القائم بالأعمال اليمني في دمشق: عودة السفارة لحظة فارقة

سيطرت جماعة أنصار الله الحوثيين في 21 سبتمبر/أيلول 2014، على العاصمة اليمنية صنعاء عقب انقلاب نفذته على الدولة اليمنية، واستمرت الجماعة في اجتياح المدن اليمنية حتى وصلت إلى مدينة عدن، ورغم سيطرتها على مدن عديدة، إلا أن الجماعة لم تحظَ باعتراف دولي، بالتالي لم تتمكن من فرض سيطرتها على السفارات اليمنية في مختلف بلدان العالم، لكن الوضع في إيران وسوريا كان غير ذلك.

في العاصمة السورية دمشق، عينت الجماعة الحوثية سفيرًا لها بعد عام ونصف من سيطرتها على صنعاء، وفي 2016 عينت الجماعة سفيرًا آخر. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أبلغت السلطات السورية السفير الذي عينه الحوثيون بضرورة تسليم مبنى السفارة اليمنية ومغادرته على الفور. ومنذ ذلك الوقت، لم تعيّن الحكومة اليمنية أي ممثل لها في دمشق حتى تاريخ السادس والعشرين من أبريل/نيسان الفائت.

تم تعيين الدكتور محمد العزي بعكر في منصب “قائم بالأعمال بالنيابة”، وحينها أصدرت وزارة الخارجية اليمنية بيانًا قالت فيه إن عودة السفارة لمزاولة مهامها في سوريا “يمثل لحظة تاريخية ودبلوماسية فارقة في علاقات البلدين والشعبين الشقيقين”.

قبل تعيينه في سوريا، كان محمد العزي بعكر، القائم بأعمال سفير اليمن في سوريا، يشغل العديد من المناصب الدبلوماسية في تركيا وعدد من الدول العربية. وفي حوار خاص مع “نون بوست”، يتحدث الدبلوماسي اليمني عن تقييمه لحال البعثات الدبلوماسية اليمنية في الوقت الراهن، وعن أبرز المشكلات التي تواجهها الجالية اليمنية في سوريا، وعن مقارنته بين وضع سوريا ما قبل سقوط حكم الأسد والوضع في اليمن في الوقت الراهن، ومواضيع أخرى ذات صلة.

إلى أي مدى يمكن القول إن السفارات اليمنية قصّرت في القيام بواجبها تجاه الانتهاكات التي يتعرض لها اليمنيون في الآونة الأخيرة، خصوصًا في كل من الأردن ومصر وجيبوتي؟

النقد الإيجابي ظاهرة صحية تسهم في تطوير أداء المؤسسات، شريطة أن لا يكون لمجرد النقد. وما يُسجَّل أحيانًا من مثالب قد يعود إلى قصور فردي وليس إلى خلل مؤسسي شامل في عمل بعض السفارات اليمنية. ومن الإنصاف الإشارة إلى الجهود التي تبذلها البعثات الدبلوماسية اليمنية ضمن حدود مهامها الدبلوماسية والقنصلية، رغم ما واجهته من ضغوط وظروف استثنائية فرضتها الأزمة المستمرة في اليمن. فقد قدّمت هذه البعثات ما أمكنها وفق إمكانياتها المتاحة، وبما ينسجم مع قوانين بلدان الاعتماد، وهي بلدان تستحق الشكر والتقدير لاحتضانها أعدادًا كبيرة من أبناء الشعب اليمني في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه.

كنت مسؤولًا عن الطلاب اليمنيين في السفارة اليمنية في تركيا، ودائمًا يشتكي الطلاب اليمنيون في مختلف البلدان من تأخّر مستحقاتهم المالية، الأمر الذي يعيق دراستهم. كيف استطعت حلّ مثل هذه الإشكالية؟

هذه المشكلة انعكاس مباشر للوضع الذي تعيشه اليمن منذ انقلاب الحوثيين على مؤسسات الدولة الشرعية، وهو ما أثر بشكل كبير على انتظام صرف مستحقات الطلاب في الخارج. ما قمنا به في حينه، مع الزملاء في السفارة، كان قائمًا على الشفافية الكاملة مع أبنائنا الطلاب، من خلال النقاش المفتوح والاستماع لهمومهم ومصارحتهم بحقيقة الظروف التي يمر بها وطننا، ثم العمل على إيجاد معالجات وفق الإمكانيات المتاحة، رغم صعوبة الوضع الاقتصادي الذي تعانيه البلاد بفعل تداعيات الحرب.

وقد لمسنا وعيًا كبيرًا وتعاونًا مسؤولًا من الطلاب اليمنيين الذين أظهروا صبرًا استثنائيًا، إدراكًا منهم لخطورة المرحلة. وبجهود الحكومة وحرصها على دعم أبنائها، تمكّنا مؤخرًا من صرف ربعين (أي مساعدة مالية لستة أشهر) خلال أقل من شهر واحد، وهو ما يعد خطوة إيجابية للتخفيف من معاناة الطلاب واستمرارهم في مسيرتهم التعليمية.

ما هو تقييمك لحال البعثات الدبلوماسية اليمنية في مختلف بلدان العالم حاليًا؟

تقوم البعثات الدبلوماسية، كما أسلفت وأكرر، بمهامها في تقديم خدماتها القنصلية ورعاية مصالح الجمهورية اليمنية وتعزيز علاقاتها مع بلدان العالم، وفقًا للخطط المرسومة التي تحددها قيادة وزارة الخارجية اليمنية بناءً على تعليمات وتوجيهات مجلس القيادة الرئاسي، برغم التحديات الكبيرة التي واجهتها في مختلف الجوانب.

