الدول المطروحة لترحيل الفلسطينيين من غزة.. ما الذي نعرفه؟

تواجه المساعي الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة إلى دول أخرى، وفقًا للخطة التي يروّج لها بنيامين نتنياهو بدعم من “الكابينت”، رفضًا متصاعدًا من الدول التي جرت محادثات معها. ورغم أن هذه الاتصالات جرت أغلبها خلف الكواليس، إلا أن تقارير إعلامية تكشف عن ردود فعل سلبية، تتراوح بين التحفظ الرسمي والرفض الشعبي الصريح.
غير أن هذه الخطط أثارت قلقًا واسعًا داخل المجتمعات المحلية لتلك الدول، خشية التورط في مشروع يُنظر إليه على أنه تواطؤ مع الاحتلال، وانخراط في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري.
في هذا التقرير، نستعرض قائمة الدول التي طُرحت في المباحثات كوجهات محتملة لترحيل الفلسطينيين من غزة، كما نبحث في خلفيات هذه الاتصالات، ومواقف كل دولة، وما آلت إليه المحادثات معها.
الوجهات المطروحة
بحسب ما كشفت عنه وسائل إعلام عبرية، تجري تل أبيب منذ أشهر اتصالات، أغلبها غير معلن، مع عدد من الدول – وبعض الكيانات غير المعترف بها دوليًا – في محاولة لتأمين وجهات “احتياطية” يُرحّل إليها سكان القطاع.
ووفق ما أوردته القناة 12 الإسرائيلية، تشمل هذه الاتصالات خمس جهات رئيسية: إندونيسيا، ليبيا، أوغندا، جنوب السودان، وإقليم أرض الصومال (المنفصل عن الصومال منذ عام 1991 دون اعتراف دولي). وتحدثت القناة عن “تقدّم” في المحادثات مع كل من إندونيسيا وأرض الصومال، في تلميح إلى محاولات جادة لتجاوز العوائق السياسية واللوجستية.
يُضاف إلى هذه القائمة مصر والأردن، وهما الدولتان التي طالما طُرحتا ضمن سيناريوهات “الحل الإقليمي”، سواء في خطط إسرائيلية سابقة أو ضمن مقترحات أميركية علنية تحدث عنها ترامب في فبراير/ شباط الماضي.
1. مصر
من بين جميع الدول التي طُرحت في المداولات الإسرائيلية الأميركية كوجهات لترحيل الفلسطينيين، كانت مصر في صدارة الاهتمام، بحكم موقعها الجغرافي وحدودها مع غزة. غير أن القاهرة تعاملت مع هذه الطروحات بوصفها تهديدًا وجوديًا، لا مجرد خلاف سياسي.
على المستوى الرسمي، عبّرت مصر عن رفضها القاطع لفكرة التهجير منذ الأيام الأولى للحرب، واعتبرتها مساسًا مباشرًا بأمنها القومي، في موقف منسجم بين مؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك الرئاسة، والجيش، وجهاز المخابرات، وفق ما أكدته مصادر مصرية لموقع عربي بوست.
وبحسب مصادر لصحيفة “وول ستريت جورنال”، لم تقتصر المداولات على القنوات الدبلوماسية الهادئة، بل وصلت في بعض الاجتماعات مع الجانب الإسرائيلي إلى توترات ومشادات، في ظل إصرار القاهرة على أن سيناء ليست ولن تكون خيارًا لأي مخطط لإعادة توطين الفلسطينيين.
حاولت الولايات المتحدة من جانبها، دفع مصر للتعاون من خلال تقديم حوافز مالية واقتصادية، بينها شطب ديون وتمويل مشاريع تنموية داخل سيناء، لكن هذه العروض لم تغيّر من الموقف المصري شيئًا. لكن موقع ميدل إيست آي، كان قد نقل عن تحذير مسؤولين أميريكيين للبيت الأبيض من أن هذا الاقتراح قد يؤدي إلى زعزعة استقرار مصر، باعتبارها حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا للولايات المتحدة في المنطقة.
وأبدى هؤلاء تحفظًا داخليًا على طرح يتضمن تهجيرًا قسريًا قد يشعل توترات داخلية في مصر ويُحرجها أمام الرأي العام العربي والدولي.
2. الأردن
لا يختلف موقف الأردن كثيرًا عن الموقف المصري، إذ عبّر العاهل الأردني عبد الله الثاني في لقائه الأخير مع الرئيس الأمريكي ترامب، عن رفض بلاده لتهجير الغزيين، قائلاً: “تهجير الفلسطينيين خط أحمر”، مع التأكيد على أن أي تغيير ديموغرافي يجب أن يتم ضمن إطار حل الدولتين.
