كيف تعامل الحوثيون مع اغتيال “إسرائيل” لوزرائهم؟

في الثامن والعشرين من أغسطس/آب الفائت، وبالتزامن مع كلمة متلفزة لزعيم جماعة أنصار الله الحوثيين، اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي أحمد الرهوي، رئيس الحكومة التابعة للجماعة، وتسعة آخرين من وزرائه، كانوا مجتمعين في منزلٍ بمنطقة حدة بصنعاء، عبر عدد من الغارات المتتابعة.

وعلى الرغم من مضي أكثر من أسبوع على وقوع الجريمة التي تحدث بهذا الطابع لأول مرة منذ بدء الغارات التي شنتها “إسرائيل” على صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة في يوليو/تموز 2024، ما زال عدد الضحايا يتصاعد، لكن الإعلان عن ذلك لا يتم إلا بين فترة وأخرى، وفقًا لسياسة التعتيم على المعلومات حول الضربات الإسرائيلية، التي اتخذتها جماعة الحوثي منذ بدء اتخاذ القرار بتوجيه ضربات ضد الكيان الصهيوني، على خلفية عدوانه على غزة.

فور وقوع الحادثة، لم تُعلن جماعة الحوثي عن هوية الأشخاص الذين استهدفتهم “إسرائيل”، ونفت الجماعة ما ذكره الجيش الإسرائيلي بأن سلاح الجو التابع له شن ما أسماه “هجومًا دقيقًا” استهدف موقعًا عسكريًا تابعًا للجماعة في صنعاء.

حينها قال المكتب السياسي لجماعة الحوثي إن “إسرائيل” أثبتت مجددًا فشلها الاستخباري والعسكري، وإنها تحاول البحث عن انتصار وهمي والترويج له. في اليوم التالي للضربة الإسرائيلية، أعلن الحوثيون رسميًا مقتل رئيس وزرائهم، ووكلوا محمد أحمد مفتاح بالقيام بأعمال رئيس الوزراء، ثم توعّد رئيس الأركان في صنعاء، اللواء محمد الغماري، بأن الرد على “إسرائيل” سيكون “قاسيًا ومؤلمًا، وبخيارات إستراتيجية فاعلة ومؤثرة”. تلا ذلك تصريح آخر لرئيس المجلس السياسي الأعلى لأنصار الله، مهدي المشاط، تعهد فيه بالثأر.

الحوثيون يُشيّعون قتلى الهجوم الإسرائيلي على العاصمة اليمنية صنعاء الأسبوع الماضي، من بينهم رئيسُ حكومتِهم أحمدُ الرهوي وتسعةُ وزراء — فرانس برس

اختراق أمني

اعتبرت جماعة الحوثي اغتيال “إسرائيل” لوزرائها في صنعاء اختراقًا أمنيًا واستخباراتيًا، وعلى إثر ذلك شنّت الجماعة اعتقالات واسعة شملت أحد عشر شخصًا من موظفي الأمم المتحدة، بحسب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.

وقال عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة الحوثية، إن الأجهزة الاستخباراتية التابعة له حققت نتائج جيدة في ملاحقة من وصفهم بـ”الجواسيس”، وتوعّد بمزيد من الاعتقالات. وبالفعل، اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للجماعة أزيد من مائتي شخص في محافظات صنعاء وذمار وعمران والحديدة وإب، أبرزهم موظفون في رئاسة الوزراء وبعض الوزارات، بتهمة اشتباههم بممارستهم التجسس لمصلحة “إسرائيل”.

وفي أحياء وحارات بصنعاء، نفّذ عُقّال ومشايخ ومشرفو الحارات حصرًا ميدانيًا جديدًا يشمل بيانات الساكنين، وأرقام هواتفهم، والمناطق الأصلية التي ينتمون إليها، وأماكن وطبيعة أعمالهم المهنية، ومعلومات حول ولائهم للجماعة الحوثية من عدمه.

تزامن ذلك مع تنظيم مشرفي الحارات لقاءات مع الوجاهات والشخصيات الاجتماعية، لحثهم على ضرورة مواجهة الاعتداء الإسرائيلي، والاتفاق على تنظيم لجان مجتمعية لمواجهة أي طارئ قد يحدث في قادم الأيام، وفقًا لأحاديث مصادر أمنية متفرقة مع “نون بوست”.

كما حظرت الأجهزة الأمنية تواجد المواطنين في الشوارع والميادين وهم يتناولون نبتة القات عقب الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل، وعلى إثر ذلك تم اعتقال المئات من الشبان في صنعاء وعدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، ولم يتم الإفراج عنهم إلا عقب التعهّد بعدم تكرار تواجدهم في الشوارع، خاصةً في الفترة الحالية.

وفي الشوارع أيضًا، نشر الحوثيون العديد من عناصرهم الأمنية، وتم توزيعهم على مستوى الأزقة والممرات لمراقبة أية تحركات مشبوهة، كما ألزم الحوثيون أصحاب المحال التجارية والعمارات السكنية بتركيب كاميرات مراقبة، وسجنوا الرافضين منهم لهذا الطلب الإجباري.

