اللجنة الرباعية والسودان.. كل ما تحتاج معرفته في 10 نقاط

تشهد الساحة السودانية في الآونة الأخيرة حراكًا سياسيًا ودبلوماسيًا مكثفًا يهدف إلى إيجاد حل سلمي للحرب الدائرة في البلاد منذ أبريل/نيسان 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقد أسفرت هذه الحرب عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف، إلى جانب نزوح ملايين السودانيين داخليًا وخارجيًا، في واحدة من أسوأ الأزمات التي تمر بها البلاد منذ عقود.

ومن أبرز الجهود المبذولة في هذا الإطار، التحركات التي تقودها اللجنة الرباعية المكوّنة من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، والتي عقدت اجتماعًا موسعًا في واشنطن، السبت 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وناقش الاجتماع سبل دفع عملية الانتقال نحو الحكم المدني في السودان، إضافةً إلى بحث سبل الحد من التدخلات الخارجية في الصراع المسلح، وفقًا لما أعلنه كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، عبر حسابه على منصة “إكس”

وبعد مرور أشهر على الحرب المدمّرة بين الجنرالين، وفشل العديد من المبادرات السياسية السابقة في تحريك الجمود الذي يلف الملف السوداني، برزت “اللجنة الرباعية” كإطار عربي–دولي جديد يسعى إلى إعادة هندسة مسار الوساطة. وهنا تبرز عدة تساؤلات محورية:

ما المهام التي أوكلت إلى هذه اللجنة؟ وكيف تختلف رؤيتها عن مسار جدة السابق؟ ثم ما الأهداف التي تسعى كل دولة من الدول الأربع لتحقيقها ضمن هذا التحالف الدبلوماسي الجديد؟ وأخيرًا.. ما أبرز التحديات المحتمل أن تواجهها اللجنة في تمرير خطتها؟

ماذا عن اللجنة الرباعية ومتى أنشئت؟

في يونيو/حزيران 2025، وبعد مرور نحو خمسة أشهر على تسلّم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامها رسميًا، شهدت السياسة الأميركية تجاه السودان تحوّلًا لافتًا تمثل في تكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب المستعرة منذ أبريل 2023، جاء ذلك في ظل إدراك واشنطن أن مسار مفاوضات جدة –الذي رعته بالشراكة مع الرياض– وصل إلى طريق مسدود، بعدما عجزت الأطراف المتحاربة عن الالتزام ببنود الوثيقتين اللتين تم توقيعهما، خاصة قوات الدعم السريع التي لم تنفذ تعهدها بالانسحاب من المواقع المدنية، ما أدى إلى تجميد المفاوضات منذ أواخر 2023.

أمام هذا التعثر، سعت الولايات المتحدة إلى إعادة تفعيل “المجموعة الرباعية” التي كانت قد تأسست في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير لدعم مسار الانتقال المدني، غير أنها أدخلت تعديلات جوهرية على تركيبتها، فقد تم استبدال بريطانيا بمصر، مع الإبقاء على الأعضاء الثلاثة الآخرين: الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات.

هذا التغيير لم يمر دون إثارة جدل واسع؛ إذ أثار استبعاد بريطانيا تساؤلات حول خلفياته السياسية ودلالاته الاستراتيجية، خصوصًا في ضوء العلاقات التاريخية بين لندن والخرطوم، فيما اعتبر محللون هذه الخطوة مؤشرًا على فتور في التنسيق الأميركي–البريطاني إزاء الملف السوداني، وربما على توجه واشنطن نحو مقاربة إقليمية جديدة تمنح الدور الأكبر للدول العربية ذات النفوذ المباشر في المشهد السوداني.

ماذا تريد الولايات المتحدة؟

لم تكن القارة الأفريقية ضمن أولويات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، إذ انصبّ تركيزها آنذاك على ملفات أكثر إلحاحًا في مناطق أخرى من العالم، الأمر الذي أدى إلى تراجع الحضور الأميركي في أفريقيا لصالح قوى منافسة مثل روسيا والصين، اللتين نجحتا في توسيع نفوذهما السياسي والاقتصادي والعسكري في القارة.

