مايك هاكابي: القس الذي صار سفيرًا للإبادة

لا يُعد موقع السفير الأمريكي لدى “إسرائيل” منصبًا دبلوماسيًّا هامشيًّا، بل هو واحد من أكثر المواقع حساسية في السياسة الخارجية لواشنطن، لارتباطه المباشر بإحدى أكثر بؤر التوتر اشتعالًا في العالم، حيث تمثل الولايات المتحدة الداعم الأبرز للاحتلال الإسرائيلي.

ومع اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة، لم يقتصر الدور الأمريكي على الدعم السياسي والعسكري، بل تجاوز ذلك إلى المشاركة الفعلية في العدوان، وتوفير المظلة الدولية التي تتيح استمراره، وقد اتخذ هذا الدور أبعادًا أوضح مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وبروز شخصيات من فريقه الرئاسي تحمل مشروعًا صهيونيًّا متأصلًا، في مقدمتهم السفير الجديد مايك هاكابي.

القس الإنجيلي السابق، الذي تحوَّل إلى سياسي جمهوري ثم إعلامي بارز، يجلس اليوم على كرسي السفير في “تل أبيب”، لا بصفته مجرد دبلوماسي، بل بوصفه “مستوطنًا أيديولوجيًّا يرتدي بذلة رسمية”، فمنذ بداياته وهو يروِّج لفكرة أن الضفة الغربية ليست سوى “يهودا والسامرة”، وينكر وجود الشعب الفلسطيني، ويشارك رموز اليمين الإسرائيلي احتفالات وضع حجر الأساس للمستوطنات.

ومع وصوله إلى هذا المنصب الحساس، بات يمثل القناة الرئيسية للاتصال والمعلومات بين واشنطن و”تل أبيب”، في وقت ينشد فيه العالم وقف الحرب، بينما يضغط هو وحلفاؤه لتوسيع دائرتها، وتحويلها من إبادة في غزة إلى عدوان إقليمي أوسع يخدم الرؤى الصهيونية التوسعية.

النشأة والجذور الأولى

وُلد مايك هاكابي في 24 أغسطس/آب 1955 في مدينة هوب الصغيرة بولاية أركنساس الأمريكية، المدينة نفسها التي أنجبت الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وينتمي هاكابي إلى عائلة متواضعة من الطبقة العاملة؛ فوالده دورسي وايلز عمل إطفائيًّا وميكانيكيًّا، فيما كانت والدته ماي موظفة في شركة غاز، في خلفية اجتماعية يستشهد بها هاكابي دائمًا بوصفها حجر الأساس لتكوينه السياسي المحافظ، ولرؤيته التي تمزج بين الانضباط العملي والإيمان الديني.

منذ صغره، أظهر اهتمامًا لافتًا بالإعلام، ففي الرابعة عشرة من عمره كانت وظيفته الأولى قارئًا للأخبار والنشرات الجوية في محطة إذاعية محلية، قبل أن يواصل لاحقًا تأسيس قنوات تلفزيونية محلية في مدن باين بلاف وتيكساركانا بولاية أركنساس.

كما كان أول الذكور في عائلته ممن يكملون دراستهم الثانوية، متفوقًا داخل المدرسة حيث تولى منصب نائب رئيس مجلس الطلاب ثم رئيسه، قبل أن يواصل نشاطه الكنسي بالانضمام إلى الهيئة الدينية في كنيسة غاريت التذكارية المعمدانية عام 1972.

حصل هاكابي على درجة البكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة واشيتا المعمدانية عام 1976، قبل أن يلتحق بمعهد ساوث ويسترن المعمداني اللاهوتي، ويشغل لاحقًا موقعًا مهمًّا في الحياة الكنسية بصفته رئيس مؤتمر المعمدانيين في ولاية أركنساس بين عامي 1989 و1991. وإلى جانب نشاطه الكنسي والإعلامي، عُرف هاكابي بولعه بالموسيقى منذ سن الحادية عشرة؛ إذ عزف على غيتار البيس وكان عضوًا في فرقة “كابيتول أوفنس” التي تقدم موسيقى الروك الكلاسيكية.

