الإبادة الجماعية في غزة: ماذا حدث لقضية جنوب أفريقيا أمام العدل الدولية؟

ترجمة وتحرير: نون بوست

في ديسمبر/ كانون الأول 2023، اتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وذلك أمام محكمة العدل الدولية “آي سي جيه”. وقد حظيت جلسة الاستماع التي عُقدت بعد أسابيع باهتمام واسع، باعتبارها أول تحدٍّ رسمي لحرب إسرائيل يُطرح على الساحة الدولية منذ بداية النزاع الحالي.

ولكن وبعد مرور نحو عامين، لا تزال المحكمة الدولية، أعلى محكمة في العالم، تنظر في القضية، دون مؤشرات على صدور حكم قريب.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، كان عدد القتلى حينها يقترب من 24 ألفًا، لكنه تضاعف منذ ذلك الحين ليصل إلى أكثر من 65 ألف فلسطيني.

وفي يوليو/ تموز من هذا العام، مددت محكمة العدل الدولية ستة أشهر إضافية للموعد النهائي الممنوح لإسرائيل لتقديم ردودها على اتهامات جنوب أفريقيا بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، مما أثار مخاوف من تأخير سير القضية.

وفي غضون ذلك، أصدرت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع تقريرًا وصفه كثيرون بأنه الأهم حتى الآن بشأن الحرب الإسرائيلية، وخلص إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأوضح معدّو التقرير، ومن بينهم الخبيران القانونيان نافي بيلاي وكريس سيدوتي، لموقع “ميدل إيست آي” أن التقرير استند إلى أدلة ومنهجية تحليلية مشابهة لتلك التي ستستخدمها محكمة العدل الدولية.

ولكن لماذا لم تصدر المحكمة حكمًا بعد بشأن أفعال إسرائيل؟ ومتى يُتوقع صدوره؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟ فيما يلي، يقدّم موقع “ميدل إيست آي” شرحًا مفصلًا لما يجري.

ما هي محكمة العدل الدولية؟

تُعرف محكمة العدل الدولية، ومقرها لاهاي، باسم “المحكمة العالمية”، وقد تأسست عام 1945 لتسوية النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفقًا للقانون الدولي. كما تملك صلاحية إصدار آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تُحال إليها من هيئات الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها.

وتشمل اختصاصاتها النزاعات المتعلقة بالأراضي وتفسير المعاهدات والاتهامات بارتكاب جرائم دولية جسيمة مثل الإبادة الجماعية، وتُعد أحكامها ملزمة للأطراف المعنية.

ما الذي يجري في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟

في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2023، اتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948. (وقد تناولت سابقًا الوضع القانوني لمفهوم الإبادة الجماعية).

وفي قضايا على هذا القدر من التعقيد، غالبًا ما تستغرق محكمة العدل الدولية سنوات قبل صدور حكم نهائي من المحكمة.

وفي غضون ذلك، طلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية إصدار “تدابير مؤقتة” تُلزم إسرائيل بالامتناع عن ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية ومنعها. وقد استجابت المحكمة لهذا الطلب ثلاث مرات، بإصدار تدابير مؤقتة ضد إسرائيل.

منع أعمال الإبادة الجماعية: في 26 يناير/ كانون الثاني 2024، أكدت محكمة العدل الدولية أن حق الفلسطينيين في غزة بالحماية من الإبادة الجماعية يواجه خطرًا جسيمًا وعاجلًا بانتهاك لا رجعة فيه. كما أمرت إسرائيل بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، لكنها لم تصدر قرارًا بوقف إطلاق النار.

ضمان إيصال المساعدات والخدمات الأساسية دون عرقلة: في الأمر الثاني الصادر في 28 مارس/ آذار 2024، أشارت المحكمة إلى أن المجاعة تتفاقم فعليًا في غزة، ووجّهت إسرائيل بلهجة أكثر حزمًا لضمان إيصال المساعدات الإنسانية.

وقف العمليات العسكرية فورًا في رفح: في الأمر الثالث، بتاريخ 24 مايو/ أيار 2024، وهو الأكثر وضوحًا، اعتبرت المحكمة أن خطر الإبادة الجماعية في رفح، جنوب غزة، قد تصاعد بشكل كبير، وألزمت إسرائيل بإبقاء معبر رفح مفتوحًا أمام المساعدات الإنسانية.

