنه اقترح إضافة خمسة ملايين أخرى، مما يجعل حصة ترامب حوالي 25 مليون دولار. وعلق قائلاً: “أنا شخصياً لن أستثمر فيها أبداً”. (وفي رد على أسئلة مفصلة، رفضت مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا الإجابة وهددت برفع دعوى قضائية).

الأرباح التقديرية:  25 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 984.5 مليون دولار

1789 كابيتال

في 31 يناير/ كانون الثاني، افتتح نادي “نيدز”، وهي سلسلة من الأندية الاجتماعية الفاخرة التي لها مواقع في لندن ونيويورك والدوحة، فرعًا بالقرب من البيت الأبيض. النادي مملوك للمستثمر رونالد بيركل، المتبرع للحزب الديمقراطي، والذي يشغل أيضًا منصب رئيس مجلس الإدارة والمساهم الرئيسي في شركة “سوهو هاوس”، التي تعتبر نوعًا من الشركات الشقيقة. يعد فرع نادي “نيدز” في واشنطن مشروعًا مشتركًا مع مايكل ميلكن، الممول الذي أُدين عام 1990 بتهمة الاحتيال في الأوراق المالية وعفا عنه ترامب عام 2020. وتشغل كيليان كونواي، المستشارة السابقة لترامب، مقعدًا في لجنة عضوية النادي، وقد شوهد هناك كل من وزير التجارة هوارد لوتنيك، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير الخزانة السابق ستيفن منوشين.

يدفع الأعضاء العاديون رسوم اشتراك قدرها خمسة آلاف دولار بالإضافة إلى خمسة آلاف دولار سنويًا؛ بينما يمكن للأعضاء من نخبة المجتمع دفع ما يصل إلى 125 ألف دولار مقدمًا و25 ألف دولار سنويًا للوصول إلى جميع مواقع “نيدز” و”سوهو هاوس”. ويحتل نادي “نيدز” في واشنطن العاصمة الطوابق الثلاثة العليا من مبنى تاريخي، ويضم سطحًا مزينًا بالأشجار يطل على المركز التجاري، وثلاثة مطاعم، ومكتبة واسعة.

في أبريل/ نيسان، وزّع دونالد الابن خططًا لنادٍ منافس يُسمى “إكزكيوتيف برانش”، والذي سيقتصر عدد أعضائه في البداية على 200 شخص، وسيفرض رسوم اشتراك تصل إلى نصف مليون دولار. وقد أخبرني شخص مشارك في النادي أن عشرين “عضوًا مؤسسًا” دفعوا رسوم النصف مليون دولار؛ بينما دفع الأعضاء العاديون حوالي 100 ألف دولار. أسس دونالد الابن النادي مع صديقه عميد مالك، الذي يعمل في مجال التمويل، وهو متبرع لترامب وعضو في مار-أ-لاغو؛ وزاك وأليكس ويتكوف، أبناء صديق الرئيس ترامب القديم والمبعوث الدبلوماسي الحالي ستيف ويتكوف؛ وكريستوفر بوسكيرك، كاتب محافظ وهو أيضًا شريك لمالك.

قال مالك لصحيفة “واشنطن بوست” إن الأصدقاء من حملة ترامب 2024 “أرادوا أن يتمكنوا من الالتقاء عندما تتقاطع طرقنا في واشنطن”، مضيفًا أن مؤسسي “إكزكيوتيف برانش” يسعون لتقديم “تجربة مماثلة لأرقى الأندية الاجتماعية في العالم”، وذكر أن أعضاء النخبة ليسوا بحاجة لدفع رسوم للاشتراك لأنهم “منخرطون بالفعل”، ووصف اسم النادي بأنه مكان للترفيه.

كيف يخطط دونالد الابن وشركاؤه لمنافسة “نيدز”؟ لقد وعد مالك بتقديم جو ملائم لمؤيدي حركة “ماغا”، بالإضافة إلى منع دخول الصحفيين وجماعات الضغط. (تم استثناء جيف ميلر، وهو عضو في جماعة ضغط وصديق للمؤسسين، وقد دفع نصف مليون). وأخبرني الشخص المنخرط في النادي أيضًا أن “إكزكيوتيف برانش” قد استقطب طاهٍ مشهورا وفريقًا من “كاريدج هاوس”، وهو نادٍ في بالم بيتش. وقال مالك لصحيفة “واشنطن بوست” أن النادي سيوفر مناطق استراحة متعددة وقسما لكبار الشخصيات في الطابق النصفي، مما يخلق جوًا يشبه قصرًا أنيقًا. وذكرت صحيفة “نيويورك بوست” أن “إكزكيوتيف برانش” أنفق عشرة ملايين دولار على الأعمال الفنية، ولكن من الصعب تخيل كل البذخ في المكان الذي استأجره الشركاء: مساحة تحت الأرض تبلغ تسعة آلاف قدم مربع تحت مبنى سكني عادي في شارع مزدحم في جورج تاون، بجوار متجر “تي جي ماكس” ومكتب إدارة المركبات. حتى مارس/ آذار، كان المكان يضم سلسلة من الحانات التي كافحت لمنع دخول من هم دون السن القانونية.

أقام النادي افتتاحًا تجريبيًا للمؤسسين في يونيو/ حزيران، ثم أغلق مرة أخرى خلال الصيف لإجراء عمليات التجديد النهائية. ربما يكون النادي الجديد قد حقق معجزة في التصميم الداخلي، لكن أكبر عوامل الجذب فيه هو الوعد بالقرب من عائلة الرئيس ودوائرها. وقد حضر الافتتاح التجريبي ما لا يقل عن سبعة وزراء من الحكومة.

لم يتم الكشف عن حصة دونالد الابن في نادي “إكزكيوتيف برانش”، ومن الصعب التنبؤ بالأرباح النهائية للنادي (قدرة النادي على جذب الأعضاء بعد مغادرة ترامب للسلطة  هي مسألة أكثر غموضًا). أخبرني الشخص المشارك أن المؤسسين رأوا النادي “مشروعًا اجتماعيًا ترفيهيًا”، يشبه الطريقة التي يتعامل بها العديد من الأثرياء مع الفنون، و”ليس مشروعًا يهدف للربح على الإطلاق”.

تم بيع الـ200 عضوية، وإذا دفع 20 عضوًا مؤسسًا نصف مليون دولار، ودفع الباقي 100 ألف دولار، فإن نادي “إكزكيوتيف برانش” قد جمع بالفعل 28 مليون دولار. حتى مع تجديد فاخر للمكان بتكلفة باهظة تصل إلى ألف دولار لكل قدم مربع، سيبقى أكثر من تسعة عشر مليون دولار. بالنظر إلى أن الارتباط بعائلة ترامب ودائرتها هو ما يميز النادي، سيكون من غير المنطقي أن يتوقع دونالد الابن أقل من خمس الأرباح، أي ما يصل إلى أكثر من 3.8 مليون دولار قبل افتتاح النادي. لكن الشخص المشارك في النادي، الذي استعرض مختلف التكاليف، قدم حجة قوية بأن تشغيل ناد راقٍ من المحتمل أن يستهلك هذا المبلغ بسرعة. لذلك، فإن أرباح “الفرع التنفيذي” تبقى نظرية حتى افتتاحه.

قدّم مالك أيضًا مساعدات لترامب الابن بطرق أخرى. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، استحوذت صناديق استثمارية أسسها مالك على ما لا يقل عن شركة واحدة كان ترامب الابن قد استثمر فيها: “بابلك سكوير”، وهي سوق إلكترونية “مناهضة لحركة الاستيقاظ”. كما عمل ترامب الابن مستشارًا لمتجر أسلحة عبر الإنترنت هو “غراب إيه غان” (أمسك سلاحا)، وحصل على حصة – تبلغ قيمتها حاليًا نحو مليوني دولار – كجزء من صفقة استحواذ نفذتها إحدى شركات مالك الاستثمارية.

