هل ينهض خط كركوك–بانياس من جديد؟

في مطلع خمسينيات القرن الماضي، انطلق مشروع استراتيجي ضخم جسّد طموحات العراق وسوريا معًا، تمثّل في خط أنابيب كركوك–بانياس، والذي تجاوز كونه مجرد ممرٍّ لنقل النفط، ليغدو رمزًا للتكامل الاقتصادي بين البلدين.

وظل النفط العراقي يتدفّق إلى الساحل السوري حتى مطلع الثمانينيات، حين عصفت الخلافات الإقليمية والصراعات الداخلية بالبلدين، فتوقّف الخط مرارًا، وظل منذ عام 2003 حبيس المحاولات المتكررة لإحيائه من جديد.

لكن المتغيرات التي أعقبت سقوط نظام الأسد أعادت خط كركوك–بانياس إلى واجهة الاهتمام السياسي والاقتصادي بين العراق وسوريا، حيث عُقدت عدة لقاءات خلال صيف 2025 بين وزارتي الطاقة في البلدين، في إطار توافقات ثنائية عكست توجهًا جديدًا نحو استعادة هذا الشريان النفطي وإعادة توظيفه في خدمة المصالح المشتركة.

وهو ما تجسّد في الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الطاقة السوري محمد البشير إلى بغداد في 12 أغسطس/ آب الماضي، حيث بحث مع عدد من المسؤولين العراقيين سُبل إعادة تأهيل خط كركوك–بانياس، وتم الاتفاق على تشكيل فرق فنية مشتركة لتقييم وضع الخط.

بالنسبة للعراق، يوفّر الخط منفذًا مباشرًا وسريعًا نحو الأسواق الأوروبية، ويُقلل اعتماده على الموانئ الجنوبية وخط جيهان التركي، بما يعزّز استقلال بغداد في مجال الطاقة ويُقلل من النفوذ الإيراني. بينما يُلبّي حاجة سوريا الكبيرة للطاقة بأسعار مناسبة، مما يساعدها على مواجهة أزمتها الطاقوية والاقتصادية.

بالنسبة للعراق، يوفّر الخط منفذًا مباشرًا وسريعًا نحو الأسواق الأوروبية، ويُقلل اعتماده على الموانئ الجنوبية وخط جيهان التركي، بما يعزّز استقلال بغداد في مجال الطاقة ويُقلل من النفوذ الإيراني. بينما يُلبّي حاجة سوريا الكبيرة للطاقة بأسعار مناسبة، مما يساعدها على مواجهة أزمتها الطاقوية والاقتصادية.

ومع ذلك، لا يقتصر خط أنابيب كركوك–بانياس على بُعده الاقتصادي فحسب، بل يحمل أيضًا دلالة سياسية قد تُسهم في إعادة بناء الثقة بين العراق وسوريا وتهيئة أرضية لعلاقات أكثر استقرارًا، غير أن طريقه ما يزال محفوفًا بتحديات كبرى، من ارتفاع تكاليف إعادة التأهيل والمخاطر الأمنية على امتداد مساره، إلى التعقيدات السياسية والاعتراضات الإقليمية التي قد تُعيق تنفيذه.

خط أنابيب كركوك–بانياس: تاريخ ومساعي الإحياء

تعود جذور مشروع خط كركوك–بانياس إلى ثلاثينيات القرن العشرين، إذ طُرح للمرة الأولى عام 1932، قبل أن يُنفّذ فعليًا عام 1952 بواسطة شركة بريتش بتروليوم البريطانية، بطاقة ضخ أولية بلغت نحو 30 ألف برميل يوميًا.

ويمتد الخط لمسافة تقارب 880 كيلومترًا، رابطًا بين حقول كركوك النفطية شمال العراق وميناء بانياس السوري على البحر المتوسط، ومع توسّع قدرته التشغيلية، بلغ الخط ذروته في ثمانينيات القرن الماضي بطاقة تصل إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، ليُصبح شريان التصدير الرئيسي للعراق إلى أوروبا.

