إسبانيا تحظر مرور السلاح الإسرائيلي: ماذا يعني ذلك؟

أعلنت الحكومة الإسبانية في 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، عن حظر مرور السفن والطائرات المحمّلة بالسلاح المرتبط بـ”إسرائيل” في موانئها وأجوائها. القرار الذي أثار صدى واسعًا، إذ جاء مصحوبًا بتبريرات رسمية مفادها أن مدريد ملتزمة بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وأنها لا ترغب في أن تُستخدم أراضيها أو بنيتها التحتية في تغذية الحرب الدائرة في غزة.
تلقّت “إسرائيل” من جانبها القرار بقلق وغضب، إذ رات فيه إعاقة مباشرة لحركة شحنها العسكري، واعتبرته سابقة قد تفتح الباب أمام خطوات مماثلة من دول أوروبية أخرى، فيما حذر المحللون في تل أبيب من أن الخطوة الإسبانية قد تُربك سلاسل التوريد اللوجستية وتزيد من عزل “إسرائيل” سياسيًا في القارة العجوز.
يأتي هذا التطور في وقت اتخذت فيه بعض الدول إجراءات مشابهة، منها تركيا التي منعت دخول السفن والطائرات الإسرائيلية لموانئها وأجوائها، وسلوفينيا التي فرضت حظرًا كاملًا على تجارة السلاح مع “إسرائيل”، وألمانيا التي علّقت تراخيص صادرات بعض الأسلحة الجديدة. ما يعكس اتجاهًا متناميًا داخل أوروبا وخارجها لتقييد حركة السلاح الإسرائيلي.
تفاصيل القرار الإسباني
في خطوة وصفتها حكومة بيدرو سانشيز بأنها استجابة مباشرة لما يجري في غزة، أعلنت إسبانيا مؤخرًا عن حزمة من الإجراءات غير المسبوقة ضد “إسرائيل”، تم تقسيمها لـ 9 بنود، أكد رئيس الوزراء الإسباني أن هدفها هو “وقف الإبادة الجماعية في غزة” و”دعم الشعب الفلسطيني”، في إشارة صريحة إلى البعد الحقوقي والإنساني للقرار.
تُضفي مدريد بموجب هذه الإجراءات، طابعًا رسميًا على ما كان مطبقًا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ يحظر شراء وبيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية إلى “إسرائيل”، لكن الخطوة الجديدة ذهبت أبعد من ذلك، حيث شملت منع السفن التي تحمل وقودًا للجيش الإسرائيلي من الرسو في الموانئ الإسبانية، ومنع الطائرات المحملة بمواد دفاعية من دخول المجال الجوي، إلى جانب فرض قيود على دخول الأفراد “المتورطين بشكل مباشر في الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب”.
وبحسب مراقبين، فإن هذه الصيغة قد تنطبق حتى على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من أعضاء حكومته.
كما شملت البنود على حظر الواردات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وهو إجراء يضع إسبانيا في مواجهة مباشرة مع سياسات الاستيطان الإسرائيلية.
مع الإعلان عن تخصيص 10 ملايين يورو إضافية لتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ليصل إجمالي المساعدات الإنسانية الإسبانية المخصصة لقطاع غزة إلى 150 مليون يورو بحلول عام 2026.
ماذا يعني القرار لـ”إسرائيل”؟
على الصعيد العملي، يفرض القرار الإسباني على الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مباشرة على حركة السفن والطائرات التي تنقل الإمدادات العسكرية، وهو ما يعقّد عمليات الشحن ويضيف أعباء جديدة على سلاسل التوريد التي تعتمد عليها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إذ حذّر مراقبون في تل أبيب من أن استمرار هذه القيود قد يؤدي إلى ارتفاع التكلفة وتعقيد المسارات البحرية والجوية التي تستخدمها “إسرائيل” في استيراد الوقود والمعدات الدفاعية.
حيث تكتسب الخطوة الإسبانية أهمية خاصة بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لإسبانيا عند مضيق جبل طارق، فالمضيق، الذي تنظّمه قواعد أممية وُضعت في الثمانينيات، يُعتبر ممرًا دوليًا لا تستطيع مدريد إغلاقه بشكل كامل، لكن لديها سلطة مراقبة حركة السفن بالتنسيق مع المغرب. فالسفن التي تحمل مواد خطيرة، ومنها الشحنات العسكرية، ملزمة بالإبلاغ مسبقًا والحصول على إذن مرور، ما يمنح إسبانيا أداة ضغط إضافية يمكن أن تعقّد المسارات البحرية إلى الموانئ الإسرائيلية.
تتضاعف هذه التحديات عندما تؤخذ في الحسبان حالة ميناء إيلات شبه المشلول منذ عامين، بسبب إغلاق الحوثيين لمضيق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، مما يجبر شركات الشحن التي تنقل السلاح إلى “إسرائيل” على التعامل مع سلسلة متزايدة من العقبات، مثل تحديد المسارات البحرية التي يُسمح لها بالمرور منها، والبحث عن موانئ بديلة لتحميل البضائع، وتجنّب المرافئ التي ترفض استقبالها بفعل قرارات حكومية.
