قمة “سفير 2025”.. بين الطموحات والإنجازات

انطلقت القمة الأكاديمية السورية للابتكار والتعليم والبحث والإصلاح “سفير 2025” في 15 سبتمبر/أيلول 2025 بجامعة دمشق، واختتمت أعمالها في 17 سبتمبر/أيلول 2025، بمشاركة أكثر من 300 شخصية من أكاديميين وطلاب وباحثين وصنّاع قرار من داخل سوريا وخارجها.

وكانت الطموحات الرئيسية صياغة خارطة طريق وطنية لإصلاح التعليم العالي في سوريا بعد التحرير، مع التركيز على تعزيز الابتكار، وربط الجامعات بالاقتصاد الوطني، واستعادة الثقة في المنظومة التعليمية بعد سنوات من الحروب والعزلة.

أما ما تحقق، فتمثل في إطلاق “موسوعة التعليم العالي العالمية” (13 مجلدًا و200 فصل مُحكّم)، وصياغة توصيات أولية تشكّل أساسًا لخارطة الطريق، إلى جانب ورش عمل عملية أسفرت عن مقترحات تنفيذية. ويمكن القول إن القمة نجحت في تعزيز الشراكات الدولية وتبادل الأفكار، لكن التحدي الرئيسي يبقى في التنفيذ العملي وسط الظروف الاقتصادية والسياسية، حيث لم يُعلَن عن تمويلات فورية كبيرة، بل جرى التركيز على خطوات أولية نحو الاستدامة.

أهم المواضيع التي نوقشت في القمة

توزعت جلسات القمة على ثلاثة أيام، مع محورين أساسيين في اليوم الثاني، بالإضافة إلى ورش عمل متخصصة، ففي اليوم الأول، افتُتحت القمة بكلمة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي السوري، د. مروان الحلبي، ركز فيها على “سوريا الجديدة بعد الدمار”، وتناول قضايا استقلالية الجامعات، ونزاهة البحث العلمي، وربط التعليم بالاقتصاد الوطني عبر ريادة الأعمال والمهارات الرقمية، بهدف إصلاح التعليم العالي وإعادة بنائه.

في الجلسة الأولى، تحدث الدكتور بريان رينولدز من جامعة كاليفورنيا إيرفاين في الولايات المتحدة الأمريكية عن طرق التعليم الحديثة، ودعا إلى اعتماد التعلم الحواري وتوسيع الذاتية والفهم المشترك، وأعرب رينولدز عن سعادته بالمشاركة في القمة، مشجعًا الشباب السوري، الذين رأى فيهم مستقبل البلاد، على المضي قدمًا لتغيير أساليب التعليم المتبعة والنهوض بها.

أما اليوم الثاني فقد ركز على تطوير المناهج لتشمل التفكير النقدي والذكاء الاصطناعي، وتحويل البحوث إلى مشاريع اقتصادية. كما نوقش دور “الدبلوماسية الأكاديمية” في تبادل الطلاب والباحثين وإعادة تموضع الجامعات السورية عالميًا. كذلك عُقدت ورشة عمل مشتركة بين وزارتي الزراعة والتعليم العالي، ركزت على التعافي الزراعي وتحديث المناهج لمواجهة التغير المناخي، وإعداد الكوادر، وإنشاء صندوق للكوارث الطبيعية.

في اليوم الثالث، خُصصت النقاشات لمواضيع الالتزام بمعايير الصحة والمصداقية، والتدريب على أساليب القياس الحديثة، واستخدام التكنولوجيا وتحليل البيانات لضمان عدالة التقييم.

وقال د. عمار جوخدار، عميد كلية الهندسة المعلوماتية في جامعة دمشق، بعد محاضرته بعنوان “تأمين المهنة: مسارات مستدامة، تعويض عادل، وبيئة عمل جامعة”: “أتوقع أن تكون مخرجات القمة الأكاديمية السورية (سفير) على مستوى عالٍ من الدقة، وأن تتبناها الوزارة مع تأمين الدعم اللازم لتنفيذها”.

وفي السياق نفسه، تحدثت الدكتورة ميسون دشاش، التي شغلت منصب مديرة مركز التقويم والقياس في وزارة التعليم العالي مدة ثماني سنوات، عن خبرتها الطويلة في هذا المجال، وطرحت حلولًا لإصلاح المناهج ونظم التقييم بما يجعلها أكثر استجابة للواقع التعليمي.