وفي الخريف الماضي، جعل مالك ترامب الابن شريكًا في شركة لرأس المال الاستثماري شارك في تأسيسها تُدعى “كابيتال 1789″، تسعى لتطبيق حلول تقنية متقدمة لمعالجة إخفاقات الحكومة، واستغلال الفرص التي تتجاهلها “أفكار حركة الاستيقاظ”. وقد جمعا نحو مليار دولار لصندوق الشركة الأول، من مستثمرين بينهم المتبرعة البارزة للمحافظين ربيكا ميرسر.

وقد أخبرني شخص مطّلع على جهود جمع التمويل لشركة 1789 كابيتال أن الشركة سعت أيضًا إلى استقطاب مستثمرين من منطقة الخليج العربي. وتدعم الشركة الشركات الناشئة الأمريكية فقط، وقد استحوذت على حصص أقلية في عدة شركات تتأثر بقرارات الحكومة الفدرالية، بما في ذلك شركات في مجال الدفاع متعاقدة مع الحكومة. (وشدّد مالك على أنه لم يسبق لأحد في الشركة العمل مع الحكومة الفدرالية، وأنها تفصح علنًا عن جميع استثماراتها).

ومن غير المرجّح أن خبرة دونالد الابن في مؤسسة ترامب كانت ستؤهله للحصول على أي وظيفة مماثلة في رأس المال الاستثماري لو لم يدخل والده البيت الأبيض. ولم يُكشف عن أي تفاصيل تتعلق بالامتيازات المالية التي سيحصل عليها. لكن جون غانون، الرئيس التنفيذي لشركة “فينتشر فايف”، وهي شركة إعلامية تركز على قطاع رأس المال الاستثماري وتُجري استطلاعات حول مستويات الرواتب في هذه الشركات، أكد لي أنه “إذا كان ترامب الابن يقسم وقته بين شركة 1789 ومسؤولياته الأخرى، فمن المتوقع أن لا يقل راتبه السنوي عن ستة أرقام”، أي ما يزيد على 200 ألف دولار شهريا.

تضاعف معظم الشركات، بنهاية عمرها الافتراضي الذي يبلغ عشر سنوات، رأس المال الذي استثمرته على الأقل. ووفقًا للشروط القياسية للقطاع، سيقوم الشركاء في 1789 كابيتال بعد ذلك بتقسيم أرباح لا تقل عن 200 مليون دولار. ويدرج موقع الشركة على الإنترنت اسم دونالد الابن كثالث شريك من بين 7 أشخاص، بعد مالك وبوسكيرك. وقد قدّر غانون أن حصة دونالد الابن من هذه الأرباح ستكون نحو 10 بالمائة، مما يعني أنه قد يحصل في النهاية على ما لا يقل عن 20 مليون دولار (القيمة الحالية: 16 مليون دولار)، بالإضافة إلى راتب قدره 200 ألف دولار (القيمة الحالية: 1.6 مليون دولار). وباستثناء أي أرباح مبدئية حتى الآن من “مشروع الوجاهة الاجتماعية”، فإن إجمالي ما حصل عليه دونالد الابن من 1789 و”غراب إيه غان” يبلغ 19.6 مليون دولار.

الأرباح التقديرية:  19.6 مليون دولار

المجموع الإجمالي: مليار دولار

العملات المشفرة

يقول إريك ترامب، الوجه العلني لمؤسسة ترامب أثناء تولي والده منصب الرئاسة، إن عائلته وقعت لأول مرة في “حب العملات المشفرة” في السنوات التي أعقبت أحداث اقتحام الكابيتول. فقد تخلت البنوك الكبرى عن التعامل مع عائلة ترامب، بما في ذلك دويتشه بنك، وهو أهم مقرض للعائلة، وكابيتال وان، حيث كانت مؤسسة ترامب تحتفظ بمئات الحسابات. وفي مؤتمر عُقد مؤخرًا عن العملات المشفرة، عرض إريك هذه المقاطعة البنكية، كما يفعل غالبًا، بوصفها مثالًا على التحيز ضد “رأي سياسي ربما لم يكن شائعًا لدى بعض المؤسسات المالية الكبرى”. كما وصف تبني عائلته للتمويل الرقمي كنوع من الانتقام، قائلًا: “لقد ارتكبت البنوك أكبر خطأ في حياتها”.

ومثل العديد من مروجي العملات المشفرة، يواجه إريك أحيانًا صعوبة في شرح فائدتها، بخلاف استخدامها في الجريمة والمضاربات المشابهة لأجواء الكازينوهات. ويشير مصطلح العملات المشفرة في جوهره إلى علامات في سجلٍّ إلكتروني عبر الإنترنت يُسمى سلسلة الكتل “البلوك تشين”، والذي يتتبع محتويات المحافظ الرقمية. وتشبه سلسلة الكتل جدول البيانات السحابية الضخمة – إلا أن المروّجين لها، كما يلاحظ الصحفي زيك فو في تقريره الرائع عن طفرة العملات المشفرة بعنوان “الرقم يرتفع”،  غالبًا ما يتحدثون عنها كما لو أن “غموض النظام كان بمثابة نقطة جذب نحوها”.

وأحد المواضيع الساخنة بين مستثمري العملات المشفرة هو مسألة “حالة الاستخدام”. وفي المؤتمر الأخير، رد إريك على ذلك بالتذمّر، وليس للمرة الأولى، من أنه استغرق مئة يوم لإغلاق صفقة رهن عقاري على منزل، قائلاً: “هل يمكنك أن تتخيل مدى العقوبة التي يشكلها ذلك على الشخص العادي الذي قد لا يمتلك مواردنا أو صافي ثروتنا، وأنت تعلم ما يعنيه ملء النماذج الورقية؟”. وأحيانًا يشتكي من أن المديرين مؤسسة ترامب ما زالوا مضطرين للقلق بشأن إنجاز التحويلات المصرفية الكبيرة قبل إغلاق البنوك في الساعة الخامسة مساءً، مضيفًا: “كيف يمكن أن يكون هذا هو الحال في سنة 2025؟” ويتابع قائلًا: “العملات المشفرة تحل كل هذه المشكلات”.

لكن التكنولوجيا القديمة ليست السبب في بطء طلبات الرهن العقاري أو التحويلات البنكية الكبيرة؛ بل يعود ذلك إلى إجراءات العناية الواجبة التي تتبعها البنوك لمعالجة مخاطر القروض أو التحقق من مشروعية المدفوعات. أخبرتني مولي وايت، مهندسة البرمجيات، والخبيرة البارزة في مجال التمويل الرقمي، أن الكثير من مروجي العملات المشفرة يعتقدون أن الالتفاف على قوانين مكافحة غسيل الأموال وغيرها من اللوائح هو الجاذب الأساسي لهذه العملات.

في الواقع، يعشق المجرمون العملات المشفرة. فالطبيعة اللامركزية لجدول البيانات السحابية الضخمة، الذي تُديره شبكة ضخمة من الحواسيب، تجعل من الصعب تحميل أي جهة مسؤولية عن التحويلات غير القانونية. بالإضافة إلى ذلك، فإن كل محفظة رقمية مجهولة الهوية، تُعرّفها فقط سلسلة من الحروف والأرقام، وغالبًا ما تكون محمية بكلمة مرور قابلة للاختراق.

لسنوات، كان أفضل طريق للالتفاف على الرقابة هو “سيلك رود”، وهو سوق سوداء عبر الإنترنت يعمل بالبيتكوين، يُستخدم في بيع المخدرات وخدمات القرصنة وغيرها من المعاملات غير المشروعة. وفي سنة 2015، حكمت محكمة اتحادية على مؤسسه، روس أولبريخت، بالسجن المؤبد بتهم توزيع المخدرات وغسيل الأموال وجرائم أخرى، وصادرت 183 مليون دولار من أمواله. وظل أولبريخت يُعتبر “الأسطورة العظمى” بين مجرمي العملات المشفرة حتى السنة الماضية، عندما أمرت المحكمة الرائد في مجال العملات الرقمية سام بانكمان فريد، مؤسس منصة التداول “إف تي إكس”، بتسليم 11 مليار دولار جمعها من عمليات احتيال.

