إسرائيل تتحدى الضغوط الدولية.. لكن عزلتها تتفاقم

ترجمة وتحرير: نون بوست
كان من الممكن أن يُخطئ المرء في اعتبار خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمرًا عاديًا؛ فقد وقف على المنصة يوم الجمعة مستعرضًا لوحة دعائية كما اعتاد أن يفعل. وهذه المرة، أحضر لافتات تُفصّل خيانة أعداء دولته وتُبرز حجم انتصارات إسرائيل على مجموعة من الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. وعلى سترته، وضع رمز كيو آر كبيرًا يتيح لأي مشاهد الوصول إلى الرواية الإسرائيلية حول الفظائع التي ارتُكبت خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والحرب الوحشية التي أعقبته في قطاع غزة.
غير أنه حتى في سجلات ظهور نتنياهو المثيرة للجدل في الأمم المتحدة على مدى عقود، فقد تميزت ردود الفعل على خطابه هذه المرة. إذ وقف مئات الدبلوماسيين من عشرات الوفود وغادروا القاعة بمجرد صعوده إلى المنصة، في انسحاب لم تستطع هتافات قلة من المؤيدين في الشرفة أن تخفيه. وواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي شرحه لأسباب عدم إنهائه الحرب العقابية التي دمّرت معظم غزة، وقتلت أكثر من 65,000 فلسطيني، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، وأقنعت العديد من المراقبين الدوليين، بمن فيهم لجنة خبراء مستقلة تابعة للأمم المتحدة، بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.
وقد وبّخ نتنياهو الحكومات الغربية “الضعيفة” لانضمامها إلى الغالبية الساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقال: “مع مرور الوقت، رضخ العديد من قادة العالم. لقد رضخوا تحت ضغط الإعلام المنحاز، والدوائر الإسلامية المتطرفة، والحشود المعادية للسامية”.
ومن الواضح أن رسالة نتنياهو نادرًا ما قوبلت بآذان أقل إصغاءً مما كانت عليه هذه المرة، فقد قال جيريمي بن-آمي، رئيس مجموعة “جي ستريت” الصهيونية الليبرالية ومقرها الولايات المتحدة: “القاعة الخاوية التي استقبلت نتنياهو كانت رمزًا قويًا للعزلة والعار اللذين جلبهما على نفسه وعلى إسرائيل. وكان رفضه إظهار حتى أبسط مظاهر التعاطف مع معاناة غزة، واعتماده على خطاب الحرب الأبدية بين الخير والشر، أمرًا مخزيًًا وخطرًا”.
ومن المقرر أن يتوجّه نتنياهو إلى البيت الأبيض يوم الإثنين، وهو يزداد عزلة على الساحة الدولية. وقد حافظ الرئيس دونالد ترامب على تقارب شديد بين إدارته وحكومة نتنياهو اليمينية، ووفّر لإسرائيل الحماية من الإدانة في الأمم المتحدة؛ حيث استخدم حق النقض (الفيتو) ست مرات لإفشال محاولات مجلس الأمن تمرير قرارات لوقف إطلاق النار في غزة. ومع ذلك، بدأ ترامب يُبدي نفاد صبره تجاه نتنياهو، ويبدو أنه يأمل في إقناع نظيره الإسرائيلي بالموافقة على مقترح توسط فيه ترامب لإنهاء الحرب، وفتح الطريق أمام نوع من إعادة الإعمار والمصالحة.
وعلى الرغم من أن التفاصيل لا تزال غامضة، فإن مثل هذا الاتفاق لا يلقى قبولًا يُذكر بين حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف، الذين يدعون إلى السيطرة الكاملة على غزة وطرد سكانها الفلسطينيين، وهو خطاب يُعدّ جزءًا من المواد المقدّمة في ملف الاتهام الجاري ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية. وبالتوازي مع الحرب على غزة، سرّعت إسرائيل من تنفيذ أجندة الاستيطان اليميني المتطرف في الضفة الغربية، ومضت قدمًا في إجراءات من شأنها أن تضمن السيطرة الدائمة على الأراضي المحتلة، كما أوضحت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير مفصل نُشر نهاية الأسبوع.