وتُعدّ أوامر محكمة العدل الدولية ملزمة قانونًا لإسرائيل، إلا أن الأخيرة حتى الآن رفضت هذه الاتهامات ولم تمتثل لها بشكل فعلي.

لماذا لم تطلب جنوب أفريقيا المزيد من التدابير المؤقتة؟

قدّمت جنوب أفريقيا آخر طلب بشأن فرض تدابير مؤقتة في مايو/ أيار 2024، حين تجاوز عدد القتلى في غزة 36 ألفًا. وقال غيرهارد كيمب، أستاذ القانون الجنائي الدولي في كلية الحقوق بجامعة بريستول، إن جنوب أفريقيا باتت مترددة في العودة إلى محكمة العدل الدولية بطلبات جديدة، نظرًا لتجاهل إسرائيل للأوامر السابقة.

ونقل موقع “ميدل إيست آي” عن مصدر دبلوماسي جنوب أفريقي، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن بلاده تدرس اتخاذ خطوات دبلوماسية وسياسية إضافية خارج إطار المحكمة لمحاسبة إسرائيل. وقال المصدر: “الأوامر الصادرة بشأن التدابير المؤقتة لم تُنفذ، وأعمال الإبادة الجماعية تفاقمت”.

رجل مصاب يحمل طفلًا صغيرًا بعد أن استهدف قصف إسرائيلي مدرسة تحولت إلى مأوى في مدينة غزة، سبتمبر/ أيلول 2025.

وأشار الخبراء إلى أن تقديم طلبات جديدة للتدابير المؤقتة قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تأخير النظر في جوهر القضية نفسها.

وقال كيمب، وهو من جنوب أفريقيا: “من الواضح تمامًا أن على المرء أن يتجاوز إطار محكمة العدل الدولية لضمان اتخاذ خطوات فعلية للحد من الإبادة الجماعية الجارية في غزة”، مقترحًا أن بلاده تتبنى الآن إستراتيجية دبلوماسية أوسع، من بينها تشكيل “مجموعة لاهاي“.

لقد تأسس هذا التحالف في يناير/ كانون الثاني 2025، وهو يركّز على خطوات عملية لمحاسبة إسرائيل وإنهاء انتهاكات القانون الدولي، مثل استهداف شحنات الأسلحة، وحثّ الدول على منع رسو السفن المحمّلة بالأسلحة الموجّهة لإسرائيل في موانئها.

وتعمل جنوب أفريقيا وشركاؤها أيضًا على تشجيع الدول بشكل فردي على ملاحقة الجرائم المزعومة من خلال المحاكم الوطنية، بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.

وأضاف كيمب: “جنوب أفريقيا تقوم بخطوات إضافية خارج إطار المحكمة، في محاولة لمنع الإبادة الجماعية والضغط على إسرائيل عبر وسائل اقتصادية ودبلوماسية وقانونية”.

ما هو التسلسل الزمني لقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟

قد تستغرق القضايا القانونية الدولية المعقدة سنوات لحسمها، وفيما يلي التسلسل الزمني لما جرى حتى الآن:

26 يناير/ كانون الثاني 2024: أصدرت محكمة العدل الدولية أولى تدابيرها المؤقتة، ومنحت جنوب أفريقيا مهلة تسعة أشهر لتقديم مذكرتها المكتوبة التي تتضمن الحجج القانونية والأدلة (المعروفة باسم “المذكرة التفسيرية”).

5 أبريل/ نيسان 2024: عقب اجتماع عُقد في 29 فبراير/ شباط 2024 مع الطرفين، حدّدت محكمة العدل الدولية مواعيد تقديم المذكرات المكتوبة؛ حيث منحت جنوب أفريقيا مهلة حتى 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 لتقديم مذكرتها، بينما منحت إسرائيل مهلة حتى 28 يوليو/ تموز 2025 لتقديم ردّها (المعروف باسم “المذكرة المضادة”).

أكتوبر/ تشرين الأول 2024: قدّمت جنوب أفريقيا مذكرتها التفسيرية.

أبريل 2025: طلبت إسرائيل تمديدًا لمدة ستة أشهر، وهو ما تعارضه جنوب أفريقيا. وقد قررت محكمة العدل الدولية منح تمديدًا لمدة خمسة أشهر ونصف حتى 12 يناير/ كانون الثاني 2026.

