بعد صمت طويل: هل يستعد أحمد علي لمعركة جديدة في اليمن؟

عقب اندلاع التظاهرات الشعبية في عام 2011، أُطيح بعدد من الرؤساء في الدول العربية، مثل مصر وتونس وليبيا واليمن، فبينما انتهى مصير رئيس تونس زين العابدين بن علي إلى المنفى، وجد رئيس مصر حسني مبارك نفسه في السجن، وقُتل قائد ليبيا معمر القذافي في خضم معركة مسلحة. أما في اليمن، فقد استطاع الرئيس علي عبدالله صالح آنذاك التوصل إلى اتفاق سياسي يقضي بنقل السلطة سلميًا إلى نائبه.
بعد نقل السلطة، تشكّلت حكومة جديدة في صنعاء في ديسمبر 2011، وعُزلت بعض القيادات العسكرية، فيما أُسندت إلى أخرى مهام جديدة. وقد فقدت أسرة الرئيس صالح جزءًا كبيرًا من نفوذها العسكري بعد عملية هيكلة القوات العسكرية، وعجز أقرباؤه عن الاحتفاظ بمناصبهم، ومن بينهم نجل الرئيس، العميد أحمد علي عبدالله صالح، الذي قاد قوات الحرس الجمهوري لسنوات طويلة قبل عام 2011، وكان قوام قواته يُقدَّر بنحو 80 ألف جندي.
في عام 2013، عُيّن قائد الحرس الجمهوري السابق، العميد أحمد علي، سفيرًا لليمن في دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن التغييرات السياسية التي شهدتها البلاد آنذاك. وانتقل أحمد إلى مقر عمله الجديد دون صدام مع السلطة الجديدة. وقد اعتُبر تعيينه في ذلك المنصب الدبلوماسي إبعادًا عن المشهدين السياسي والعسكري في اليمن. وفي عام 2015، أُقيل من منصبه وبقي منذ ذلك الحين خارج أي منصب رسمي.
ظل العميد أحمد صامتًا أثناء وجوده في الخارج، ولم يتدخل في التعليق على الأحداث الجارية في اليمن. ومن بين هذه الأحداث، سقوط الحكومة اليمنية في صنعاء وسيطرة جماعة الحوثي على السلطة، إذ تمكنت الجماعة من السيطرة على العديد من المحافظات في عام 2015 بعد دخولها في شراكة سياسية مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ما اضطر الحكومة المعترف بها دوليًا إلى الفرار أولًا إلى عدن ثم خارج البلاد.
قبل اندلاع المظاهرات الشعبية في عام 2011، كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح خصمًا لجماعة الحوثي، لكنهما تحالفا لاحقًا لمصلحة مؤقتة. وانتهت هذه الشراكة عام 2017 بعد مواجهات مسلحة في صنعاء، أسفرت عن مقتل صالح على أيدي الحوثيين. وعقب الحادث، أصدر نجله العميد أحمد علي عبدالله صالح بيانًا حول وفاة والده، لكنه لم يظهر متحدثًا على أي منصة.
ظهرت عائلة صالح آنذاك في أضعف حالاتها، وتحولت الأسرة التي حكمت اليمن لمدة 33 عامًا إلى جهة عاجزة عن التأثير في المشهد السياسي والعسكري، فقد فرّ أقرباء صالح العسكريون بعد انتصار الحوثيين كقوة عسكرية كبرى في صنعاء، بينما ظل نجله العميد أحمد علي عبدالله صالح في الإمارات صامتًا، ونادر الظهور في وسائل الإعلام.
على الرغم من صمته الطويل في منفاه، رأت جماعة أنصار الله الحوثيين أنه يستحق الإعدام. ففي أواخر يوليو هذا العام، أصدرت محكمة عسكرية في صنعاء حكمها بحق أحمد علي عبدالله صالح، وقضى الحكم بإدانته بـ “جرائم الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو، وكذا إدانته بجريمة الفساد، ومعاقبته بعقوبة الإعدام ومصادرة ممتلكاته”.
عادل الشجاع، باحث سياسي يمني، اعتبر حكم الإعدام الصادر من المحكمة الحوثية كوسيلة لدفع أحمد علي إلى مربع المواجهة، وإجباره على الخروج من صمته. وأضاف: “الصمت لم يعد كافيًا، والحياد لم يعد ممكنًا، جماعة الحوثي في سلوكها هذا، تدفع بأحمد علي إلى حافة المواجهة، وتجرده من أي خيار وسطي…”.
