قمع ووعود كاذبة: كيف صادر التحالف رزق صيادي حضرموت؟

يشكو صيادو الأسماك والأحياء البحرية في منطقة شحير بمحافظة حضرموت، أكبر المحافظات اليمنية مساحةً، من استمرار منعهم من الاصطياد في البحر العربي منذ عشرة أعوام من قِبَل قوات التحالف السعودي الإماراتي والمسلحين الموالين لها. وبسبب هذا المنع، أصبح بعض الصيادين يمتهنون أعمالًا أخرى غير الصيد من أجل توفير لقمة عيش لهم ولعائلاتهم، فيما وجد الغالبية منهم أنفسهم عاطلين عن العمل وفي دائرة الفقر والعَوَز.
يقول الصياد الخمسيني عبد الله بامزاحم: “البحر بحرُنا، والأرض أرضُنا، لكن اليوم يمنعنا الإماراتي من الاصطياد في البحر، ومن الاحتجاج على هذا المنع في البر”، ويضيف في حديثه لـ”نون بوست” قائلًا: “لم نكن نتوقع أن يأتي يوم كهذا، حتى إن بعض زملائنا ماتوا حسرةً على فقدان مصدر رزقهم. تقدمنا بشكاوى للتحالف وللحكومة اليمنية، ولم نجد الإنصاف، كل ما يقومون به من حلول ليست في صالح صيادي المنطقة”.
بدأت قضية منع الصيادين في حضرموت من الاصطياد حينما دخلت قوات إماراتية وسعودية مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، في السادس عشر من أبريل/ نيسان 2016، بحجة مساعدة القوات المحلية في طرد مسلحين من تنظيم القاعدة. ومنذ ذلك الوقت، سيطر الإماراتيون والسعوديون على مطار الريان وميناء الضبة النفطي، ومنطقة شحير القريبة منه، ليحولوها إلى ثكنات عسكرية مغلقة.
سارع الصيادون حينها إلى التظاهر احتجاجًا على قرار منعهم من دخول تلك المنطقة، وتوالت الاحتجاجات حتى عام 2017، حينها قررت قوات التحالف السعودي الإماراتي تعويض بعض الصيادين المتضررين بمبالغ مالية، بشرط الالتزام بعدم المطالبة بعودتهم للاصطياد. لكن الكثير من الصيادين رفضوا هذا الشرط، كما يقول صلاح الشبيبي، رئيس جمعية الصيادين في مدينة شحير، خلال حديثه مع “نون بوست”.
وعود كاذبة
وعدت قوات التحالف السعودي الإماراتي بأنها ستصرف مبلغ 800 ريال سعودي كدفعة أولى، ومن ثم ضعف المبلغ في فترات لاحقة، لكل صياد وافق على شروط التحالف. وبالفعل استلم بعض الصيادين، خاصة المقربين من مشايخ القبائل الذين تربطهم علاقات مصالح مع التحالف، فيما رفض البعض الآخر، وفقًا للصياد الأربعيني محمد باجابر، الذي كان ضمن الصيادين الذين استلموا المبلغ من التحالف، لكنه يؤكد في حديثه مع “نون بوست”، بأن التحالف لم يفِ بوعده ويصرف الدفعة الثانية من التعويض الذي أقره لهم.
عادت المظاهرات الاحتجاجية خلال الفترة 2019 حتى مطلع العام الجاري، وفي كل مرة يتم منع المتظاهرين من الاحتجاج بوسائل وأساليب متعددة. وفي العام 2020، اعتقلت القوات الإماراتية في معتقل الربوة بالمكلا 60 صيادًا، من بينهم صلاح الشبيبي، رئيس جمعية الصيادين في مدينة شحير.
وفي الرابع من سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، أُصيب ستة من الصيادين المحتجين بجروح خطيرة بسبب انفجار قنبلة ألقاها شخص مجهول على تجمهر للصيادين المحتجين في منطقة شحير، وقُيِّدت القضية ضد مجهول، الأمر الذي أثار غضب الصيادين، فقرروا كسر قرار التحالف بالمنع، وعادوا للاصطياد في الثامن عشر من نوفمبر/ من العام الماضي.