ومع بداية ولايته الثانية، بدا أن ترامب يسعى إلى إعادة إدراج أفريقيا ضمن أجندة السياسة الخارجية الأميركية، في محاولة لاستعادة المكانة التي فقدتها واشنطن هناك خلال العقد الأخير، وجاء الملف السوداني في مقدمة أولويات هذا التحرك، بوصفه إحدى أكثر الأزمات تعقيدًا في المنطقة، نظرًا لتشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية فيه وتداخل الحسابات السياسية والعسكرية على أرضه.

في هذا السياق، برزت خطوة إحياء اللجنة الرباعية بعد 6 سنوات تقريبًا من جمود حراكها، كجزء من مقاربة أميركية جديدة تسعى إلى إدارة الملف السوداني عبر الشراكة مع حلفاء إقليميين بدل الانخراط المنفرد، فيما يعكس رغبة واشنطن في توزيع أعباء الوساطة ومسؤولية التعامل مع الأزمة، بما يخفف عنها الضغوط الداخلية المتزايدة من الكونغرس ومنظمات حقوق الإنسان التي تتهم الإدارة الأميركية بـ«اللامبالاة» تجاه الانتهاكات وجرائم الحرب التي تشهدها الساحة السودانية.

ما الأهداف المعُلنة؟

تسعى اللجنة الرباعية، من خلال تحركاتها الدبلوماسية المكثفة، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تتداخل فيها الأبعاد الإنسانية والسياسية والأمنية، في محاولة لإرساء مقاربة شاملة لمعالجة الأزمة السودانية التي بلغت مستويات غير مسبوقة من التدهور.

فعلى الصعيد الإنساني، تضع اللجنة في مقدمة أولوياتها وقف إطلاق النار بشكل كامل، أو على الأقل التوصل إلى هدنة إنسانية طويلة الأمد تتيح وصول المساعدات إلى المدنيين المحاصرين في مناطق النزاع.

ويأتي هذا التوجه في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية في البلاد، حيث أدّت الحرب إلى بلوغ المجاعة مستويات كارثية، وتهديد حياة الملايين بالخطر، فضلاً عن وقوع عشرات الآلاف من الأطفال والنساء فريسة الموت البطيء نتيجة نقص الغذاء والدواء وانهيار الخدمات الأساسية.

أما على المستوى السياسي، فتهدف اللجنة إلى إعادة تفعيل مسار الانتقال المدني عبر فرض خارطة طريق واضحة وجدول زمني معلن يقود إلى تشكيل حكومة مدنية جامعة تُنهي حالة الفراغ المؤسسي، وتُدرك الأطراف المنخرطة في اللجنة أن استمرار غياب السلطة الشرعية يُفاقم الفوضى ويزيد من صعوبة الوصول إلى تسوية دائمة.

وفي البعد الأمني والسيادي، تضع اللجنة نصب أعينها الحيلولة دون تفكك الدولة السودانية وانهيار مؤسساتها، لا سيما الجيش، باعتبارها الضامن الأخير لوحدة البلاد، وتسعى الجهود في هذا الإطار إلى منع تآكل سيادة السودان وصون تماسكه الداخلي، بما يحول دون تحوله إلى ساحة نفوذ مفتوحة تتنازعها القوى الإقليمية والدولية المتنافسة.

ما الفرق بين الرباعية ومسار جدة؟

يُظهر عمل اللجنة الرباعية اختلافًا جوهريًا عن مسار جدة من حيث التركيبة والأهداف وطبيعة المقاربة السياسية، ما يجعلها إطارًا أكثر اتساعًا وعمقًا في معالجة الأزمة السودانية.

أولًا: من حيث التكوين والثقل الدبلوماسي

جاء مسار جدة محدودًا في بنيته، إذ اقتصر على الولايات المتحدة والسعودية فقط، ما جعله أقرب إلى منصة تفاوضية ضيقة تركز على الجانب الإجرائي من الأزمة، في المقابل، وسّعت اللجنة الرباعية دائرة التمثيل لتضم الإمارات ومصر إلى جانب واشنطن والرياض، في خطوة مدروسة تهدف إلى تعزيز التوازن والنفوذ داخل العملية التفاوضية.

