كيف أحكي لطفلي عن الموت؟

ينجب الوالدان طفلهما، وتولد معه رغبتهما وسعيهما لحمايته من كل سوء، حتى من أيّ مشاعر سلبية أو قاسية. لكن الحياة قد لا تنتظر طويلًا حتى تفصح عن حقيقتها وما جُبلت عليه من كدرٍ ومشقة. ويجد الوالدان أنفسهما بمواجهة هذه الحقيقة وضرورة تمرير بعض المفاهيم الصعبة لأولادهما بكل صدق ووضوح، ولكن بأسلوب يحميهم من التعرّض لصدمة أو عقدة نفسية.
الموت، هو أحد الحقائق المتعلقة بالحياة، والذي نواجهه كل يوم، في دوائرنا القريبة أو البعيدة، وهو الموضوع الذي اخترنا أن نطرحه اليوم في ملفنا التربوي مع الأخصائية بتول حذيفة، تربوية وكاتبة ومدرّبة، خريجة كلية التربية، تخصص الإدارة والتخطيط التربوي من جامعة دمشق 2012، تمارس الإرشاد التربوي للعائلات منذ 6 سنوات، وتقدّم دورات وورشات واستشارات متخصصة. صدر لها عدد من القصص وكتب الأطفال، تُرجم بعضها إلى عدّة لغات.
نعم، يموت جميع الناس، ومن الأشياء التي أفضّل التركيز عليها أن تكون إجاباتنا صادقة دائمًا، حتى لو كانت أحيانًا مؤلمة نوعًا ما، أو نجد صعوبة في نقلها للطفل وإخباره بها.
وعندما نقول إن جميع الناس يموتون، سيسأل الطفل: حتى أنا وبابا وماما وأصدقائي؟ نعم، صحيح، سنموت بعد عمرٍ طويل، ونحاول ألّا نركّز في إجاباتنا على “أنا” و”أنت”، بل نُحوّل انتباهه إلى ظاهرة تحدث لكل الناس، ثم نركّز على فرصتنا اليوم في الحياة، التي يجب أن نستغلّها ونعيشها بشكل جيد، وبقدر ما نعيشها بشكل صحيح سننتقل لحياة أفضل بعد الموت، أي أن لدينا الفرصة اليوم لاختيار شكل حياتنا القادمة.
يجب أن نُصرف تفكيره عن الماضي، في حال سبق وأن شهد حالات وفاة، وأيضًا عن القلق بشأن المستقبل، وإنّما نساعده على التركيز في الحاضر: أين أنا الآن؟ وما الذي يتوجب عليّ القيام به؟ أي أساعده على الاستمتاع باللحظة، حتى أُبعِد عنه شعور الحزن والألم المتعلّق بالماضي، والقلق من المستقبل.
يموت الناس لأن هذه الحياة هي محطة للانتقال إلى حياة ثانية مختلفة. أيضًا من الجيد الإشارة إلى الجانب العلمي؛ يموت الناس لأن أجهزة أجسامهم تعطّلت عن العمل، وانتهت مهمتهم في هذه الحياة، وأيّ شخص يموت في أيّ عمر، فإن ذلك مرتبط بتعطّل أجهزة جسمه. وقد يحاول الأطباء مساعدة المريض على الشفاء، لكن الجسم قد يتوقف عن العمل، ولا يمكن علاجه حينها.
لماذا ندفن الناس بعد موتهم؟ وماذا نفعل بالجنازة؟ ولماذا نقيم العزاء؟
يُدفن جسد الميت في التراب لأن الإنسان مخلوق أصلًا من التراب، فكأنه يعود لأصله، وهذا تكريم للميت، فلا يجوز تركه مكشوفًا. ولما قتل قابيلُ أخاه هابيل، بعث الله غرابًا يبحث في الأرض، فرآه قابيل وهو يواري جثة غراب آخر، فتعلم من صنيعه كيف يواري جثمان أخيه ويتعامل مع الميت.
مراسم الجنازة والعزاء هي نوع من المواساة لأهل الميت، لأن الإنسان عندما يشعر بالحزن أو يمرّ بمشاعر صعبة أو يفقد عزيزًا، يكون بحاجة إلى البكاء، وبحاجة إلى وجود الناس ومن يواسيه حوله وبجانبه. في بيت العزاء، يذكر الناس محاسن المتوفى ويذكرونه بالخير، وهذا كله يساعد أهله على التعافي وتقبّل الفقد، وتخفيف حزنهم وألمهم من خلال مشاركة مشاعرهم مع المحبّين بشكل سليم، لأن الوحدة تزيد من مشاعر الحزن وتجعل الحادثة أكثر صعوبة.
