الاعتراف بـ”فلسطين” مكافأة للعملاء.. وليس للشعب الفلسطيني

ترجمة وتحرير: نون بوست
في وقت سابق من هذا الأسبوع، اعترفت عدة دول أوروبية – من بينها بريطانيا ومستعمراتها الاستيطانية كندا وأستراليا، مع استثناء ملحوظ للولايات المتحدة – بـ”دولة فلسطين” غير الموجودة فعليًا، والتي يُفترض أن تحكمها سلطة فلسطينية غير منتخبة ومتعاونة مع الاحتلال برئاسة محمود عباس.
ليست هذه المرة الأولى التي تعترف فيها بريطانيا بعملاء فلسطينيين ليكونوا ممثلين للشعب الفلسطيني، فقد بدأت هذه الممارسة فور احتلال فلسطين في نهاية عام 1917.
بعد صدور وعد بلفور في نوفمبر/ تشرين الثاني، والغزو العسكري البريطاني لفلسطين في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام (مع بسط السيطرة الكاملة على أراضيها بحلول سبتمبر/ أيلول 1918)، تأسست أكثر من 40 منظمة فلسطينية بين عامي 1918 و1920 لمناهضة الحكم الاستعماري البريطاني والاستيطان الصهيوني، وطالبت هذه المنظمات بالاستقلال، وعقدت مؤتمرات وطنية، وأصدرت قرارات تؤكد الطابع العربي لفلسطين، وتدعو لتحريرها ووحدتها ضمن سوريا الكبرى.
ومع ذلك، ظلت بريطانيا تعرقل محاولات الفلسطينيين لنيل الاعتراف الدولي، مشترطة دائمًا قبولهم بالمشروع الصهيوني.
وقد عكست هذه التكتيكات استراتيجية استعمارية محورية في أنحاء كثيرة من العالم، تقوم على حرمان الشعوب المستعمَرة من ممثليها الحقيقيين، ثم اختيار عملاء من بينهم وتنصيب من هم على استعداد لخيانة شعوبهم كقادة. ولم يكن الفلسطينيون استثناءً، بل كانوا مثالًا بارزًا على تطبيق هذه الاستراتيجية، سواء تحت الحكم البريطاني أو الصهيوني.
لم يتم الاعتراف بكل الهيئات الشرعية التي نطقت باسم الشعب الفلسطيني على مدار القرن الماضي، بينما تم إضفاء الشرعية على العملاء. ولم يُعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل رسمي للشعب الفلسطيني إلا بعد أن تخلّت عن دورها التمثيلي عام 1993 واعترفت بحق إسرائيل في احتلال فلسطين عبر اتفاق أوسلو.
أما السلطة الفلسطينية، التي يُعترف بها اليوم لتقود دولة وهمية، فهي التعبير الأحدث عن هذه الاستراتيجية الاستعمارية القديمة التي تهدف إلى تنصيب نظام عميل ينكر على الفلسطينيين حقهم في اختيار قياداتهم وممثليهم.
المقاومة المبكرة
كانت أبرز المنظمات التي ظهرت بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين “الجمعيات الإسلامية المسيحية” الفلسطينية، التي تأسس أول فرع لها في يافا عام 1918، وسعت هذه الجمعيات إلى الوحدة بين المسلمين والمسيحيين في مواجهة الاحتلال البريطاني والصهيونية اليهودية.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، قدم فرع الجمعيات الإسلامية المسيحية في يافا مذكرة إلى الجنرال جيلبرت كلايتون، المسؤول السياسي الأعلى وصانع السياسات في الإدارة العسكرية، تؤكد الطابع العربي لفلسطين باعتبارها “وطننا العربي، فلسطين” وترفض سياسة بريطانيا الرامية إلى إنشاء وطن قومي لليهود.
وعقدت الجمعيات المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس في الفترة من 27 يناير/ كانون الثاني إلى 9 فبراير/ شباط 1919. وطالب المندوبون بتحرير فلسطين وجميع أنحاء سوريا، بما في ذلك لبنان، وطالبوا بإنشاء سوريا الكبرى المستقلة والموحدة. تم اختيار وفد لتسليم هذه القرارات إلى مؤتمر باريس للسلام، وقد منعهم البريطانيون من مغادرة البلاد، لكن القرارات وصلت إلى باريس.