في البداية، لم يكن ترامب مؤيدا للعملات المشفّرة. ففي سنة 2019، غرّد قائلاً إن أسعار العملات الرقمية المتقلبة “مبنية على لا شيء”، وإن “الأصول المشفّرة غير المنظَّمة يمكن أن تسهّل السلوك غير القانوني”. وحتى في 2021، صرّح في مقابلة صحفية بأن العملات المشفّرة “تبدو كأنها عملية احتيال”. وقد بدا انهيار منصة إف تي إكس المدوّي في السنة التالية وكأنه يثبت صحة تحذيره.

ولكن بحلول ذلك الوقت، كان ترامب قد دخل عالم العملات المشفرة. ففي تلك الفترة، كانت عمليات الترويج التي يقوم بها المشاهير قد أشعلت موجة من المضاربات على الرموز غير القابلة للاستبدال “إن إف تي إس”، وهي في جوهرها علامات على “سجل إلكتروني موزع على الإنترنت” تثبت أن المشتري دفع – وغالبًا بسخاء – لامتلاك صورة رقمية. ويُقال إن ترامب تعرّف على هذا المفهوم من خلال بيل زانكر، رائد الأعمال ومؤسس “ذا ليرنينغ آنكس”. (كان زانكر قد دفع لترامب مقابل إلقاء محاضرات عن كيفية تحقيق الثراء من العقارات، وفي سنة 2007 ألّف الرجلان معًا كتابًا بعنوان “فكّر بشكل كبير وكن جريئًا: في العمل والحياة”). وإذا كان سنوب دوغ وباريس هيلتون يبيعان رموزًا غير قابلة للاستبدال، فلا بد أن زانكر فكّر: ولمَ لا يبيعها ترامب أيضًا؟

وفي مسيرة ترامب من مطور عقاري تقليدي إلى مُروّج علامات غير ملموسة، شكّلت رموزه الرقمية (إن إف تي إس) محطة جديدة. صوّرته هذه الرموز كبطل خارق بعضلات مفتولة يرتدي عباءة، وراكب دراجة نارية يعزف على الغيتار، وغيرها من الصور. وعلى منصة “تروث سوشيال”، أعلن أن سعر كل رمز “99 دولارًا فقط”. في ثلاثة من تقارير الكشف المالي السابقة، أفاد ترامب بأنه حقق 13,180,707 دولارًا من عائدات ترخيص الرموز الرقمية. كما أظهرت التقارير أن ميلانيا ترامب حققت 1,224,311 دولارًا من ترخيص أحد هذه الرموز.

الأرباح التقديرية:  14.4 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 1.02 مليار دولار

الاستثمار في الرموز (التوكنات)

جمع ترامب جزءًا من عائدات رموزه الرقمية (إن إف تي إس) على شكل عملة رقمية، مما منحه أول دافع للحديث عنها والترويج لها. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، أبلغت شركة “أركام” للأبحاث أن محفظة رقمية مرتبطة بترامب تحتوي على ما يقرب من أربعة ملايين دولار من العملات المشفرة. وفي أحدث تقرير كشف مالي، أفاد ترامب أن محفظته الرقمية تحتوي على ما لا يقل عن مليون دولار من العملات المشفرة.

وعلى عكس ابنه إريك، قال ترامب إن شغفه بالعملات المشفرة بدأ في 2024. في مؤتمر لعملة البيتكوين في يوليو/ تموز من العام الماضي، حذّر الجمهور قائلاً: “معظم الناس لا يعرفون ما هي هذه الأشياء بالضبط – أنتم تعلمون هذا الأمر، أليس كذلك؟”، لكن حملته الرئاسية بدأت تتلقى تبرعات كبيرة بالعملات الرقمية. ورغم أن كلامه لم يكن واضحا في هذا الشأن، إلا أنه وعد الحاضرين في المؤتمر بأن يجعل الولايات المتحدة “عاصمة العملات الرقمية في العالم”. كما كرّر تعهده بالإفراج عن أولبريخت، مؤسس موقع “سيلك رود”. (في يناير/ كانون الثاني، أصدر ترامب عفوًاً عن أولبريخت).

في فترة انعقاد المؤتمر، بدأ دونالد ترامب الابن وإريك بإطلاق تلميحات عن مشروع جديد في مجال العملات المشفرة، وظهر المشروع رسميًا في سبتمبر/ أيلول 2024 تحت اسم “ورلد ليبرتي فاينانشال”. وقد دخلت الشركة مجالًا يعرف بـ”التمويل اللامركزي”، الذي يتضمن الإقراض والاقتراض وتداول العملات المشفرة. كان المجال مليئًا بالمنافسين، ولم يكن لدى أي من موظفي “ورلد ليبرتي” سجل ناجح في التمويل اللامركزي. ولم تقدم الشركة تفاصيل كثيرة عن خططها، مكتفية بالقول إنها ستبدأ ببيع رموز رقمية تمنح المشتري حق التصويت في المستقبل على خطط الشركة القادمة. وتشبه هذه الرموز إلى حد ما شهادات الأسهم، إلا أنها لا تمنح حصة من أرباح الشركة، ولا يمكن بيعها أو نقل ملكيتها، وتخضع للرقابة الحكومية بشكل محدود للغاية. وبناءً عليه، يُسمح فقط للأجانب وبعض المستثمرين الكبار في الولايات المتحدة بشرائها قانونيًا. وقال المؤسسون إنهم ينوون جمع 300 مليون دولار من خلال بيع هذه الرموز، لكن بحلول بداية نوفمبر/ تشرين الثاني، جمعت ورلد ليبرتي 2.7 مليون دولار فقط.

لكن سرعان ما حصلت شركة “ورلد ليبرتي” على ميزة كبيرة عندما فاز ترامب بالرئاسة. قدمت الشركة نفسها على أنها الشركة الوحيدة في مجال التمويل اللامركزي “المستلهمة من دونالد ترامب”. وتصدرت صورة لترامب وهو يرفع قبضته موقع الشركة الإلكتروني، حيث وصفته بـ”المناصر الأول للعملات المشفرة”.

وشارك ترامب في بث مباشر متقطع دام ساعتين روّج فيه للشركة، حيث صور الاستثمار في العملات المشفرة كواجب وطني، “شئنا أم أبينا”. كان الابن الأصغر للرئيس، بارون، وهو طالب في السنة الأولى بجامعة نيويورك، مشاركًا أيضًا في تأسيس الشركة، وكذلك أبناء ستيف ويتكوف، زاك وأليكس. تعود غالبية أرباح “ورلد ليبرتي” إلى عائلة ترامب.

وذكر موقع الشركة أن الرئيس وافق “على الترويج لـ ورلد ليبرتي وبروتوكول الشركة من وقت لآخر”، وفي المقابل ستتلقى شركة وهمية تسيطر عليها عائلته نحو ثلاثة أرباع عائدات رموز التصويت. في البداية، قالت “ورلد ليبرتي” على موقعها إن عائلة ترامب ستملك 60 بالمائة من أعمالها المستقبلية، لكنها خفضت هذا الرقم إلى 40 بالمائة بحلول شهر يونيو/ حزيران، دون توضيح الأسباب.