لكن منذ نشأته، ارتبط خط كركوك–بانياس بتقلّبات السياسة الإقليمية، إذ تعرّض للتفجير في سوريا عام 1956 خلال العدوان الثلاثي على مصر، في إطار تضامن دمشق مع القاهرة واحتجاج على العدوان، غير أنه عاد للعمل بعد إجراء إصلاحات في 1957.

وفي عام 1982، أوقف النظام العراقي إمدادات خط كركوك–بانياس بالكامل بعد انحياز دمشق إلى إيران خلال الحرب العراقية–الإيرانية، ثم انخفضت التدفقات إلى الحد الأدنى في التسعينيات نتيجة الحصار الدولي على العراق، ليعمل الخط بقدرة محدودة لا تتجاوز 10 آلاف برميل يوميًا ضمن برنامج “النفط مقابل الغذاء”. ثم أُغلق الخط مجددًا عقب الغزو الأمريكي للعراق، حيث تعرّض حينها لأضرار بالغة.

شهدت السنوات اللاحقة عدة محاولات لإحياء خط كركوك–بانياس، ففي عام 2007 اتفقت بغداد ودمشق على إعادة تأهيله، ووقّع الجانبان بروتوكولًا مع شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية، إلا أن المفاوضات تعثّرت لاحقًا بفعل الأوضاع السياسية في العراق.

ففي ديسمبر/ كانون الأول 2009، أرجأت الحكومة العراقية إصلاح خط الأنابيب، وصرّح ألكسندر ريازانوف، الرئيس التنفيذي لشركة ستروي ترانس غاز آنذاك، بأن شركته قدّمت خطة لإصلاح خط الأنابيب إلى مجلس الوزراء العراقي، ولكن لم يُتخذ أي قرار بسبب الوضع السياسي في البلاد.

وفي عام 2010، تم تشغيل الخط بشكل محدود، ثم أُجريت مباحثات جديدة في عام 2011 بمشاركة حكومتي المالكي والأسد وشركات روسية، إلا أن الظروف السياسية المتعاقبة حالت دون ترميم الخط بالكامل.

وبقي خط كركوك–بانياس معطّلًا لسنوات، قبل أن تعود فكرة إحيائه إلى الواجهة خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى دمشق ولقائه ببشار الأسد، حيث صدرت تصريحات رسمية تؤكّد استعداد الجانبين لإعادة تشغيله.

وبدأت نقاشات رسمية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بين وزارة النفط العراقية وشركات محلية لبحث جدوى إعادة تأهيل الخط، مع إعلان تشكيل لجان عراقية–سورية مشتركة لإجراء مسوحات فنية، لكن رغم التصريحات الرسمية والمبادرات المُعلنة، لم يُحرز نظام الأسد أي تقدّم ملموس، وظل الخط متوقّفًا بسبب العقبات الأمنية والاقتصادية، إضافة إلى التأثيرات الإقليمية والدولية التي حالت دون تنفيذ أي خطوات فعلية لإعادة تشغيله أو تطويره.

بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة، طُرح مجددًا مشروع إعادة تفعيل خط كركوك–بانياس، حيث تسعى القيادة السورية إلى تشغيله من جديد لتعزيز أمنها الطاقوي وزيادة مواردها، في إطار رؤية أشمل للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة.

نافذة العراق على المتوسط

يُعد خط أنابيب كركوك–بانياس مشروعًا استراتيجيًا للعراق، إذ يوفّر منفذًا مباشرًا إلى البحر المتوسط، ويُقلّل اعتماده على موانئ الجنوب ومضيق هرمز، ويُخفّف الاعتماد على خطوط التصدير عبر تركيا.

وكما أشار العديد من الخبراء، فإن خط كركوك–بانياس يمنح بغداد مرونة أكبر في تسويق نفطها نحو الأسواق الأوروبية، ويُسهم في خفض تكاليف النقل مقارنة بالمسارات البديلة، ما يجعله خيارًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا مهمًا.