على الصعيد الشخصي، ارتبط هاكابي بزوجته جانيت ماكين منذ عام 1974، ولهما ثلاثة أبناء: جون مارك، وديفيد، وسارة هاكابي ساندرز التي تشغل اليوم منصب حاكمة ولاية أركنساس، إضافة إلى سبعة أحفاد.

من سباق الرئاسة إلى منابر الإعلام

بدأ مايك هاكابي خطواته الأولى في السياسة المحلية عبر بوابة الدين عندما انتُخب عام 1989 رئيسًا لمؤتمر المعمدانيين في أركنساس، وهو موقع منح رجل الدين الشاب مكانة مجتمعية ونفوذًا داخل القاعدة المحافظة للولاية.

وبعد محاولته غير الناجحة لدخول مجلس الشيوخ عام 1992، عاد بقوة في العام التالي عبر فوزه بمنصب نائب حاكم أركنساس، وجاءت استقالة الحاكم جيم جاي تاكر عام 1996، بعد إدانته في قضايا فساد، لتدفع بهاكابي إلى كرسي الحاكمية، في خطوة جعلته ثالث جمهوري يقود الولاية منذ أكثر من قرن.

طوال أحد عشر عامًا في الحكم، نجح هاكابي في تثبيت حضوره كسياسي جمهوري قادر على استقطاب القاعدة المحافظة والدينية، مع تقديم إصلاحات في ملفات الصحة والتعليم والبيئة، وقد اشتهر بإطلاق برنامج لتوسيع مظلة التأمين الصحي، وبتنفيذ تغييرات في النظام التعليمي أثارت جدلًا بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

إضافة إلى ذلك، اكتسب سمعة وطنية بعد نجاحه في مواجهة مشكلته الصحية الشخصية، إذ فقد أكثر من 50 كيلوغرامًا عقب تشخيص إصابته بمرض السكري، ما جعله رمزًا لقصص “الإرادة الشخصية” في السياسة الأمريكية.

السفير الأميركي لدى “إسرائيل” مايك هاكابي متحدثاً خلال حفل في متحف “أصدقاء صهيون” في القدس (حساب هاكابي على إكس)

عام 2007، وبعد انتهاء ولايته الثانية بصفته حاكمًا، اتجه هاكابي إلى سباق الرئاسة، وركَّزت حملته الانتخابية على تغيير مناهج التعليم، وإلغاء الضرائب الفيدرالية على الدخل والرواتب مقابل ضريبة مبيعات وطنية ثابتة، إضافة إلى مواقفه المناهضة لحقوق الإجهاض.

وعلى الرغم من أنه دخل السباق مرشحًا “ضعيف الحظوظ”، فقد فاجأ الجميع بتصدره الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا، ما منحه دفعة قوية على المستوى الوطني، غير أن هذا الزخم سرعان ما تراجع، إذ بقي محافظًا على المركز الثالث في معظم استطلاعات الرأي، ولم يتمكن من كسر هيمنة جون ماكين الذي فاز بترشيح الحزب الجمهوري لمواجهة باراك أوباما.

لم يستسلم هاكابي، ففي عام 2016، أعاد ترشيح نفسه وسط منافسة شرسة ضمّت عشرات المرشحين الجمهوريين، من بينهم رجل الأعمال المثير للجدل دونالد ترامب. لكن نتائج أيوا جاءت مخيبة للآمال، إذ سجل أداءً ضعيفًا، ما دفعه إلى الانسحاب المبكر من السباق وإعلان دعمه لترامب، في خطوة فتحت له بابًا جديدًا من التأثير، لا من خلال المناصب الانتخابية، بل عبر تعزيز موقعه كمناصر بارز لترامب، ومقرَّب من معسكره السياسي.

ما بين هاتين المحاولتين، ظل هاكابي نشطًا سياسيًّا وفكريًّا، فأصدر عددًا من الكتب التي روَّجت لرؤيته المحافظة، من بينها “الشخصية هي القضية” و”من الأمل إلى أرض أعلى”، قبل أن يواصل لاحقًا الدفاع عن ثلاثية المسيحية والرأسمالية والدستور بوصفها “أساس عظمة أمريكا”. وقد منحته هذه المواقف شعبية داخل الأوساط الجمهورية اليمينية، لكنها في الوقت نفسه جعلته غير قادر على اختراق القاعدة الأوسع من الناخبين المستقلين والديمقراطيين.