وأخبرني مولي وايت، المنتقدة بشدة للعملات المشفرة، أن الأمر لا يزال غير واضح بشأن ما إذا كان لعائلة ترامب أي مساهمة فعلية بخلاف اسم العائلة: “كان الأمر برمته مشروعًا تجاريًا لترامب يهدف إلى منح العائلة إمكانية إنكار المسؤولية”. (وقد راهن المشترون المتشككون على أنه إذا فاز ترامب في الانتخابات ورفع القيود على العملات المشفرة، فقد تسمح “ورلد ليبرتي” للمستثمرين بإعادة بيع رموزهم، مما يحقق لهم أرباحًا محتملة. وقد تم بالفعل تخفيف القواعد، وفي يوليو/ تموز أعلنت الشركة أنها ستسمح بالتداول. وضمن صفقة الترويج، حصلت عائلة ترامب على ملايين الرموز التي ستتمكن من بيعها لاحقًا).

وبدأت علاقة ترامب بالعملات المشفرة تؤتي ثمارها بعد فترة قصيرة من انتخابه، بدءًا باستثمار كبير قام به جاستن صن، الملياردير الصيني الأصل. أسس صن شبكة العملات المشفرة “ترون” والعملة الخاصة “ترونيكس”. وفي 2023، اتهمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية صن بتدبير صفقات وهمية من أجل رفع الأسعار بشكل احتيالي. كما زعمت الهيئة أنه دفع مبالغ غير معلنة لمشاهير مثل ليندسي لوهان، وليل ياشتي، وغيرهم للترويج لعملته المشفرة. وادعت الهيئة أيضًا أن صن، رغم عدم تمكنه من بيع عملته للأمريكيين بشكل قانوني، وجد طرقًا سرية للقيام بذلك (وقد نفى صن ارتكاب أي مخالفات).

كان المتداولون في العملات المشفرة يبجّلون صن بسبب ثروته الطائلة. وبعد فوز ترامب في 2024، اشترى صن رموزًا من شركة “ورلد ليبرتي” بقيمة 75 مليون دولار ووقّع كمستشار رسمي. بعد وقت قصير من مراسم التنصيب، ساعد توقيع صن في جلب 550 مليون دولار، ويبدو أن نصيب عائلة ترامب بلغ حوالي 412.5 مليون دولار. (أعلن ترامب عن مبلغ أولي قدره 57.4 مليون دولار من “ورلد ليبرتي” في إقراره المالي الأخير). سرعان ما أنهت الإدارة الجديدة معظم الإجراءات القانونية والتنظيمية ضد متداولي العملات المشفرة، وفي 26 فبراير/ شباط أوقفت هيئة الأوراق المالية قضيّتها ضد صن بهدف التفاوض على تسوية.

الأرباح التقديرية: 412.5 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 1.4 مليار دولار

العملات المشفرة الخليجية

في مارس/ آذار، أعلنت شركة “ورلد ليبرتي” عن نيتها بيع نوع من العملات المشفرة يُعرف بـ”العملات المستقرة”. وعلى عكس شراء البيتكوين أو الأصول الرقمية الأخرى، يُفترض أن يشبه شراء العملات المستقرة إيداع المال في حساب جارٍ. يمكن للمشتري تحويلها إلى محافظ رقمية أخرى بنفس طريقة نقل الأموال من حساب جارِ إلى آخر، ويجب أن يكون مالك العملة المستقرة قادرًا في أي وقت على استرداد قيمتها بالدولار. حتى يوليو/ تموز، كانت العملات المستقرة غير منظمة إلى حد كبير، وأشهر تلك العملات أصبحت من الأدوات الأساسية لغسيل الأموال. وفي الوقت نفسه، قامت جهات الإصدار بتحويل ودائع يُفترض أنها آمنة إلى مخططات بونزي بالعملات المشفرة.

أعطت شركة “ورلد ليبرتي” مصداقية لهذه العملات بفضل التأييد الرئاسي، ووعدت بدعم عملتها المستقرة “يو إس دي 1” بأذون خزانة أمريكية قصيرة الأجل. وخلال الفترة بين بيع عملات “يو إس دي 1″ واسترداد قيمتها بالدولار، حققت الشركة أرباحًا من الفوائد التي تكسبها على هذه السندات. وبمعدلات العائد الحالية لسندات الخزانة، يمكن لـ”ورلد ليبرتي” أن تربح أكثر من 400 بالمئة سنويًا على قيمة أي عملة مستقرة تبيعها، وهو استثمار مربح مع مخاطر قليلة، إذا تمكنت الشركة من إقناع المستثمرين بشراء “يو إس دي 1”.

في الأول من مايو/ أيار، أعلن زاك ويتكوف، برفقة جاستن صن وإريك ترامب، في مؤتمر للعملات الرقمية في دبي أن شركة مملوكة للعائلة الحاكمة في الإمارات أصبحت أول عميل رئيسي لعملة “ورلد ليبرتي المستقرة”؛ حيث اشترت عملات “يو إس دي 1” بقيمة ملياري دولار. يشكل التعامل مع حكام الإمارات تضاربا واضحا في المصالح بالنسبة لعائلة ترامب. لكن الأهم من ذلك هو أن الإماراتيين ينوون استخدام عملة “يو إس دي 1” كوسيلة دفع للحصول على حصة في “بينانس”، أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم.

في 2023، اعترفت “بينانس” ومالك أغلبية الأسهم في المنصة تشانغبينغ تشاو، بتهم التهرب من العقوبات الأمريكية وانتهاك قوانين مكافحة غسيل الأموال. وقضى تشاو شهرين في السجن، واتفقت “بينانس” على دفع غرامات بقيمة 4.3 مليار دولار، وخضوعها للمراقبة الحكومية. ستقرر “بينانس” الآن متى تصرف ملياري دولار من العملات المستقرة التي اشتراها الإماراتيون، مما يمنحها السيطرة على قدرة “ورلد ليبرتي” على جمع الفوائد عليها. هذا يمنح تشاو نفوذًا على ترامب في الوقت ذاته الذي يشرف فيه مراقبون معينون من الحكومة على “بينانس”. وفي مايو/ أيار، أقر تشاو في بودكاست بأنه تقدم بطلب عفو، وأفادت تقارير أن “بينانس” تسعى أيضًا لسحب المراقبة المفروضة عليها.

وذكرت وكالة بلومبيرغ مؤخرًا أن بينانس تمثل 90 بالمئة من عملة “يو إس دي 1” المتداولة في السوق. وإذا احتفظ تشانغبينغ تشاو بهذه العملة طوال فترة ولاية ترامب، وظلت معدلات الفائدة على سندات الخزانة عند مستواها الحالي أو أعلى، فمن المرجح أن تحقق شركة “ورلد ليبرتي” أرباحًا تتجاوز 280 مليون دولار. وبناءً على نسبة ملكية الأسهم عند البيع، سيذهب حوالي 168 مليون دولار لعائلة ترامب. سأكون مندهشًا إذا قررت بينانس البيع بينما لا يزال ترامب في منصبه.

وبعد أسبوعين من مؤتمر شركة “ورلد ليبرتي” في دبي، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستزوّد الإمارات بتكنولوجيا متقدمة لإنشاء مركز بيانات مشترك للذكاء الاصطناعي على مساحة عشرة أميال مربعة. تجاهل هذا القرار مخاوف تنتاب الأمريكيين منذ فترة طويلة من أن الروابط الوثيقة بين الإمارات والصين تجعلها عرضة للتجسس وسرقة التكنولوجيا الحساسة. وقد أوردت بعض وسائل الإعلام أن هذه المخاوف الأمنية قد تعيق المشروع، ولكن في حال اكتماله، قد يضع الدولة الخليجية الصغيرة في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي، ويجعل الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على أبو ظبي.

