الإخوان السوريون.. أثقال الماضي وتحديات الحاضر

مرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بمسار متقلّب؛ فمن بداياتها كحركة إصلاحية، إلى صعودها كأكثر القوى الإسلامية نفوذًا، ثم دخولها في مواجهات دامية مع النظام، أعقبها عقود من المنفى والتشتت. وبعد عام 2011، حاولت استعادة موقعها في ظل التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد، واليوم تصطدم بجملة من التحديات: شيخوخة قياداتها، غياب قاعدة اجتماعية فاعلة، منافسة من قوى محلية أخرى، فضلًا عن حصارها إقليميًا.

ولفهم موقع الإخوان السوريين اليوم، من الضروري العودة إلى مراحلهم التاريخية قبل الانتقال إلى تحليل محاولاتهم الراهنة لإعادة التموضع في مشهد سياسي واجتماعي جديد، والعوامل التي تحدّ من قدرتهم على استعادة دور مؤثر في سوريا الجديدة.

البدايات والجذور

تعود جذور جماعة الإخوان في سوريا إلى الحراك الإسلامي الذي شهدته البلاد خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حين نشطت جمعيات دينية واجتماعية في مناطق مختلفة، متأثرة بالفكر الإصلاحي، وداعية إلى التمسك بالقيم الإسلامية في مواجهة النفوذ الثقافي الأجنبي، ومقدمة نموذجًا يزاوج بين الدعوة والعمل الاجتماعي والسياسي.

في هذا السياق، برزت شخصيات شابة مثل مصطفى السباعي من حمص، ومحمد الحامد من حماة، اللذين سافرا في أوائل الثلاثينيات إلى القاهرة لاستكمال دراستهما في الأزهر، وهناك التقيا حسن البنّا وانخرطا في النشاط الإخواني. وعند عودتهما إلى سوريا، قادا جهود توحيد الجمعيات الإسلامية المحلية، ما أثمر عن عقد أول مؤتمر عام 1937، قبل أن يُعلَن رسميًا عن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عام 1945 في مؤتمر حلب.

شكّل عام 1945 محطة مفصلية في تاريخ الحركة الإسلامية السورية، إذ توحدت الجمعيات الإسلامية المتفرقة تحت مسمى جماعة الإخوان، واعتمدت هيكلًا تنظيميًا ضم مراقبًا عامًا، ولجنة تنفيذية، ومجلس شورى، مع مقر رئيسي في دمشق وفروع في مختلف المحافظات.

منذ تأسيسها في سوريا، تبنت الجماعة مشروعًا إصلاحيًا يقوم على إحياء القيم الإسلامية عبر العمل الاجتماعي والتربوي، ومناهضة النفوذ الأجنبي، مع الانخراط المبكر في الحياة السياسية في مناخ ما بعد الاستقلال.

وقد دخل الإخوان الانتخابات البرلمانية الأولى عام 1947 بتحالف مع “رابطة العلماء”، وحصلوا على ثلاثة مقاعد، في تجربة تُعد الأولى عربيًا لتمثيل الإسلاميين داخل مؤسسة تشريعية. كما شكّلت صحف الشهاب والمنار منبرًا رئيسيًا للجماعة، وحققت انتشارًا واسعًا في تلك الفترة.

وفي صياغة دستور 1950 برز دور الإخوان، حيث شاركوا في صياغة مواد أكدت على المرجعية الإسلامية داخل إطار الدولة الحديثة، غير أن الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات عطّلت مسار الجماعة، إذ واجهوا قمعًا مبكرًا في عهد حسني الزعيم (1949)، ثم ضغوطًا أشد في عهد الشيشكلي (1951–1954) الذي اعتقل السباعي وأغلق المجال العام أمام نشاطات الإخوان.

التراجع والحياد

بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي عام 1954 وعودة الحياة البرلمانية، استعاد الإخوان حضورهم السياسي عبر الانتخابات، ففازوا بأربعة مقاعد برلمانية مقابل 22 مقعدًا لحزب البعث الصاعد آنذاك، غير أن دورهم بدأ يتراجع نتيجة تنامي نفوذ جمال عبد الناصر.