لم تُعلن الجماعة الحداد على قتلى الضربات العسكرية الإسرائيلية من الوزراء والقيادات الأمنية، واكتفت ببيانات النعي وإقامة مجالس عزاء شعبية، عقب تشييعٍ رسمي وشعبي نُظِّم لهم في العاصمة صنعاء. وعلى مستوى الخطاب الإعلامي، قلّلت جماعة الحوثي من أهمية جريمة الاغتيال التي نفذتها “إسرائيل” بحق وزرائها، وانصب تركيز وسائل الإعلام الحوثية على إحياء ونقل فعاليات المولد النبوي.

ردٌّ قوي

لم يتأخر ردُّ جماعة الحوثي على عملية اغتيال وزرائها من قبل الكيان الصهيوني، إذ نفذت الجماعة منذ الثامن والعشرين من أغسطس/آب الفائت هجومًا بـ14 طائرة مسيّرة، وثلاثة صواريخ باليستية، بحسب وسائل إعلام حوثية.

لكن الضربة اللافتة كانت في مساء الثلاثاء، التاسع من سبتمبر/أيلول الجاري، حيث نفذ الحوثيون عمليتين عسكريتين؛ الأولى نُفذت بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع فلسطين-2 الانشطاري متعدد الرؤوس، استهدفت محيط مدينة القدس وحققت هدفها بنجاح، والعملية الثانية نُفذت بثلاث طائرات مسيّرة استهدفت مطار رامون وهدفين حيويين في منطقة إيلات، وفقًا للمتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع.

كانت نتائج تلك الضربات، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، تسبب تلك الضربات بحدوث إرباك وفوضى كبيرة في الداخل الإسرائيلي، خاصةً حينما وصلت بعض الصواريخ إلى صالات المسافرين في مطار بن غوريون بسبب عدم اكتشاف الرادارات لها، بالإضافة إلى استمرار حصار الحوثيين البحري على ميناء إيلات.

المدخل الرئيسي في المطار “تيرمنال 3” تضرر بشكل مباشر جراء الصاروخ اليمني (الإسعاف الإسرائيلي)

مصير مجهول

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، أطلقت جماعة الحوثي ثلاثةً وتسعين صاروخًا باليستيًا، وثلاثمائةٍ وخمسين طائرةً مسيّرةً، بحسب بيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي، إضافةً إلى توجيه الجماعة ضربات ضد سفن مرتبطة بالكيان الصهيوني في البحر الأحمر.

وتقول الجماعة إن هذه الضربات تأتي في إطار مساعيها لمساندة أهالي غزة الذين يتعرضون لإبادة جماعية من قبل الكيان الصهيوني منذ عملية طوفان الأقصى، التي نفذها رجال المقاومة في السابع من أكتوبر 2023.

يرى مصدرٌ أمني مقرب من جماعة الحوثي أن لدى قيادات الجماعة معلومات مؤكدة عن إطلاق “إسرائيل” قمرًا صناعيًا، مهمته التجسس على تحركات قيادة الحوثيين، ويقول المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه خلال حديثه مع “نون بوست”، إن “المشكلة الأكبر التي يعاني منها الحوثيون هي ضعف البنية التحتية للصناعات التقنية المرتبطة بالاتصالات، وهي المشكلة التي دفعت الجماعة الحوثية إلى تكثيف أنشطتها بمراقبة شبكات الاتصالات والإنترنت في المناطق الواقعة تحت سيطرتها”.

في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري، شنّت “إسرائيل” للمرة السادسة عشرة ضرباتٍ استهدفت أعيانًا مدنية ومواقع تابعةً لجماعة الحوثي، كمجمّع العرضي التابع لوزارة الدفاع، ومبنى التوجيه المعنوي، ومبنى تابع لوزارة النفط في صنعاء، ما أدى إلى مقتلِ وإصابة 129 مواطنًا كحصيلة أولية، بحسب وزارة الصحة في صنعاء.

أطلقت “إسرائيل” على هذه الضربات الجديدة اسم عملية قرع الأجراس، وعقب تنفيذ الضربات قال بيانٌ لجيش الاحتلال الإسرائيلي: “بعد تصفيتنا قادة الحوثيين، نواصل مهاجمة أهداف عسكرية تابعة لهم في عمق اليمن”.

وجاء ردّ رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين بالقول: “على جميع الصهاينة البقاء في حالة استعداد، فالرد آتٍ لا محالة”.

وفي حديثه مع “نون بوست”، يرى الخبير العسكري علي الذهب أن لدى “إسرائيل” قلقًا من امتلاك جماعة الحوثي صواريخ باليستية، وهو الأمر الذي يفسّر إعلان “إسرائيل” يوم العاشر من أيلول الجاري أنها استهدفت منصات إطلاق صواريخ، وهو الادعاء الذي نفاه يحيى سريع، الناطق العسكري باسم أنصار الله الحوثيين. بينما يرى أخرون بأن مصير الصراع بين جماعة الحوثي و”إسرائيل” ما يزال مجهولًا، خاصةً مع تزايد وتيرة الضربات العسكرية المتبادلة بين الطرفين.