ومع انتظار مركز البيانات الحصول على الموافقة النهائية، أعلن صندوق إماراتي جديد غامض يُدعى “أكوا 1” في 26 يونيو/ حزيران أنه سيشتري رموز التصويت الخاصة بشركة “ورلد ليبرتي” بقيمة 100 مليون دولار. وقال صندوق “أكوا 1″، الذي لا يمتلك تاريخًا علنيًا، في بيان إن دفع 100 مليون دولار سيكون “للمشاركة في حوكمة منصة التمويل اللامركزي المستلهمة من الرئيس دونالد ترامب”. وبما أن شركة “ورلد ليبرتي” قد صرحت أن عائلة ترامب تحصل على حوالي 75 بالمائة من عائدات بيع هذه الرموز، فإن ذلك يعني أرباحًا بقيمة 75 مليون دولار لعائلة ترامب. ويصل بذلك إجمالي أرباح العائلة من الصفقات الإماراتية مع “ورلد ليبرتي” إلى 243 مليون دولار.

الأرباح التقديرية: 243 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 1.7 مليار دولار

البيتكوين الأمريكي

ترجع جذور المشروع الثالث لعائلة ترامب في مجال العملات المشفرة إلى حوالي خمس سنوات، حين تعرف دونالد ترامب الابن وإريك على كايل وول، وهو وسيط أوراق مالية كان قد غادر شركة مورغان ستانلي منذ فترة قصيرة. في ذلك الوقت، كان وول يشرف على إدارة الثروات في شركة وساطة غير معروفة تُدعى “ريفير سيكيوريتيز”. (دفعت مورغان ستانلي 50 ألف دولار لتسوية دعوى قضائية تزعم أن وول قام بإجراء صفقات غير مصرح بها بأموال عملائه، وهي واحدة من عدة اتهامات مشابهة موجهة ضده. وقد نفى وول ارتكاب أي مخالفات).

منذ ذلك الحين، كانت مسيرة كايل وول المهنية معقدة ومتعرجة. انضم إلى مجلس إدارة شركة “أيكيدو فارما”، وهي شركة أدوية صغيرة للأسهم الرخيصة لم تحقق أي إيرادات لسنوات. وساعد وول شركة “أيكيدو” على أن تتحول إلى شركة وساطة صغيرة أخرى تُدعى “دوميناري هولدينغز”. استأجرت الشركة مكتبًا في برج ترامب، وفي 2023 أصبح وول المدير التنفيذي للنشاط الرئيسي للشركة، “دوميناري سيكيوريتيز”. وقد سجلت الشركة خسائر تجاوزت 14 مليون دولار في كلٍّ من السنوات الثلاث الماضية.

في أوائل فبراير/ شباط، انضم دونالد ترامب الابن وإريك إلى مجلس مستشاري شركة “دوميناري” وحصلا على حصة تقدر بحوالي ستة ملايين دولار في الشركة. في الأيام التي سبقت الإعلان عن انضمامهما، تضاعفت أسعار سهم دوميناري مرتين، لتصل إلى ستة دولارات – ولم يتضح السبب – ثم تضاعف السهم مرة أخرى بعد الإعلان، ما منح عائلة ترامب أرباحًا كبيرة. وفي 18 فبراير/ شباط، أعلنت شركة دوميناري وابنا ترامب عن مشروع مشترك جديد، تمتلك “دوميناري” ثلثه، بينما يمتلك ترامب وبقية العائلة الجزء الأكبر منه، للاستثمار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.

وبعد شهر، باعوا معظم حصتهم في تلك الشراكة الغامضة لشركة “هات 8″، وهي شركة تعدين بيتكوين مدرجة في البورصة، وحققوا أرباحا كبيرة. (يشير مصطلح “التعدين” إلى العمليات الحاسوبية التي تُستخدم لتتبع وتسجيل معاملات البيتكوين على البلوكشين. ووفقًا لبروتوكول البرمجيات الخاص بالبيتكوين، يحصل المعدنون على عملات بيتكوين جديدة كمكافأة مقابل هذا العمل). وافقت “هات 8” على شراء 80 بالمئة من شراكة ترامب ووول. وفي المقابل، قدمت “هات 8” للشركة الجديدة معظم عمليات التعدين الخاصة بها، بما في ذلك المعدات التي تُقدر – حسب بيان صحفي – بـ100 مليون دولار.

من غير الواضح ما الذي أضافه الإخوة ترامب إلى الشركة الجديدة التي ستُسمى “أمريكان بيتكوين”، بخلاف اسم العائلة فقط، فلم يكشفوا عن أي مساهمة مالية أو دفعة، لكنهم سيملكون حوالي ثلاثة عشر في المئة من الشركة، ما يعني ملكيتهم بشكل غير مباشر لمعدات بقيمة ثلاثة عشر مليون دولار. وقالت لي مولي وايت إن الكثير من العاملين في المجال يعتقدون أن اسم ترامب وحده يُقدّر بثلاثة عشر مليون دولار لشركة تشفير مثل “أمريكان بيتكوين”. وأضافت أن المستثمرين سيرفعون سعر الشركة فقط “لأنها مرتبطة بالرئيس”. وفي بيان صحفي، أعلنت شركة “هوت 8” أن إريك ترامب سيتولى منصب “الرئيس الإستراتيجي” لشركة “أمريكان بيتكوين”، مشيدةً بـ “فطنته التجارية، وخبرته في الأسواق المالية، والتزامه بتطوير العملة الرقمية”.

تشير مؤشرات أخرى إلى أن حصة ترامب قد تكون قيمتها أكبر بكثير من ثلاثة عشر مليون دولار. وتخطط “أمريكان بيتكوين” لأن تصبح شركة عامة من خلال الاندماج مع شركة تعدين بيتكوين صغيرة تدعى “جريفون ديجيتال ماينينغ”. عادةً ما تُتداول شركات تعدين البيتكوين بقيمة تعادل ثلاثة أو أربعة أضعاف قيمة العملات الرقمية التي تنتجها سنويًا. وبأسعار السوق الحالية ومعدلات التعدين الأخيرة، قد تصل قيمة “أمريكان بيتكوين” إلى حوالي 610 ملايين دولار، ما يجعل حصة ترامب تساوي حوالي 79 مليون دولار. وفي مقابلة مع موقع متخصص في التشفير، أشار إريك ترامب إلى وجود “بريق فريد” في عينيه حين يشاهد فريق دوميناري، مضيفًا: “لقد جلبوا لنا العديد من الأشياء الرائعة في الماضي، والعديد من تلك الأمور نجحت بشكل مذهل.”

ورفض كبار التنفيذيين في شركتي “هوت 8″ و”دوميناري” و”أمريكان بيتكوين” الإدلاء بأي تصريحات أو الرد على الاستفسارات المرسلة عبر البريد الإلكتروني بشأن أسباب منح الصفقة لعائلة ترامب بهذا الحجم الكبير من الحقوق مقابل مقابل ضئيل. ويُعد تعدين البيتكوين عملية تزداد صعوبتها لتحقيق الأرباح، حيث يحدد بروتوكول العملة الرقمية سقفًا لعدد العملات التي يمكن تعدينها في السوق. وقد تم تعدين حوالي خمسة وتسعين بالمئة من هذا الحد بالفعل، ويُحافظ البروتوكول على هذا السقف من خلال تقليل المكافآت الممنوحة لتأكيد المعاملات بشكل دوري إلى النصف. ونظرًا لتصاعد تعقيدات التعدين، أعلن ترامب وشركاؤه في “أمريكان بيتكوين” عن نيتهم تبني إستراتيجية أكثر مخاطرة، تتمثل في استخدام التعدين ضمن خطة تمويلية تتبع نهجًا شائعًا في صناعة العملات الرقمية، أرسى أسسه الممول مايكل سايلور، يعتمد على الاقتراض لشراء المزيد من البيتكوين عند انخفاض الأسعار. وتزيد هذه الرافعة المالية من مخاطر المضاربة، لكنها تضاعف الأرباح في حال استمرار ارتفاع قيمة البيتكوين.

