كيف تمددت الإمارات في خارطة الطاقة المصرية؟

أعلنت شركة “نيوميد إنيرجي” الإسرائيلية، المشغِّلة لحقل ليفياثان للغاز الطبيعي في الأراضي المحتلة، في مارس/آذار 2024، تعليق مفاوضاتها مع شركة “أدنوك” الإماراتية (ADNOC) وشركة (BP) البريطانية بشأن الاستحواذ على 50% من أسهمها، في صفقة قُدرت قيمتها بنحو 3.8 مليار دولار.
كانت الصفقة تهدف إلى تأسيس مشروع مشترك بين الشركتين البريطانية والإماراتية للدخول في صناعة الغاز البحرية بشرق المتوسط، عبر الوصول إلى حقل ليفياثان وغيره من الآبار في المنطقة، في مسعى للتحكم بجزء كبير من سوق الغاز الشرق أوسطي وفرض النفوذ على ممراته الحيوية.
حضور إماراتي بارز في سوق الطاقة الإسرائيلي
منذ توقيع اتفاق “أبراهام” في سبتمبر/أيلول 2020، دشنت أبوظبي مرحلة جديدة من التناغم الاقتصادي مع الكيان الإسرائيلي، حيث سجّلت أكثر من 500 شركة إماراتية في غرفة التجارة المشتركة بين الجانبين. وقد استحوذ قطاع الطاقة على النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات، في إطار ما يبدو أنه خطة مدروسة ومحددة الأهداف من أبناء زايد.
حقل تمار: في أبريل/نيسان 2021، تمكنت الإمارات عبر “صندوق مبادلة للاستثمار” السيادي المملوك لحكومة أبوظبي، ومن خلال شركتين تابعتين مسجلتين في سوق أبوظبي المالي (“تامار للاستثمار 1 آر إس سي المحدودة” و”تامار للاستثمار 2 آر إس سي المحدودة”)، من الاستحواذ على حصة قدرها 22% في حقل تمار الإسرائيلي للغاز.
وقد جاء ذلك بعد شراء الصندوق كامل حصة شركة “ديليك درلينغ” الإسرائيلية المملوكة لرجل الأعمال إسحاق تشوفا. وبموجب هذه الصفقة أصبحت الإمارات شريكًا أساسيًا في الحقل، إلى جانب شركاء آخرين أبرزهم “شيفرون” الأمريكية بنسبة 25%، و”سوكار” الأذربيجانية بنسبة 10%، إضافة إلى شركات إسرائيلية أخرى، وفق ما نشرته صحيفة “جلوبز” في يونيو/حزيران الماضي.
اللافت أن هذا التحرك الإماراتي جاء مباشرة بعد توقيع مصر اتفاقية عام 2018 لاستيراد الغاز من حقل تمار، تنص على توريد ما لا يقل عن 3.5 مليارات متر مكعب سنويًا لمدة 11 عامًا، وهو ما يربط أبوظبي عمليًا بأحد أهم مصادر إمداد مصر بالغاز.
مشروع (MED-RED Land Bridge): في عام 2020، وقّعت شركة “بترومال” الإماراتية، التابعة للشركة الوطنية القابضة (مقرها أبوظبي ويرأس مجلس إدارتها جوعان عويضة سهيل الخييلي، الذي يترأس أيضًا بنك أبوظبي الإسلامي وفروعه)، اتفاقية تعاون مع شركة “خط أنابيب أوروبا وآسيا” (EAPC). المشروع، المعروف باسم (MED-RED Land Bridge)، يهدف إلى نقل النفط الخام الإماراتي إلى أوروبا عبر خط يربط مدينة إيلات على البحر الأحمر بميناء عسقلان على المتوسط.
تعود جذور هذه الشركة إلى عام 1968، حين تأسست باسم “خط أنابيب إيلات-عسقلان” كمشروع مشترك بين إسرائيل وإيران الشاه، قبل أن تستولي عليه إسرائيل بعد الثورة الإسلامية عام 1979. واليوم، تبني EAPC خط أنابيب جديدًا بطول 263 كيلومترًا بين إيلات وعسقلان لنقل النفط إلى مصفاة أشدود، فيما تنقل حاليًا النفط الأذربيجاني عبر تركيا إلى عسقلان.
النفط الإماراتي يُنقل حاليًا إلى أوروبا عبر قناة السويس، إلى جانب جزء كبير من نشاط الشركة الإسرائيلية في نقل الإمدادات. غير أن المشروع الجديد يشكل بديلًا عمليًا للقناة، التي تمثل أحد أهم شرايين الاقتصاد المصري ومصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة، في وقت تعاني فيه القاهرة من أزمة اقتصادية خانقة.
وعليه، فإن استئناف المفاوضات بشأن استحواذ “أدنوك” الإماراتية على 50% من حصة شركة (NewMed Energy) المشغلة لحقل ليفياثان في حال التوصل إلى تهدئة في غزة، سيمنح أبوظبي موقعًا استراتيجيًا يجعلها تتحكم بنسبة كبيرة من احتياجات مصر من الطاقة، سواء على مستوى الإمدادات أو النقل.
الاستحواذ على خارطة الطاقة في الداخل المصري
احتل سوق الطاقة المصري موقعًا بارزًا على خارطة الاستثمار الإماراتي، إذ مثّل هدفًا محوريًا لرأس المال الخليجي عامة والإماراتي بشكل خاص، فمنذ عام 2019 تسابق أبوظبي الزمن للهيمنة على أكبر مساحة ممكنة من قطاع الطاقة في مصر، عبر الاستحواذ على شركات وحقول ومحطات وقود ومشاريع الطاقة المتجددة.