وتزداد أهمية هذا الخيار كونه وسيلة لتعزيز أمن العراق الطاقوي وتنويع مسارات التصدير، خاصة بعد توقّف صادراته عبر ميناء جيهان التركي واعتماده شبه الكامل على منفذ البصرة في الخليج العربي. ويرى الخبير النفطي كوفند شيرواني أن تشغيل هذا الخط سيمنح العراق منفذًا مباشرًا لتصدير نفط كركوك ونينوى وصلاح الدين إلى أوروبا وتعزيز أمنه الطاقوي.

في الواقع، يبرز خط كركوك–بانياس كخيار أنسب من العقبة لقُربه من الأسواق الأوروبية، حيث تبلغ المسافة من كركوك إلى بانياس نحو 880 كلم، مقارنة بـ1700 كلم من البصرة إلى العقبة مرورًا بقناة السويس، ما يُقلّل كلفة النقل ويُعزّز الجدوى الاقتصادية، خصوصًا مع خطة العراق لرفع إنتاجه إلى نحو 6 ملايين برميل يوميًا.

من الناحية الاقتصادية، تُشير تقديرات الخبراء إلى أن إنتاج حقول كركوك قد يرتفع إلى نحو 400 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2030، ما يُتيح للخط نقل ما بين 110 و150 مليون برميل سنويًا مباشرة إلى المتوسط.

وعلى المستوى الجيوسياسي، يُعيد الخط رسم موازين العلاقة بين بغداد وأربيل، إذ يُقلّل اعتماد العراق على خط التصدير المار عبر إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي، ما يُضعف الورقة الاستراتيجية للإقليم في طموحاته الانفصالية، ويُعزّز نفوذ السلطة المركزية على مدينة كركوك.

وفي الوقت نفسه، يُعد المشروع رافعة استراتيجية للعراق وسوريا معًا، كما يرى المستشار الاقتصادي علاء الدين القصير. ويرى الخبراء أن دوافع العراق لإحياء الخط تتجاوز البُعد الاقتصادي، لتشمل اعتبارات استراتيجية في مواجهة المخاطر المتكررة التي تعرّض لها خط جيهان التركي، إضافة إلى تأمين منفذ نفطي بعيد عن التوترات المرتبطة بمضيق هرمز.

ويؤكد مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، أن الخط يُمثّل خيارًا استراتيجيًا يُعزّز أمن العراق الطاقوي، لكنه يتطلب مفاوضات مباشرة مع سوريا لإعادة التفاوض على رسوم العبور وتقييم البنية التحتية.

ويُحذّر الخبراء من مخاطر اعتماد العراق على منفذ واحد، مُشدّدين على أن أي توقّف طارئ في موانئ البصرة قد يُكبّد العراق خسائر تصل إلى 250 مليون دولار يوميًا عند تعطل تصدير 3.4 ملايين برميل.

وبالنظر إلى زيادة الإنتاج النفطي العراقي خلال السنوات المقبلة، لم يَعُد الاكتفاء بموانئ البصرة كافيًا، ما يجعل إحياء خط كركوك–بانياس أولوية استراتيجية لتأمين تصدير النفط بتكلفة أقل وفاعلية أعلى.

كيف يخدم خط كركوك–بانياس احتياجات سوريا؟

يُمثّل إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس فرصة محورية لسوريا في ظل أزمتها الطاقوية والاقتصادية المستمرة منذ سنوات الحرب، إذ سيمنحها المشروع مصدرًا مباشرًا للنفط بأسعار تفضيلية، ما يُخفّف فاتورة استيرادها الباهظة عبر الموانئ البحرية، ويُعزّز قدرتها على تأمين احتياجات السوق المحلي.