فالإمارات تمتلك قنوات تأثير مباشرة على قوات الدعم السريع، بينما تُعد مصر الطرف الأكثر اتصالًا بالمؤسسة العسكرية السودانية، هذا التنوع في العلاقات منح الرباعية ثقلًا سياسيًا أكبر وعمقًا إقليميًا أوسع، بما يسمح لها بالتأثير المتبادل على طرفي الصراع، وهو ما افتقر إليه مسار جدة.

ثانيًا: من حيث الأهداف ومجال التحرك

انحصر مسار جدة في بعده الإنساني، إذ ركزت الجهود على فرض هدنة مؤقتة تتيح وصول المساعدات وحماية المدنيين من آثار الحرب. ومع أهمية هذا الهدف، إلا أنه لم يُعالج جذور الأزمة أو يضع تصورًا واضحًا لمستقبل الدولة السودانية.

أما اللجنة الرباعية، فقد تبنت رؤية أشمل متعددة المستويات، تجمع بين الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية. فهي لا تسعى فقط إلى وقف إطلاق النار، بل تهدف أيضًا إلى تهيئة الأرضية لانتقال سياسي شامل يقود إلى إقامة حكم مدني مستقر، مع وضع ترتيبات مؤسسية للمرحلة المقبلة تضمن عدم عودة الصراع مستقبلاً.

ماذا عن خارطة الطريق المطروحة؟

في سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت اللجنة الرباعية بإعلان أول مخرجاتها الدبلوماسية، حيث طرحت خريطة طريق جديدة لتسوية الأزمة السودانية، تتضمن هدنة إنسانية أولية لمدة ثلاثة أشهر تليها عملية انتقالية شاملة تُستكمل خلال تسعة أشهر، ويعكس هذا الإطار الزمني- نظريًا على الأقل- محاولة اللجنة الجمع بين الاستجابة العاجلة للكارثة الإنسانية وإرساء أسس سياسية وأمنية مستدامة لإنهاء الصراع.

كما أكدت اللجنة عبر خطتها على أن مستقبل الحكم في السودان يجب أن يقرره الشعب السوداني نفسه عبر عملية انتقالية شاملة وشفافة، خالية من أي سيطرة أو هيمنة من قبل أي طرف من الأطراف المتحاربة، وهو التأكيد الذي يعكس فهم اللجنة أن الشرعية الشعبية والسيادة الوطنية عنصران جوهريان لأي تسوية دائمة، وأن الحلول المفروضة خارجيًا ستكون محدودة التأثير وربما مهددة للاستقرار على المدى الطويل.

كما سلطت الضوء على أهمية وحدة السودان وسلامة أراضيه باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للسلام والاستقرار، مشددة على استحالة الحل العسكري للصراع في ظل تداخل القوى والميليشيات المسلحة، وأن استمرار الوضع الراهن يؤدي إلى معاناة غير مقبولة ويهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

على الصعيد الإنساني، دعت اللجنة جميع الأطراف إلى تسهيل وصول المساعدات بسرعة وأمان إلى جميع أنحاء البلاد، دون أي عوائق، مع الالتزام بحماية المدنيين وفقًا للقانون الإنساني الدولي، واحترام التعهدات السابقة بما فيها إعلان جدة الصادر في مايو/أيار 2023.

وفي ذات السياق حثت على الامتناع عن الهجمات الجوية والبرية العشوائية على البنية التحتية المدنية، إيمانًا بأن الجانب الإنساني والأمني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنجاح السياسي لأي عملية انتقالية، وأن التقاعس في هذا المجال سيقوض فرص السلام المستدام.

هل للتوقيت من دلالة؟

تزامن طرح اللجنة لخارطة الطريق، مع موعد انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والمقرر له سبتمبر/أيلول من كل عام، بالتأكيد ليس تزامنًا اعتباطيًا، بل يعكس حسابات دبلوماسية دقيقة تهدف إلى توظيف الزخم الدولي المحيط بالاجتماعات لتحقيق أكبر قدر من التأثير والضغط.