ومع كل خسارة انتخابية، وجد هاكابي طريقًا بديلًا لتعزيز حضوره، فبعد انتخابات 2008 مباشرة، انطلق في عالم الإعلام مع قناة “فوكس نيوز”، مقدِّمًا لبرنامج باسمه لسنوات، إلى جانب برنامجه الإذاعي اليومي “تقرير هاكابي”.

وقد نجح المرشح الخاسر في تحويل الهزيمة السياسية إلى فرصة ذهبية، جعلت منه “سياسيًّا مؤثرًا بلا منصب”، حاضرًا في النقاشات العامة والجدل السياسي بصفته صوتًا للمحافظين.

إنجيلي وصهيوني متأصل

لم يكن مايك هاكابي مجرد سياسي محافظ آخر في الحزب الجمهوري، بل حمل معه إرثًا إنجيليًّا عميقًا حوَّل دعمه لـ”إسرائيل” إلى قناعة لاهوتية قبل أن يكون خيارًا سياسيًّا.

فمنذ سنوات شبابه، حين ألقى أول عظة كنسية وهو في الخامسة عشرة من عمره، وحتى عمله لاحقًا قسيسًا في كنائس أركنساس ورئاسته لقنوات تلفزيونية مسيحية، ظل الخطاب الديني حاضرًا في كل ما يطرحه.

هذا البعد العقائدي ما جعل منه أحد أبرز وجوه “المسيحية الصهيونية” في الولايات المتحدة، إذ لا يُعدُّ دعم “إسرائيل” بالنسبة إليه خيارًا سياسيًّا فحسب، بل التزامًا دينيًّا ينبع من النص المقدس. ففي تفسيره لوعد الله لإبراهيم في سفر التكوين “أبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه” (تكوين 12:3)، قال هاكابي لمقدم البودكاست والناشط تشارلي كيرك: “دون تقديم أي اعتذار، أؤمن أن من يبارك إسرائيل سيُبارك، ومن يلعنها سيُلعن، وأريد أن أكون من المُباركين”.

وفي خطاب ألقاه من القدس عام 2017، قدم هاكابي جملةً توضح عمق ما يؤمن به “يمكنك أن تكون يهوديًّا ولا علاقة لك بالمسيحية، ولكن لا يمكنك أن تكون مسيحيًّا دون أن يكون لك علاقة وثيقة باليهودية”.

 

عرض هذا المنشور على Instagram

 

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎نون بوست | NoonPost‎‏ (@‏‎noonpost‎‏)‎‏

زار هاكابي “إسرائيل” أكثر من مِائة مرة في خلال خمسة عقود، قاد فيها عشرات الرحلات الدينية، وتعمَّق في تفاصيل الجغرافيا والسياسة “الإسرائيليتين”، حتى أصبح يُقدَّم في الصحافة العبرية بوصفه “أشد المؤيدين لإسرائيل داخل المجتمع المسيحي الإنجيلي”.

كانت مواقفه واضحة وصريحة: دعم كامل للمستوطنات اليهودية، وتأييد لفكرة ضم الضفة الغربية، بل ورفضه حتى استخدام مصطلح “المستوطنات”، إذ كان يصرُّ على تسميتها “مدنًا ومجتمعات”، عادًّا أن الحديث عن “احتلال” أمر غير واقعي.

عام 2017 ذهب أبعد من الخطاب، حين وضع حجر الأساس لحي جديد في مستوطنة “معاليه أدوميم”، كواحد من أكبر المشاريع الاستيطانية قرب القدس، وقد التُقطت له صور وهو يمسك بالمجرفة إلى جانب شخصيات إسرائيلية يمينية بارزة، في مشهد حمل دلالات تتجاوز الرمز إلى تكريس شرعية المشروع الاستيطاني.