التقى حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية، بوزير الخارجية الأمريكي روبرت لانسينغ، في المؤتمر. وفي حديثه لاحقا عن تفاصيل الاجتماع، قال وايزمان إنه أخبر لانسينغ بأن هدف الصهاينة هو أن “تصبح فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية”، وأضاف أن لانسينغ ضرب مثالًا “بالنجاح الباهر الذي حققه الفرنسيون في ذلك الوقت في تونس”.
كانت تونس في ذلك الوقت مستعمرة فرنسية، وقد تم الاستشهاد بها كنموذج لما يريد اليهود فعله في فلسطين. قال وايزمان: “ما استطاع الفرنسيون فعله في تونس، سيتمكن اليهود من فعله في فلسطين، بإرادة يهودية، وأموال يهودية، وقوة يهودية، وحماس يهودي”.
رفض الاعتراف
في يونيو/ حزيران 1919، وصلت لجنة كينغ-كرين الأمريكية، التي أرسلها الرئيس وودرو ويلسون، إلى فلسطين للتحقيق في رغبات شعوب الأناضول وسوريا ولبنان وفلسطين، ضمن الجهود الرامية إلى التخفيف من حدة التنافس البريطاني-الفرنسي على مناطق نفوذهما.
قابلت اللجنة عشرات الفلسطينيين من الجمعيات الإسلامية المسيحية وهيئات أخرى في فلسطين، وجميعهم طالبوا بالاستقلال، بينما دعا القوميون الأصغر سنًا إلى الوحدة مع سوريا.
عارض جميع الفلسطينيين الذين قابلتهم اللجنة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني بشدة، وقدمت اللجنة تقريرها إلى مؤتمر باريس في أغسطس/ آب 1919، مؤكدة رغبة الفلسطينيين في الاستقلال، وإن ادعت أنهم غير جاهزين لذلك. واقترحت خيارًا بديلًا بفرض انتداب أمريكي، مع جمعية منتخبة ديمقراطيًا، بدلًا من السيطرة البريطانية أو الفرنسية.
لكن لندن وباريس كانتا قد توصلتا بالفعل إلى تفاهم مسبق بينهما، وتجاهلتا نتائج التقرير الذي لم يُنشر حتى عام 1922، بعد أن أقر الكونغرس الأمريكي وعد بلفور.
وفي يوليو/ تموز 1920، وهو الشهر الذي احتلت فيه فرنسا سوريا، استبدلت بريطانيا احتلالها العسكري لفلسطين بإدارة مدنية، وعيّنت السياسي اليهودي الصهيوني هربرت صموئيل كمفوض سامٍ أول للانتداب الجديد.
حظرت السلطات البريطانية المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني، الذي كان مقررًا في مايو/ أيار 1920 بالقدس. ونتيجة لذلك، عقدت الجمعيات المؤتمر الوطني الثالث في يافا في ديسمبر/ كانون الثاني، بمشاركة واسعة من جميع النوادي والمنظمات والجمعيات الفلسطينية.
طالب المؤتمر باستقلال فلسطين وانتخب لجنة، هي اللجنة التنفيذية العربية الفلسطينية، لتمثيل الشعب أمام الحكومة البريطانية وفي المحافل الدولية. لكن صموئيل رفض هذا المطلب رفضًا قاطعًا، ورفض الاعتراف باللجنة كممثلة للشعب الفلسطيني.
تمكن الفلسطينيون من إرسال وفد إلى القاهرة في مارس/ آذار 1921. وقد التقى لفترة وجيزة بوزير المستعمرات وينستون تشرشل، المعروف بصهيونيته ومعاداته للسامية.
ولا ذلك اجتماعات أكثر شمولًا مع الفلسطينيين خلال زيارة تشرشل إلى فلسطين بعد أيام، وعندما طالبوه بإلغاء وعد بلفور ووقف الاستيطان اليهودي ومنحهم الاستقلال، رد تشرشل – العنصري المعادي للعرب – أن حق بريطانيا في الحكم يستند إلى الغزو العسكري.
