“عيوب قاتلة”: محللون يشككون في خطة توني بلير لمستقبل غزة

ترجمة وتحرير نون بوست
يُعد ظهور توني بلير كقنصل محتمل لغزة في المرحلة الانتقالية وعضو في “مجلس السلام” التابع لدونالد ترامب أحدث محاولة له لإعادة تقديم نفسه كوسيط سياسي في الشرق الأوسط.
وبصفته أحد المهندسين الرئيسيين لغزو العراق الكارثي، ومروّجًا لتفسير مبسّط للتطرف الإسلامي باعتباره التهديد الأمني الأكبر في العالم، وتعرض لاتهامات بخلط مصالحه التجارية الخاصة مع نشاطه السياسي؛ فإن بلير يبدو من بعض النواحي ملائمًا تمامًا لعصر ترامب الجديد.
لكن ما يبقى غير واضح هو ما الذي يمكن لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق أن يقدمه فعليًا لأحد أكثر النزاعات تعقيدًا في العالم، بخلاف ثقته المطلقة بنفسه.
يُشار كثيرًا إلى دور توني بلير في هندسة اتفاق “الجمعة العظيمة” الذي أنهى الصراع في أيرلندا الشمالية، لكن سجله في الشرق الأوسط يظل أكثر إثارة للجدل. فقد أمضى سنوات عمله في القدس مبعوثًا للجنة الرباعية حول الشرق الأوسط – التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا – حيث اعتبر الدبلوماسيون أن مهمته بالكاد نجحت نجاحًا محددودًا، بينما رآه الفلسطينيون عقبة أمام جهودهم للحصول على دولتهم.
وقد تم تعيينه بدعم من الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش والأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، لكن الاتحاد الأوروبي وروسيا لم يُبديا الحماسة نفسها. ومنذ البداية، كان دور بلير محدودًا، يركّز أساسًا على التنمية الاقتصادية، فيما اشتكى المسؤولون الفلسطينيون من انحيازه لإسرائيل.
حتى في العام الذي سبق تعيينه مبعوثًا للجنة الرباعية، اعتُبرت تحركات توني بلير من قبل البعض مساهمة في التمهيد لأزمة غزة الممتدة منذ انتخابات عام 2006؛ حيث فازت حركة حماس في تلك الانتخابات، في وقت كانت فيه تبدو أكثر انفتاحًا على المشاركة السياسية، لكن بلير انحاز إلى جورج بوش وإسرائيل في رفض نتائجها. وقد دعم فرض مقاطعة على حماس، مما سمح لحركة فتح بالبقاء في السلطة، رغم أنه التقى لاحقًا بقيادات من حماس.
وقد ساهمت تلك المقاطعة في تصاعد التوترات التي انتهت بسيطرة حماس بالقوة على قطاع غزة عام 2008. وفي عام 2017، أقر بلير متأخرًا بأن المجتمع الدولي كان ينبغي أن يسعى إلى “جذب حماس إلى الحوار”، لكن تحركاته اللاحقة أثارت مزيدًا من الشكوك.
وقال خافيير أبو عيد، المسؤول السابق في فريق التفاوض الدبلوماسي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية: “عندما أصبح بلير مبعوثًا للرباعية، اعتقد البعض أن خلفيته كرئيس وزراء بريطاني ستدفعه لأخذ المهمة بجدية وتحقيق تقدم ملموس، لكن موقفه اتضح عندما طلب الفلسطينيون مساعدته في قضايا مثل هدم إسرائيل للمنازل، فكان يرد بأنه يملك تفويضًا سياسيًا فقط. ثم في عام 2011، عندما توجهت فلسطين إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف والعضوية، اتضح أنه كان يمارس ضغوطًا ضد ذلك المسعى”.
ولا يزال بلير شخصية غير مرغوب فيها لدى كثيرين داخل حزب العمال البريطاني بسبب دوره في حرب العراق، كما أنه من غير الواضح مدى الدعم الذي يحظى به سعيه للعب دور في غزة ضمن حكومة كير ستارمر.
وكان أفضل ما قدّمه ديفيد لامي، نائب رئيس الوزراء، عندما سُئل عن خطة بلير المقترحة لغزة ما بعد الحرب خلال فعالية جانبية في مؤتمر حزب العمال، تعليقه المقتضب والذي قال فيه إنه “لا يملك أدنى فكرة” عنها.
ويقول منتقدو بلير إن رؤيته للعالم تهيمن عليها قناعته بأن التطرف الإسلامي هو التهديد الأمني الأكبر في العالم، وإنه في المقابل يغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها أنظمة الخليج التي يعتبرها حلفاء له.
على مر السنين، ارتبط توني بلير بعلاقات مع عدد من القادة المستبدين، من بينهم معمر القذافي في ليبيا، وعبد الفتاح السيسي في مصر؛ حيث قال إن الجيش المصري “لم يكن أمامه خيار” سوى الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًا بقيادة محمد مرسي.
وفي تصريح لصحيفة “جويش كرونيكل” عام 2020، قال بلير: “هناك قيادة جديدة وناشئة في الشرق الأوسط تسعى بجدية إلى تحديث بلدانها وضمان عدم استغلال الدين وتحويله إلى أيديولوجيا سياسية. وهذا هو التحول الأكبر الذي يمكن أن يشهده الشرق الأوسط”.
لكن حتى وإن ظل بلير ومؤسسته يدعمون حل الدولتين، فإن واقع الحرب الوحشي، الذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف في غزة على يد إسرائيل، قد تجاوز مسار دعوته السياسية.
وقال جوش بول، المؤسس المشارك لمركز “نيو بوليسي” الأمريكي، قبل تسريب مسودة خطة بلير: “بعد أن عملت مع توني بلير حين كان مبعوثًا خاصًا للرباعية من أجل السلام في الشرق الأوسط، يمكنني التحذير فورًا من عيبين قاتلين في أي خطة يقترحها”.
وأضاف: “أولًا، أي خطة سيقترحها بلير ستمنح الأولوية للتنمية الاقتصادية على حساب التقدم السياسي وحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وكما أثبتت محاولات فاشلة عديدة في الضفة الغربية، فإن النجاح الاقتصادي مرهون بالحكم الذاتي الفلسطيني وبالحقوق الأساسية في حرية الحركة والعمل، وليس العكس.
ثانيًا، مهما كانت الخطة جيدة في مضمونها، فإنها ستنال تأييد الحكومة الإسرائيلية، التي ستعمد بعد ذلك إلى إفشال تنفيذها عبر إستراتيجية التآكل التدريجي، بحيث تصبح حتى الأهداف البسيطة غير قابلة للتحقيق”.
وتابع بول قائلًا: “وتمثل جهود بلير تمثل تشتيتًا للانتباه، وهي قائمة على سوء فهم جوهري لطبيعة الديناميكيات الإسرائيلية الفلسطينية، وللاقتصاد السياسي في فلسطين المحتلة.”
المصدر: الغارديان