ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة من أبرز القضايا التي أثارت الجدل في مؤتمر حزب الديمقراطيين الليبراليين بمدينة بورنموث.
ورغم أنها لم تكن محور الرسائل السياسية الأساسية للحزب، فإنها كانت من بين القضايا التي حظيت بأكبر قدر من التغطية الإعلامية خلال الأسبوع الماضي.
وقد تصدر قرار زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين إد ديفي بمقاطعة المأدبة الملكية التي أُقيمت على شرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب أحداث غزة، عناوين الصحف، كما أثار اتهامه لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية الكثير من الجدل.
وقد كرر ديفي هذا الاتهام في خطابه خلال مؤتمر الحزب يوم الثلاثاء، قائلاً: “ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية. ويجب على المملكة المتحدة أن تفعل كل ما بوسعها لإيقاف نتنياهو”.
وأضاف ديفي أنه انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بصفته صديقًا لإسرائيل” و”إدراكه أن ممارسات حكومته لا تمثل الشعب الإسرائيلي”.
وأدان ديفي أيضًا معاداة السامية ووصف حماس بأنها حركة إبادة جماعية. لكنه أعلن، وسط تصفيق حار من أعضاء الحزب، أن “لا شيء يمكن أن يبرر ما تفعله حكومة نتنياهو بالرجال والنساء والأطفال الأبرياء في غزة. لقد رأينا ذلك جميعًا. الطفل الرضيع، جائع وهزيل، متشبث بأحضان أمه… وجثث الأطفال الذين قُتلوا أثناء انتظارهم للحصول على الماء، إنهم أطفال.. المجاعة تتكشف أمام أنظارنا”.
“خطوة صغيرة” في الاتجاه الصحيح
مساء يوم الإثنين، ألقى ديفي كلمة خلال حفل استقبال شارك في تنظيمه كل من “أصدقاء فلسطين في حزب الديمقراطيين الليبراليين” و”المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين”، بحضور عدد من أعضاء البرلمان ونظرائهم في مجلس اللوردات.
ووصف ديفي اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية يوم الأحد بأنه “خطوة صغيرة” في الاتجاه الصحيح، مضيفًا: “الصورة الأشمل تتمثل في وقف القتال وإيصال الغذاء وإدخال المياه والأدوية، وإطلاق سراح الرهائن، ووقف الانتهاكات غير القانونية المروعة في الضفة الغربية”.
وأضاف ديفي: “أمامنا الكثير من العمل في عدة جوانب، ولذلك نحن كحزب ملتزمون تمامًا بمواصلة الضغط لتحقيق ذلك”.

قالت آن ماري سيمبسون، رئيسة مجموعة “أصدقاء فلسطين في حزب الديمقراطيين الليبراليين”، لموقع “ميدل إيست آي” إنها فوجئت بـ”توقيت” إعلان إد ديفي إدانته لممارسات إسرائيل ووصفها بالإبادة الجماعية. وأضافت: “لقد كنا ننتظر ذلك منذ وقت طويل. هناك تحوّل داخل الحزب نحو تبني موقفنا، وهو أقرب إلى موقف الرأي العام في هذه القضية”.
كان الحزب قد دعا في سبتمبر/ أيلول 2024، بعد نحو عام من اندلاع الحرب، إلى فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ليصبح بذلك أكبر حزب بريطاني من حيث عدد المقاعد البرلمانية يتبنى هذا المطلب. واليوم، بعد مرور عام، أصبح موقف الحزب أكثر تشددًا بشكل ملحوظ.
انضمت سيمبسون إلى الحزب عام 2017 على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم التحقت بمجموعة “أصدقاء فلسطين” بعد ذلك بوقت قصير. وأشارت إلى أن المجموعة تضم أكثر من 200 عضو، وتحظى بـ”تفاعل قوي جدًا من قيادة الحزب، أقوى من أي وقت مضى”.
وقالت سيمبسون: “لدينا تواصل جيد مع المتحدث باسم الشؤون الخارجية، كالوم ميلر، وقد عقدنا اجتماعات مع العديد من أعضاء البرلمان لمناقشة قضايا مهمة ينبغي طرحها في البرلمان. نحن نقدم لهم الدعم أيضًا، لدينا مسؤول سياسات ضمن الفريق”. وأضافت أن مجموعة “أصدقاء فلسطين في حزب الديمقراطيين الليبراليين” تسير على “مسار يهدف إلى دفع الأمور نحو الأمام”.
وتابعت: “لقد تم تطوير السياسة الحالية للحزب بالتعاون مع مجموعة أصدقاء إسرائيل في الحزب، وكذلك الديمقراطيون الليبراليون من أجل السلام في الشرق الأوسط. ساهمنا جميعًا في صياغة توجهات فريق الشؤون الخارجية. لذلك فإن موقف الحزب من القضية الفلسطينية قوي جدًا لأنه يحظى بدعم واسع من الأعضاء”.
