خطة ترامب.. حين تحوّل الوعد بالنصر إلى فخّ سياسي لنتنياهو

ترجمة وتحرير: نون بوست

كان الزعيم الإسرائيلي يظن أن لديه خطة من الرئيس الأمريكي تضمن له انتصارًا كاملًا على حماس، إلا أن الأمور بدت فجأة وكأنها قد لا تسير وفق ما كان يخطط له

لم تسر الأمور كما أرادها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ففي يوم الإثنين، حصل نتنياهو على خطة سلام من الرئيس ترامب وعدته بانتصارٍ كامل، في صيغة رسالة “خذها أو اتركها” موجهة إلى حركة حماس. إذ طُلب من الحركة أن تطلق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزّة خلال 72 ساعة، وأن تُلقي سلاحها وتتنازل عن أي دور في مستقبل القطاع، أو أن يُسمح لإسرائيل بمواصلة سعيها لتدمير الحركة بالكامل.

وفي يوم الجمعة، وردًا على إنذارٍ جديد من ترامب، أعلنت حماس أنها مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن، لكنها لم تحدد موعدًا لذلك، وتجنبت الحديث عن إلقاء السلاح، وطلبت “مناقشة التفاصيل” المتعلقة بخطة ترامب.

وبالنسبة للسيناتور ليندسي غراهام، الحليف المقرّب من نتنياهو، فإن ذلك كان “في جوهره رفضًا من حماس” لخطة الرئيس، كما كتب على وسائل التواصل الاجتماعي.

أما مايكل هرتسوغ، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، فقال في مقابلة إن ردّ حماس كان “كلمة لا متخفية في ثوب نعم”.

ومع ذلك، احتفى ترامب ببيان حماس بوصفه “موافقة غير مشروطة”، وكتب على وسائل التواصل: “استنادًا إلى البيان الصادر للتو عن حماس، أعتقد أنهم مستعدون لسلامٍ دائم. يجب على إسرائيل أن توقف فورًا قصف غزّة حتى نتمكن من إخراج الرهائن بأمانٍ وسرعة!”.

انتظر مكتب نتنياهو عدة ساعات قبل أن يرد، بعد الساعة الثالثة فجرًا بتوقيت إسرائيل يوم السبت، معلنًا أن البلاد جاهزة لـ”الإفراج الفوري عن جميع الرهائن”. ولم يشر البيان إلى شروط حماس، بل أعاد التأكيد على خطة السلام التي طرحها ترامب، موضحًا أن إسرائيل ستتعاون مع البيت الأبيض “لإنهاء الحرب وفق المبادئ التي وضعتها إسرائيل والمتوافقة مع رؤية الرئيس ترامب”.

وقد أنعش احتمال الإفراج عن الرهائن وإنهاء الحرب الآمال في إسرائيل وغزّة على حد سواء يوم السبت، بعد ما يقارب عامين من الصراع الوحشي والدمار الهائل.

غير أن نتنياهو يجد نفسه الآن محاصرًا بين ضغوطٍ سياسية داخلية وضغوطٍ جيوسياسية من ترامب ومن دولٍ عربية وإسلامية عبر الشرق الأوسط. فقد استقبلت دول كثيرة تطورات مساء الجمعة كما لو أن السلام قد تحقق بالفعل.

وقال إران عتصيون، نائب مستشار الأمن القومي السابق في عهد ثلاثة رؤساء وزراء إسرائيليين ومسؤول الشؤون الخارجية الرفيع سابقًا في فترة نتنياهو: “سيجد نفسه أمام عالمٍ كاملٍ يصفّق له، وعليه أن يشرح سبب معارضته لذلك.”

في خطابٍ متلفزٍ مساء السبت، لم يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عرض حماس للتفاوض، بل شدّد على رغبته في حصر تلك المحادثات في بضعة أيام فقط، مع الإبقاء على خيار العودة إلى العمل العسكري إذا امتنعت الحركة عن إلقاء سلاحها.

غير أن دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للجيش الإسرائيلي إلى التراجع الفوري، تمهيدًا لمفاوضات بين إسرائيل وحماس، لم تلقَ ترحيبًا من نتنياهو، وفق ما أكده إران عتصيون. وقال: “ستُجرى هذه المفاوضات في ظل وقفٍ لإطلاق النار، وهو ما يتناقض مع ما أراده نتنياهو الذي سعى لإتمامها تحت ضغطٍ عسكري إسرائيلي.”

ويرى مراقبون أن التطورات التي شهدها مساء الجمعة تُهدد تماسك الائتلاف الحاكم؛ فقد أُبلغ شركاء نتنياهو من اليمين، بموجب مقترح ترامب يوم الإثنين، بأن عليهم التخلي عن حلمهم بإخراج الفلسطينيين من غزّة نهائيًا، والسماح للإسرائيليين بالاستيطان وضمّ القطاع. أما الآن، فقد بات واضحًا أن حماس لن تختفي من المشهد، وربما لن توافق حتى على نزع سلاحها.

وقالت شيرا إفرون، محللة السياسات الإسرائيلية في مؤسسة راند للأبحاث: “لا أرى كيف يمكن لشركائه في الائتلاف قبول ذلك”، وأضافت: “إذا أراد نتنياهو تسويق الأمر كإنجاز، يمكنه الإشارة إلى أن خطة ترامب ستُنهي الحرب، وتعيد الرهائن، وتستبدل حماس بكيانٍ آخر لإدارة غزّة، وتفتح الباب أمام مشاركة عربية وإسلامية في إعادة الإعمار”، لكنها استدركت قائلة: “شركاؤه كانوا يأملون في روايةٍ مختلفة؛ روايةٍ غير واقعية”.

أما ما هو واقعي فعلاً فلا يزال غير واضح. فبرغم ما حملته التصريحات الأولى من حماس وإسرائيل من بصيص أملٍ لإنهاء الحرب، يرى محللون أن العقبات لا تزال كثيرة، منها المماطلة واحتمال تجدد العنف.

وقال إيال حولاتا، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق في حكومة نفتالي بينيت، والباحث حاليًا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “الأمر لم ينتهِ بعد.”

وأضاف حولاتا أن أكثر ما يثير قلقه هو احتمال أن يكون كل من حماس ونتنياهو “يتظاهران فقط”، ويُصدران تصريحات “لإرضاء مطالب الرئيس ترامب” من دون “نية حقيقية للوفاء بالتزامات حقيقية.”

ومع ذلك، لا يزال البعض يجرؤ على الأمل، وليس فقط بوقف الحرب في غزّة؛ إذ يرى عتصيون أن عزلة نتنياهو الدولية بلغت حدًا بات معه ممكنًا تصور مرحلة ما بعده في إسرائيل، وربما إحياء عملية سلامٍ أوسع مع الفلسطينيين. وقال إن هناك “مناخًا إقليميًا ودوليًا، وربما فلسطينيًا داخليًا، يهيئ الأرضية لاستئناف العملية السياسية”، وأضاف: “لا شيء سهل، لكنه ممكن إذا تحقق وقفٌ لإطلاق النار.”

المصدر: نيويورك تايمز