كيف تنظر تركيا إلى الهجوم الإسرائيلي على قطر؟

ترجمة وتحرير: نون بوست
أثارت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادة حركة حماس في الدوحة هذا الأسبوع قلق دول الخليج، وأكدت صحة تحذيرات تركيا بشأن استعداد تل أبيب لتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها.
منذ عدة أشهر، يؤكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بأن إسرائيل تتبع استراتيجية توسعية، غير مكترثة بسيادة الدول أو بالقانون الدولي.
رغم ذلك، افترضت العديد من دول الخليج أن الضمانات الأمنية الأمريكية ستردع إسرائيل عن تجاوز بعض الحدود، لا سيما في قطر التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، مع وجود نحو ثلاثين ألف جندي أمريكي.
ترى تركيا في قطر حليفًا وشريكًا، حيث تربط بينهما علاقات عسكرية وتعاون سياسي وثيق. وقد أدان الرئيس رجب طيب أردوغان الضربة مباشرة بعد وقوعها. وبعد مكالمة هاتفية مع أمير قطر، وعد بتنسيق “خطوات مشتركة” للرد.
مع ذلك، تبقى خيارات تركيا محدودة خارج إطار التعبير عن التضامن مع قطر. تحتفظ أنقرة بست طائرات من طراز إف-16 في سرب مشترك بالدوحة، لكن الانتشار محدود ويفتقر إلى قدرات الدفاع الجوي. كما أن منظومة الأمن في قطر متعددة الطبقات، ولا تشمل الولايات المتحدة فحسب، بل المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي.
وبناء على ذلك، من المرجح أن يكون أي رد جماعيًا وحذرًا، ويهدف إلى منع التصعيد المباشر مع إسرائيل.
مع ذلك، عمّقت الضربة التوترات القائمة بالفعل بين تركيا وإسرائيل، ما يثير التساؤلات حول احتمال حدوث مواجهة بينهما.
بعد الغارات الجوية على قطر، أقلعت طائرات عسكرية تركية من قواعد جوية في ديار بكر ومالاطيا وزادت من دورياتها الجوية فوق الأجواء التركية، حسب ما أفادت به مصادر مطلعة لـ’ميدل إيست آي’.”
وظهرت تكهنات بشأن احتمال تنفيذ إسرائيل عمليات داخل الأراضي التركية، بعد أن زعمت صحيفة الأخبار اللبنانية، نقلاً عن مصادر مصرية، أن إسرائيل كانت قد فكرت في استهداف قادة حركة حماس على الأراضي التركية قبل أن تختار قطر.
من الصعب التحقق من صحة هذه التقارير، خصوصًا أن صحيفة الأخبار مقربة من حزب الله، ومن غير المرجح أن يمتلك المسؤولون المصريون معلومات داخلية عن الخطط الإسرائيلية. مع ذلك، اكتسبت القصة زخماً بعد أن رددتها هيئة البث الإسرائيلية من خلال قناة كان.
لم تعتبر أنقرة أن هذه المزاعم جدية. وصف مسؤول عسكري تركي سابق، تحدث إلى ‘ميدل إيست آي’ مفضلاً عدم الكشف عن هويته، هذه الادعاءات بأنها محاولات للتلاعب.
وقال: “إذا لم يكن هناك تهديد مباشر، فلن ترد تركيا ولا ينبغي أن ترد على استفزازات وسائل التواصل الاجتماعي. إنّ تخيل هجوم إسرائيلي على تركيا باستمرار يقوّي فقط الحرب النفسية التي يشنها [رئيس الوزراء بنيامين] نتنياهو، ويمنح إسرائيل القدرة على استعراض قوة لا تمتلكها حالياً”.
الحرب من أجل السلام
تؤكد مصادر إسرائيلية أنه منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، عدّلت إسرائيل عقيدتها الأمنية للتعامل مع كل التهديدات المحتملة على أنها فورية، بدلاً من تأجيل الرد.
وقد تعهد القادة الإسرائيليون، بمن فيهم نتنياهو، مرارًا بملاحقة عناصر حماس “حيثما كانوا”. وتحمل هذه الخطابات دلالات رمزية في تركيا، التي تستضيف أعضاء حماس منذ عام 2011، عندما تم نقل نحو 40 منهم كجزء من صفقة جلعاد شاليط.