كما لم يخفِ اهتمامه لاحقًا بشراء منزل في مستوطنة “إفرات” جنوبي القدس لقضاء عطلاته، في إشارة رمزية إلى تبنِّيه الفعلي لمشروع الاستيطان.

كان خطابه تجاه الفلسطينيين أكثر صدامية، ففي حملته الرئاسية عام 2008، صرَّح بأن “لا وجود لشيء اسمه فلسطيني”، عادًّا أن الهوية الفلسطينية “اختراع سياسي لإجبار إسرائيل على التنازل عن أرضها”.

أعاد هذه الفكرة لاحقًا عام 2015 بعد جولة جديدة في “إسرائيل”، قائلاً إن الحديث عن تاريخ فلسطيني طويل “محض وهم”، وهي تصريحات تشابه ما يطرحه قادة اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفًا، مثل بتسلئيل سموتريتش.

وفي خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ عام 2025، حاول هاكابي التخفيف من حدَّة هذه التصريحات، نافيًا دعمه لطرد الفلسطينيين، ومبررًا أقواله بأنها مستندة إلى “الوصية التوراتية” منذ عهد إبراهيم قبل 3500 عام، لكنه في المقابل واصل معارضته الصريحة لإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود “إسرائيل” الحالية، عادًّا أن “الأرض متوفرة في مصر أو الأردن أو سوريا” لتكون كيانًا فلسطينيًّا بديلًا.

لم تقتصر مواقفه على السياق النظري، إذ حرص على إظهار تضامنه الميداني مع المستوطنين، ففي أعقاب “طوفان الأقصى” الذي تضمن هجومًا على تجمع “كفار عزة” الاستيطاني في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، زار هاكابي الموقع، وقال إن الزيارة عززت تصميمه على “التعبير عن التضامن مع الشعب الإسرائيلي”.

وفي المقابل، لم يتردد في مهاجمة إدارة جو بايدن، متهمًا إياها بـ”الضغط غير المبرر” على “إسرائيل”، قائلاً في مقابلة تلفزيونية: “إذا كنت مؤيدًا لإسرائيل، فكيف يمكنك أن تكون مؤيدًا لبايدن؟”.

 

عرض هذا المنشور على Instagram

 

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎نون بوست | NoonPost‎‏ (@‏‎noonpost‎‏)‎‏

لم يكتفِ هاكابي بإعلان دعمه المطلق لـ”إسرائيل” من منابر الإعلام والكنيسة، بل نسج علاقات مباشرة مع أبرز وجوه اليمين الإسرائيلي، فقد ارتبط اسمه بمجالس المستوطنات، وعلى رأسها “مجلس يشع” الذي يمثل المظلة الأوسع للمستوطنين في الضفة الغربية، فقد حضر اجتماعاته وزياراته، وعبَّر علنًا عن تضامنه مع “مشروع الاستيطان” بوصفه جزءًا لا يتجزأ من الهوية اليهودية.

لم يخفِ مايك هاكابي إعجابه بقيادات مثل نفتالي بينيت، الذي برز لاحقًا رئيسًا للوزراء، أو بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الحالي، والذي أعاد حرفيًّا بعضًا من تصريحات هاكابي بإنكار الهوية الفلسطينية.

وأما علاقته مع بنيامين نتنياهو فلم تكن بعيدة عن هذا السياق؛ فقد عدَّه نتنياهو في أكثر من مناسبة “صوتًا صادقًا من قلب أمريكا المحافظة”، وأما قادة اليمين الاستيطاني فوجدوا فيه ما هو أبعد من مجرد حليف دبلوماسي؛ “شريكًا عقائديًّا” يشاركهم قناعتهم بأن الضفة الغربية ليست أرضًا فلسطينية محتلة، بل “يهودا والسامرة”، وفق المصطلحات التوراتية.

هكذا يتضح أن مواقف هاكابي من القضية الفلسطينية ليست مجرد انحياز سياسي عابر، بل امتداد لرؤية إنجيلية صهيونية ترى أن “إسرائيل” “تملك سندًا إلهيًّا وتاريخيًّا” على الأرض، وأن أي حديث عن دولة فلسطينية خروج عن هذا المعتقد.