وفر هذا التزامن للجنة غطاءً دبلوماسيًا واسع النطاق من قبل المجتمع الدولي، إضافةً إلى دعم مؤسسات إقليمية كبرى مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة “الإيغاد”، ما عزز مكانتها كمنبر تفاوضي يتمتع بشرعية متعددة المستويات، إقليمية ودولية على حد سواء.

كما يحاول هذا التزامن تحقيق حزمة من الأهداف الاستراتيجية الأخرى مثل تجاوز إخفاقات المسارات السابقة، وعلى رأسها مسار جدة، الذي فقد زخمه، وإضفاء شرعية موسعة على الدور الإقليمي، من خلال تمكين الدول الأربع –وخاصة العربية منها– من قيادة جهود الوساطة بوصفها الأطراف الأكثر تأثيرًا في المشهد السوداني، مما يمنح العملية طابعًا واقعيًا يرتكز على النفوذ الفعلي في الميدان.

كل هذا يمهد الطريق نحو تعظيم الضغط السياسي والإعلامي على الأطراف السودانية عبر طرح الملف في أكبر محفل دبلوماسي عالمي، بحيث تجد القوى المتحاربة نفسها أمام رقابة دولية مباشرة، ما يضعها تحت طائلة المساءلة الأخلاقية والسياسية في حال استمرارها في تعطيل مسار الحل السلمي.

ماذا عن ردود الفعل إزاء الخارطة؟

انقسمت الآراء السودانية إزاء خارطة الطريق التي أعلنتها اللجنة الرباعية:

الحكومة السودانية أبدت تحفظًا على الخريطة من دون ذكر اللجنة، مؤكدة ترحيبها بأي جهد إقليمي أو دولي يساهم في إنهاء الحرب ووقف هجمات الدعم السريع ورفع الحصار عن المدن، وشددت على احترام سيادة الدولة ومؤسساتها الشرعية، ورفض المساواة بينها وبين المليشيا المسلحة، مؤكدة أن السلام مسؤولية الشعب ومؤسسات الدولة، وأن أي تدخل خارجي يجب أن يحترم مصالح السودان العليا.

الحكومة الموازية بقيادة الدعم السريع رحبت بالخارطة، مؤكدة استعدادها للتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، ودعت إلى عزل ما وصفتها بالجماعات الإرهابية لتحقيق السلام والاستقرار، معتبرة الخارطة خطوة نحو معالجة جذور الأزمة التاريخية.

القوى المدنية والسياسية، مثل التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” والتحالف الديمقراطي للمحامين، رحبت بالخارطة، معتبرة أنها تمثل إشارة إيجابية لالتزام المجتمع الدولي بوقف الحرب وحماية المدنيين وتهيئة الظروف للحوار السياسي الشامل، مؤكدين أن الحل العسكري لم يعد مجديًا وأن المسار السياسي هو الطريق لتحقيق الاستقرار الدائم.

الفصائل المحسوبة على النظام السابق رفضت الخارطة أو أبدت تحفظًا، معتبرة أنها تحاول تهميش دورهم السياسي أو استبعاد أجندتهم.

ومن هنا يظهر انقسامًا واضحًا بين الحكومة الرسمية، الدعم السريع، القوى المدنية، والفصائل القديمة، مما يعكس تحديًا كبيرًا أمام تنفيذ خارطة الطريق على الأرض.