ولخص مسؤول تركي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، موقف أنقرة بما قاله أردوغان في إحدى المناسبات: “استعدوا للحرب إذا أردتم سلاما مستقرا”.
وقد كثّفت تركيا مؤخرًا استثماراتها في إنتاج الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي، وكشفت عن نظم جديدة للصواريخ البالستية والمجنحة.
كما افتتح أردوغان منشأة بحثية بقيمة 1.5 مليار دولار لشركة أسيلسان الدفاعية، التي تطوّر أنظمة الرادار والحرب الإلكترونية والدفاع الجوي تحت اسم “القبة الفولاذية”. وشملت الابتكارات الجديدة نظام الدفاع الجوي “سيبر” القادر على التعامل مع الأهداف على مسافة تصل إلى 150 كيلومتراً.
وفي يوم الهجوم على قطر، وقّعت أسيلسان اتفاقية جديدة بقيمة 1.9 مليار دولار مع الحكومة التركية لإنتاج وتسليم أنظمة دفاع جوي بين عامي 2027 و2031.
كما بدأت تركيا الشهر الماضي في بناء ملاجئ للقنابل في جميع المحافظات التركية الـ81.
مع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، إذ أن أسطول تركيا من طائرات إف-16 بدأ يتقادم، وقد تعثرت المفاوضات مع الولايات المتحدة للانضمام مجددًا إلى برنامج إف-35. دفع ذلك أنقرة لتسريع تطوير منصات محلية، منها الطائرة المقاتلة “كان” المقرر دخولها الخدمة عام 2030، والطائرة المسيرة “قزل إلما” القادرة على التخفي.
ويقر المسؤولون بأن الدفاع الجوي وحده قد لا يواجه قدرات إسرائيل بالكامل، فطائرات إف-35 الإسرائيلية قادرة على تخطي الرادارات. ورغم أن رادارات حلف الناتو وطائرات الإنذار المبكر التركية تحسن التغطية، تبقى بعض نقاط الضعف موجودة.
ويرى محللون أتراك أن أي انتهاك إسرائيلي للأجواء التركية سيؤدي إلى رد سريع وتصعيد كبير.
وقال مصدر تركي مطلع لميدل إيست آي: “كنا أول دولة في الناتو تُسقط طائرة روسية منذ الحرب الباردة. وإذا تطلب الأمر، قد نكون أول من يُسقط طائرة إف-35”.
صداع لإسرائيل
بعيدًا عن خطر الضربات الجوية، تتحسب أنقرة أيضًا لمحاولات اغتيال إسرائيلية لقيادات حماس داخل تركيا.
في السنوات الماضية، نجحت الاستخبارات التركية في تعطيل شبكات التجسس على الشخصيات الفلسطينية على أراضيها.
وأظهرت عمليات سرية مماثلة قام بها عملاء روس وإيرانيون في العقد الثاني من القرن الحالي نقاط ضعف، لكن المسؤولين يؤكدون أن قدرة تركيا على مكافحة التجسس قد تطورت بشكل كبير منذ ذلك الحين.
ويشدّد الأتراك على أن حماية قيادات حماس ليست مجرد خيار سياسي، بل تتعلق بحماية السيادة التركية من العمليات الأجنبية السرية.
رغم كل هذه التطورات، يعتقد معظم المسؤولين أن تركيا وإسرائيل سوف تتغلبان على التوترات في نهاية المطاف عبر الوساطة الأمريكية والقنواتية الاستخبارات التي أُنشئت عام 2022.
وقال عيران ليرمان، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، في مقابلة مع مجلة فورين بوليسي العام الماضي: “لن تنفذ إسرائيل أي عمليات اغتيال في تركيا، فهي قوة عسكرية هائلة وعضو في الناتو، ويمكن أن تسبب لنا صداعاً حقيقياً”.
وأضاف: “في الماضي، ساعدتنا في إحباط محاولات إيران لقتل إسرائيليين على الأراضي التركية، وهناك قنوات اتصال استخباراتية بين البلدين”.
المصدر: ميدل إيست آي