فاطمة الزهراء المنصوري: أول امرأة تقترب من رئاسة الحكومة المغربية

في سياق استعداد المغرب لتنظيم الانتخابات التشريعية 2026، يبرز اسم فاطمة الزهراء المنصوري كعلامة فارقة تُربك الحسابات التقليدية وتنعش سؤالا ظل مؤجلا لعقود؛ هل يمكن لامرأة أن تعتلي رئاسة الحكومة؟ فمع كل خطوة تخطوها المنصوري داخل حزب الأصالة والمعاصرة، يتسع الجدل حول مستقبل هذا الصعود، وحول ما إذا كان يُمهد لانعطافة تاريخية في علاقة المغرب بتمثيل النساء في السلطة.
تحظى وزيرة السكنى والتعمير باهتمام واسع في المشهد السياسي المغربي، فهي المنسقة الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يعمل مناضلوه وأطره على إبراز دورها القيادي والترويج لاسمها كإحدى أبرز المرشحين لقيادة المشاورات الحكومية المقبلة، تمهيدا لطرحها كمرشحة محتملة لرئاسة الحكومة بعد الاقتراع المرتقب خلال الأشهر المقبلة.
يفتح هذا التطور النقاش المتجدد حول قدرة المغرب على خوض تجربة سياسية تُسند موقعا قياديا للمرأة داخل السلطة التنفيذية؛ إذ لم يعد احتمال أن تتولى امرأة رئاسة الحكومة مجرد فكرة نظرية، بل خيارا تزداد وجاهته في ضوء السياق الدولي الذي أثبتت فيه قيادات نسائية عديدة قدرة استثنائية على إدارة أزمات بالغة التعقيد.
يتغذى هذا النقاش من تجارب مثل تساي إينغ وين في تايوان التي برهنت على وجود نموذج قيادة استباقية وناجحة خلال جائحة كورونا، واستطاعت بلادها -رغم قربها من بؤرة التفشي- الحفاظ على واحد من أدنى معدلات الإصابات عالميا. وفي نيوزيلندا قدمت جاسيندا أرديرن درسا في القيادة الإنسانية الصارمة، بينما قادت أنجيلا ميركل ألمانيا ببرودة أعصاب مدعومة بخلفيتها العلمية، وهو ما ساهم في خفض معدلات الوفيات مقارنة بدول أوروبية كبرى.
من المحاماة إلى الشأن العام
وُلدت المنصوري عام 1976 في بيئة مشبعة بالعمل السياسي والدبلوماسي، فوالدها جهاد عبد الرحمن المنصوري كان باشا مراكش ثم سفير المغرب لدى الإمارات.
خطت مسارها الدراسي بثبات، فحصلت عام 1998 على إجازة في القانون من جامعة محمد الخامس بالرباط، تلتها سنة 1999 شهادة الدراسات المعمقة في عقود الأعمال من جامعة مونبلييه، قبل أن تُكمل عام 2000 تكوينها بشهادة في القانون التجاري الأنغلو-ساكسوني من جامعة نيويورك.
عام 2005 التحقت المنصوري بنقابة المحامين في مراكش، مسقط رأسها، حيث بدأت مسارها المهني في المحاماة، مع تركيز خاص على القضايا العقارية، لكن شغفها بالشأن العام سرعان ما دفعها إلى تجاوز حدود المكتب والمحكمة، نحو فضاء أوسع.

منذ اللحظات الأولى لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في أغسطس/ آب 2008، بدأت المنصوري العمل السياسي، وترشحت للانتخابات الجماعية في العام الموالي لتصبح أول أمرأة تتولى منصب عمدة في تاريخ مراكش، والثانية في البلاد، كما انضمت إلى البرلمان في انتخابات 2011، ثم أعيد انتخابها في دورتي 2016 و2021 على التوالي.
في عام 2015، تولت المنصوري لأول مرة رئاسة المجلس الوطني (الجهاز الاستشاري الأعلى للحزب) وهو المنصب الذي أعيد انتخابها فيه في الدورة التالية، إذ مكنها ذلك من لعب دور محوري في إعادة ترتيب البيت الداخلي خلال مرحلة كانت تتسم بحدة التجاذبات وتعدد الولاءات، خاصة بعد سلسلة من الخلافات التي شهدتها قيادة الحزب بعد أن غادره مؤسسه الفعلي.
تداول القيادة داخل الأصالة والمعاصرة
بمبادرة من فؤاد عالي الهمة وعدد من المنتخبين والفاعلين المحليين، تأسس حزب الأصالة والمعاصرة في سياق اتسم بإعادة ترتيب الحقل الحزبي وتجاوز حالة التشتت التي طبعت الأداء السياسي في العقد الأول من الألفية. ومع تعيين عالي الهمة مستشارا للعاهل المغربي الملك محمد السادس في ديسمبر/ كانون الأول 2011، انتقل إلى موقع مؤسساتي جديد جعله بعيدا عن المطبخ التنظيمي للحزب، تاركا القيادة أمام اختبار المسار.