وقد أوضح مصطفى معراتي، مدير العلاقات العامة في الإدارة العامة للنفط السورية، أن خط كركوك–بانياس يُوفّر فرصة لتلبية الطلب المحلي، كما يُشير الدكتور عبد المنعم حلبي إلى أن خط كركوك–بانياس سيُحقّق لسوريا عوائد مالية مباشرة بمئات الملايين من الدولارات سنويًا.

ويُتوقّع أن تُحقّق دمشق عوائد مالية مباشرة تتراوح بين 150 و200 مليون دولار سنويًا من رسوم العبور، وقد تتراوح رسوم عبور النفط المنقول عبر سوريا بين 1.5 و2 دولار للبرميل، فضلًا عن خلق آلاف فرص العمل وتنشيط البنية التحتية المرتبطة بالطاقة والنقل، كما أن تكرير النفط العراقي في مصفاة بانياس سيُتيح تطوير قدرات المصافي المحلية ورفع كفاءتها.

ويتجاوز أثر المشروع البُعد الاقتصادي، إذ يرى خبراء الاقتصاد السياسي أن إعادة تشغيل الخط ستفتح أمام سوريا موارد جديدة لدعم خطط إعادة الإعمار، وستُعيد لموانئها دورها كمركز إقليمي لتصدير الطاقة، بجانب تعزيز موقعها الجيوسياسي كممر حيوي للطاقة نحو المتوسط.

كذلك يمنحها هذا الخط فرصة لإعادة الاندماج في شبكة التعاون الإقليمي في مجال الطاقة، ليُصبح الخط رافعة استراتيجية لإعادة تموضع سوريا في الخريطة الإقليمية، ودعم مسار التعافي الاقتصادي.

التحديات أمام خط كركوك–بانياس

رغم أن المسار الجغرافي لخط كركوك–بانياس يُعد الأكثر كفاءة لقصره وأهميته الاستراتيجية لكلا البلدين، إلا أن تشغيله مرهونًا بقرارات قادرة على تجاوز التحديات، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:

التحديات الفنية والمالية

يعاني خط كركوك–بانياس من تدهور كبير في بنيته التحتية، وبعض أجزاء الخط تحتاج إلى استبدال كامل، إلى جانب إدخال تقنيات حديثة تكفل تشغيله بصورة آمنة وفعالة، وقد قدر خبراء كلفة إعادة التأهيل بمبالغ تتجاوز 400 مليون دولار.

بينما قدرت مؤسسة غدًا لإدارة المخاطر الكلفة الأولية بين 300 و600 مليون دولار، ورغم قدرة العراق المالية على صيانة الجزء الواقع ضمن أراضيه، تواجه سوريا عجزًا ماليًا كبيرًا.

ولا تقتصر التحديات على الجوانب المالية، إذ يشكك بعض الخبراء في جدوى المشروع أصلاً، معتبرين أن الخط متهالك وأن إنشاء خط جديد قد يكون خيارًا أكثر واقعية، خاصة مع عدم معرفة حجم الأضرار الدقيقة التي لحقت بالخط.

وأشار الخبير المالي عبد الرحمن الشيخلي إلى أن خط كركوك-بانياس غير مجدٍ اقتصاديًا للعراق، نظرًا لتكلفة إعادة التشغيل التي ستقع على عاتقه، واقترح أن تتحمل سوريا جزءًا من التكلفة عبر قروض من مؤسسات دولية. ويرى آخرون أن الخيار الأمثل يكمن في إنشاء خط جديد بطاقة استيعابية أكبر، مع استقطاب استثمارات خارجية أو التعاقد مع دولة ثالثة تمتلك الخبرة والقدرة التمويلية.

وقال باسم محمد خضير وكيل وزارة النفط العراقية، إن إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس ليست مهمة يسيرة، وقد تستغرق عدة سنوات، وأضاف أن الخط ربما لم يعد صالحًا للاستخدام بعد سنوات طويلة من الإهمال، كما أوضح أن العراق وسوريا يخططان للتعاقد المشترك مع شركة استشارية لتقييم وضع الخط ومعالجة التحديات الفنية القائمة.

