يوم جرذ الأرض في غزة: مفاوضات جديدة قد تكسر حلقة الجمود

ترجمة وتحرير: نون بوست
في فيلم “يوم جرذ الأرض” الصادر عام 1993، يُحكم على رجل ساخر بأن يستيقظ كل صباح في نفس المدينة ليعيش أحداث اليوم ذاته مرارًا وتكرارًا. قد يبدو الشرق الأوسط مشابهًا لذلك، لكن بصورة أكثر دموية ومأساوية.
في مساء الجمعة، قبلت حركة حماس خطة السلام المكونة من 20 بندًا التي قدمها الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، بإجابة متوقعة: “نعم، ولكن…”. وافقت الحركة على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء (وجثث القتلى)، ولكن فقط “بطريقة تضمن إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع”. وأضافت الجماعة أنها مستعدة للدخول في مفاوضات “لمناقشة التفاصيل”.
وفي محاولات سابقة لوقف الحرب، وافقت حماس أيضًا على وقف إطلاق النار من حيث المبدأ، لكنها رفضت التفاصيل. وقد نصت خطة ترامب بشكل لا لبس فيه على أن حماس يجب أن تنزع سلاحها وتتفكك. أما قبول حماس المشروط لإعادة الرهائن، فلم يتضمن أي ذكر لنزع السلاح، وأصرّت على أنها تخطط للمشاركة في “إطار وطني فلسطيني شامل”.
وكما في فيلم “يوم جرذ الأرض”، لا يتكرر السيناريو بنفس الطريقة في كل مرة. ففي ليلة الجمعة، اعتبر ترامب بيان حماس فرصة، وطالب إسرائيل بوقف قصف غزة. ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر رد حماس رفضًا لخطة ترامب للسلام، إلا أنه أمر بوقف الهجوم على مدينة غزة، وقد تراجع القصف بشكل كبير يوم السبت.
واختلفت الخطة نفسها نوعيًا هذه المرة، فبدلًا من المطالبة بتبادل جزئي للرهائن مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، كما تم الاتفاق عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 ويناير/ كانون الثاني 2025، جاءت خطة ترامب أكثر شمولًا. لذا فإن قبول حماس المشروط للخطة يُعد أمرًا جديرًا بالملاحظة.
من المقرر أن تُستأنف المفاوضات يوم الأحد أو الإثنين. ويتوجه المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر إلى القاهرة للمشاركة. وبعد أن نجح في دفع إسرائيل لوقف الهجوم، انتقل ترامب فورًا لتحذير حماس بأنها “يجب أن تتحرك بسرعة، وإلا فكل شيء سينهار”.
قد يكون هناك طريق نحو انفراجة أوسع نطاقًا، لكن العقبات المحتملة كبيرة. فبالنسبة لنتنياهو، الذي سيخوض انتخابات خلال العام المقبل، تحتوي خطة ترامب على ثلاثة مكاسب يأمل أن تقوده إلى النصر: استعادة جميع الرهائن، وإنهاء تهديد حماس العسكري، وإنهاء وجودها السياسي في الساحة الفلسطينية.
لقد تعرضت حماس لتدمير كبير، فقد قُتل جميع كبار قادتها. لكنها لا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وما تبقى من الحركة لا يرغب في نزع السلاح، بينما ترى إسرائيل أن ذلك غير مقبول.
وبالمثل، فإن مطالبة حماس بالمشاركة في السياسة الفلسطينية مستقبلًا قد تكون مطلبًا بعيد المنال، خاصة بالنسبة للعناصر اليمينية المتطرفة في ائتلاف نتنياهو، رغم وجود هامش بسيط للمناورة في هذا الشأن. وتعرض خطة ترامب “عفوًا” لأعضاء حماس الذين يوافقون على التخلي عن السلاح، وقد يُسمح لهؤلاء بالعودة إلى العمل السياسي. وربما يُسمح لهم بالمشاركة في “لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية” مؤقتة لإدارة غزة، تحت إشراف مجلس دولي.
لقد لعب الضغط الذي مارسته قطر وتركيا دورًا كبيرًا في دفع حماس إلى هذه المرحلة، لكن خلف الكواليس، تبدي تركيا ومعظم الدول العربية تحفظات. وسيكون العمل الحقيقي في القاهرة هو سد هذه الفجوات، وعزل المتشددين داخل حماس بشكل أكبر.
يتمثل التحدي الأكبر أمام الوفد الأمريكي المتجه إلى مصر في إنهاء القتال بطريقة ترضي إسرائيل دون تنفير القادة العرب. وإذا كان هناك حل معقول في المتناول، فعلى نتنياهو أن يتجنب السعي للكمال على حساب الممكن. فبعد عامين من هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول، يتوق جنود الاحتياط الإسرائيليون إلى العودة للحياة الطبيعية، وتشير استطلاعات حديثة إلى أن 72 بالمائة من الإسرائيليين يدعمون خطة ترامب، فلقد حان وقت اغتنام الفرصة.
ورغم وجود أسباب تدعو إلى التفاؤل الحذر في الأيام المقبلة، فإن أيام القصف في غزة ستظل تتكرر إلى أن يقرر أحدهم تغيير السيناريو بشكل حاسم.
المصدر: واشنطن بوست