ورغم عدم إعلان عمّان عن تلقيها عروضًا رسمية من الولايات المتحدة أو “إسرائيل”، فإن تقارير متعددة تحدّثت عن تداول مقترحات غير مباشرة، تتضمن توسيع بعض المخيمات، أو استقبال أعداد محدودة من نازحي غزة لفترة مؤقتة، لم تظهر الحكومة الأردنية أي استجابة إيجابية لأي منها.
حيث تثير هذه الطروحات في الداخل الأردني، جملة من المخاوف القديمة المتجددة. فقد أدى نزوح الفلسطينيين إلى الأردن بعد نكبتي 1948 و1967 إلى تغيّرات سكانية كبيرة، رافقتها تحديات سياسية وأمنية استمرت لعقود. إذ تُشير مجلة “فورين أفيرز” إلى أن أحد أبرز الهواجس الأردنية هو تكرار سيناريو “أيلول الأسود”، الذي شهد مواجهة مسلحة بين فصائل فلسطينية والجيش الأردني عام 1970.
كما يرى المركز العربي واشنطن دي سي أن هناك قلقًا واسعًا من أن التهجير من غزة قد يكون مقدمة لتهجير أوسع من الضفة الغربية، وهو ما يُعيد طرح فكرة “الوطن البديل”، التي ترفضها عمّان بشدة على المستويين الرسمي والشعبي.
3. جنوب السودان
طُرح اسم جنوب السودان ضمن قائمة الدول التي تسعى “إسرائيل” لإقناعها باستقبال سكان غزة، حيث ذكرت وسائل إعلام عبرية أن وفدًا إسرائيليًا يعتزم زيارة جوبا لبحث إمكانية إقامة مخيمات مؤقتة على أراضيها، كجزء من خطة تهجير واسعة تعمل عليها تل أبيب بدعم أميركي.
رغم ذلك أصدرت وزارة خارجية جنوب السودان بيانًا رسميًا في 20 أغسطس/آب نفت فيه “بشكل قاطع” وجود أي مناقشات مع “إسرائيل” بشأن تهجير الفلسطينيين، معتبرة ما نُشر “مزاعم إعلامية لا أساس لها”. وجاء النفي بعد موجة استياء شعبي على منصات التواصل داخل جنوب السودان، حيث عبّر كثيرون عن رفضهم استقبال لاجئين جدد في بلد يواجه أصلاً أزمات إنسانية حادة، ويعاني أكثر من سبعة ملايين من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.
من جهتها، أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن إدخال أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى جنوب السودان قد يفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي، ويزيد الضغوط على بلد أنهكته الحرب والانقسام. كما لفتت شبكة “سي إن إن” إلى وجود بُعد ثقافي ديني في الرفض، حيث يُنظر إلى استقبال الفلسطينيين كقضية حساسة في بلد أغلبيته مسيحية، بعد صراع طويل مع الشمال ذي الأغلبية المسلمة.
في الخلفية، نقلت “أسوشيتد برس” عن مصادر مصرية أن القاهرة كانت على علم بهذه الاتصالات منذ أشهر، وتعمل على ثني حكومة جوبا عن المضي في هذا المسار، لما يحمله من تداعيات إقليمية مقلقة.
4. إندونيسيا
ورد اسم إندونيسيا ضمن قائمة الدول التي تبحث معها “إسرائيل”، فرص استقبال نازحين فلسطينيين من قطاع غزة. وقد أوردت القناة 12 الإسرائيلية أن هناك “تقدمًا نسبيًا” في المحادثات مع كل من إندونيسيا وإقليم أرض الصومال.
كما نقل موقع “أكسيوس” الأميركي أن رئيس الموساد ناقش مع مبعوث أميركي خيارات تتعلق بإعادة توطين سكان غزة في دول منها إندونيسيا، ضمن اتصالات غير معلنة تهدف إلى توزيع اللاجئين مقابل حوافز اقتصادية ودبلوماسية.
في المقابل، نفت وزارة الخارجية الإندونيسية بشكل قاطع ما جاء عن القناة الإسرائيلية، مشيرة إلة أن “هذه المزاعم لا أساس لها”، مؤكدة تمسك البلاد بموقفها الداعم لفلسطين.
