انتخابات المغرب 2026: أزمة ثقة تسبق صناديق الاقتراع

يبدو أن انتخابات 2026 ستكون محطة عادية في المسار السياسي المغربي، فمع اقترابها يعود النقاش حول القانون الانتخابي إلى الواجهة وسط أزمة ثقة متزايدة بين المواطنين والأحزاب، وتراجع ملحوظ في نسب المشاركة، وتكاثر الأسئلة بشأن نزاهة العملية وشفافيتها.
أثار الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش 2025 حالة من الجدل الواسع بعد أن أسند الملك لوزير الداخلية مهمة المشاورات الانتخابية بدل رئيس الحكومة، حيث تعود العادة إلى قيام رئيس الحكومة بقيادة مشاورات إصدار قوانين ومواعيد الانتخابات، بينما تشرف وزارة الداخلية على تنظيم الانتخابات. لكن التوجه الملكي كسر هذا التقليد، ما وصفه بعض المتتبعين بأنه علامة على تراجع ثقة السلطة العليا في قدرة الحكومة الحالية على إدارة محطة انتخابية مصيرية.
هيمنة “أم الوزارات”
بالنظر إلى ما ينص عليه الفصل 42 من الدستور، حيث يُعد الملك الحكم الأعلى بين المؤسسات والمسؤول عن ضمان حسن سيرها وصيانة الاختيار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات، يمكن قراءة تكليف وزارة الداخلية بالإشراف على المشاورات الانتخابية باعتباره ممارسة لصلاحية التحكيم الدستوري في لحظة تتسم بتراجع الثقة بين الفاعلين السياسيين.
وقد رحب رئيس الحكومة نفسه بهذا القرار، مؤكدًا أنه “يشكل ضمانة أساسية لحياد العملية الانتخابية وترسيخ التعددية السياسية”، حيث وبرر عزيز أخنوش هذا الموقف بأن إشراف الداخلية، التي “لا تزال عضوًا في الحكومة غير منتمٍ سياسيًا”، يتيح إدارة الانتخابات بنزاهة أكبر من تصرف رئيس حكومة كطرف في السباق الانتخابي، موضحًا أن إشراف رئيس الحكومة على هذه العملية في التجارب السابقة خلق نوعًا من التداخل.
وبينما اتهم أخنوش المواقف الرافضة لإشراف وزارة الداخلية على المشاورات الانتخابية بأنها مجرد توظيف سياسي، حذر رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران من “العودة إلى الديكتاتورية” إذا هيمنت “أم الوزارات” على العملية بشكل غير متوازن، دون فتح المجال لجميع الأطراف وضمان شروط منافسة سياسية نزيهة.
الأحزاب ترفع مقترحاتها
استجابةً لطلب الداخلية، قدمت الأحزاب الرئيسية مذكرات إصلاحية مفصلة ترتكز على تعزيز المشاركة والتمثيل والشفافية، حيث تضمنت هذه المذكرات ثلاثة محاور رئيسة؛ بما في ذلك تجديد القواعد الانتخابية من حيث التقسيم الجغرافي ونظام الاقتراع، وتشجيع مشاركة الفئات المهمشة مثل الشباب والنساء ومغاربة الخارج، ومحاربة المال السياسي مع تعزيز الرقابة على العملية الانتخابية.
في هذا السياق، دعا حزب التقدم والاشتراكية المعارض، إلى منع ترشح الأشخاص المعروفين بممارسات الفساد وتشديد العقوبات على جميع الجرائم الانتخابية، مع رقمنة العملية الانتخابية لضمان نزاهتها وشفافيتها. كما شدد الحزب على رفع تمثيلية النساء إلى ثلث مقاعد البرلمان، مع اعتماد نظام التناوب في اللوائح الانتخابية لضمان مشاركة حقيقية وعادلة للنساء، بدل الاكتفاء بوضعهن في مواقع رمزية في نهاية القوائم.
من جهته، اقترح حزب الاستقلال، أحد مكونات الأغلبية، تخصيص جزء من الدعم العمومي لتوزيعه بشكل عادل بين جميع الأحزاب، مؤكدًا في الوقت نفسه على ضرورة إلزام هذه الأخيرة بتقديم تقارير مفصلة عن نفقاتها إلى المجلس الأعلى للحسابات، مع استرجاع مبالغ الدعم غير المبررة من المخالفين واتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة بحقهم.