لم تستغل إسرائيل الفرصة لتقديم اعتراضات أولية على اختصاص المحكمة أو قبول القضية، وهي خطوة كان من شأنها تعليق الإجراءات لمدة تتراوح بين ستة إلى 12 شهرًا. ومع ذلك، لا يزال بإمكانها الطعن في الاختصاص والقبول ضمن إطار القضية الأساسية.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

اقترح مايك بيكر، من كلية الحقوق في جامعة ترينيتي كوليدج في دبلن، أنه بعد تقديم مذكرة الرد الإسرائيلية، المقرّر تقديمها في 12 يناير/ كانون الثاني، ستقرر محكمة العدل الدولية ما إذا كانت هناك حاجة لجولة ثانية من المرافعات المكتوبة.

ويعتبر هذا الأمر محتملًا نظرًا لتعقيد النزاع والتطورات المتسارعة في غزة. وقال بيكر، وهو خبير في المحاكم الدولية وشغل سابقًا منصب مسؤول قانوني مساعد في المحكمة لـ”ميدل إيست آي”: “لن يفاجئني إطلاقًا أن تصدر المحكمة أمرًا في يناير/ كانون الثاني يمنح جنوب أفريقيا ستة أشهر لتقديم ردّها، ثم تمنح إسرائيل ستة أشهر أخرى لتقديم ردّها على ذلك”.

تُؤوي الخيام الفلسطينيين في ظل مجمع حمد السكني المتضرر الذي بناه القطريون في خان يونس، جنوب غزة، في سبتمبر/ أيلول 2025.

في ظل هذا السيناريو، سيتعيّن على جنوب أفريقيا تقديم مذكرة خطية ثانية إلى محكمة العدل الدولية بحلول منتصف عام 2026، على أن تليها مذكرة إسرائيلية في أواخر 2026 أو مطلع 2027.

وبمجرد انتهاء المرحلة الخطية، ستقوم المحكمة بتحديد مواعيد الجلسات الشفوية. ويُرجّح بيكر أن تُعقد هذه الجلسات في أبريل/ نيسان أو مايو/ أيار 2027، ما لم تطرأ مستجدات تستدعي تأجيلًا إضافيًا.

متى سيصدر الحكم النهائي لمحكمة العدل الدولية؟

ويرجّح خبراء أن يصدر الحكم في أواخر سنة 2027 أو مطلع سنة 2028. ويقول بيكر:  “بمجرد انعقاد الجلسة، عادةً ما تستغرق المحكمة ما بين ستة إلى ثمانية أشهر لإصدار الحكم النهائي”، مضيفاً: “إذا لم تطرأ مفاجآت غير متوقعة، فقد يُعلن الحكم في جوهر القضية بنهاية 2027 أو بداية 2028”.

هل يُعد هذا التأخير غير مألوف بالنسبة للمحكمة؟

الجواب: لا؛ فعلى الرغم من أن الجدول الزمني المتوقع والممتد لأربع سنوات في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل قد يبدو طويلاً، خصوصاً بالنظر إلى خطورة ما يجري في غزّة، إلا أنه يُعتبر سريعاً نسبياً بمعايير محكمة العدل الدولية.

وتوضح جولييت ماكنتاير، المحاضرة البارزة في القانون بجامعة جنوب أستراليا والمتخصصة في المحاكم الدولية:  “من منظور خارجي، يبدو أن الإجراءات تستغرق وقتاً طويلاً للغاية. لكن من منظور عمل المحكمة اليومي، فهي تسير وفق الجدول المألوف تماماً”.

غارة جوية إسرائيلية تدمر برج الغفاري في غزّة في سبتمبر/أيلول 2025 (وكالة فرانس برس).

وتؤكد ماكنتاير أن: “الأولوية بالنسبة للمحكمة هي ضمان منح الطرفين فرصاً متكافئة لتقديم حججهما بأفضل صورة ممكنة.”

وفي السياق ذاته، يرى بيكر أن صدور حكم في أواخر 2027 أو أوائل 2028 يمثل “الحد الأدنى تقريباً” للفترة الزمنية التي تستغرقها قضايا المحكمة، مشيراً إلى أن بعض القضايا امتدت لعقود، مثل قضية البوسنة ضد صربيا (14 سنة بين 1993 و2007)، وقضية كرواتيا ضد صربيا (16 سنة بين 1999 و2015).

