مشروع ممر الطاقة الإسرائيلي السعودي الجديد، ما هو؟

تعمل الولايات المتحدة على إعادة رسم خريطة العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط عبر مشاريع اقتصادية عابرة للحدود، تُعيد تعريف النفوذ الأميركي من أدوات القوة الصلبة إلى شبكات الربط التجاري والطاقة والبنى التحتية. وفي هذا السياق، تدرس “إسرائيل” – بدعم أميركي – مشروع “ممر طاقة إقليمي” يربطها بالمملكة العربية السعودية مرورًا بالأردن، ضمن خطة أوسع لتعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة وتخفيف اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية.
يُقدَّم المشروع باعتباره امتدادًا عمليًا لاتفاقيات أبراهام، ومحاولة لترسيخ تطبيعٍ غير مباشر بين “إسرائيل” والسعودية، تحت مظلة التعاون في مجالات النقل والطاقة. وتشير التسريبات الأولية إلى أن الممر سيشمل خطوطًا لنقل الكهرباء والمياه والهيدروجين الأخضر، إلى جانب مسار بري ولوجستي يربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر.
يأتي هذا التوجه في لحظة تحوّل لافتة في السياسة الأميركية بالمنطقة، إذ تسعى واشنطن إلى استبدال حضورها العسكري التقليدي بنفوذ اقتصادي واستراتيجي طويل الأمد، يتيح لها الحفاظ على موقعها وسط تنافسها المتصاعد مع الصين وروسيا.
ما تفاصيل مشروع ممر الطاقة الجديد؟
تقوم فكرة ممر الطاقة الإسرائيلي-السعودي على إنشاء شبكة إقليمية متكاملة للنقل والطاقة والبنية التحتية، تمتد من الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط وصولًا إلى الموانئ السعودية على البحر الأحمر، مرورًا بالأردن، على أن تتفرع منها خطوط فرعية لنقل الكهرباء والهيدروجين الأخضر والمياه، إضافة إلى مسار بري وسككي لتسهيل حركة السلع والطاقة بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط.
ووفق تحليلات متقاطعة نشرها موقع “War on the Rocks” و “The Times of Israel”، فإن المشروع ليس فكرة معزولة، بل حلقة ضمن رؤية أمريكية أوسع لإعادة تشكيل خريطة التجارة والطاقة العالمية. إذ تسعى واشنطن إلى خلق ممر بديل عن خطوط الإمداد الروسية والصينية، مستند إلى بنية تحتية تمر عبر دول حليفة في الشرق الأوسط، في إطار ما يُعرف بـ”ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا” (IMEC).
ويُتوقع أن يشمل المشروع استثمارات ضخمة في شبكات النقل البري والبحري والاتصالات والطاقة المتجددة، إلى جانب مراكز تخزين وشحن لوجستي في الأردن والسعودية و”إسرائيل”.
من الجانب الإسرائيلي، يُنظر إلى المشروع بوصفه اختراقًا جيوسياسيًا واقتصاديًا مزدوجًا، فهو أولًا يمنح “إسرائيل” موقعًا محوريًا في شبكة الطاقة الإقليمية الجديدة، ويجعلها بوابة العبور بين البحر المتوسط والعالم العربي. وثانيًا، يمهد الطريق لتطبيع تدريجي مع السعودية دون الحاجة إلى اتفاق سياسي علني، إذ يتيح التعاون الفني والتجاري المباشر عبر طرف ثالث – الأردن – لتجاوز الحساسيات السياسية.