عند إعلان الوحدة السورية–المصرية عام 1958، أيد إخوان سوريا الاتحاد مع مصر، ووافقوا على حل جماعتهم استجابة لشروط عبد الناصر، لكنهم في الوقت نفسه سمحوا لبعض رموزهم بخوض الانتخابات بصفة مستقلة. وأثناء فترة الجمهورية العربية المتحدة، ظلوا على الهامش بلا دور سياسي فعّال.

ثم بعد فشل تجربة الوحدة، عاد الإخوان إلى المنافسة الانتخابية. وخلال الفترة الممتدة بين 1945 و1961، ظل الإخوان فاعلين سياسيًا عبر مشاركتهم في الانتخابات، فحصلوا على أربعة مقاعد عام 1947، وثلاثة عام 1949، وأربعة عام 1954، قبل أن يحققوا ذروتهم بعشرة مقاعد عام 1961. وقد تميز تاريخهم في تلك المرحلة بالتأرجح بين فترات تسامح نسبي من النظام الحاكم وأخرى من الحظر الكامل، لكن دون أن يؤثر ذلك على حضورهم المتنامي داخل المدن السنيّة الكبرى كحماة وحمص وحلب.

أزمات وانقسام

أدى استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1963 إلى تحوّل جذري في مسار إخوان سوريا، إذ تعرضوا لاضطهاد مباشر، وكان هدف البعث إضعاف الإخوان وطبقة التجار السُّنّة. ومنذ ذلك الحين، أصبح نشاط الإخوان يقتصر على الرد على الإجراءات القمعية، ومع ذلك أظهروا حضورًا بارزًا خلال إضراب عام 1964 في حماة، إلا أن النظام رد بقمع عنيف وأعلن حظر نشاطهم.

أدى الحظر إلى انكفاء الإخوان نحو العمل السري وتنظيم صفوفهم لمواجهة الظروف الأمنية الصعبة، مع استمرار نشاطهم الدعوي والمحافظة على شبكات محلية عزّزت تأثيرهم داخل المجتمع.

مع الانقلاب الثاني لحزب البعث عام 1966، تصاعدت انتقادات الإخوان للنظام، وزادت القطيعة بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970، إذ عمّق من الإقصاء السياسي وعلمنة الدولة، ما دفع الإخوان إلى تبنّي خطاب معارض أكثر حدّة يعكس استياء قطاعات واسعة من المجتمع.

وفي أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، واجه الإخوان أزمة داخلية تمثلت في انقسامهم بين فرع دمشق والمحور الشمالي (حلب وحماة)، ما أدى إلى أزمات قيادية متكررة. وقد فتحت هذه الانقسامات المجال أمام صعود “الطليعة المقاتلة“، التي اتجهت تدريجيًا نحو عسكرة المواجهة مع النظام.

الصدام المسلح

في أواخر السبعينيات، تصاعدت الاحتجاجات في المدن الكبرى، خصوصًا حماة وحلب، بمشاركة الإخوان إلى جانب النقابات المهنية والتجار، احتجاجًا على سياسات النظام. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1979، عقد مجلس الشورى الإخواني في عمّان اجتماعًا أقر فيه الكفاح المسلح كخيار اضطراري لمقاومة القمع، مؤكدًا أنه “دفاع عن النفس” و”ملاذ أخير”.

في هذه المرحلة برزت الطليعة المقاتلة كقوة دفعت نحو عسكرة الصراع، ونفذت عمليات بارزة، أبرزها هجوم مدرسة المدفعية في حلب عام 1979. ورغم محاولات الإخوان التمايز عن هذه العمليات، أجبرهم تصاعد القمع على التقارب مع الطليعة، وهو ما استغله النظام لتبرير حملاته الأمنية الواسعة من اعتقالات وتعذيب وقتل طالت الآلاف.

شهد عام 1980 محاولة أولى للحوار بين النظام والإخوان، حين التقى حافظ الأسد بأمين يكن، وأبدى الإخوان استعدادهم للتسوية، وأفرج النظام عن بعض المعتقلين، غير أن المبادرة سرعان ما توقفت مع تجدد الاعتقالات وحصار المدن. فعادت الأوضاع إلى دائرة القمع والتصعيد، ونفذ رفعت الأسد مجزرة سجن تدمر، حيث صُفّي المئات من أبناء الإخوان.