ما العوامل التي قد تؤثر على المدة الزمنية؟

يحذر بيكر من ثلاثة عوامل رئيسية قد تغيّر مسار الجدول الزمني:

·  دعوى مضادة من إسرائيل: قد تستغل إسرائيل مذكرتها الجوابية، المقرر تقديمها في يناير 2026، لتقديم دعوى مضادة ضد جنوب أفريقيا، وهو احتمال ضعيف لكنه وارد. وإذا حدث، فسيفتح الباب أمام جولة إضافية من المرافعات والمداولات.

·   طلب تمديد الوقت: إذا طلب أي من الطرفين مهلة إضافية لتقديم مذكراته المكتوبة، فقد يؤثر ذلك بشكل ملحوظ على الجدول. حتى التمديدات البسيطة لشهرين أو ثلاثة لكل طرف في الجولة الثانية قد تتراكم سريعاً وتسبب تأخيرات.

·  تدخل أطراف ثالثة: بعض الدول تسعى للتدخل دعماً لجنوب أفريقيا، ما قد يطيل العملية بشكل كبير وفقاً لآلية تعامل المحكمة مع هذه الطلبات.

ما هي الدول التي تدخلت لدعم القضية؟

يتيح النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لدول غير أطراف في الدعوى المشاركة عبر “التدخل”، وهو لا يجعلها طرفاً مباشراً في القضية. ويتم ذلك بطريقتين:

يحق لأي دولة طرف في اتفاقية منع الإبادة أن تتدخل لتوضيح الكيفية التي ترى أنه ينبغي تفسير المعاهدة بها.

ويغطي هذا النوع من التدخل نص المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ولا يُفترض في هذا السياق أن يتناول التدخل وقائع القضية نفسها، رغم أن بعض الدول قد تحاول ذلك. وحتى 19 سبتمبر/أيلول2025، قدّمت كل من كولومبيا، وليبيا، والمكسيك، وإسبانيا، وتركيا، وتشيلي، والمالديف، وبوليفيا، وإيرلندا، وكوبا والبرازيل إعلانات تدخل بموجب المادة 63.

حتى وقت قريب، كانت الدول التي تتدخل بموجب المادة 63 تتمتع بحق تلقائي في المشاركة بالمرافعات الشفوية. غير أن بيكر يوضح أن محكمة العدل الدولية غيّرت قواعدها مؤخراً، وأصبح السماح بالمشاركة خاضعاً لتقديرها. كما يمكن أن تسمح المحكمة لدولة واحدة بالتحدث نيابة عن عدة دول، بما يتيح عرض وجهات النظر دون استهلاك وقت طويل من جلسات الاستماع.

 أما الطريقة الثانية للتدخل فتتم بموجب المادة 62، حيث يشترط أن يكون للدولة الثالثة “مصلحة ذات طبيعة قانونية” قد تتأثر بالحكم النهائي الصادر عن محكمة العدل الدولية.

وعلى عكس المادة 63، تفرض محكمة العدل الدولية شروطاً أكثر صرامة للسماح بالتدخل استناداً إلى المادة 62، إذ إن هذا النوع من التدخل قد يستدعي جلسات إضافية وأحكاماً منفصلة، الأمر الذي من شأنه إبطاء سير القضية بشكل كبير.

وقد تقدمت فلسطين وبيليز بطلب للتدخل بموجب المادتين 62 و63، بينما اختارت نيكاراغوا التراجع عن طلبها الذي قدمته بموجب المادة 62. ويؤكد بيكر: “إذا وُجدت حالة تستوفي بوضوح شرط المصلحة ذات الطبيعة القانونية، فهي بلا شك فلسطين”.

مع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت المحكمة ستقبل هذه التدخلات وفق المادة 62، ولا كيف ستتعامل إسرائيل معها بالاعتراض.

كيف يمكن لدول أخرى الانخراط في القضية؟

يشير بيكر إلى أن جنوب أفريقيا لم تطلب أي تدابير مؤقتة منذ سنة، مضيفاً أن أي دولة طرف في اتفاقية منع الإبادة يمكنها، من حيث المبدأ، رفع دعوى جديدة ومختلفة ضد إسرائيل بموجب الاتفاقية، رغم أن ذلك قد يعقّد المسار الإجرائي.