منذ ذلك الحين، تعاقب على الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة كل من محمد الشيخ بيد الله، ثم إلياس العماري الذي لم ينجح في مجاراة صعود الإسلاميين خلال انتخابات 2016، فبادر إلى تقديم استقالته فورا، ليخلفه لاحقا حكيم بنشماس، قبل أن تنتقل القيادة إلى عبد اللطيف وهبي، الذي يتولى اليوم حقيبة العدل في حكومة عزيز أخنوش، وقد فضل عدم الترشح لولاية ثانية على رأس الحزب.
ستأخذ دينامية الحزب منحى جديدا خلال مؤتمره الوطني الخامس في فبراير/ شباط 2024، حين جرى اعتماد صيغة قيادة جماعية للأمانة العامة، وأسفر عن إسناد مهمة التنسيق داخل هذه القيادة الثلاثية إلى فاطمة الزهراء المنصوري.
غير أن هذا التوازن لم يلبث أن اهتز؛ ففي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه أقدمت المنصوري على تجميد عضوية صلاح الدين أبو الغالي، بعد اتهامه بالنصب على أحد قياديي الحزب في مبلغ مالي كبير مرتبط بمعاملات تجارية تخص قطعة أرض. وبعد أزيد من شهر، انتخب المجلس الوطني على فاطمة السعدي عضوا في القيادة الجماعية خلفا لأبو الغالي، لتلتحق بالمنصوري ووزير الثقافة مهدي بنسعيد داخل هذا الثالوث القيادي.
قدّم أبو الغالي روايته حول خلافه مع المنصوري، متهما إياها بتحويل الحزب إلى “ضيعة خاصة” تتحكم فيها باعتبارات شخصية وبالاستقواء، حسب قوله، وبـ “جهات عليا”، وأوضح أنه استُدعي إلى مقر الحزب قبيل اجتماع المكتب السياسي، حيث ربطت المنصوري بين موقعه داخل التنظيم وخلافه التجاري مع أحد الأعضاء، في محاولة للضغط عليه من أجل تقديم استقالته.
زلزال الحوز وإعادة الإعمار
أيضا، تواجه المنصوري موجة انتقادات مرتبطة بتدبيرها لورش إعادة إعمار منطقة الحوز، في أعقاب زلزال الذي ضرب بقوة 6.8 درجات في سبتمبر/ أيلول 2023، وأدى إلى دمار أو تضرر حوالي 59,674 منزلا.
رغم تقديم الوزيرة لحصيلة تشمل 51 ألف مسكن جديد ومشاريع طرق وتعليم وصحة، ورغم تأكيدها أن البرنامج يسير وفق الجدول المحدد، يرى منتقدوها أن وتيرة الأشغال تظل غير متكافئة بين المناطق، وأن عددا من الأسر المتضررة لا تزال خارج نطاق التعويض وإعادة الإيواء.
ويبدو أن التباين بين الرواية الرسمية ورواية ضحايا الزلزال يعيد طرح سؤال النجاعة الحقيقية لسياسات إعادة الإعمار، ومدى قدرة الوزيرة على التواصل الفعال مع المتضررين، الذين يرون أن خطابها لا ينسجم مع واقع استمرار عشرات الأسر في الاحتجاج وتوجيه الشكايات دون تجاوب ملموس.
سيناريو المركز الثاني
بينما يتبدّى داخل الأصالة والمعاصرة شبه إجماع على أن المنصوري هي الأنسب لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، فيما يدفع أنصارها نحو وضعها في صدارة السباق إلى رئاسة الحكومة، ويروّجون لهذا السيناريو كخطوة لإحداث تطبيع تدريجي مع صعود امرأة إلى ثاني أعلى منصب تنفيذي في المملكة.
غير أن الوصول إلى هذه الغاية لن يكون سهلا، فالدستور يحدد أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، كما أن الحصول على الأغلبية المطلقة شبه مستحيل، بسبب تعددية النظام الحزبي في المغرب.
عليه، تخوض المنصوري معركتها السياسية في وقت يبرز فيه شباب مُتطلّع للتغيير والمساءلة، فإذا نجح الأصالة والمعاصرة في توحيد قواعده وتنشيط حوار مع الناخبين، قد يتمكن من ضم كتل انتخابية جديدة، لكن إذا تفاقمت الخلافات الداخلية أو أخفقت حملتها في تقديم برنامج مُقنع، فقد يجد الحزب نفسه مرة أخرى في موقع ثان.