لا أريد أن أموت، أنا أخاف من الموت! ماذا يحدث بعد الموت؟
قد يكون الخوف من الموت ناتجًا عن أننا لا نستطيع أن نتخيّل شكل الحياة بعده، والإنسان بطبيعته يخاف من المجهول، لكن الله عزّ وجلّ أعطانا الكثير من التطمينات والتصوّرات عمّا يحدث في الحياة الثانية بعد الموت. فالطفل عندما يكون جنينًا، يعتبر أن بطن أمه هو كل العالم، رغم أنه بلون واحد، ولا يوجد فيه شيء، ولا يستطيع أن يتخيّل أو يتصوّر وجود حياة مختلفة عن هذه. لذلك، ربما لو كان قادرًا على الكلام، لقال: أنا أخاف من الولادة لأنني لا أعرف ما الموجود بعدها. لكن عندما ينتقل إلى الحياة، وبعد الولادة، سيرى أن الحياة أكثر تنوّعًا وغنًى بالألوان والأشخاص والمشاعر، وحتى طريقة التغذية مختلفة، وطريقة الحياة كلّها مختلفة. وبنفس الأسلوب يمكن أن ننظر للحياة بعد الموت.
نحن كمسلمين نعتقد أن هذه الحياة هي مرحلة انتقالية حتى ننتقل إلى الحياة الآخرة، ومثلما تهتم الأم بتغذية الجنين حتى ينتقل إلى الحياة الدنيا بشكل صحي، نحن الآن نهتمّ بأعمالنا وعباداتنا حتى نأخذها معنا للحياة التالية بعد الموت. قد لا نعرف الكثير عن تفاصيلها وشكلها بالضبط، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: “ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر”، وهو يصف الجنة، لأن عالمنا اليوم محدود تمامًا مقارنة بعالم الجنة، مثلما كان محدودًا عندما كنّا أجنة. إذن، الموت هو انتقال من حياة إلى حياة أخرى أكثر اتساعًا وشكلها مختلف، أي حياتنا هناك ستكون مختلفة عن الموجودة الآن.
كيف يمكنني أن أعيش حياة أطول؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. كل العلماء الذين نذكرهم اليوم ونذكر إنجازاتهم، لا يُعتبرون ماتوا تمامًا. على سبيل المثال، لقد توفّيت جدتي منذ فترة طويلة، لكنها تبقى حاضرة في ذاكرتي من خلال أعمالها؛ فكانت لطيفة معي وتعلّمني وتنصحني، وهذا كلّه محفوظ في ذاكرتي، فأنا هنا بمثابة ولدٍ صالحٍ لها أتعهّدها بالدعاء، وهكذا عاشت حياة أطول بذكرها الطيب، وبالحسنات التي تصلها حتى اليوم بسبب عملها وأثرها الطيب الذي تركته.
عندما أزرع شجرة وأرعاها فتنمو، ويأكل الناس من ثمارها، ويجلسوا بظلها بعد وفاتي، وحتى الطيور ستأكل من ثمرها، وتبني أعشاشها على أغصانها، وهذا كلّه سيبقى في ميزان حسناتي. وهذا سيجعلني أعيش حياة أطول لأن أثر أعمالي مستمر ويصلني وأنا في قبري، رغم أنني لم أعد موجودة في الحياة.
هل يمكن للشخص الميت أن يرانا؟ وهل يمكنني أن أتحدث معه؟
لا يمكن للميت رؤيتنا، ولكنه يسمع دعاءنا وسلامنا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرّ بجانب المقبرة قال: (السلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، فمن السنّة زيارة القبور والسلام على الموتى، ودعاؤنا يصله. وهنا، من المفيد جدًّا للطفل بعد سنّ 3 سنوات أن يحضر الدفن عند وفاة أحد من محيطه أو عائلته، وهذا يساعده على استيعاب الموضوع أكثر والتخطّي والتعافي بشكل أفضل.
ماذا أفعل عندما أشتاق لمن توفى؟
عندما نفتقد من نحب من الموتى، فأفضل ما يمكن أن نقوم به هو استذكار محاسنه وأعماله الحسنة، ونتحدث عن صفاته الإيجابية، وكيف كان يُسعدنا ويسعى لخدمتنا، ونستلهم منه ذلك في التعامل مع الآخرين أيضًا. مثلًا، إذا كان يحب الاعتناء بالنباتات، نتعهدها نحن أيضًا بالرعاية ونذكره، ونطبخ الطعام المفضّل لديه ونأكله في جمعتنا ولمّتنا. يمكن أن نقوم بأعمال خير باسمه، مثل العمرة، أو نحفر بئرًا باسمه، ونقول إنها صدقة عنه.
قد يسأل الأطفال أيضًا عن بعض الأمور المتعلقة بحال الموتى ومشاعرهم من حزن ووَحدة وغير ذلك ممّا يمرّ على البشر. وهنا، تنصح الأستاذة بتول باللجوء إلى الأجوبة العلمية أو المصادر الدينية، مثل أن نحضر كتابًا يناقش هذه المواضيع ونقرأه سويًّا، سواء كان من ناحية علمية (وتكون عادة تخيّلية لأنه موضوع غيبي)، أو نذكر أحاديث نبوية، لأن الدين هو أكثر ما يُسهّل على الأطفال استيعاب هذه القضايا الكبرى، ويمنحهم شعورًا بالأمان، لأنهم يعزونها لله عزّ وجلّ.