التحديات الأمنية

يمر خط كركوك–بانياس عبر مناطق مضطربة أمنيًا، وهو ما يجعل إعادة تشغيله مهمة محفوفة بالمخاطر، تستلزم قبل كل شيء ضمان الأمن على امتداد مساره. وفي هذا السياق، يرى العديد من الخبراء العراقيين أن تصدير النفط العراقي عبر خط كركوك-بانياس يظل غير مضمون بسبب الوضع الأمني في سوريا. ومن ثم، فإن نجاح هذا الخط مرهون بتأمين استقرار سياسي وأمني في كل من العراق وسوريا.

التحديات السياسية 

يواجه خط كركوك-بانياس تعقيدات سياسية كبيرة، ويرى المستشار الاقتصادي السوري أسامة القاضي أن النفوذ الإيراني في العراق ووجود فصائل مسلحة معارضة للحكومة السورية يمثلان عائقًا أمام خط كركوك-بانياس، إذ يمكن لاستمرار نشاط هذه الأطراف أن يعرقل إعادة تشغيل الخط حتى في حال توقيع اتفاق رسمي بين بغداد ودمشق.

ويؤكد العديد من المراقبين العراقيين أن أسباب تعثر المفاوضات بين الطرفين سياسية أكثر من كونها تقنية، إذ أكد ائتلاف متحدون السني وهو شريك في الحكومة العراقية أن العقبة الأكبر أمام الخط تكمن في موقف الإطار التنسيقي الشيعي، أكبر تكتل سياسي برئاسة محمد شياع السوداني، رغم أن السوداني ووزير النفط العراقي من أبرز الداعمين لإعادة تشغيل الخط.

كما أشارت تقارير أمنية في بغداد إلى تهديد بعض الفصائل المسلحة بتفجير خط كركوك–بانياس إذا تم المضي في الاتفاق العراقي–السوري لتشغيله، وهو ما يعكس عمق الانقسام السياسي والأمني في العراق حول العلاقة مع دمشق. 

أيضًا لا تزال الثقة بين بعض العراقيين وسوريا الجديدة محدودة، ويستحضر الكثير منهم التجارب السابقة التي شهدت إغلاق خط كركوك–بانياس في الماضي، وما ترتّب عليه من خسائر فادحة للعراق. هذه الذاكرة التاريخية تُغذّي الشكوك حول مدى التزام دمشق باستمرارية تشغيل الخط، وتَجعل بعض العراقيين حذرين في الاعتماد على أي اتفاقات مستقبلية دون ضمانات قوية على الالتزام طويل الأمد.

ولذا يُبدي الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، من محافظة البصرة، شكوكه بشأن جدوى المشروع على المدى الطويل، مشيرًا إلى التاريخ السلبي لسوريا في إغلاق خط الأنابيب، ويُحذّر المرسومي من أن إعادة بناء الخط الآن لا يَضمن عدم إغلاقه مستقبلًا من قبل سوريا.

ومن الجدير بالذكر أن قانون الاستثمار السوري الجديد رقم 114، الصادر عن الرئيس أحمد الشرع في يوليو/ تموز 2025، يُبدّد المخاوف العراقية من تكرار التجارب السابقة، إذ يُوفّر آليات تحكيم متنوّعة، تشمل التحكيم الدولي.

التنافسات الإقليمية

يتأثّر خط كركوك–بانياس بالاعتبارات السياسية الإقليمية أكثر من كونه مشروعًا اقتصاديًا بحتًا، إذ تُحدّد مواقف القوى الإقليمية والدولية، فضلًا عن الانقسامات الداخلية في العراق وسوريا، مسار المفاوضات بشأنه، فكلما تغيّرت موازين النفوذ، انعكس ذلك مباشرة على مصير الخط.