وقال إن الإدارة الاستعمارية “ستستمر لسنوات، وسنطور تدريجيًا مؤسسات تمثيلية تؤدي إلى الحكم الذاتي الكامل”. وأضاف: “سنكون قد رحلنا عن الدنيا، وكذلك أبناؤنا وأحفادنا، قبل أن يتحقق ذلك بالكامل”.
وعندما قدم له وفد من الأنغليكان الفلسطينيين عريضة في أغسطس/ آب، رفضها مذكرًا إياهم بأن هناك فجوة عرقية كبيرة تفصلهم عن الأنغليكان الإنجليز، لأن الأنغليكان الفلسطينيين ينتمون إلى “العرق السامي”.
شروط الاعتراف
في عام 1921، اختارت الجمعيات وفدًا من أجل السفر إلى لندن. وفي يوليو/ تموز من ذلك العام، كتب وزير المستعمرات البريطاني إلى صموئيل، موضحًا أن أي إصلاح إداري “لا يمكن أن يتم إلا على أساس قبول سياسة إنشاء وطن قومي لليهود، والتي تظل ركيزة أساسية في السياسة البريطانية… لن يُسمح لأي هيئات تمثيلية قد يتم إنشاؤها بالتدخل في التدابير (مثل الهجرة، إلخ) المصممة لتنفيذ مبدأ إنشاء وطن قومي أو الطعن في هذا المبدأ”.
كانت تلك هي الشروط الثابتة التي وضعتها بريطانيا للاعتراف بالممثلين الذين يختارهم الفلسطينيون، وقد رفضها الفلسطينيون طوال فترة الانتداب. كما رفضت عصبة الأمم شرعية الهيئات الفلسطينية لأسباب مماثلة.
وعندما عرض البريطانيون إنشاء مجلس تشريعي فلسطيني عام 1922، أصروا على أن يعترف جميع المرشحين والأحزاب بشرعية الانتداب ومشروع الاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
وقد أطلق المؤتمر الفلسطيني الخامس، الذي عُقد في ذلك العام، حملة لمقاطعة الانتخابات، واصفًا إياها بأنها محاولة لإضفاء الشرعية على الاحتلال الاستيطاني اليهودي، وجدد المطالبة بالاستقلال.
ومن المفارقات أن ذلك العام شهد أيضًا مطالبة التونسيين بحقوق متساوية مع المستعمرين الفرنسيين، وتمثيل نسبي في برلمان منتخب.أما المؤتمر الفلسطيني السادس، الذي عُقد في يونيو/ حزيران 1923 بعد منح الانتداب رسميًا لبريطانيا، فقد شدد على عدم التعاون مع السلطات البريطانية، بما في ذلك رفض دفع الضرائب.
ونتيجة لسياسة “فرّق تسد” البريطانية، التي زرعت الانقسام بين العائلات البارزة في القدس – حيث تعاون بعضها مع البريطانيين دون الصهاينة، بينما تعاون آخرون مع الطرفين – انقسمت الحركة الوطنية، مما أدى إلى تأجيل انعقاد المؤتمر الوطني السابع حتى يوليو/ تموز 1928.
المتعاونون مع الاحتلال
قام حاييم كالفاريسكي، وهو مسؤول صهيوني رفيع المستوى في الوكالة اليهودية ورئيس “القسم العربي” في الهيئة التنفيذية الصهيونية، بتمويل إنشاء “الجمعية الوطنية الإسلامية” ذات الطابع الطائفي، كبديل للجمعيات الإسلامية المسيحية الفلسطينية.
وشجع كالفاريسكي المسلمين الطائفيين على مهاجمة الجمعيات الإسلامية المسيحية الفلسطينية باعتبارها أداة لنفوذ المسيحيين الفلسطينيين، كما مول أفرادًا من عائلات النخبة لتشكيل “حزب الزراع” ، الذي تحدى النخب البارزة المنافسة التي قادت المنظمات الوطنية الفلسطينية.
وقد اعتبر الفلسطينيون المناهضون للاستعمار أن كلًا من الجمعية الإسلامية الوطنية وحزب الزراع خونة لقبولهما التمويل الصهيوني وتساهلهما مع الاستعمار اليهودي.