وبلغت المواجهة ذروتها في فبراير/ شباط 1982 مع اندلاع انتفاضة حماة، فرد النظام بحملة عسكرية واسعة انتهت بمجزرة راح ضحيتها عشرات الآلاف وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة.

وفي مارس/ آذار 1982، حاولت قيادة الإخوان في المنفى استعادة المبادرة عبر الانضمام إلى “التحالف الوطني لتحرير سوريا” المدعوم من بغداد. ورغم الدعوة إلى “النفير العام” وتجميع آلاف المقاتلين في معسكرات العراق، لم يتحقق أي تدخل فعلي لإنقاذ حماة، ما أدى إلى أزمة مصداقية وانشقاقات داخل الإخوان.

الخيارات بعد المذبحة

شكّلت مذبحة حماة 1982 نقطة تحوّل كبرى في مسار إخوان سوريا، إذ أدت الهزيمة العسكرية إلى انهيار بنيتهم التنظيمية داخل البلاد، وتدمير قاعدتهم الشعبية والسياسية، ونفي معظم أعضائهم إلى الخارج.

قبل المذبحة، كان للجماعة حضور عبر المساجد وشبكات اجتماعية واقتصادية متجذّرة، لكن القبضة الأمنية للنظام أجهزت على هذه البنية، فانهار نفوذهم الداخلي وتحول نشاطهم إلى العمل من المنافي، حيث تشتّتوا جغرافيًا وتنظيميًا وخضعوا لتأثيرات الدول المستضيفة. كما تصاعدت الانقسامات بين أفرع الجماعة، خصوصًا بين حلب وحماة، وتبادل القادة الاتهامات، ما أدخل الجماعة في حالة شلل داخلي طويل.

في المنفى، ساد جدل حول إمكانية التوصل إلى تسويات سياسية مع النظام، إذ عُقدت مفاوضات مع النظام في ألمانيا عام 1984 برئاسة حسن الهويدي، وتكررت في 1987 ثم 1997، لكنها فشلت بعدما اتضح أن النظام لم يكن يسعى إلى تسوية حقيقية.

هيمنة فصيل حلب

مع مطلع التسعينيات، تصدّر “فصيل حلب” قيادة إخوان سوريا، واضعًا شرط نبذ العنف أساسًا لإعادة بناء الجماعة وتوحيد صفوفها. ومع تولي علي صدر الدين البيانوني منصب المراقب العام بين 1996 و2010، دخلت الجماعة مرحلة مراجعات فكرية عميقة، انتقلت خلالها من خطاب المواجهة إلى خطاب سياسي يرتكز على الديمقراطية.

في ظل هذه المراجعات، أطلقت الجماعة عام 2001 “ميثاق الشرف الوطني” الذي أدان العنف بوضوح ودعا إلى المصالحة الوطنية، ثم أصدرت عام 2004 “المشروع السياسي لسورية المستقبل”، متضمنًا رؤيتها الشاملة للإطار الثقافي والاجتماعي والسياسي في سوريا. وقد مثّل هذا المشروع إعادة صياغة لهوية الجماعة، ولا يزال الإخوان حتى اليوم متمسكين بمشروع 2004.

مع تولي بشار الأسد الحكم عام 2000، حاول الإخوان فصل إرث القمع التاريخي عن الحاضر الجديد، وأبدوا استعدادًا للتكيف مع الواقع السياسي، آملين في انفتاح إصلاحي. وقد تزامنت هذه التوجهات مع ربيع دمشق، الذي جمع مثقفين وقوى معارضة داخلية. وبحلول 2005، شارك الإخوان في صياغة “إعلان دمشق” إلى جانب قوى مدنية وسياسية معارضة.

لكن سرعان ما أثار الإخوان جدلًا واسعًا عام 2006 بدخولهم في تحالف مع عبد الحليم خدام، أحد رجال الأسد السابقين الذي تحوّل إلى معارض بعد فقدانه مركزه في السلطة، مؤسسين معه “جبهة الخلاص الوطني”. أدى هذا التحالف إلى تجميد عضويتهم في إعلان دمشق، واعتُبر خطوة خاسرة أضعفت مصداقيتهم، خاصة أنه لم يدم طويلًا وانتهى عمليًا بعد حرب غزة 2008–2009، حين أعلن الإخوان انسحابهم وتعليق أنشطتهم المعارضة بسبب موقف النظام الداعم للفلسطينيين.