انكسار الصمت
في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول، ظهر أحمد علي في خطاب متلفز لأول مرة، متحدثًا عن الشأن السياسي في اليمن، ومعبرًا عن موقفه من جماعة أنصار الله (الحوثيين) بكل وضوح. بدا الخطاب وكأنه نقطة تحول عنوانها: انتهى عهد الصمت وبدأت المعركة الجديدة.
قال أحمد في خطابه: “نؤكّد يقينًا ونُبشّر شعبنا بأن موعد الخلاص من تلك الميليشيات بات قريبًا جدًا. فشعبنا الذي ثار ضد أجدادها من الأئمة الظالمين سوف ينتصر مرة أخرى لنفسه ويستعيد حريته وكرامته”.
وأضاف: “نجدد لكم العهد والوعد بأننا سنظل أوفياء لكل المبادئ، وإلى جانب شعبنا في كل ما يحقّق تطلعاته، ومهما كانت التحديات صعبة، فالليل الطويل لا بد أن ينجلي، وإن الغد موعده قريب”.
نقاط القوة التي يمتلكها أحمد تبدو جيدة، إذ يحظى بدعم شعبي كبير في اليمن، ويبدو منسجمًا مع القوى الإقليمية التي تؤثر على الملف اليمني، بخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولديه أقارب يقودون قوات عسكرية على الأرض في اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عداء إقليمي وعالمي متزايد لجماعة أنصار الله الحوثيين، وتفاقم العداء بعد هجماتها على خطوط الشحن العالمية في البحر الأحمر، ما تسبب بخسائر فادحة لشركات كبرى من دول متعددة.
انقسامات شعبية
على المستوى الشعبي في اليمن، تباينت ردود الفعل بشأن ظهور أحمد صالح كطرف جديد في معادلة الصراع في اليمن. البعض يعتبرون خطابه إعلانًا عن مرحلة جديدة في اليمن، بينما يراه آخرون أن الخطاب يبقى كلمات غير قادرة على تغيير الواقع في اليمن.
عبدالكريم، طالب جامعي في صنعاء، يقول في حديثه لـ “نون بوست”: “يمتلك أحمد علي سمعة جيدة في اليمن، ويحظى باحترام الملايين، ولا يزال الكثير من المواطنين يرون أنه الشخص الذي قد يُجمع عليه غالبية الشعب في الشمال والجنوب، لأنه لم يكن طرفًا مباشرًا في الحرب التي تشهدها اليمن منذ عقد”.
يشير عبدالكريم إلى أن الأطراف المتصارعة في اليمن فشلت في تقديم الخدمات الأساسية التي كان يقدمها نظام صالح، وصار المواطنون يرون أن عهد نظام صالح كان أفضل مما هو عليه الوضع القائم في الشمال والجنوب. يضيف: “يأمل البعض أن عودة أسرة صالح إلى الحكم ستسهم في استقرار اليمن”.
قبل سقوط صالح، كانت اليمن موحدة، وكانت تُجرى الانتخابات المحلية والرئاسية، حتى وإن كانت تبدو شكلية. كان الوضع التعليمي أفضل مما هو عليه الآن، وكانت الرواتب مستمرة وفرص العمل متوفرة بشكل أفضل من الوقت الراهن، وفقًا لعبد الكريم.
لا يتفق حسين، أحد سكان صنعاء، مع عبد الكريم، ويرى أن أسرة صالح “انتهى دورها” ولن تعود إلى حكم اليمن. وقال في حديثه مع “نون بوست”: “ليس من المنطقي أن يتقاتل اليمنيون لمدة عشر سنوات، ثم يقبلوا بالعودة إلى بقايا النظام البائد. لم يكن اليمن أغنى دولة ولا أقوى دولة في عهد صالح. وبالتالي، لن نقبل بعودة أحمد علي، وسنقاتل كل من يسعى إلى عودته”.