مقاربات الدول الرباعية.. ماذا عنها؟

على الرغم من انضواء الدول الأربع (الولايات المتحدة – السعودية – الإمارات – مصر) تحت إطار واحد بهدف مشترك هو إنهاء الحرب في السودان، إلا أن كل دولة تتبنى مقاربتها الخاصة وفق مصالحها الاستراتيجية وطموحاتها في المنطقة:

الولايات المتحدة: تسعى واشنطن إلى استعادة نفوذها المتراجع في أفريقيا عبر السودان، ومنع تحوله إلى بؤرة صراع إقليمي ودولي قد يهدد مصالحها في البحر الأحمر، كما تعمل على قطع الطريق أمام أي توسع روسي محتمل، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

السعودية: تتحرك الرياض على أساس ضمان استقرار محيط البحر الأحمر، وتحرص على الظهور كوسيط محايد وفاعل إقليميًا، كما تفضل تسوية سريعة للنزاع لتفادي تداعياته الإنسانية والأمنية على مصالحها الاستثمارية في المنطقة.

مصر: تعتبر السودان امتدادًا لأمنها القومي وحديقتها الخلفية الحيوية، ولذلك تولي القاهرة أهمية قصوى للدور المؤسساتي للجيش السوداني، تخشى مصر من تفكك الدولة السودانية وتسعى لضمان تشكيل حكومة انتقالية لا تهدد أمنها، خاصة فيما يتعلق بملف نهر النيل، في ظل الضغوط الحدودية المتعددة التي تواجهها من الشرق والغرب والجنوب.

الإمارات: تهدف أبو ظبي إلى تعظيم مصالحها واستثماراتها في السودان عبر دعم قوات الدعم السريع، والسعي للحصول على موطئ قدم استراتيجي في البلاد، بما يعزز نفوذها في البحر الأحمر ويساهم في السيطرة على ميناء بورتسودان الحيوي.

ماهي أبرز نقاط القوة في عمل اللجنة (المحفزات)؟

تتمتع اللجنة الرباعية بعدة إمكانيات تجعلها قادرة على ترجمة مخرجاتها إلى واقع ميداني، وتشير إلى قوة محتملة في إدارة الأزمة السودانية:

قوة التشكيل الرباعي: تتألف اللجنة من توليفة متوازنة نسبياً من حيث النفوذ، بقيادة الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى تسعى لتحقيق إنجاز دبلوماسي يُحسب للإدارة الأميركية، إلى جانب ثلاثة لاعبين إقليميين ذوي تأثير مباشر على طرفي الحرب، ما يمكنها من ممارسة ضغط دبلوماسي مكثف وفعال على قادة الجيش وقوات الدعم السريع.

عملية سياسية شاملة وليست مؤقتة: ركزت اللجنة في خارطة طريقها على الانتقال نحو عملية انتقالية سياسية كاملة، متجاوزة نطاق الهدن المؤقتة، وهو ما يمنح العملية هدفًا سياسيًا واضحًا وقوة دفع أكبر تتجاوز مجرد معالجة الأوضاع الإنسانية العاجلة.

الدعم الدولي والإقليمي: تحظى خارطة الطريق بتأييد المؤسسات الدولية والإقليمية، إضافة إلى غالبية القوى السياسية الداخلية في السودان، ما يمنحها شرعية ووزنًا يمكن استثماره في تشديد العقوبات أو الضغوط في حال عدم الامتثال من قبل الأطراف المتحاربة.

ماذا عن نقاط الضعف (التحديات)؟

تواجه اللجنة الرباعية عددًا من نقاط الضعف الجوهرية التي قد تعيق تحقيق أهدافها في السودان، ويمكن تحليلها على النحو التالي:

انعدام الثقة بين الأطراف السودانية: هناك فقدان كامل للثقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وكذلك بين الجيش والوسيط الإماراتي، وهو السبب الرئيس لفشل المسارات السابقة. غياب الثقة يجعل أي اتفاق عرضة للانهيار السريع ويحدّ من قدرة اللجنة على فرض التزامات ملزمة على الأرض.

رفض الجيش السوداني ومخاوف السيادة: الحكومة والجيش السوداني أعلنا موقفهما الرافض لخارطة الطريق، معتبرين إياها تدخلًا في السيادة الوطنية ومساواة بين الجيش والميليشيات المسلحة، يمثل هذا الرفض تحديًا مباشرًا لصلاحيات اللجنة ويقلل من فرص تنفيذ أي ترتيبات سياسية أو أمنية على الأرض.