أهم آراء المشاركين في القمة

كان لافتًا حضور عدد من الوزراء في الحكومة الانتقالية السورية، إلى جانب حشد كبير من الباحثين السوريين من الداخل ومن دول اللجوء والاغتراب (تركيا، الأردن، أوروبا، الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها)، إضافة إلى عدد من رواد الأعمال الشباب، وخبراء من الإيسسكو واليونسكو، وممثلين عن الحاضنات الجامعية والطلاب.

وركزت آراء أغلب المشاركين على تعزيز مسار الإصلاح، فقد أكد وزير التعليم العالي، د. مروان الحلبي، أن “إصلاح التعليم ضرورة حتمية؛ إذ إن منظومة التعليم عانت من الحروب لكنها لم تفقد إيمانها بالعلم كسلاح للبناء. هذه القمة تمثل لبنة جديدة للاستقلالية والنزاهة، مع ربط الجامعات بالاقتصاد عبر ريادة الأعمال”.

كما أكد د. هاني حرب من جامعة دريسدن في ألمانيا ورئيس القمة الأكاديمية السورية “سفير”، أن اختيار المتحدثين جرى بناءً على قيمة بحوثهم التي عُرضت على لجان متخصصة، إضافة إلى تأثير المحاضرين وتجاربهم الأكاديمية والبحثية، ورأى أن القمة كانت ناجحة على مدار الأيام الثلاثة التي انعقدت خلالها.

هاني حرب

أما د. أحمد دشاش، الخبير في القياس والتقييم التعليمي، فقد شدد على “أهمية تدريب أعضاء هيئة التدريس على الأساليب الحديثة واستخدام التكنولوجيا، مع تعزيز التعاون الدولي لضمان معايير الصحة والعدالة في التقييم”. في حين رأى د. محمد المحمد، الباحث في جامعة حلب، أن “الدبلوماسية الأكاديمية تمثل أداة ناعمة لإعادة تموضع الجامعات، وتعزيز قيم التسامح، ودعم الدراسات العليا لبناء سوريا الجديدة”.

د. أحمد دشاش

وبرأي د. رينولدز من الولايات المتحدة، فإن “القمة تمثل نقطة تحول نحو أساليب تعليمية تطورية، وفرصة لتبادل الأفكار”. ويوافقه الرأي د. سامر كرم، رئيس المجلس العلمي السوري، الذي قال: “القمة خطوة نوعية نحو تعليم متجدد بمعايير دولية، مع التركيز على الابتكار والشفافية”.

د. رينولدز

مخرجات القمة

صدرت عن القمة توصيات أولية، أبرزها صياغة خارطة طريق لإصلاح التعليم العالي، تتضمن تحديث المناهج، وتعزيز الاستقلالية الأكاديمية ونزاهة البحث العلمي، وربط التعليم بالتنمية. كما شددت التوصيات على دمج الابتكار مع الاقتصاد الوطني، خاصة في قطاعات الزراعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، لمواجهة التحديات المناخية.

وأكد المشاركون على أهمية تعزيز الشراكات الدولية لجذب الاستثمارات وإعادة دمج الشهادات السورية عالميًا، إضافة إلى دعم الكوادر وتشجيع عودة الأكاديميين في المهجر، وتجهيز الطلاب ليكونوا رواد أعمال.

وقد أسفرت القمة عن خطوات ملموسة مثل إطلاق “الموسوعة”، إلا أن الطموحات الكبرى مثل التمويل الدولي الكبير ما تزال بحاجة إلى متابعة في مؤتمرات لاحقة. وحظيت القمة بتغطية إعلامية واسعة، مع دعوات لعقد قمم مستقبلية في حلب واللاذقية.

استُقبلت القمة بحماس في الأوساط الأكاديمية السورية، واعتُبرت خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن بعض الأصوات خفّضت سقف التوقعات، مؤكدة أن النجاح مرهون بالتنفيذ الذي يحتاج إلى إصلاحات جذرية في بلد يواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية مصيرية.

ويمكن القول إن التوصيات الأولية، إذا ما جرى تبنيها بجدية، ستكون خطوة أولى نحو إعادة بناء تعليم عالٍ يسهم في التنمية المستدامة، مستفيدًا من دراسات مقارنة لتجارب دول مثل ألمانيا ورواندا في النهوض الاقتصادي بعد الحروب والإبادة.