ووفق الخبير الاقتصادي السوري أيهم أسد، يُعدّ خط كركوك–بانياس واحدًا من أربعة خطوط أساسية للطاقة كان من المفترض أن تمرّ بسوريا، ما يضع سوريا في قلب التنافس العالمي على الطاقة.

ويُنظَر إلى خط كركوك–بانياس بريبة من قِبل قوى إقليمية عدّة، فإيران ترى أنه سيُقلّل من دورها في نقل النفط ويُضعف نفوذها الإقليمي، كما تعتبره دعمًا مباشرًا للرئيس أحمد الشرع. فيما يحظى الخط بدعم روسي وصيني، إذ أعلنت موسكو دعمها للخط، ويتوافق خط كركوك–بانياس مع خطط الصين ضمن مبادرة الحزام والطريق.

لكن خط كركوك–بانياس يُمثّل نوعًا من التهديد للمصالح التركية، ويَعتبره العديد من المحللين الأتراك تهديدًا لميناء جيهان، الذي يُعدّ منفذًا رئيسيًا لصادرات النفط العراقي. وفي حال تفعيل خط كركوك–بانياس، ستتأثر مكانة تركيا كممرٍّ سريع لنقل الطاقة في المنطقة، مما يُقلّل من عائداتها ونفوذها الاستراتيجي.

مع ذلك، أشارت تقارير عراقية إلى أن أنقرة قدّمت مساعدات تقنية للجانبين العراقي والسوري لاستئناف تشغيل خط كركوك–بانياس بسرعة، بل وربطت استئناف خط كركوك–جيهان، المتوقّف منذ عامين، بإعادة تشغيل خط كركوك–بانياس. في المقابل، نفى المتحدث باسم وزارة الطاقة السورية، أحمد سليمان، وجود موقف تركي محدّد إزاء إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس.

من جهة أخرى، تُبدي الولايات المتحدة وبعض الدول العربية تحفّظها أو معارضتها للمشروع، خشية تعزيز موقع دمشق والعراق إقليميًا، وقد تُعرقل واشنطن تنفيذه ما لم يتم عبر قنواتها أو وفق ترتيبات تخدم مصالحها المباشرة.

يُعدّ العراق لاعبًا محوريًا في أسواق الطاقة العالمية، بإنتاج يتجاوز 3.5 ملايين برميل يوميًا، مع التزامه بالجهود الهادفة إلى استقرار سوق النفط، غير أن أي زيادة في إنتاجه تُثير مخاوف داخل منظمة أوبك، الأمر الذي يعكس حساسية التوازن بين متطلبات السوق والمنافسة الإقليمية. وفي هذا السياق، يَبرز الدور الاستراتيجي الذي قد يلعبه خط كركوك–بانياس في إعادة تشكيل تدفّقات النفط في البحر الأبيض المتوسط.

وقد أوضح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في تصريح أدلى به مطلع الشهر الجاري، أن حجم صادرات العراق الحالية لا يعكس واقع احتياطاته النفطية ولا قدراته الإنتاجية، كما لا يتناسب مع عدد سكانه واحتياجاته المتزايدة من الإيرادات، وأعرب عن أمله في أن يتفهّم الأشقاء متطلبات العراق الاقتصادية والتنموية، وأن يُعيدوا النظر في حصته من الصادرات.

في المحصّلة، يقف خط كركوك–بانياس اليوم بين الأمل والتعثّر، فهو يحمل إمكانية إعادة صياغة التعاون الاقتصادي والسياسي بين بغداد ودمشق، لكنه يظل رهينًا بقدرة الطرفين على تجاوز شبكة معقّدة من التحديات المالية والأمنية والجيوسياسية.

مع ذلك، يبدو أن الموافقات الدولية والإقليمية آخذة في الظهور، مما يُشير إلى زخم إيجابي، ومن المتوقّع أن تُترجم الموافقات البرلمانية المرتقبة في العراق مذكّرات التفاهم القائمة حول خط كركوك–بانياس إلى اتفاقيات رسمية.