حشود في شمال دارفور.. هل تغير معادلة التوازن العسكري؟

بدأت الرمال تتحرك تحت أقدام مليشيا الدعم السريع بطريقة متسارعة في ولاية شمال دارفور، بعد أن جمع الجيش وحلفاؤه حشودًا عسكرية في الصحراء الممتدة إلى شمال السودان ومناطق متاخمة لتشاد، بما يُنذر بمعارك عديدة قد تكون قاصمة لظهر المليشيا.
تعد الصحراء الشاسعة بمثابة شريان حياة للدعم السريع، حيث تقع فيها معظم خطوط الإمداد التي تصله من الإمارات عبر ليبيا وتشاد بما في ذلك سيارات الدفع الرباعي، خاصة بعد أن سيطر على المالحة والراهب وقاعدة الشفرليت “كرب التوم” وصولًا إلى المثلث الحدودي.
وتكمن أهمية شمال دارفور، التي تبلغ مساحتها 296 ألف كيلومتر مربع وهي تعادل 12% من مساحة السودان و57% من إجمالي مساحة إقليم دارفور الكبرى، في أنها ملتقى طرق تربط بقية الإقليم بشمال البلاد ومنطقة كردفان الكبرى إضافة إلى ليبيا ومصر وجانب من تشاد.
تحركات عسكرية
كشف موقع “دارفور24” في 21 سبتمبر/ أيلول الحالي، عن حشود عسكرية في مدن كرنوي والطينة وأمبرو، إضافة إلى وادي هور؛ وهي مناطق تعد معاقل قبيلة الزغاوة التي ينحدر منها معظم مقاتلي القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تُقاتل إلى جانب الجيش ضد المليشيا.
تحدث الموقع عن تحرك قوات من الجيش والقوة المشتركة معززة بآليات قتالية وعتاد حربي إلى الصحراء الكبرى، بغرض الوصول إلى الفاشر التي تُحاصرها المليشيا منذ إبريل/ نيسان 2024، إلى جانب السيطرة على قاعدة الزُرق لقطع طريق الإمداد بين المثلث الحدودي وإقليم دارفور.
وقال مصدر عسكري لـ “نون بوست”، إن الجيش حشد قوات أخرى في بادية الكبابيش بعد السيطرة على بارا في ولاية شمال كردفان، حيث يخطط للتقدم إلى حمرة الشيخ وصولًا إلى الكومة في شمال دارفور، بالتوازي مع تحرك القوات الأخرى من الصحراء.
هل تجد صرخات السودانيين صدى، أم أن العالم ينتظر كارثة إنسانية جديدة؟.. أكثر من 70% من سكان الفاشر يعانون انعدام الأمن الغذائي بسبب جرائم ميليشيات الدعم السريع. pic.twitter.com/gYYSYcCr7a
— نون بوست (@NoonPost) August 9, 2025
ومقابل ذلك، سحب الدعم السريع قوات من شمال كردفان إلى المالحة بعد انتشار الجيش في منطقة تكرو للتعدين الأهلي على الحدود بين الولاية الشمالية وشمال دارفور، كما أعادت المليشيا تموضع مقاتليها في بريرق وإنكا قرب بلدة أروري التي يسيطر عليها الجيش والقوة المشتركة، وفقًا للمصدر العسكري.
وأوضح المصدر أن الجيش وحلفاءه يهدفون إلى السيطرة على الزُرق باعتبارها قاعدة عسكرية حيوية للدعم السريع، حيث عززت القوة المشتركة قواتها في وادي هور الذي يبعد حوالي 100 كيلومتر عن الزُرق، متوقعًا أن يكون الهجوم على محاور عديدة في وقت واحد.
ورقة النفوذ الأهلي
جرى حشد هذه الجيوش العديدة بالتزامن مع تطور مهم يتعلق باتفاق رئيس مجلس الصحوة الثوري بقيادة موسى هلال الذي يتزعم عشيرة المحاميد ــ وهي أحد فروع قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها معظم قادة وجنود المليشيا ــ مع القوة المشتركة على تشكيل قوة عسكرية.
وقال المتحدث باسم مجلس الصحوة أحمد أبكر، إن مهام القوة العسكرية المشتركة تتمثل في فتح الأسواق والطرق وحماية الموسم الزراعي ومكافحة السرقات والأنشطة الإجرامية، مشيرًا إلى أن مجلس الصحوة والقوة المشتركة شددا على ضرورة تعزيز التنسيق العسكري ومعالجة القضايا الاجتماعية.
إذًا، وبالنظر إلى أن التحالفات العسكرية لا يُعلن عنها قبل اكتمال ترتيباتها بما في ذلك القيادة والسيطرة وآليات حل الخلافات، فإن موسى هلال أقرب إلى المشاركة في القتال ضد الدعم السريع بوصفها سانحة لتصفية خصومته مع قائد المليشيا محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وشارك هلال في قيادة مليشيات الجنجويد التي قاتلت نيابة عن النظام السابق حركات دارفور، مُرتكبة انتهاكات واسعة بحق السكان المحليين، قبل أن يختلف مع النظام ويُعارض خطوة جمع السلاح لصالح الدعم السريع الذي سرعان ما اعتقله بطريقة مُهينة من داخل معقله في بادية مستريحة ورُحِّل إلى الخرطوم حيث أُطلق سراحه بعد عزل الرئيس عمر البشير.
عرض هذا المنشور على Instagram
وأعلن هلال وقوفه مع الجيش الذي دعمه ماليًا وأمده بعتاد حربي عبر الإسقاط الجوي، حيث شارك جزء من قواته في معارك الخرطوم دون أن ينخرط في القتال في دارفور، ربما لشعوره بالضعف في ظل تمدد الدعم السريع وحصوله على تأييد معظم القبائل العربية في الإقليم.