خلال الفترة نفسها، جرت مفاوضات بوساطة تركية بين الإخوان ونظام الأسد (2008–2009) لبحث إمكانية عودتهم إلى الحياة السياسية، لكنها لم تُثمر عن نتائج ملموسة.

هكذا، اتسمت مرحلة هيمنة فصيل حلب والقيادة البيانونية بمحاولات إعادة التموضع، مراجعات فكرية واسعة، انخراط في مشاريع سياسية كإعلان دمشق، وتحالفات متناقضة مع شخصيات من النظام السابق، بالإضافة إلى محاولات الحوار مع النظام نفسه. ومع ذلك، لم تُفضِ هذه الجهود إلى عودة الإخوان إلى سوريا، بل أبقتها قوة سياسية منفية وممزقة.

بعد ثورة 2011

مع انطلاق الثورة، تردّد الإخوان في البداية في تأييدها، لكن عندما بدا أن الاحتجاجات آخذة بالتحول إلى ثورة حقيقية، بدأوا يمدّون نفوذهم من جديد إلى سوريا عبر الإغاثة (أنشؤوا جمعية خاصة بدأت تعمل على الفور)، وعبر العلاقات الاجتماعية المناطقية (الحموية والحلبية على نحو خاص)، فبدأت خيوط جديدة من علاقات الولاء السياسي تُنسج في المجتمع السوري مع الإخوان.

في مارس/ آذار 2011، حاول المراقب العام محمد رياض الشقفة، المنتخب عام 2010، تجاوز الانقسامات التقليدية بين حماة وحلب، فأعاد ترتيب القيادة ومنح علي البيانوني وزهير سالم أدوارًا محورية، إلى جانب قيادات حموية مثل فاروق طيفور وملهم الدروبي.

في الأول من مايو/ أيار 2011، أعلن الإخوان رسميًا استئناف نشاطهم المعارض وبدأوا المشاركة في مؤتمرات المعارضة بالخارج. وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، شاركوا في اجتماع إسطنبول الذي أسس “المجلس الوطني السوري”، الذي جمع مختلف القوى العلمانية والإسلامية والأقليات، وقد مثل الإخوان نحو ربع أعضاء المجلس البالغ عددهم 310.

مع تصاعد القمع وتحول الاحتجاجات إلى مواجهة مسلحة أوائل 2012، واجهت الجماعة معضلة عسكرة الثورة. وفي مارس/ آذار 2012، أيدت دعم الجيش السوري الحر، كما أسست كتائب مسلحة باسم “دروع الثورة”، لكنها سرعان ما حُلّت لضعف الإمكانات.

في المقابل، واصل الإخوان التركيز على النشاط الإغاثي والسياسي، وأعلنوا نيتهم تأسيس حزب سياسي للمشاركة في الحياة الديمقراطية بعد سقوط النظام، وأسسوا عام 2014 “الحزب الوطني للعدالة والدستور” كجناح سياسي للجماعة.

خلال الفترة 2011–2015، برزت ثلاثة خطوط متوازية في سلوك الإخوان: الانخراط في المعارضة من خلال المجلس الوطني والائتلاف، إعادة بناء النفوذ الاجتماعي عبر العمل الإغاثي، ومحاولة التوازن بين خطاب مدني ديمقراطي وخطاب إسلامي تقليدي يواكب الضغوط المتغيرة للساحة السورية.

في سوريا الجديدة: الفرص والتحديات

مع تحرير دمشق، راقب الإخوان التطورات الميدانية وأصدروا بيانات رسمية أعربوا فيها عن دعمهم للإدارة الجديدة واستعدادهم للتعاون معها. وأوضح المراقب العام عامر البوسلامة موقفهم من المشاركة العسكرية في إسقاط نظام الأسد، قائلًا: “نحن بين الناس، ولنا الفخر أن نكون جزءًا من أهلنا وشعبنا في هذا الميدان”. كما أكد أن الجماعة تواصلت مع إدارة أحمد الشرع.

في المقابل، يظهر موقف المستشار الإعلامي للرئيس السوري أحمد موفق زيدان استراتيجية واضحة للنظام الحالي لمنع إعادة تنظيم الإخوان، عبر دعوة زيدان إلى حل الجماعة وامتصاص كوادرها داخل مؤسسات الدولة، ومحاولة إضفاء شرعية على هذا التوجه من خلال الربط بما حدث لأجسام سياسية أخرى بعد سقوط النظام السابق، ما يعكس حرص النظام على الحد من أي نفوذ محتمل لها.