جزء كبير من هذه الاستحواذات تم عبر شركة “أبوظبي التنموية القابضة” (ADQ)، حيث حصلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 على حصص مؤثرة في ثلاث شركات طاقة مصرية ضمن برنامج الطروحات الحكومية: 25% من أسهم الشركة المصرية للحفر، و30% من أسهم شركة “إيثيدكو” (المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته)، و35% من أسهم شركة “إيلاب” (المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي).
أما “أدنوك”، فاستحوذت في فبراير/شباط 2023 على 50% من محطات الوقود التابعة لشركة TotalEnergies في مصر، والتي تدير نحو 238 محطة. بلغت قيمة الصفقة نحو 186 مليون دولار، مع مبلغ إضافي قد يصل إلى 17.3 مليون دولار إذا ما تم استيفاء شروط محددة، وفق بيان الشركة لسوق أبوظبي للأوراق المالية.
ولم تقتصر الاستثمارات الإماراتية على المحطات والشركات، بل شملت أيضًا حقول النفط والغاز. ففي عام 2020، استحوذت شركة “دراجون أويل” المملوكة لإمارة دبي على كامل حقوق شركة (BP) البريطانية في مصر، لتصبح شريكًا رئيسيًا في امتيازات خليج السويس. ومن قبلها، في 2018، دخلت شركة “مبادلة” الإماراتية على خط الاستحواذ بشراء 20% من امتياز حقل “نور” البحري شمال سيناء، كما أصبحت شريكًا في حقل “ظهر” العملاق قبالة الساحل الشمالي بعد استحواذها على جزء من حصة شركة ENI الإيطالية.
"في ناس بتتقتل عشان أرضها وفي ناس أرضها بتتباع وواقفة ساكتة" مصري يعلق على قرار #الإمارات منع المواطنين المصريين من التملك في منطقة #رأس_الحكمة المصرية! pic.twitter.com/CBos36MwRQ
— نون بوست (@NoonPost) June 17, 2024
حتى مشاريع الطاقة المتجددة، من شمس ورياح، لم تسلم من التغلغل الإماراتي، ففي ديسمبر/كانون الأول 2024، وقّعت مجموعة “AMEA Power” الإماراتية اتفاقًا مع الحكومة المصرية لتطوير مشاريع للطاقة المتجددة بقيمة 600 مليون دولار، تشمل محطة طاقة شمسية “Abydos 1” في أسوان، ومزرعة رياح بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.
وجاء الاتفاق تتويجًا لسلسلة من مذكرات التفاهم الموقعة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، والتي تضمنت إنشاء مشروعات عملاقة: محطتان لإنتاج الخلايا الشمسية بقدرة 2 غيغاواط لكل منهما، مراكز لتخزين البطاريات بطاقة أولية تبلغ 2 غيغاواط، محطات شمسية بقدرات تصل إلى 900 ميغاواط في واحة الداخلة، 300 ميغاواط في بنبان بأسوان، محطة عائمة بقدرة 3 غيغاواط في بحيرة ناصر، وأخرى بقدرة 2 غيغاواط في نجع حمادي، إلى جانب منطقة صناعية في شرق بورسعيد مخصصة للطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة.
الارتدادات المحتملة
هذا الحضور الكثيف أثار مخاوف المصريين، الذين ينظرون بريبة إلى اندفاع أبوظبي نحو السيطرة على قطاعات الطاقة، مخاوف يُتوقع أن تتضاعف مع صفقاتها المثيرة للجدل في الأراضي المحتلة، والتي تتحكم فعليًا في عنق الزجاجة الخاص بالاقتصاد المصري خلال الخمسة عشر عامًا المقبلة.
الحكومة المصرية تمنح الامارات "مجموعة موانئ أبوظبي" مساحة ضخمة في المنطقة المميزة شرق بورسعيد، 20 مليون متر مربع، لإقامة مشروعات استثمارية، بحق امتياز لمدة 50 عاما، قابلة للتجديد، مع منحها إعفاءات ضريبية، وحق الانتفاع بالبنية التحتية المصرية من مياه وكهرباء وطرق وأنفاق وخلافه،… pic.twitter.com/WXZYJ6MAOZ
— جمال سلطان (@GamalSultan1) May 5, 2025
وتستند هذه المخاوف إلى ثلاثة مرتكزات رئيسية:
-
أن معظم الاستحواذات الإماراتية تطال أصولًا استراتيجية بالغة الحساسية، تشكل جزءًا من البنية السيادية المصرية وعصب اقتصادها، مثل شركات الطاقة والبترول، الموانئ، البنوك، المؤسسات المالية والنقدية، إضافة إلى الفنادق والتراث العقاري المرتبط بالهوية الوطنية.
-
أن غالبية هذه الصفقات أُبرمت في ذروة الأزمات الاقتصادية، حين كان الاقتصاد المصري مشلولًا وحكومة القاهرة في حاجة ماسة للسيولة الدولارية لتغطية التزاماتها الداخلية والخارجية. هذا الوضع سمح بتمرير صفقات بأسعار أدنى بكثير من القيمة الحقيقية للأصول، ما زاد من الاحتقان الشعبي ضد أبوظبي، التي يُتهم قادتها باستغلال الظرف العصيب لتجريد مصر من أصولها.
-
يبقى التخوف الأبرز مرتبطًا باستخدام هذه الاستثمارات كورقة ضغط سياسي واقتصادي ضد القاهرة مستقبلًا. فحين تهيمن دولة على إمدادات الطاقة خارجيًا وعلى حصة كبيرة من السوق الداخلي، يصبح الوضع مقلقًا، خاصة مع وجود خلافات بين البلدين في ملفات ملتهبة مثل اليمن، السودان، ليبيا، غزة، القرن الأفريقي وسد النهضة، على الرغم من محاولات التجميل الإعلامي لخطاب “التقارب”.