وقالت ديزي كوبر، نائبة زعيم الحزب، لموقع “ميدل إيست آي” إن موقف الحزب من غزة “ينبع مما نراه الصواب في كل لحظة زمنية”، مضيفة: “نحن نفعل ذلك لأننا أمميون وإنسانيون. لطالما كانت سياستنا الراسخة منذ زمن طويل هي أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون في سلام جنبًا إلى جنب، وسندعم أي خطوة تقودنا إلى هذا الهدف”.
من جهتها، قالت نائلة شريف، العضو التنفيذي في مجموعة “أصدقاء فلسطين في حزب الديمقراطيين الليبراليين”، لـ”ميدل إيست آي” إنه “من الخطأ ديمقراطيًا أن تعزل الناس. إذا أردنا أن نجمعهم فعلينا أن نعمل مع الجميع. ومن الضروري أن نأخذ كل الآراء بعين الاعتبار”.
وتقول هينا بخاري، زعيمة كتلة الحزب في هيئة لندن التشريعية، فقالت إن الحزب “كان دائمًا في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان والقيم الليبرالية، بما في ذلك معارضة توني بلير”.
وفي فعالية نظّمتها يوم الأحد مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب الديمقراطيين الليبراليين”، بدا أن النبرة مختلفة تمامًا.
زعمت المتحدثة باسم المجموعة، عضو الكنيست الإسرائيلي شيلي ميرون، أن إسرائيل لا تستهدف المدنيين، وأن الاتهامات الموجهة لها بارتكاب إبادة جماعية خلال المؤتمر تجعلها تشعر بـ”الانزعاج”.
وتنتمي ميرون إلى حزب “هناك مستقبل” المعارض، وهو الحزب الإسرائيلي الحليف لحزب الديمقراطيين الليبراليين.
وخلال الفعالية، أدلى رئيس مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب الديمقراطيين الليبراليين”، غافين ستولار، بادعاء غير صحيح مفاده أنه “لا توجد صحافة في غزة”. تشير بيانات مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن نحو 250 صحفيًا فلسطينيًا قُتلوا على يد إسرائيل في غزة.
بدا أن ميرون ومجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب الديمقراطيين الليبراليين” منفصلة تماما عن المزاج العام السائد داخل الحزب. كانت الفعالية التي نظمتها مجموعة “أصدقاء فلسطين في حزب الديمقراطيين الليبراليين” يوم الاثنين هي التي شهدت حضورًا مكثفا من النواب، وتحدث فيها زعيم الحزب شخصيًا.
الحاجة إلى خطوات أخرى
في فعالية أخرى نظّمتها مجموعة “أصدقاء فلسطين في حزب الديمقراطيين الليبراليين” يوم الأحد، دعا المتحدثون الحزب إلى اتخاذ خطوات أبعد مما قام به حتى الآن من أجل محاسبة إسرائيل.
وقال بن جمال، مدير حملة التضامن مع فلسطين، إنه يرحّب باعتراف إد ديفي بالإبادة الجماعية، لكنه أضاف: “ينبثق عن ذلك مسؤوليات”. وتابع قائلا: “أنتم لستم في السلطة، لكن يمكنكم استخدام كل الوسائل المتاحة للضغط على الحكومة” من أجل فرض عقوبات على إسرائيل.
وطالب بن جمال الحزب بضمان “التزام كل مجلس محلي يخضع لسلطتكم بسحب الاستثمارات من صناديق التقاعد المرتبطة بإسرائيل”.
وقال طيّب علي، مدير المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين، إن اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين يعني أنها “لحقت بركب أغلبية دول العالم” التي سبقتها إلى ذلك. وأضاف: “هذا الاعتراف يعني حق الفلسطينيين في تحديد مستقبلهم، وحقهم في تقرير المصير”.
واتهم علي بريطانيا بأنها “أخلّت بالتزاماتها القانونية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية”، وقال: “لقد استقبلنا الرئيس الإسرائيلي هنا قبل بضعة أسابيع. هناك مواطنون بريطانيون.. يسافرون إلى إسرائيل لقتل الفلسطينيين في صفوف جيش الاحتلال”.
أما إيهاب عمر، المؤسس المشارك لمجموعة “عائلات فلسطينية بريطانية”، فقد حظي خطابه بأعلى موجة تصفيق في الفعالية. روى عمر للحضور كيف اضطرت عائلته إلى “مغادرة وسط غزة… إنها مدينتي؛ جميع أجدادي مدفونون هناك”. وأضاف: “أحلامنا بسيطة.. نريد فقط أن نعيش مثل أي إنسان آخر”.
المصدر: ميدل إيست آي