أصبح حزب الزراع لاحقًا نموذجًا للمتعاونين مع الاحتلال خلال الانتفاضة الفلسطينية الكبرى بين 1936 و1939، عندما رعت بريطانيا والصهاينة “فرق السلام” لمساعدتهم في قتل الثوار الفلسطينيين. وأصبحت “فرق السلام” بدورها نموذجًا لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي قمعت المقاومة الفلسطينية منذ 1994 نيابة عن إسرائيل.
كان رفض الغرب الاعتراف بسيادة حكومة عموم فلسطين في الفترة ما بين 1948 و1953 مثالاً آخر على إنكار شرعية الهيئات التي تمثل الفلسطينيين، مع الاعتراف بمن لا يمثلونهم. بدلاً من الاعتراف بحكومة عموم فلسطين، أيّد الغرب الملك عبد الله الأول ملك الأردن باعتباره الحاكم الشرعي لما تبقى من فلسطين بعد عام 1948. واستمر هذا النمط بعد ظهور منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964، خاصة بعد أن تولت المقاومة الفلسطينية الشعبية القيادة في عام 1969.
واعترفت معظم دول العالم التي كانت مستعمرة سابقًا بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974، خاصة بعد خطاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك العام، واعتراف الأمم المتحدة لاحقًا بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها “الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني”. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا الغربية رفضوا منح الشرعية التمثيلية لمنظمة التحرير.
بعد حرب 1973، اقترح الرئيس المصري أنور السادات عقد مؤتمر سلام تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، وقد انعقد في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام. حضرت مصر والأردن وإسرائيل المؤتمر، لكن سوريا رفضت المشاركة لأن منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن مدعوة رسميًا.
كان السادات قد وجه دعوة غير رسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، مما أثار نقاشًا كبيرًا داخل المنظمة حول المشاركة. وقد بعث عرفات رسالة إلى هنري كيسنجر، أبدى فيها استعداده للمشاركة.
لكن في ظل غياب دعوة رسمية، قررت منظمة التحرير الفلسطينية عدم الحضور، خاصة أن المؤتمر استند إلى قراري مجلس الأمن 242 و338، اللذين يشترطان الاعتراف بإسرائيل مقابل انسحابها من “أراضٍ” احتلتها عام 1967. وقد عارضت الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن مشاركة منظمة التحرير.
الاعتراف بالعمالة
رغم تنازل منظمة التحرير عن العديد من الحقوق الفلسطينية بعد إعلانها الاستقلال بشكل أحادي عام 1988 على 22 بالمائة فقط من مساحة فلسطين التاريخية، خلال مؤتمر الجزائر، ظل الغرب وإسرائيل يرفضان الاعتراف بشرعيتها.
وفي مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، منعت الولايات المتحدة وإسرائيل مشاركة المنظمة، وأصرّتا على أن يشارك وفد فلسطيني من الضفة وغزة ضمن الوفد الأردني، دون تمثيل مستقل. وحتى في تلك الظروف، خضعت أسماء المشاركين لتدقيق أمريكي وإسرائيلي، حيث رُفضت مشاركة من اعتُبر “متشددًا”، أو من سكان القدس الشرقية، بينما سُمح لآخرين بالمشاركة.
ولم يتم الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي للفلسطينيين إلا عام 1993، عندما تخلّت عن تمثيل الشعب الفلسطيني، وخضعت للمطالب الإسرائيلية والأمريكية في اتفاق أوسلو الذي كرّس الهيمنة الإسرائيلية على فلسطين.
كان ذلك امتدادًا للشروط الاستعمارية البريطانية منذ عشرينيات القرن الماضي، والتي نصّت على عدم الاعتراف بأي هيئة تمثل الفلسطينيين إلا إذا قبلت بحق اليهود الأوروبيين في استحلال بلادهم، حتى لو افتقر أولئك المتعاونون لأي شرعية شعبية.
وهكذا تحوّلت منظمة التحرير من امتداد للجمعيات الإسلامية المسيحية المناهضة للاحتلال في عشرينيات القرن الماضي، إلى نظيرها المتعاون مع الاحتلال: حزب الزراع.