غير أن هذا الطرح قوبل برفض صريح من قبل الدكتور عامر البوسلامة، المراقب العام للجماعة، الذي أكد أن استمرار التنظيم يخدم مصلحة المجتمع والدولة، مستندًا في ذلك إلى شرعيته التاريخية وجذوره العميقة، ومشددًا على أن الجماعة ارتبطت بالمقاومة السياسية منذ عهد حافظ الأسد وحتى الثورة الحالية.

وأوضح البوسلامة أن ما يُشاع عن “المصلحة العامة” تقتضي حل الإخوان أمر متوهم، وليس مصلحة حقيقية. وأشار إلى أن أي نقاش حول تغيير اسم الجماعة ممكن من الناحية النظرية، وأن المؤسسات القيادية للجماعة ستتعامل مع ذلك بمرونة ودراسة متأنية.

كذلك قدّم القيادي الإخواني زهير سالم حلًا عمليًا عبر إصدار كل فرع للإخوان بيانات مستقلة باسمه، مؤكدًا الحاجة إلى التكيف الواقعي مع الظروف الحالية، مع المحافظة على المبادئ الأساسية للجماعة.

ويعكس هذا الطرح إدراكًا لحقيقة الوضع الذي تعيشه الجماعة في سوريا اليوم، حيث تراجع حضورها الاجتماعي والسياسي بشكل ملحوظ، وتقلصت قاعدتها الشعبية التقليدية، فضلًا عن مواجهتها منافسة من قوى إسلامية أخرى، في ظل القيود الصارمة التي تفرضها مصر والإمارات والخليج عمومًا على أي نشاط للإخوان.

كذلك تعاني الجماعة من فجوة عمرية بين جيل الشيوخ والشباب، مع غياب كوادر سياسية وشخصيات كاريزمية بحجم رموز الماضي مثل مصطفى السباعي أو عبد الفتاح أبو غدة. ويُلاحظ أن زهير سالم، رغم قبوله الفكري والسياسي، يظل تأثيره محصورًا في المجال الإعلامي والنخبوي أكثر من كونه رافعة تنظيمية أو جماهيرية، ما يبرز غياب قيادات قادرة على الجمع بين الشرعية الفكرية والقدرة العملية على حشد القواعد الشعبية.

لكن تاريخ الإخوان السوريين يكشف عن قدرتهم على التكيف مع الظروف المتغيرة رغم انقساماتهم، وهو ما يجعل مستقبلهم اليوم مرهونًا بمدى قدرتهم على التكيف، سواء عبر تطوير خطاب يركز على التنمية والمجتمع المدني والخدمات، أو من خلال الاكتفاء بالحفاظ على وجود رمزي يضمن لهم حضورًا ولو محدودًا في المشهد السوري.

ومع ذلك، فإن المنافسة الداخلية والقيود الخارجية تجعل من أي طموح للعودة القوية احتمالًا ضعيفًا، ليقتصر أقصى ما يمكن تحقيقه على المشاركة المحدودة أو الحضور الرمزي في المشهد السوري. ويمكن تصور ثلاثة مسارات رئيسية لمستقبل الجماعة:

– الحضور الرمزي: وجود محدود في المجتمع عبر نشاطات اجتماعية أو دعوية صغيرة، دون تأثير مباشر على السياسات أو القرارات الكبرى.

– المشاركة المحدودة: الدخول في تحالفات والمساهمة في برامج إعادة الإعمار أو المبادرات المدنية، مع بقاء التأثير الفعلي ضعيفًا بسبب المنافسة والقيود.

– الهامشية الكاملة: تحوّل الجماعة إلى كيان شبه غائب عن المشهد، بلا وزن سياسي أو اجتماعي ملموس.

وبالنظر إلى التحديات البنيوية الحالية، يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو الحضور الرمزي أو المشاركة المحدودة، إذ قد تحافظ الجماعة على وجودها عبر أنشطة رمزية وتحالفات جزئية، بينما يظل استعادة الدور القيادي كما كان في الماضي احتمالًا بعيدًا في ظل الظروف الراهنة.