فعلى سبيل المثال، لا يُعرف بعد ما إذا كان من الممكن ضم قضية جديدة إلى دعوى جنوب أفريقيا التي بلغت مراحل متقدمة. وفي حال قررت دولة أخرى رفع دعوى منفصلة، فسيكون بوسعها بدورها المطالبة بتدابير مؤقتة.

ماذا لو قضت المحكمة ضد إسرائيل؟

لم يسبق لمحكمة العدل الدولية أن أدانت دولة بارتكاب جريمة إبادة جماعية بشكل مباشر في خرق لاتفاقية منع الإبادة. ففي سنة 2007، خلصت المحكمة إلى أن صربيا انتهكت الاتفاقية، لكن دون أن تُدينها بارتكاب الإبادة نفسها.

رجل وأطفال يجلسون في غرف مكشوفة داخل مبنى مدمَّر بشدة في حي الرمال بمدينة غزّة، 15 سبتمبر/أيلول 2025 (وكالة فرانس برس).

ومن المهم الإشارة إلى أن المحكمة تنظر بشكل منفصل في قضية رفعتها غامبيا ضد ميانمار بشأن اتهامات بالإبادة بحق الروهينغا، ومن المتوقع صدور الحكم فيها قبل الفصل في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.

ما هي التداعيات إذا أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً ضد إسرائيل؟

في حال صدور حكم ضد إسرائيل، سيكون القرار ملزماً قانونياً، ما يعني إلزامها بوقف أي أفعال تُصنّفها المحكمة كإبادة جماعية، مع اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرارها، كما ستُجبر على تقديم ضمانات بعدم تكرار هذه الانتهاكات.

وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة أيضًا إلزام إسرائيل بتعويض الضحايا الفلسطينيين، بما يشمل العودة الآمنة والكريمة للمهجَّرين والمختطفين قسراً، وضمان حقوقهم الإنسانية الكاملة، وحمايتهم من التمييز أو الاضطهاد، فضلاً عن إعادة إعمار غزّة.

كيف يمكن تنفيذ الحكم؟

لا تملك محكمة العدل الدولية صلاحية تنفيذ أحكامها بشكل مباشر، إذ يقع هذا الواجب على عاتق المجتمع الدولي الأوسع الذي يتحمل مسؤولية منع جريمة الإبادة ومعاقبة مرتكبيها.

ويعني ذلك أن الدول ستكون مطالبة ليس فقط بوقف دعمها للأفعال الإسرائيلية، بل أيضاً بالعمل على منعها ومعاقبة المسؤولين عنها.

وبموجب الإجراءات، يُحال الحكم إلى مجلس الأمن الدولي المكوّن من 15 عضواً، إلا أن أي محاولة لتنفيذه ستصطدم على الأرجح بحق النقض الأميركي، باعتبار الولايات المتحدة إحدى الدول الخمس دائمة العضوية.

نازحون فلسطينيون يتجهون جنوباً في وسط قطاع غزّة، 14 سبتمبر/أيلول 2025 (وكالة فرانس برس).

وفي حال تعطّل المسار داخل مجلس الأمن، قد تلجأ الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تفعيل قرار “الاتحاد من أجل السلم“، الذي يتيح الدعوة لاتخاذ تدابير جماعية دبلوماسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية.

سياسياً، سيضع حكم من هذا النوع حلفاء إسرائيل تحت ضغط هائل لتعليق صفقات السلاح والدعم الدبلوماسي، خشية اعتبارهم متواطئين في الانتهاكات.

وسيؤدي أيضًا إلى تعميق عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، وتعزيز الدعوات لفرض عقوبات أو حظر عبر الأمم المتحدة أو من خلال تكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية.

ومن شأن الحكم أن يمنح زخماً إضافياً للإجراءات الجارية أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرات توقيف بحق عدد من القادة الإسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ورغم أن هذه المذكرات لا تتضمن حالياً تهم الإبادة، فإن قرار محكمة العدل الدولية قد يدفع المدعي العام إلى إضافة هذه التهم أو ملاحقة شخصيات أخرى، كما قد يفتح المجال أمام محاكمات تستند إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية أمام المحاكم الوطنية في دول مختلفة.

المصدر: ميدل إيست آي