تضارب المصالح داخل اللجنة نفسها: رغم التوحد الظاهري تحت هدف إنهاء الحرب، إلا أن الأعضاء الأربعة لديهم مقاربات مختلفة، فواشنطن والرياض والقاهرة تميل إلى دعم الجيش السوداني، بينما تميل أبوظبي إلى قوات الدعم السريع، هذا التناقض في المصالح قد يؤدي إلى ضغوط متناقضة على الأطراف السودانية ويؤجل التسوية بدلاً من تسريعها.

تجاهل القوى المدنية: ركّزت اللجنة على الأطراف العسكرية دون إعطاء دور واضح للقوى المدنية، وهي الفاعل الأساسي للثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير، هذا التجاهل يمثل عقبة كبيرة أمام شرعية أي تسوية ويحد من قدرتها على تحقيق توافق وطني شامل.

ما السيناريوهات المحتملة؟

يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية تحدد مستقبل عمل اللجنة الرباعية وقدرتها على اختراق خطوط الأزمة السودانية وإنهاء حرب الجنرالات:

السيناريو الأول: النجاح الكامل

ويتمثل في قدرة اللجنة على فرض خارطة الطريق بالكامل، وإجبار الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على الالتزام ببنودها، بما يشمل وقف الحرب، إدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق عملية انتقالية شاملة، ويواجه هذا السيناريو تحديات جوهرية، أبرزها تباين مواقف الوسطاء أنفسهم، وتمسك كل طرف من أطراف الحرب بمواقفه دون رغبة في التنازل.

فيما يتطلب نجاح هذا المسار آليات صارمة للفرض، محفزات سياسية ومالية للأطراف كافة، وضمان مشاركة القوى السياسية والمدنية، وهو أمر بالغ الصعوبة وغير مضمون النتائج على المدى القصير.

السيناريو الثاني: الهدن الإنسانية المؤقتة

ويعني اللجوء إلى تسويات محدودة ووقف جزئي لإطلاق النار لكسر دورة الحرب، تخفيف معاناة المدنيين وتقليل تكلفة الصراع على المدى القصير، هذا السيناريو يُعتبر الأكثر احتمالاً إذا توفرت آليات التنفيذ، إذ يمكن أن يشكل مرحلة التقاط أنفاس للأطراف المتحاربة، لكنه يظل حلًا مرحليًا غير جذري، إذ لا يضع نهاية نهائية للحرب ولا يضمن استمرار الاستقرار السياسي.

السيناريو الثالث: الفشل والتدهور

ويحدث عندما يتمسّك كل طرف بمواقفه بلا مرونة، ويتباين موقف الوسطاء الأربعة، أو يتصاعد المشهد الميداني، ما يحول المبادرة إلى نسخة أخرى من قائمة المبادرات الفاشلة السابقة، وفي هذا السيناريو، ستستمر الحرب، مع زيادة النزوح والمجاعة، تعقيد جهود الإغاثة، تآكل مؤسسات الدولة، واستمرار احتمالية التقسيم، مما يجعل السودان أكثر هشاشة وتعقيدًا أمام أي محاولة للسلام.

في الأخير فإن مستقبل اللجنة الرباعية وحظوظ نجاحها في السودان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرتها على تحقيق بعض الخطوات، أبرزها توحيد الرؤى الداخلية بين الدول الأعضاء، وفرض التزامات واضحة وملزمة على أطراف الصراع، واستثمار الدعم الدولي والإقليمي بشكل فعال.

وبدون هذه العوامل، فإن أي جهود دبلوماسية ستظل محدودة التأثير، معرضة للتعثر أمام تعقيدات الواقع الميداني والانقسامات السياسية، وربما مجرد إضافة إلى سجل المبادرات غير الناجحة، ومن ثم تكمن قوة الرباعية في إدارتها للتوازن بين النفوذ الإقليمي والدولي، وقدرتها على تحويل الضغوط السياسية والدبلوماسية إلى واقع ملموس على الأرض، وإلا فإن الأزمة السودانية ستظل قائمة، مستمرة في تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.