في سياق متصل، أفاد تقرير لصحيفة “الغارديان“ أن الحكومة الإندونيسية تدرس مبادرة لعلاج 2000 جريح فلسطيني من قطاع غزة، في إطار تحرك إنساني يجري التنسيق له على مستوى عالٍ بين الوزارات المعنية. وتشمل المباحثات الجارية الجوانب القانونية واللوجستية والسياسية، وسط حرص حكومي على تجنّب أي شبهة تُحوّل المبادرة إلى خطوة ذات طابع سياسي.
5. أرض الصومال
أُدرج اسم إقليم أرض الصومال، وهو كيان غير معترف به دوليًا منذ إعلانه الانفصال عن الصومال عام 1991، ضمن قائمة الجهات التي فتحت معها “إسرائيل” قنوات تواصل غير رسمية. لكن هذا الطرح، وإن بقي دون تأكيد رسمي، أثار موجة رفض واسعة داخل الإقليم.
وفق تقرير لموقع “ميدل إيست آي”، عبّر مواطنون من أرض الصومال عن قلقهم من الأنباء المتداولة حول خطة التهجير، محذرين الرئيس المنتخب حديثًا، عبد الرحمن عبد الله إيرو، من السعي للحصول على اعتراف دولي من خلال التورط في مشروع ينطوي على تهجير قسري للفلسطينيين.
الاعتراض الشعبي لم ينبع من موقف معادٍ للفلسطينيين، بل من رفض تحويل معاناتهم إلى ورقة سياسية. واعتبر كثيرون أن استقبال لاجئين تم تهجيرهم من وطنهم قسرًا، قد يُفهم كتبرير للنكبة المستمرة، ويعني عمليًا حرمانهم من حق العودة.
كما عبّر السكان عن خشيتهم من أن يؤدي هذا المخطط إلى زعزعة الاستقرار النسبي في أرض الصومال، الذي يميّزه عن باقي مناطق الصومال الخاضعة لحكومة مقديشو. وبرز تحذير واضح من احتمال استغلال جماعة “الشباب” المسلحة للغضب الشعبي تجاه هذه الخطوة، سواء لتوسيع نفوذها أو تجنيد عناصر جدد.
6. ليبيا
شارك مسؤول رفيع في الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا في محادثات مع مسؤولين إسرائيليين، منهم مستشار الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ابن عم رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة.
وقالت مصادر ليبية وعربية وأوروبية لموقع “ميدل إيست آي” إن الولايات المتحدة عرضت على الحكومة الليبية حوافز اقتصادية مقابل استقبال الفلسطينيين، من بينها الإفراج عن نحو 30 مليار دولار من الأصول الليبية المجمدة لدى وزارة الخزانة الأميركية.
كما أشارت تقارير إلى أن اللواء خليفة حفتر تلقى بدوره عرضًا بالحصول على نفوذ أوسع في إدارة موارد النفط، مقابل القبول بخطة إعادة التوطين. لكن حفتر نفى هذه المزاعم، في وقت أظهرت فيه مصادر دبلوماسية انزعاجًا من احتمال أن تستغل أطراف النزاع هذه المفاوضات لتعزيز مكاسبها الداخلية.
ورغم هذه الاتصالات، أعلن رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، بتاريخ 18 أغسطس/آب، أن ليبيا “لن تتورط في جريمة إعادة توطين الفلسطينيين”، في محاولة لنفي أي انخراط رسمي.
على الأرض، أثارت هذه التسريبات غضبًا واسعًا في الأوساط الليبية، خاصة مع تداول تقارير عن دور مباشر لمسؤولين ليبيين في الاتصالات الجارية. وقال مسؤول عربي مطلع على الملف إن أي مشاركة ليبية في خطة تهجير الفلسطينيين ستكون “صدمة للرأي العام”، وقد تفجّر احتجاجات داخلية لا يمكن السيطرة عليها.
تكشف هذه الطروحات مجتمعة أن خطة التهجير الإسرائيلية لا تزال تصطدم بعقبات حقيقية، تبدأ من الرفض الرسمي والشعبي في الدول المستهدفة، وتمتد إلى الحسابات السياسية والإنسانية التي تجعل من تطبيقها أمرًا بالغ الصعوبة. ورغم الضغوط الأميركية والإغراءات المالية التي طُرحت، لم تُبدِ أي دولة استعدادًا معلنًا لتحمّل كلفة مشروع يُنظر إليه بوصفه تصفية مباشرة للقضية الفلسطينية.