وتتواجد معظم قوات موسى هلال في بادية مستريحة التابعة لمحلية كبكابية غير البعيدة عن مناطق سيطرة الجيش والقوة المشتركة في أقصى حدود شمال دارفور مع تشاد وتحديدًا أمبرو وكرنوي، وهذا القرب يُسهل التنسيق العسكري.
شنت قوات الدعم السريع هجوماً واسعاً بالمدفعية الثقيلة على أحياء مدينة الفاشر، وخاضت اشتباكات متقطعة مع الجيش في محاور مختلفة.
كما تدهورت الأوضاع الصحية والإنسانية بشكل خطير بعدما طال القصف المستشفيات والأسواق وتسبب في توقف محطات المياه والكهرباء.
وفي المقابل واجه المدنيون… pic.twitter.com/GkWoc6AKU3
— نون بوست (@NoonPost) September 23, 2025
ومشاركة هلال في المعارك المتوقع اندلاعها في صحراء شمال دارفور إلى جانب الجيش والقوة المشتركة ستحدث هزة قوية داخل المجتمعات العربية المؤيدة للمليشيا، حيث لا يزال الرجل يتمتع بنفوذ أهلي واسع، كما تؤدي إلى انشقاق قادة في الدعم السريع يكنّون الاحترام والولاء لموسى هلال مثل علي رزق الله “السافنا”.
من يكسب معركة دارفور؟
الملاحظ أن التحركات الأخيرة للجيش وحلفائه ترتكز على مناطق لا يوالي قادتها الأهليون الدعم السريع، بما يجرد الأخيرة من أهم ميزة وهي القاعدة الاجتماعية التي تُمدها بالمقاتلين والمعلومات وإمدادات الغذاء.
وبما أن الصراع في دارفور لا يمكن فصله عن البنية القبلية، فإن اتفاق موسى هلال والقوة المشتركة يعد ضربة للدعم السريع، حيث إن هلال لا يعد قائدًا عسكريًا وحسب وإنما زعيمًا قبليًا عمل سنوات طويلة على ترسيخ مكانته في الإقليم، وهذا أمر سيعيد تشكيل العلاقات القبلية في غرب السودان، لكن لن يحدث ذلك سريعًا.
تؤكد مؤشرات الحشود العسكرية والتحركات المعلنة قرب حدوث تغيير كبير في معادلة التوازن العسكري في شمال دارفور، وهذا يشمل الفاشر التي تعد مركز الثقل السياسي والإداري لإقليم دارفور، حيث إن نجاح الجيش وحلفائه في فك الحصار يعني استعادة زمام المبادرة.
📑“الفاشر” تحت النار والحصار: معركة المصير في قلب #دارفور 👇
✍️@Moh_Gamea🔗 في قلب إقليم دارفور، تقف مدينة الفاشر تحت حصار خانق تفرضه ميليشيا #الدعم_السريع، حيث تعاني من أوضاع إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها “كارثية وغير مسبوقة”.
🔗تحوّلت #الفاشر، التي كانت تُعتبر آخر… pic.twitter.com/XdASDhoQ63
— نون بوست (@NoonPost) April 17, 2025
وإذا نجحت المليشيا في الاستيلاء على الفاشر خلال أيام معدودة ستكون مُنهكة بعد معركة مستمرة في المدينة منذ 11 مايو/ أيار 2024، وبالتالي لن تقوى على حرب استنزاف طويلة الأمد في صحراء شمال دارفور التي يحفظ مقاتلو القوة المشتركة ومجلس الصحوة الثوري مسالكها جيدًا فقد خبروها طوال الـ22 عامًا الماضية.
لا تملك المليشيا القدرة على حرب استنزاف طويلة الأمد، بعد أن اعتادت على الهجوم الخاطف ذو النتائج السريعة، وهذا يظهر بوضوح في فشلها في السيطرة على الفاشر وتراجعها السريع من وسط السودان وبعض مناطق كردفان، يُضاف إلى ذلك أنها لم تعتد الدفاع فيما تقوم عقيدة الجيش العسكرية أساسًا على الدفاع.
ويبدو احتمال دخول الأطراف المتصارعة في حرب استنزاف في الصحراء أكثر واقعية، حيث إن المليشيا لن تقف مكتوفة الأيدي فقد تلجأ إلى تعزيز قواتها في المثلث الحدودي، علاوة على ترجيح انشقاقات بين حلفاء الدعم السريع حال استمالة موسى هلال للقبائل لتوجيه دفة مقاتليها إلى الجيش أو إعلان الحياد.
“حتى من يحاول الهروب يُقتل أو يُغتصب”.. في شهادة مؤثرة، رئيسة منظمة دارفور للعمل النسائي، نعمات أحمداي تتحدث عن الوضع الكارثي في مدينة الفاشر التي تحاصرها ميليشيا الدعم السريع منذ أكثر من سنة pic.twitter.com/75GN9LblVz
— نون بوست (@NoonPost) September 20, 2025
التحركات في شمال دارفور لا يمكن اقتصارها على حشود عسكرية ومعارك، وإنما إعادة تشكيل النفوذ والتحالفات الأهلية، بما يفتح الباب أمام تفكك بنية الدعم السريع القتالية التي تعتمد على مجموعات قبلية دون رابط تنظيمي واضح.
في خاتمة المطاف، من يستطيع تغليب الميزان لصالحه في شمال دارفور، بما في ذلك القدرة على إدارة التحالفات الاجتماعية والاستفادة من جغرافية الصحراء القاحلة، سرعان ما تمتد سيطرته إلى بقية الإقليم حال لم تُجرى أي تسوية سياسية شاملة للصراع.