وهنا يأتي دور دونالد ترامب الابن وإريك، فبفضل مصداقيتهم الخاصة كونهم أبناء الرئيس، أصبحوا من أكبر دعاة العملات الرقمية، مروجين للبيتكوين على وجه الخصوص باعتبارها “الذهب الرقمي”. في مؤتمر بيتكوين الأخير في لاس فيغاس، ناشد دونالد الابن “كل أمريكي عادي” أن “يشتري أكبر قدر ممكن”. ووعد هو وإريك الجمهور بأن حتى أصغر كمية من البيتكوين ستصبح قريبًا “ثروة هائلة”، وأكدا أن الرئيس وفريق سياساته المتعلقة بالتشفير أصبح لهم مصلحة شخصية في العملة الرقمية. وقال دونالد الابن: “الناس الذين يضعون هذه القواعد الآن مستثمرون فيها بأنفسهم.”

إذا انهار سعر البيتكوين، فإن الأمريكيين العاديين الذين استجابوا لنصيحة الإخوة ترامب بشراء أكبر كمية ممكنة قد يخسرون مدخراتهم. أما بالنسبة لوول، فإن صداقته مع إريك ودونالد الابن قد أثمرت بالفعل من خلال حصة دوميناري في “أمريكان بيتكوين”. وفي حزيران/ يونيو، استعان جاستن صن وعائلته بدوميناري لترتيب استحواذ؛ حيث وافقت عائلة صن على دفع ما يصل إلى 210 ملايين دولار لتحويل شركة مدرجة في البورصة تصنع تذكارات المنتزهات الترفيهية إلى منصة لعملات صن الرقمية.

ويبدو أن الإخوة ترامب، من خلال حصتهم في دوميناري التي حصلوا عليها، سيحققون أرباحًا من صفقة صن أيضًا، إذ تبلغ قيمة حصتهم حاليًا حوالي تسعة ملايين دولار. لكن، ونظرًا لأن سعر سهم دوميناري سينخفض على الأرجح إذا باعوا حصتهم، فلن أحتسب ذلك ضمن الأرباح.

إذا ارتفع سعر البيتكوين “إلى القمر”، كما يتوقع ترامب وأشقاؤه، فقد تحقق حصتهم في “أمريكان بيتكوين” أرباحًا تتجاوز بكثير القيمة الحالية لأصولها. وحتى يتحقق ذلك، سأعتبر القيمة الحالية لحصتهم في معدات التعدين الخاصة بالمشروع تقديرًا محافظًا لأرباحهم حتى الآن: ثلاثة عشر مليون دولار.

الأرباح التقديرية:  13 مليون دولار
الإجمالي حتى الآن: 1.71 مليار دولار

ترامب ميديا تدخل عالم العملات الرقمية المشفرة

المشروع الرابع للعائلة في عالم العملات الرقمية المشفرة هو محاولة من مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا لإعادة اختراع نفسها. ففي نيسان/ أبريل، استغلت الشركة سياسات الإدارة الجديدة الداعمة للعملات الرقمية بالإعلان عن خطة لبيع أصول رقمية متقلبة للمستثمرين العاديين؛ حيث صعوبة شراء العملات الرقمية تقنيًا كانت دائمًا عائقًا لمعظم المستثمرين الصغار وغير المتخصصين، لكن تحت إدارة ترامب، سهّلت هيئة الأوراق المالية والبورصات بيع العملات الرقمية لأي شخص يملك حساب وساطة عادي، من خلال حصص في صناديق التداول المتداولة التي تتبع أسعار البيتكوين، الإيثيريوم، أو أصول رقمية أخرى. ويمثل هذا التغيير في السياسة تقدمًا هائلًا لصناعة العملات الرقمية؛ حيث قفزت ترامب ميديا على هذه الفرصة، وخططت لبيع صناديق تداول متداولة تحمل اسم ترامب، ستتداول في بورصة نيويورك. وللقيام بذلك، شكلت الشركة شراكة مع منصة كريبتو دوت كوم، وهي بورصة مقرها سنغافورة كانت تخوض معركة قانونية مع هيئة الأوراق المالية بسبب انتهاكها اللوائح التنظيمية. وحاولت كريبتو دوت كوم كسب ود ترامب بالتبرع بمليون دولار لحفل تنصيبه؛ وبعد أيام قليلة من إبرام صفقتها مع ترامب ميديا، أعلنت انتهاء تحقيق هيئة الأوراق المالية.

وتأسست عشرات الشركات الاستثمارية الكبرى أيضًا لإطلاق صناديق تداول متداولة للعملات الرقمية، لكن ترامب ميديا، التي ترفع شعارات الاقتصاد الوطني، هي الوحيدة المرتبطة بالرئيس. وقال ديفين نونيز، الرئيس التنفيذي لترامب ميديا والنائب الجمهوري السابق، في بيان إن صناديق التداول المتداولة ستقدم بديلًا لـ«الصناديق الواعية» وستخدم «المستثمرين الذين يؤمنون بمبادئ أمريكا أولاً». ويبقى حجم سوق صناديق ترامب ميديا المخطط له مجهولًا، ولكن بعد وقت قصير من إطلاق الإخوة ترامب لشركة أمريكان بيتكوين، بدأت ترامب ميديا في المضاربة على العملات الرقمية. هذا الربيع، استغلت الشركة ارتفاع سعر سهمها عالي الشهرة (سهم الميم)، وجمعت أكثر من 2.3 مليار دولار عبر بيع الأسهم والسندات القابلة للتحويل في صفقات خاصة لنحو خمسين مستثمرًا كبيرًا. ثم، في يوليو/تموز، أعلنت ترامب ميديا أنها أنفقت تلك الأموال على شراء بيتكوين وخيارات لمزيد منها.

خلال العام الماضي؛ جمعت ترامب ميديا أموالًا بهدوء من خلال بيع أسهم جديدة في صفقات خاصة، منهية الربع الأول بسيولة نقدية واستثمارات قصيرة الأجل بقيمة 759 مليون دولار. مع مخزونها من البيتكوين، بلغ إجمالي الأصول السائلة لديها 3.1 مليارات دولار. ويمكن لترامب ميديا الآن تعظيم عوائدها من خلال إغلاق منصتها الخاسرة «تروث سوشيال».

وتمثل إستراتيجية ترامب ميديا للعملات الرقمية مقامرة: خلال العام الماضي، انخفض سعر البيتكوين إلى أقل من 55 ألف دولار قبل أن يعود ويرتفع إلى نحو 115 ألفًا حاليًا. وبينما يستقر السعر عند هذا المستوى، توفر الأصول السائلة دعمًا لسعر السهم. وقللت كل الأسهم التي أصدرتها الشركة من حصة الرئيس إلى نحو 42 بالمئة. (وقد يؤدي تحويل السندات إلى أسهم في المستقبل إلى تخفيضها أكثر.) عند الأسعار الحالية للبيتكوين، تعادل حصة ترامب في مخزون البيتكوين والنقد نحو 1.3 مليار دولار، ولو اختارت الشركة، يمكنها بيع هذا المخزون وتحويل كامل العائدات للمساهمين كتوزيعات أرباح، وبالتالي تحويل تلك الحصة إلى نقد لترامب. بشكل مدهش، أضافت هذه “الخدعة المالية” لتحويل سهم الميم إلى نقد وبيتكوين نحو 1.3 مليار دولار أرباح رئاسية إلى حسابنا. قال المحاسب الجنائي دوبينسكي إن هذه المغامرة هي “أكثر بقليل من مجرد بيع زيت الأفاعي.”