ننتقل للحديث عن مستجدات العمل الدبلوماسي اليمني، وهو تكليفكم بتمثيل اليمن في دمشق. ظل هذا المنصب شاغرًا لسنوات طويلة، فماذا يعني عودة العلاقات الدبلوماسية بالنسبة لليمنيين حكومةً وشعبًا؟

كانت الجمهورية اليمنية من أوائل الدول التي أعلنت عودة سفارتها لمباشرة مهامها من دمشق، وذلك في 27 أبريل/نيسان من العام الحالي، تتويجًا لتنسيق وجهود دبلوماسية حثيثة من قبل وزارة الخارجية اليمنية بقيادة معالي الدكتور شائع محسن الزنداني، ووزارة الخارجية السورية بقيادة معالي الدكتور أسعد الشيباني. وقد مثّل ذلك إنجازًا حمل العديد من الدلالات والرسائل السياسية، وأعاد الأمور إلى نصابها في مختلف مجالات التعاون، وبما يليق بالتاريخ والقواسم المشتركة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين.

كما جاءت كانعكاس طبيعي للجهود التي تبذلها قيادة وزارة الخارجية اليمنية لتعزيز المكانة القانونية للدولة وحضورها الدبلوماسي الفاعل على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى كونها تُعد خطوة هامة لرفع معاناة أبناء الجالية المتواجدين في الأراضي السورية ومعالجة مشاكلهم التي تراكمت طيلة السنوات الماضية.

ما هي أبرز المشكلات التي تواجهها الجالية اليمنية في سوريا؟

واجهت الجالية العديد من المشاكل نظرًا لغياب الممثل الشرعي للدولة اليمنية، الأمر الذي انعكس على صعوبة حصولهم على جوازات السفر، وتعقيد المصادقة على وثائقهم وشهاداتهم الدراسية والمهنية، وغياب الجهة الرسمية التي ترعى مصالحهم وتقوم بحل المشاكل التي قد تعترضهم. وقد انتهت هذه المعاناة بمجرد إعادة افتتاح السفارة، حيث نعمل حاليًا على معالجة مثل هذه القضايا وفقًا للإمكانيات المتاحة، بالتنسيق والتعاون الكامل مع الأشقاء في الجمهورية العربية السورية.

ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها السفارة اليمنية في دمشق منذ توليكم إدارتها حتى اليوم؟

عمدت السفارة، منذ مباشرتها لمهامها، إلى تفعيل مجالات التعاون والعمل المشترك بين البلدين بعد سنوات من الانقطاع، من خلال عقد العديد من اللقاءات الرسمية مع الوزارات والمؤسسات السورية، والعمل جارٍ على استكمال هذا المسار.

وفي موازاة ذلك، أولت السفارة اهتمامًا بأبناء الجالية اليمنية والطلاب الدارسين في الجامعات السورية، حيث تم صرف مستحقات ثلاثة أرباع دراسية لهم، وإصدار 73 جواز سفر للمواطنين المقيمين في سوريا. كما جرى استقبال ومعالجة قضايا 185 مواطنًا ومواطنة، من أصل 300 زائر للسفارة منذ إعادة افتتاحها وحتى منتصف أغسطس/آب الماضي.

بالتأكيد وصلت لمسامعكم قضية الضباط اليمنيين المختطفين في سوريا، نحن في “نون بوست” كنا قد سلطنا الضوء عليها، إلى أين وصلت هذه القضية؟ هل تم العثور على أولئك الضباط المختفين أو معرفة مصيرهم على الأقل؟

بدأت هذه القضية في العام 2012، ومنذ ذلك الحين قامت وزارة الخارجية اليمنية بالعديد من المخاطبات والجهود لمعرفة مصيرهم، إلا أن الأحداث في الجمهورية العربية السورية الشقيقة حينذاك حالت دون ذلك. وقد قامت السفارة مؤخرًا بطرح الموضوع على السلطات السورية المعنية عبر لقاءات ومذكرات رسمية، ووجدنا منهم كامل التعاون لمعرفة مصيرهم، ونتوقع معرفة نتيجة هذه الجهود قريبًا.

كيف تعاملتم مع شخصيات يمنية ما تزال تقيم في سوريا ولها ارتباطات بمشاريع واستثمارات تابعة لمصالح جماعة الحوثي مع إيران؟

بحسب المعلومات لدينا، لم يعد للمليشيات الحوثية أي وجود أو نشاط واضح، بعد التطورات التي شهدتها الجمهورية العربية السورية الشقيقة.

كيف يمكننا المقارنة بين وضع سوريا ما قبل سقوط حكم الأسد والوضع في اليمن في الوقت الراهن؟

مرت البلدان بفترات عصيبة وعصيبة جداً، ولكننا نثق أنهما يسيران حالياً نحو تحقيق طموحات وآمال شعبيهما في التنمية والأمن والاستقرار والحياة الكريمة والمواطنة المتساوية، بما يمتلكاه من مقومات حضارية وتاريخية وقيادة حكيمة تسير بخطى ثابتة لتحقيق ذلك.

برأيك، إلى أين يتجه اليمن؟

القضايا العادلة لا تموت، والتضحيات لا تضيع، والشعوب لا تُقهر. وشعب كالشعب اليمني، بما يحمله من حضارة وعراقة، قادر على تجاوز كل التحديات والمشاريع الدخيلة عليه. فالفجر لا بد أن يشرق مهما طال ليل الظلام، وما نشهده اليوم من إنجازات في المسارات الدبلوماسية والاقتصادية والتنموية خير دليل على ذلك.