أما حزب العدالة والتنمية، المعارض، فقد دعا إلى مراجعة شاملة لللوائح الانتخابية لضمان شمولية وشفافية التسجيل، مقترحًا إعادة رسم التقسيمات الانتخابية بما يتماشى مع التغيرات السكانية. كما أصر الحزب الإسلامي على اعتماد ميثاق شرف حزبي ملزم يمنع تزكية الأشخاص المشتبه فيهم بالفساد، ويحظر شراء الأصوات واستخدام المال السياسي في الحملات.
في اتجاه مماثل، ذهب حزب الأصالة والمعاصرة، ضمن الأغلبية، إلى تشديد العقوبات على كل من يثبت تورطه في التزوير أو التدليس خلال مختلف مراحل العملية الانتخابية وفي جميع فضاءاتها. كما طالب بتسقيف مصاريف الحملات الانتخابية ليشمل ذلك النفقات المرتبطة بالإشهار والإعلام، وفق ما هو منصوص عليه في القوانين الجاري بها العمل.
بالموازاة، قدم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من موقع المعارضة، خطة إصلاح تشمل اعتماد بطاقة التعريف الوطنية كقاعدة أوتوماتيكية للتسجيل في اللوائح الانتخابية، مع إدراج الشباب بشكل تلقائي عند بلوغهم 18 سنة. كما شدد على أن التقطيع الانتخابي ركيزة لتحقيق العدالة التمثيلية، مقترحًا اعتماد الاقتراع باللوائح عبر دوائر محلية وأخرى للنساء، ودائرة خاصة بمغاربة العالم.
بدورها، أكدت قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار الحاكم، أهمية تعزيز الضمانات القانونية والمؤسساتية لدعم العملية الديمقراطية القادمة، مع التركيز على حشد مشاركة واسعة للناخبين وبناء الثقة في المسار الوطني. ويجدر بالذكر أن رؤية الأغلبية الحالية تنحصر في تكثيف الجهود لتصريف الحملة الحكومية، إذ يتحاشى قادتها الخوض في تفاصيل مشاريع الأحزاب الأخرى أو مقترحات حزبه الخاص، إيمانًا بأن الحوار قائم “في أجواء إيجابية” بين الداخلية والأطراف السياسية.
تحديات الرقابة والنزاهة
رغم إجماع عام على أهمية نزاهة الانتخابات، لا تزال مجموعة من التحديات الرئيسة تحيط بالمشهد. أولًا، يخشى مراقبون من أن النفوذ القوي للسلطة التنفيذية يفاقم مخاطر التدخل غير المتوازن. ففي الانتخابات السابقة، سجلت منابر المراقبة مزاعم حول توظيف المال العام واستغلال النفوذ المحلي لصالح مرشحين معينين، كما أشار تقرير لمراقبي الانتخابات التابع للجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي إلى أن غياب الشفافية في إعلان تفاصيل الأصوات الملغاة ونسبة المشاركة في كل دائرة قد يقوض الثقة الشعبية في النتائج.
ثانيًا، يظل تمويل الحملات الانتخابية أحد أبرز مواطن الضعف، إذ إن غياب رقابة فعالة على الإنفاق الحزبي يفتح المجال أمام المال الأسود. ولهذا دعت الأحزاب إلى اعتماد إجراءات صارمة لمحاسبة المخالفين، واقترح بعضها تعزيز الشفافية عبر أدوات تكنولوجية، مثل إنشاء منصات رقمية موحدة للتمويل تتيح تتبع تدفقات الأموال الحزبية وتمنع استخدامها في تغذية حملات التضليل.
ثالثًا، تُعد منافسة الأحزاب الكبيرة والصغرى عبئًا ثقيلا على العدالة الانتخابية؛ فالأطراف الحاكمة الحالية تتمتع بشبكات تمويل وإعلام أكبر بكثير من أحزاب صغيرة أو ناشئة، مما يثير تساؤلات حول تكافؤ الفرص الانتخابية.
أخيرًا، يتربع عزوف الناخبين على رأس المخاوف، لأنه لا يعبر فقط عن صمت الناخب بل عن أزمة ثقة عميقة تُهدد شرعية المؤسسات المنتخبة ومستقبل التمثيل الديمقراطي. فبالرغم من كل الخطابات التي تدعو المواطنين للاقتراع، يبقى الإحساس سائدا لدى جزء واسع من الشباب، بأن الأحزاب عاجزة عن تقديم بدائل مقنعة، وأن التصويت لا يغير في جوهر الأوضاع المعيشية ولا يفتح أفقًا جديدًا أمام انتظارات الناس.