وعندما قررت حركة حماس خوض الانتخابات التشريعية عام 2006 – والتي أُجريت برعاية السلطة الفلسطينية وتحت إملاءات إسرائيل والولايات المتحدة – وفازت فيها بأغلبية ساحقة، رفضت الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا الغربية الاعتراف بها كحكومة شرعية تمثل الفلسطينيين في الضفة وغزة.
رعت هذه الدول انقلابًا عام 2007 للإطاحة بحماس، نجح في الضفة وفشل في غزة. وقد أقنعت تلك التجربة إسرائيل والقوى الإمبريالية الغربية أنه لا يمكن إجراء أي انتخابات مستقبلية تحت رعاية السلطة الفلسطينية إلا بضمانات مسبقة أن نتيجتها لن تهدد التعاون مع الاحتلال.
أدت السلطة الفلسطينية دورها كقوة تنفيذية بيد الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1994، حيث ساعدت في قمع كل أشكال المقاومة، خاصة منذ الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني قبل عامين.
وفي الأسبوع الماضي، ساعدت السلطة الفلسطينية إسرائيل في الكشف عن عملية للمقاومة في الضفة الغربية.
ومما زاد الطين بلة أن الصراعات الداخلية بين مسؤولي السلطة الفلسطينية أدت مؤخرًا إلى اعتقال العميد رياض فرج على يد جهاز المخابرات العسكرية، بتهمة الاتجار بالآثار وبيع أراضٍ تابعة لدير وادي القلط في أريحا للمستوطنين الإسرائيليين. ورياض فرج هو شقيق رئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء ماجد فرج، أحد أبرز المرشحين لخلافة عباس.
إن اعتراف بريطانيا ومستعمراتها الاستيطانية بـ”دولة فلسطين” الخيالية هذا الأسبوع ليس مكافأة لحماس – كما تدّعي إسرائيل -، بل مكافأة للسلطة الفلسطينية على خدماتها للعدو الاستيطاني، وعلى إصرارها على الاعتراف بحق اليهود الأجانب في احتلال أراضي الفلسطينيين.
إضفاء الشرعية على السيادة اليهودية
يصر أعداء الشعب الفلسطيني التاريخيون في اعترافهم بدولة فلسطين الخيالية على إقصاء حماس من أي معادلة سياسية لمستقبل فلسطين، رغم أنها تمثل آخر حزب سياسي منتخب ديمقراطيًا من غالبية الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.
أكد رئيس الوزراء البريطاني أن “الاعتراف ليس مكافأة لحماس”، وتعهد بأن “المملكة المتحدة ستتخذ أيضاً مزيداً من الإجراءات لفرض عقوبات على كبار قادة حماس في الأسابيع المقبلة”. كما أصر رئيس وزراء كندا على أن اعتراف بلاده “سيدعم أولئك الذين يسعون إلى التعايش السلمي ويؤدي إلى إنهاء حماس”.
وعبّر رئيس وزراء أستراليا عن ذلك بصيغة أكثر صراحة: “لقد أعاد رئيس السلطة الفلسطينية تأكيد اعترافه بحق إسرائيل في الوجود، وقدم تعهدات مباشرة لأستراليا، بما في ذلك التزامات بإجراء انتخابات ديمقراطية وإجراء إصلاحات مهمة في مجالات المالية والحكم والتعليم… يجب ألا يكون لمنظمة حماس الإرهابية أي دور في فلسطين”.
وفي ظل استمرار حملة الإبادة الإسرائيلية في غزة دون توقف، فإن مسرحية الاعتراف بدولة فلسطين هذا الأسبوع تهدف أولًا وأخيرًا إلى تكريس حق إسرائيل في البقاء كدولة قائمة على التفوق اليهودي.
وفي مقابل دورهم في الحفاظ على هذا النظام، تم اختيار العملاء المتعاونين مع الاحتلال في السلطة الفلسطينية كممثلين للشعب الفلسطيني رسميا.
ما بدأته بريطانيا في عشرينيات القرن الماضي، لا يزال مستمرًا في عشرينيات القرن الحالي. لم يتغير شيء بعد قرن من الزمن.
المصدر: ميدل إيست آي