وقد وصف مسؤولون إسرائيليون المشروع بأنه “أعظم خطوة في تاريخ التعاون الإقليمي”، معتبرين أنه ينقل “إسرائيل” من الهامش الجغرافي إلى قلب حركة التجارة والطاقة العالمية.
أما من المنظور السعودي، فيُقرأ المشروع ضمن إطار التحول الاقتصادي لرؤية 2030، التي تضع البنية التحتية والطاقة المتجددة في صدارة أولوياتها، فالسعودية ترى في هذا الممر وسيلة لتعزيز موقعها كمركز إقليمي لتوليد وتصدير الطاقة النظيفة، وخصوصًا الهيدروجين الأخضر، إلى الأسواق الأوروبية، مع الحفاظ على دورها القيادي في سوق الطاقة التقليدية.
كما أنه يمنحها قناة جديدة لتوسيع شراكاتها الاقتصادية دون التورط في التزامات سياسية معلنة تجاه إسرائيل، ما ينسجم مع مقاربتها الحذرة إزاء التطبيع.
أهداف اقتصادية أم سياسية؟
يُقدَّم مشروع الممر بوصفه جزءًا من «لحظة الشرق الأوسط» لإدارة ترامب، تحوّل استراتيجي يَستبدلُ أدوات الانخراط العسكري المكلف بتكامل اقتصادي عابر للحدود، يقوم على البنى التحتية والطاقة والربط التجاري، مع تمكين الشركاء الإقليميين من قيادة التنفيذ. هذه المقاربة ترى في IMEC (ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا) منصةً لإحياء سلاسل الإمداد بين آسيا وأوروبا عبر الخليج وشرق المتوسط، إذا نجح ضبط المخاطر الأمنية وتوحيد النموذج التجاري.
لفهم هذا التحوّل، تُظهر وثائق رسمية أن واشنطن تُسند ثقلها إلى الممرات الاقتصادية، فقد أعلن البيت الأبيض في قمة العشرين 2023 إطلاق IMEC لتعزيز الاتصال الاقتصادي، مع أعمدة للنقل والطاقة والاتصال، بوصفه رافعة للنمو وتخفيفًا لاعتماد أوروبا على مسارات هشّة.
كما تؤكد تقارير مراكز الأبحاث بعد 2024 أن أولوية الإدارة الأميركية الراهنة تمتد إلى توسيع الشراكات الاقتصادية والتكنولوجية وردع الخصوم من دون توسيع البصمة العسكرية.
على المستوى العملي، يَصوغ خبراء وسياسات أوروبيون وأطلسيون صورةً أكثر تفصيلًا على الشكل التالي: ثلاثة أعمدة مترابطة، نقل (خط بحري/سككي)، طاقة (شبكات كهرباء وهيدروجين أخضر)، ورقمي (كوابل ألياف وبيانات) تجعل الممر أداة موازِنة لطريق الحرير الصيني، بشرط تجاوز فجوات الحوكمة والتمويل والمخاطر الجيوسياسية.
إسرائيليًا، يتقدّم البُعد السياسي على الاقتصادي، إذ ترى تل أبيب في الممر اختراقًا جيوسياسيًا يمنحها مركزية في شبكة الإقليم، ويُرسّخ تطبيعًا «وظيفيًا» مع السعودية عبر الأردن والبنية التحتية، ولو قبل معاهدة علنية شاملة؛ كما يُعطيها موقع عبور بين المتوسط والعالم العربي ضمن شبكة طاقة ولوجستيات أوسع ترعاها واشنطن.
سعوديًا، يميل الميزان إلى الاقتصاد الاستراتيجي، إذ يُقارب المشروع من زاوية رؤية 2030 وتنويع القاعدة الإنتاجية وتصدير الطاقة النظيفة (الهيدروجين الأخضر) إلى أوروبا، مع الحفاظ على الدور القيادي في أسواق الطاقة التقليدية. كما يوّفر الممر قناة تعاونٍ وظيفي منخفض التكلفة السياسية قبل أي ترتيبات تطبيع علنية.
العقبات أمام تنفيذه في الوقت الراهن
يحتاج المشروع لكي ينهض إلى تفكيك عُقد أمنية معقّدة في الخليج وشرق المتوسط، مع تمكين الشركاء الإقليميين من قيادة التنفيذ التجاري واللوجستي. إذ إن التحليل المرجعي الذي قدّم دراسة مشروع الممر ضمن «لحظة الشرق الأوسط» لإدارة ترامب، يربط نجاح المشروع بقدرة واشنطن على معالجة المخاطر الأمنية بالتوازي مع بناء نموذج تجاري موحّد تقوده العواصم المعنية.
أبرز هذه التحديات يتمحور حول الممرّات البحرية الحساسة:
البحر الأحمر وباب المندب: هجمات الحوثيين منذ نهاية 2023 عطّلت خطوط الشحن، رفعت كلفة التأمين، وأجبرت شركات كبرى على الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، ما يقوّض أي وعود بتقليص زمن النقل عبر الممر.
مضيق هرمز: يظلّ عنق الزجاجة الأخطر لإمدادات الطاقة العالمية. أي توتر بين طهران وخصومها يرفع مخاطر التعطيل المباشر أو غير المباشر للتدفقات النفطية والغازية، مع محدودية البدائل الواقعية.
الارتدادات الإقليمية للنزاعات الجارية: الحرب في غزة وتداعياتها أوقفت عمليًا مسار IMEC وأدخلت مشاريع الربط في حالة «تعليق» إلى حين إعادة توازن المشهد الأمني والسياسي. بالإضافة للتصعيد الإيراني-الإسرائيلي الذي أحدث موجات صدمة في سلاسل التجارة والطاقة امتدت إلى آسيا وأوروبا.
ولا تقتصر الصعوبات على البحر، فالمسار البري للمشروع يعبر دولًا متباينة في بنيتها الأمنية، من الأردن إلى “إسرائيل”، ما يفرض تحديات إضافية تتعلق بتأمين الحدود وضبط خطوط الإمداد ومنع التهريب والتخريب. ومن دون منظومة أمنية مشتركة واتفاقات واضحة لتبادل المعلومات وحماية البنية التحتية، سيظلّ تنفيذ المشروع عرضةً للاضطراب في كل محطة من محطاته.

عدا عن أن تأمين الممر يتطلب ترتيبات بحرية وجوية دائمة بمشاركة دولية، وآلية تمويل مستدامة لتغطية نفقات الحراسة والتأمين. وفي ظل غياب رؤية موحدة بين الأطراف الإقليمية، يصعب تحديد من سيتحمّل العبء الأكبر في حال التصعيد أو تعطّل خطوط الإمداد.
الممر بالطبع ليس مشروعًا للبنية التحتية بقدر ما هو محاولة أمريكية تعيد فيها واشنطن تعريف حضورها في المنطقة بعد عقود من الانخراط العسكري المباشر، وعبر ممرّات تنقل النفوذ بدل القوات. أما بالنسبة “لإسرائيل”، فهو طريق مختصر نحو شرعية إقليمية لا تمنحها إياها السياسة، ويمكنها تحصيلها عبر الاقتصاد.
غير أنّ هذا المشروع، سيبقى عالقًا في تشابكات الواقع وتناقضاته لفترة جيدة من الوقت؛ وإن كُتب له أن يرى النور، فلن يُقاس نجاحه بما ينقله من طاقة، بل بما إذا كان سيفتح الطريق أمام شرعنة نفوذٍ إسرائيلي جديد باسم الطاقة والتعاون.