تحديات هائلة
عشر سنوات من الحرب حولت اليمن إلى دولة مقسمة، وبيئة غير مستقرة، موبوءة بجماعات مسلحة متفرقة في ظل هشاشة الدولة وتضارب السياسات الخارجية المتعلقة باليمن. ثمة تحديات هائلة في انتظار أحمد علي أو أي قائد سياسي أو عسكري يمني يطمح إلى إصلاح الوضع وإيقاف الحرب، ويتطلب التعامل مع هذه التحديات اتفاقيات سياسية وقوات عسكرية ودعم إقليمي ودولي.
تُعد القوة العسكرية لجماعة الحوثي التحدي الأكبر، إذ تمكنت من مواجهة التحالف العربي بقيادة السعودية منذ عام 2015 وحتى 2022. وبعد أكثر من ست سنوات من القتال المستمر، أعلن الطرفان هدنة في أبريل 2022، ولا تزال الهدنة الهشة سارية حتى اليوم.
خلال السنوات العشر الماضية، واصلت جماعة الحوثي تطوير قدراتها العسكرية، لا سيما في مجالي الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، وجندت مئات الآلاف من مختلف المحافظات التي تسيطر عليها. وبالتالي، الدخول في معركة جديدة مع الجماعة يشكّل تحديًا كبيرًا ويتطلّب استراتيجية جديدة واستعدادات واسعة النطاق.
يعترف خصوم الحوثيين أن القدرات العسكرية للجماعة تتزايد، وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في أواخر سبتمبر، إن المؤسسة الأمنية في “إسرائيل” رصدت تقدمًا ملحوظًا في قدرات الحوثيين العسكرية. ووضحت الصحيفة: “في الأشهر الأخيرة، رصدت المؤسسة الأمنية تقدمًا ملحوظًا في قدرات الحوثيين في اليمن، سواء في التصنيع الذاتي للطائرات المسيرة والصواريخ المتطورة بعيدة المدى، بالاعتماد على المعرفة الإيرانية وبمساعدة مهندسين محليين، أو في استخدام الأنفاق لإنتاجها وتخزينها”.
وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي رصد تقدمًا في نموذج الدفاع الذاتي لصالح الحوثيين، من خلال إنشاء مصانع في باطن الأرض في مناطق نائية، ومشاريع سرية.
يكمن التحدي الآخر في الانقسامات الداخلية بين المكونات المناوئة للحوثي في اليمن، حيث توجد قوات عسكرية في العديد من المحافظات التي تحت سيطرة الحكومة اليمنية والقوات المتحالفة معها، لكن هذه القوات تفتقر إلى القيادة العسكرية الموحدة، إذ تتحكم كل قوة بالمنطقة التي تنتشر فيها.
القوات الجنوبية تعمل وفقًا لتوجيهات المجلس الانتقالي الجنوبي، مكون انفصالي يسعى لانفصال الجنوب عن الشمال، ويقود العميد طارق صالح قوات عسكرية في المخا، وهناك الآلاف من الجنود في مأرب وتعز. ويظل توحيد هذه القوات لخوض معركة بقيادة موحدة أمرًا صعب المنال في ظل التباينات الواسعة.
تشير مجلة “The Maritime Executive” الأمريكية إلى أن القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها لا تشكّل تهديدًا يُذكر للحوثيين، حيث إن معظم أمراء الحرب اليمنيين المناهضين للحوثيين مهتمون بالدرجة الأولى بتأمين منافع اقتصادية شخصية من الداعمين الأجانب، ولا يوجد أي اهتمام بدفن الخلافات سعيًا لتحقيق يمن موحد.
وترى المجلة أن صلاحية الحكومة المعترف بها كبديل للحوثيين قد انتهت منذ عدة سنوات، حيث إن ما كان قائمًا من وحدة الهدف آخذٌ في التآكل. وتضيف: “يتجلى هذا بوضوح على الأرض، حيث لم يطرأ أي تغيير يُذكر على خط المواجهة بين الحوثيين وخصومهم منذ سنوات”.
مع ظهور أحمد علي في المشهد السياسي في اليمن، يظل السؤال الأهم: هل يستطيع تغيير المعادلة العسكرية والعودة إلى الواجهة بقوة أكبر وتأثير أعظم؟ ومتى يمكن أن يحدث ذلك؟ قد يكون ذلك ممكنًا، لكنه يتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا واسعًا، إلى جانب التوافق السياسي والتعاون العسكري بين الأطراف المحلية.