حاول الصيادون في 21 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي كسر حظر التحالف السعودي الإماراتي والاصطياد في مياه شحير، إلا أنهم واجهوا القمع من قبل قوات التحالف وقوات موالية لها، حيث تم إطلاق النار عليهم، مما أدى إلى إصابة سبعة من الصيادين بجروح متفاوتة.
زاد الغضب الشعبي حيال انتهاكات قوات التحالف والقوات الموالية لها في المكلا، وتصاعد الخطاب الإعلامي في منصات التواصل الاجتماعي لناشطين رافضين لمثل هكذا انتهاكات، الأمر الذي دفع قيادة التحالف إلى تشكيل لجنة خاصة من السلطة المحلية بحضرموت لحصر أسماء الصيادين المتضررين، وعلى أثر ذلك تم صرف مبلغ 60 ريالًا سعوديًا كتعويض مستحق للأشهر التي تضرر فيها بعض الصيادين. لكن الكشوفات لم تتضمن أسماء المتضررين المستحقين، كما يشير الأربعيني عمر باحمد، وهو أحد الصيادين المتضررين. ويقول باحمد لـ”نون بوست”: “لم يتم صرف المبالغ المالية الزهيدة إلا للبعض، وتم صرف باقي المبالغ لأشخاص تعهدوا بعدم مطالبتهم بالاصطياد”.
عادت الاحتجاجات بقوة في يناير/ كانون الثاني الماضي، حينما تم اعتقال صيادين حاولوا كسر حظر منع الاصطياد في الساحل. أدت هذه المستجدات إلى قيام المتظاهرين بقطع طريق حضرموت–المهرة الدولي.
عقب هذا التطور، تم تشكيل لجنة حكومية لإيجاد حلول جذرية للمشكلة، ووجّه وزير الثروة السمكية اليمني رسالة إلى التحالف يحثهم فيها على تعويض الصيادين المتضررين، وتم صرف تعويضات مالية للبعض، بينما تم إهمال البعض الآخر الذي رفض التوقيع على تعهد بعدم الإساءة للإمارات والتحالف، وفقًا لشهادات صيادين خلال أحاديثهم لـ”نون بوست”.
البحث عن حلول
في حديثه مع “نون بوست”، يرى الناشط في المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، أبو مختار اليافعي، بأنه “من حق التحالف، وبالأخص دولة الإمارات، منع الصيادين من الاصطياد في السواحل التي تُعتبر مناطق عسكرية، لأن الإمارات وقّعت اتفاقيات بحرية تقضي بذلك مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي”.
أما علي الخلاقي، رئيس قسم الإعلام لدى صندوق النظافة والتحسين بساحل حضرموت، فيرى في حديثه مع “نون بوست” بأنه يجب على الصيادين المتضررين في شحير أن يتحملوا تداعيات ما حدث لهم من انتهاكات، بسبب قبولهم من البداية مبدأ الامتناع عن الاصطياد في بحرهم.
يقول الخلاقي، وهو ناشط حكومي مهتم بقضية الصيادين: “الحلول يجب أن تكون تشاركية بين كافة أطراف القضية”.
في رصده لحال أقرانه من الصيادين، يلفت الصياد الأربعيني عمر باحمد إلى أن بعض صيادي شحير انتابهم اليأس واتجهوا للاصطياد في مناطق أخرى في حضرموت كالشحر، والبعض سافر إلى محافظة شبوة، بينما يعاني 86 صيادًا، بمن فيهم كبار في السن وآخرون مصابون بأمراض مزمنة، فقدوا مصدر رزقهم بسبب منع قوات التحالف السعودي الإماراتي لهم من الاصطياد في ساحل شحير، وأصبحوا يكابدون ويعانون الأمرّين نتيجة هذا المنع.
ويؤكد باحمد، في ختام حديثه مع “نون بوست”، بأن صيادي شحير المتضررين من قرار منع التحالف السعودي الإماراتي الاصطياد في بحرهم، قرروا الاتجاه إلى المحاكم لرفع قضية للمطالبة بإنصافهم.