الصديق الحقيقي للدولة اليهودية

حين أعلن دونالد ترامب تعيين مايك هاكابي سفيرًا للولايات المتحدة لدى “إسرائيل”، لم يكن الخبر مجرد إجراء دبلوماسي عادي، فقد قال الرئيس الأمريكي بفخر إن مرشحه “سيكون سفيرًا عظيمًا لإسرائيل”، مؤكِّدًا أن “شعب إسرائيل يحبه كما يحب هو إسرائيل”.

لم يأتِ هذا الترشيح من فراغ، إذ إن هاكابي الذي ظل لعقود يُقدَّم بوصفه أحد أبرز الأصوات الإنجيلية المؤيدة للمشروع الصهيوني، صار اليوم أول شخص غير يهودي يتولى هذا المنصب منذ عام 2011.

وقوبل تعيينه باحتفاء في الأوساط اليمينية الإسرائيلية، إذ أعرب سموتريتش عن أمله في “التعاون معه لتعزيز القيم والأهداف المشتركة”، فيما وصفته القناة الإسرائيلية 12 بأنه “حليف كبير لإسرائيل ومعارض لحل الدولتين”.

لم تكن هذه التوصيفات مجاملة بروتوكولية؛ فهي تستند إلى تاريخ طويل من التصريحات النارية التي أطلقها هاكابي، بدءًا من مقولته الشهيرة عام 2015 إن مطالبة “إسرائيل” بضم الضفة الغربية “أقوى من مطالبة الولايات المتحدة بمانهاتن”، وصولًا إلى إنكاره المستمر لوجود “الضفة الغربية” و”الاحتلال”.

منذ اليوم التالي لتثبيته، لم يترك هاكابي شكًّا في هويته السياسية، ففي مقابلة مع إذاعة جيش الاحتلال، قال إنه كان يزور “يهودا والسامرة” (التوصيف التوراتي للضفة الغربية) باستمرار، مؤكدًا أن أي جهد يمكنه أن يقدمه لدعم “إسرائيل” “سيكون شرفًا له”، وحين سُئل عن الاستيطان في غزة لم يتحدث كدبلوماسي، بل بوصفه مُنفِّذًا: “لا أريد أن أدلي بتصريحات حول السياسات، بل سأنفذها”. كما أكد دعمه لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

غير أن الأكثر إثارة للجدل كان رسالته العلنية إلى ترامب، في لحظة تصاعد المواجهة مع إيران، إذ نشر الرئيس الأمريكي الرسالة على منصته “تروث سوشال”، ونشرها البيت الأبيض، لتتحول إلى وثيقة سياسية-لاهوتية بامتياز.

كتب هاكابي فيها: “لقد نجاك الله لتكون الرئيس الأكثر تأثيرًا في خلال قرن… لا أريد أن يتخذ أحد غيرك القرارات التي تقع على عاتقك”. وأضاف: “لقد أرسلتني إلى “إسرائيل” لأكون عينيك وأذنك وصوتك، ولأضمن أن علمنا يرفرف فوق سفارتنا… مهمتي أن أكون آخِر مَن يغادر”.

ولم تكتفِ الرسالة بتأييد مشاركة الولايات المتحدة في حرب “إسرائيل” ضد إيران، بل قدَّمت غطاءً أيديولوجيًّا لذلك، موجَّهةً إلى القاعدة الإنجيلية الضخمة التي تتبع ترامب وتتبنى سرديته عن “المعركة المقدسة”.

ويظهر هاكابي بهذه المواقف، لا بوصفه سفيرًا يسعى إلى بناء الجسور أو دفع عملية سلام، بل كمبعوث إنجيلي-صهيوني ينظر إلى المنصب على أنه تكليف إلهي أكثر منه وظيفة دبلوماسية، وهو ما يجعله يستحق لقب “سفير الإبادة” بامتياز، إذ إنه لا يكتفي بدعم “إسرائيل” في سياساتها الاستيطانية والحربية، بل يضفي عليها شرعية لاهوتية، ويحشد من أجلها قطاعًا واسعًا من القاعدة الإنجيلية في الولايات المتحدة.