وكانت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي قد فتحت تحقيقًا بعد ورود تقارير بأن إسبانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، رفضت السماح لثلاث سفن شحن يُشتبه بأنها تحمل أسلحة أميركية موجهة إلى “إسرائيل” بالرسو في موانئها. وأوضحت لجنة الملاحة البحرية الفيدرالية الأميركية أن هذه السياسة “قد تخلق ظروفًا غير مناسبة للشحن”، مشيرة إلى أنها تدرس فرض غرامات تصل إلى 2.3 مليون دولار عن كل رحلة، إذا ثبت أن مدريد كانت وراء عمليات المنع.
كيف كان صدى القرار في “إسرائيل”؟
عبّرت القيادة السياسية الإسرائيلية عن غضبها من الخطوة، حيث وصف وزير الخارجية جدعون ساعر القرار الإسباني بأنه “معادي للسامية”، كما اتهم حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية بأنها تقود “خطًا عدائيًا ضد “إسرائيل” بخطاب غير منضبط ومليء بالكراهية”.
كما أقدمت “إسرائيل” على منع دخول وزيرة العمل الإسبانية يولاندا دياث بيريث ووزيرة الشباب سيرا ريجو، إلى “الأراضي الإسرائيلية”، بالنظر لنشاط الوزيرتين في دعم القضية الفلسطينية.
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الإسبانية بيانًا نفت فيه الاتهامات الإسرائيلية، ورفضت ما وصفته بـ”الحظر غير المقبول” على دخول عضوين من الحكومة الإسبانية إلى “إسرائيل”. وشدد البيان على أن الإجراءات التي أعلنها سانشيز جاءت استجابة لمشاعر غالبية المجتمع الإسباني، وفي إطار سيادة البلاد، ومتسقة مع مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.
من يقيّد مرور السلاح الإسرائيلي أيضًا؟
لم يكن القرار الإسباني حالة معزولة، إذ انضمت دول أخرى إلى مسار تقييد مرور السلاح الإسرائيلي أو تصديره، في خطوات متفاوتة الحدة لكنها متقاربة في الاتجاه العام.
تركيا أعلنت في يوليو/تموز 2025 حظر عبور السفن والطائرات الإسرائيلية عبر موانئها وأجوائها، في خطوة ربطتها مباشرة بالحرب على غزة. القرار شمل النقل التجاري والعسكري معًا، ما شكّل إغلاقًا جزئيًا لممرات استراتيجية في شرق المتوسط. ورغم أن القانون الدولي لا يسمح بإغلاق مضيق جبل طارق أو ممرات مائية دولية بالكامل، فإن إلزام السفن المشتبه بحمولتها بالحصول على تصاريح مرور يمنح أنقرة ورقة ضغط عملية ضد تل أبيب.
سلوفينيا اتخذت خطوة أكثر حزمًا في 31 يوليو/تموز 2025 حين فرضت حظرًا شاملًا على صادرات وواردات السلاح إلى “إسرائيل”، بما في ذلك النقل العابر. القرار، الذي نقلته رويترز ووكالات أوروبية، جعل سلوفينيا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تتبنى مقاطعة عسكرية كاملة، في رسالة سياسية واضحة ربطتها ليوبليانا بالمعايير الحقوقية الدولية ودعمها المعلن للشعب الفلسطيني.
ألمانيا، الحليف التقليدي لـ”إسرائيل”، تبنّت في أغسطس/آب 2025 قرارًا غير مسبوق بتعليق تصدير أي سلاح يمكن استخدامه في غزة. المستشار فريدريش ميرتس برر الخطوة بأنها “رد دبلوماسي” على التطورات الميدانية والوضع الإنساني المتدهور في القطاع. هذا القرار شكّل تحولًا نوعيًا في موقف برلين، التي ظلت لعقود من أبرز مزودي “إسرائيل” بالسلاح داخل أوروبا.
يثير القرار الإسباني أسئلة حول توقيته أكثر من مضمونه، فإسبانيا لم تكن بعيدة عن الانتقادات الحقوقية الموجهة لـ”إسرائيل” منذ سنوات، كما أن الحظر على تصدير الأسلحة كان مطبقًا فعليًا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن تحويل هذه السياسة إلى قرار رسمي وواسع النطاق لم يحدث إلا الآن، وبعد مرور أشهر طويلة على تصاعد الحرب في غزة.
يمكن تفسير هذا التأخر أقرب إلى أنه تم بلحظة سياسية مواتية تسمح لها باتخاذ موقف متمايز داخل الاتحاد الأوروبي، مستندة إلى دعم شعبي واسع في الداخل وغطاء حقوقي متنامٍ في الخارج. كما أن الخطوة جاءت في وقت اتجهت فيه دول أخرى مثل ألمانيا العظمى إلى مراجعة علاقاتها العسكرية مع تل أبيب، ما منح إسبانيا مساحة أوسع للتحرك دون أن تبدو معزولة.
وبذلك، يمكن القول إن القرار جاء متأخرًا قياسًا بحجم المأساة الإنسانية في غزة، فيما يبقى السؤال الأهم ما إذا كان هذا المسار سيتوسع ليشمل دولًا أوروبية أكبر، أم سيظل محدودًا بمبادرات فردية لا تغيّر التوازنات الاستراتيجية بشكل جذري.