وعندما ضغط عليه الصحفيون، قال ترامب إنه لن “يسمح” لإسرائيل بضم الضفة الغربية، وهي خطوة أوضحت دول الخليج الحليفة لواشنطن أنها ستقضي على آمال الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. ومع ذلك، يرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن هناك حملة نشطة وغير خاضعة للرقابة من التوسع الإسرائيلي وتجريد الفلسطينيين من أراضيهم.
وقالت أليغرا باتشيكو، المحامية الأمريكية المتخصصة في حقوق الإنسان ومديرة “ائتلاف حماية الضفة الغربية” – وهو تحالف من منظمات غير حكومية ودول مانحة يدعم الفلسطينيين – لزميلتي كلير باركر: “إنهم يسعون إلى جعل الوضع نقطة لا عودة منها. هذا هو هدفهم؛ فلم يعد الأمر يقتصر على البناء فقط؛ بل بات يشمل تفريغ هذه المناطق وعمليات نقل السكان”.
وفي نيويورك الأسبوع الماضي، وفي أنحاء متفرقة من العالم، ظهرت مؤشرات إضافية على تزايد عزلة إسرائيل. فقد استقبلت الوفود المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة اليومية في نيويورك باحتجاجات مناهضة لإسرائيل. وداخل أروقة المنظمة، باتت الدول الأوروبية التي طالما دعمت إسرائيل تصوّت ضدها بشكل روتيني في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن. وفي الأسبوع ذاته، كشفت المفوضية الأوروبية عن خطط لفرض رسوم جمركية عقابية على بعض السلع الإسرائيلية، إلى جانب عقوبات إضافية تستهدف عددًا من حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف. وفي البحر المتوسط، تساهم سفن حربية إسبانية وإيطالية في مرافقة أسطول من النشطاء والعاملين في المجال الإنساني يحملون مساعدات إلى غزة التي مزقتها الحرب.
وقد امتد الاستياء من الحرب، ومن غياب المحاسبة على قتل المدنيين الفلسطينيين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، إلى المجال الثقافي. إذ أعرب بعض القائمين على البث التلفزيوني في أوروبا عن رغبتهم في استبعاد إسرائيل من المشاركة في مسابقة “يوروفيجن” الغنائية السنوية العام المقبل. كما يمضي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قدمًا في التصويت على تعليق مشاركة الفرق الإسرائيلية في المنافسات الدولية.
وقال وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، في تصريح أدلى به يوم الجمعة على هامش اجتماعات مجموعة لاهاي – وهي تكتل يضم أكثر من 30 دولة تنسّق جهودًا أكثر صرامة لوقف الحرب الإسرائيلية وإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية – إن هناك “تغيرًا في موقف المجتمع الدولي”. وقد دعت البرازيل إلى إطلاق مهمة دولية مشابهة لتلك التي نشأت تحت رعاية الأمم المتحدة عام 1962 لمواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وأضاف فييرا: “يمكن أن تكون مسؤولًا عن الإبادة الجماعية ليس فقط من خلال محاربة شعب بهدف محوه، بل أيضًا من خلال التواطؤ. إذا لم تتخذ إجراءات، فأنت تساهم في استمرار الإبادة”.
وفي خطابه، رفض نتنياهو الاتهامات الموجهة إليه بارتكاب إبادة جماعية، واصفًا إياها بأنها “افتراء دموي”، واعتبر أن الحكومات العديدة التي تدعو إلى حل الدولتين — وهو المسار الذي أمضى معظم مسيرته السياسية في تقويضه — تقف في صف إرهابيي حماس.
أما منتقدو نتنياهو، فقد اعتادوا على هذا النوع من الخطاب، وقال وزير الخارجية الجنوب أفريقي رونالد لامولا في رسالة نصية: “في أروقة السلطة، وُصِفنا بأننا معادون لإسرائيل ومؤيدون لحماس. لكن هذه الأوصاف مجرد تشتيت للانتباه. إنها تُخفي القضية الحقيقية: تطبيق القانون الدولي بشكل متساوٍ. فلا تزال جنوب أفريقيا تؤمن بحل الدولتين، ولا نزال نؤمن بالسلام، لكن لا يمكن بناء السلام على أنقاض الإفلات من العقاب”.=
المصدر: واشنطن بوست