الأرباح التقديرية:  1.3 مليار دولار
المجموع الإجمالي: 3 مليارات دولار

عملة ترامب الرقمية

قبل ثلاثة أيام من حفل تنصيبه الثاني، أطلق ترامب خامس مشاريع العائلة للعملات الرقمية: بيع عملة ترامب الرقمية؛ حيث لا يدعي هذا الرمز الاحتفاظ بقيمة مثل البيتكوين أو العملات المستقرة. كما أنه لا يمنح صاحبه حق التصويت على مستقبل الشركة، كما هو الحال مع رمز شركة وورلد ليبرتي الأولي، ولا يمنح حتى الحق في امتلاك صورة رقمية كرتونية لترامب. إنها عملة ميم (ساخرة)؛ مجرد ترفيه، والمتعة بالنسبة لمن يستمتع بذلك هي دفع المال لدونالد ترامب. بعد ثماني سنوات من وعد محاميه بعدم استغلال العائلة للرئاسة لتحقيق الأرباح، صاغ ترامب هذا الاستغلال بأبسط وأوضح أشكاله.

ويبدو أن فكرة عملة ترامب الرقمية جاءت من زانكر، العقل المدبر خلف رموز ترامب غير القابلة للاستبدال. في يوم الإطلاق، بدأت الشراكة التي شكلوها ببيع حوالي مئتي مليون وحدة من عملة ترامب، مع الاحتفاظ بثمانمئة مليون أخرى. وأعلن ترامب عبر منصة “تروث سوشيال”: «حان وقت الاحتفال بكل ما نمثله: النصر!»، وحث معجبيه على «احصلوا على عملة ترامب الآن». حسبت صحيفة الفاينانشال تايمز أن مبيعات هذه الرموز بلغت 314 مليون دولار خلال ثلاثة أسابيع فقط.

وأنشأت الشركة أيضًا سوقًا رقميًا لتمكين الناس من شراء وبيع رموز ترامب، وجمعت رسومًا إضافية عند تداول هذه الرموز. ووفقًا لصحيفة الفاينانشال تايمز، فقد حققت الشركة خلال ثمانية عشر يومًا أكثر من 36 مليون دولار من رسوم التداول، مع ارتفاع سعر عملة ترامب إلى 75 دولارًا ثم هبوطه إلى 17 دولارًا، مما رفع إجمالي أرباح المشروع إلى 350 مليون دولار. (وبما أن ترامب يمتلك كامل النفوذ في شراكة زانكر، فمن المفترض أنه احتفظ تقريبًا بكامل الأرباح). وعلى الورق، فإن الثمانمئة مليون رمز ترامب التي لا تزال الشراكة تحتفظ بها قد تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

بعد يومين من إطلاق رموز ترامب، بدأت شركة أخرى تابعة لعائلة ترامب ببيع عملة الميم ميلانيا، محققةً بسرعة حوالي 65 مليون دولار من مبيعات ورسوم التداول، وفقًا لصحيفة الفاينانشال تايمز. وأفاد باحثون في مجال التشفير أن نحو عشرين مشتريًا مجهولين اقتنصوا كميات كبيرة من رموز ميلانيا الرخيصة في الدقائق التي سبقت إعلان السيدة الأولى عن إطلاق العملة، ثم قاموا ببيعها لتحقيق أرباح بلغت 99.6 مليون دولار. (ولا تزال هويات هؤلاء البائعين مجهولة).

لا يمكن الاعتماد على الأرباح النظرية لعملة ترامب الرقمية. فعندما دخلت عملة ميلانيا السوق، هبط سعر رمز ترامب من خمسة وسبعين دولارًا إلى حوالي ثلاثة وثلاثين دولارًا، ما دلّ على مخاوف المشترين من فيضان عملات الميم المرتبطة بترامب. وأفادت صحيفة فاينانشال تايمز بأن الشركاء وراء عملة ترامب حاولوا الحد من الانخفاض عبر ضخ هادئ لمليون دولار من أموالهم الخاصة في الرموز، إلا أن سعر ترامب انخفض إلى أقل من عشرة دولارات بحلول نيسان/ أبريل.

حينها أعلن ترامب عن استضافته عشاءً حصريًا لمائتي وعشرين من كبار حاملي عملة ترامب، مع جولة في البيت الأبيض لأفضل خمسة وعشرين منهم. هذه الخطوة رفعت السعر مجددًا إلى خمسة عشر دولارًا، مما جلب لترامب المزيد من رسوم التداول.

ودافع مسؤولو البيت الأبيض عن العشاء، مشيرين إلى أنه أقيم في نادي الغولف الخاص بترامب في فرجينيا وليس في البيت الأبيض، كأنّ متداولي التشفير سيدفعون ملايين الدولارات لقاء عشاء مع نجم تلفزيوني سابق. وفي تصريح، قالت كارولين ليفيت: “الادعاءات بأن هذا الرئيس ربح من فترة رئاسته هي ادعاءات سخيفة تماماً.” وأكدت أن ترامب ضحى بـ«مئات الملايين من الدولارات» التي كان بإمكانه تحقيقها لو كرس نفسه لأعماله بدلاً من خدمة البلد، وأن “الشعب الأميركي يحبه تحديدًا لأنه رجل أعمال ناجح.”

وبموازاة فترة العشاء، قدّرت شركة تشيناليزيس للأبحاث المتخصصة في العملات المشفرة، باستخدام منهجية خاصة بها، إجمالي أرباح مشروع ترامب بحوالي 320 مليون دولار. وإذا أُضيفت هذه التقديرات الحذرة إلى أرباح عملة الميم ميلانيا المبكرة، يصل إجمالي الأرباح إلى نحو 385 مليون دولار.

الأرباح التقديرية: 385 مليون دولار

المجموع الإجمالي: 3.4 مليار دولار

العشاء والحلوى

خلال العشاء في نادي ترامب الوطني للجولف في ستيرلينغ، فرجينيا، وقفتُ خارج القاعة أراقب بعض المشترين الذين كانوا يأملون في همس كلمات للرئيس. ووقف العشرات من المحتجين حاملين لافتات كتب عليها «أوقفوا فساد ترامب في العملات المشفرة» و«أميركا ليست للبيع». وتحدث السيناتور جيف ميركلي، الديمقراطي من أوريغون، الذي قدم مشروع قانون يحظر على كبار المسؤولين بيع عملات الميم أو العملات المستقرة، واصفًا العشاء بأنه “قمة جبل إيفرست للفساد.”

لدهشتي، لم يكن معظم الحاضرين خجولين من إظهار وجوههم؛ حيث نزل كثيرون من سيارات الركوب المشتركة وتجاوزوا المحتجين دون مبالاة. بعضهم التقط صورًا للاحتجاج كما لو أن الغضب كان جزءًا من المرح. كان كثيرون منهم رجالًا دون الأربعين، ذوي شعر كثيف ومظهر مهمل حتى في بدلات السهرة. وقد تفاخر عدد منهم عبر الإنترنت بحضور العشاء. واستعان لامار أودوم، لاعب كرة السلة السابق وزوج كلوي كارداشيان السابق، بعملات ترامب الرقمية ليتمكن من الحضور والترويج لعملة الميم الخاصة به “أودوم”. ووصل نيكولاس بينتو، رائد أعمال ومؤثر على تيك توك، إلى الحدث بسيارة لامبورغيني حمراء. كما حضر ضيف آخر مرتديًا قناع نملة بكسلية، لكن حساب شركته على منصة التواصل نشر فيديوهات له وهو يرتدي القناع، ما جعل مظهره دعائيًا أكثر من كونه محاولة للتخفي. بعد الفعالية، نشرت صحيفة التايمز قائمة بأكثر من خمسين من الحاضرين. قال بعضهم إنهم أرادوا التأثير على ترامب ليواصل دعم العملات الرقمية، لكن معظمهم بدا مهتمًا بالترويج لأنفسهم فقط، ولم يزعجهم أن الرئيس يبيع الوصول إليه من أجل الربح الشخصي. وقال تاجر العملات الرقمية براين نغ للصحيفة: “الجميع يسعى لمصلحته، لكن على الأقل ترامب صريح وواضح.”

لم يحصل أي من مشتري عملة ترامب على فرصة فعلية لمقابلة ترامب، إذ سمعت صوت هبوط طائرته الرئاسية عند الساعة السابعة مساء، ثم إقلاعها بعد نصف ساعة، ووثّق الحضور تلك اللحظات بالفيديو ونشروها عبر الإنترنت. وتحدث ترامب لما يقارب 25 دقيقة، واصفًا ضيوفه بأنهم “من أذكى العقول”، وأشار إلى ازدياد الإيمان بالعملات المشفرة قائلاً: «من يدري؟».

كان جاستن صن قد اشترى ما يقرب من عشرين مليون دولار من عملة ترامب قبل العشاء، مما جعله أكبر حامل للعملة. (وفي تموز/ يوليو، أعلن أنه سيشتري مائة مليون دولار إضافية من ترامب). ولتقدير حمله أكبر كمية من العملة، منح الرئيس صن ساعة تحمل علامة ترامب التجارية، تُباع في أحد متاجره الإلكترونية بسعر مئة ألف دولار. في لحظة ما، صعد صن إلى المنصة وشكر ترامب على كل ما قام به “لصناعتنا”. قبل إعادة انتخاب ترامب، كان صن يخشى أن يُعتقل إذا دخل البلاد. ضاحكًا، قال إنه إذا كان شخص مثله يستطيع الآن القدوم إلى الولايات المتحدة، “فالجميع سيأتون إلى هنا!”.

عندما انتهيت من حساب أرباح عائلة ترامب، أصبحت شبه معتاد على الأمر برمته. وللتعامل مع تضارب المصالح لدى المسؤولين المنتخبين، تقتصر القوانين الأمريكية عادةً على مبدأ الإفصاح فقط، مما يترك للناخبين حرية تقييم أي استغلال شخصي بأنفسهم. لا يمكن لأحد أن يزعم أن ترامب لم يكشف عن مكاسبه الأخيرة؛ فقد بدا وكأنه يعلن عن عمله من على سطح البيت الأبيض. ولم ينفق على هذه العملة أو على أحذية ترامب الرياضية سوى أنصاره، كما أن التبرعات الانتخابية التي تبلغ خمسين دولارًا تُحوَّل إلى تغطية نفقاته القانونية. ومنذ البداية، وصف منتقدوه حركة “اجعلوا أمريكا عظيمة” بأنها حركة مَن يقتنعون بسهولة ويُخدعون.

كان هناك سبب وجيه دفع ترامب، عبر محاميه، إلى التعهّد في عام 2017 بأن تتجنّب عائلته أي نشاط يمكن أن يُنظر إليه باعتباره استغلالًا لمنصب الرئاسة. فرغم أن أحدًا من ضيوف عشاء «عملات الميم» لم يحصل على امتيازات رسمية، فإن ترامب كان يبيع أجزاء من البريق المرتبط بمنصبه، ما أضعف هيبة الرئاسة في الوقت نفسه. وقد سعت منظمة «المواطنون من أجل المسؤولية والأخلاقيات في واشنطن» إلى تتبّع مكاسبه المالية. وقال نوح بوكبايندر، رئيس المنظمة: «عندما تتحدث عن مليارات تُجنى من العملات الرقمية، يميل الناس إلى فقدان الاهتمام». لكنه شدّد على أنه ما زال يؤمن بأن «الشعب الأمريكي، في نهاية المطاف، لا يتقبل استغلال المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية. الأمر أشبه برئيس يحوّل متنزّهًا وطنيًا إلى منزله الصيفي، وفي هذه الحالة قد يبني هناك ناطحة سحاب».

كنت أتوقع أن تقديري لأرباح عائلة ترامب من منصب الرئاسة قد يخيّب أمل من يرون فيه مجرمًا فسادًا على مستوى بوتين. ومع ذلك، فإن مبلغ ثلاث مليارات ونصف المليار دولار من الأرباح الرئاسية، رغم أن حسابي تقريبي بطبيعته، هو مبلغ مذهل. ولقد شاركت حسابي مع جاري كلمان من منظمة الشفافية الدولية، الذي قال إن نهج ترامب في تحقيق الأرباح يشبه سلوك ملوك العرب: حيث يتعامل مع منصبه العام كملكية شخصية وأصل له حق استغلاله كما لو كان يملكه بالكامل. وأضاف كلمان: «من الفوارق بين النظام الملكي والديمقراطي أن الرئيس لا ينبغي أن يبدأ في رؤية الرئاسة كإقطاعيته الخاصة».

إن بيع سلع تتآكل قيمتها باستمرار مقابل أرباح متصاعدة، كما فعل ترامب منذ تحوله عبر برنامج “المتدرب”، يثير بلا شك تساؤلات حول مدى استفادة المشترين الحقيقية مقابل أموالهم. وعند النظر إلى ذلك، جذب انتباهي الإيقاع المحموم، الذي يقترب من حد اليأس، في جهود عائلة ترامب، كما لو أنهم يخشون فوات أي فرصة. فلا تقتصر تحركات العائلة على قبول الاستثمارات السعودية في الأسهم الخاصة وصفقات الترخيص في الخليج العربي، أو الملايين التي يدفعها جاستن صن مقابل الرموز الرقمية، بل يسعون وراء هذه الأموال بحماس وسرعة توحي بمدى حاجتهم الملحة لها. وهذا العطش الشديد للمال يزيد من حدة التساؤلات حول تضارب المصالح.

هل أبرم ترامب صفقات ضمنية مع جاستن صن، أو مع سي. زد، أو مع شركات الإعلام التي دفعت له تسويات كبيرة، أو مع ملوك الخليج؟ هل ستوفر هدية الطائرة القطرية حماية لقطر من حصار جديد؟ هل سمح بيع الإمارات للعملة المستقرة بقيمة ملياري دولار بالوصول إلى تكنولوجيا أمريكية حساسة؟ هل دفعت مدفوعات من الملوك العرب ترامب لاتخاذ قرارات بشن ضربات جوية ضد إيران؟ يصعب للغاية إثبات هذه المعاملات المتبادلة. لكن ويرثيمر، وهو خبير في مجال أخلاقيات الحكومة، قال عن ترامب: “طريقته في استغلال كل فرصة ممكنة لكسب المال تمنح من يقدمون له الأموال انطباعًا واضحًا بأنهم سيحصلون على مقابل. وكل من يشاهد ما يحدث لا بد أن يفترض أن هذا المال يشتري ولاء الرئيس.”

عاد ترامب إلى البيت الأبيض منذ أكثر من ستة أشهر بقليل، فيما لا تزال حماسة عائلته في أوجها. ففي حزيران/ يونيو، احتفل دونالد الابن وإريك بالذكرى العاشرة لأول حملة رئاسية لوالدهما بإبرام صفقة ترخيص جديدة، باعا بموجبها اسم “ترامب” لاستخدامه في خدمة هاتف محمول، وقال دونالد الابن إن هذه الخدمة «تبني على الحركة التي تضع أمريكا أولاً»، وللاشتراك، يكفي الاتصال بالرقم 888-ترامب45 مقابل 47.45 دولارًا شهريًا.

وبعد أسابيع قليلة، رافق الشقيقان والدهما إلى أسكتلندا للترويج لملعب جولف “ترامب” الجديد في بالميدي، الذي وصفه الرئيس بأنه «تطوير لا يُصدق». وفي الرابع من آب/أغسطس، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن الشقيقين حصلا على خمسة ملايين سهم في شركة جديدة بلا نشاط قائم، تهدف إلى جمع وإنفاق ما لا يقل عن 700 مليون دولار للاستحواذ على شركات تصنيع أمريكية. ويشغل الأخوان منصب مستشارين في المشروع إلى جانب صديقهما كايل وول. وكما تتسارع أرقام الساعة الرقمية التي تُحصي الدين الوطني، يتسارع عدّاد أرباح عائلة ترامب من الرئاسة بوتيرة متزايدة.

المصدر: نيويوركر